نعم لأوكرانيا ولا لغزة.. ما رأي القانون الدولي بشأن معضلة "الدفاع عن النفس"؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

من خلال استعراض حالتي روسيا في أوكرانيا وإسرائيل في غزة، يتناول موقع "تيليبوليس" الألماني قضايا الدفاع عن النفس وفق القانون الدولي ويبحث فيما إذا كانت هذه الدول تستند حقا إلى حق الدفاع عن النفس لتبرير أعمالها العسكرية.

حيث يفيد بأن "القانون الدولي يمنح الدول الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجوم مباشر من (دولة أخرى) فقط، كما يُقيد استخدام القوة في الدفاع عن النفس بمجموعة شروط مثل ضرورة الهجوم واستنفاد الحلول السلمية".

وحسب الموقع، ادعت روسيا أن تدخلها في أوكرانيا يأتي في إطار الدفاع عن النفس وحماية مناطق دونيتسك ولوغانسك. 

بينما في الواقع هذه المناطق غير معترف بها كدول، ما يجعل مبررات روسيا غير منسجمة مع القانون الدولي، خاصة أن تدخلها لم يأت ردا على هجوم مباشر.

وفي الحالة الإسرائيلية، بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل هجوما واسعا على غزة، مدعية حقها في الدفاع عن النفس. 

لكن الموقع يوضح أن "قطاع غزة يُعد، وفق القانون الدولي، أرضا تحت الاحتلال الإسرائيلي، مما يعني أن إسرائيل لا يمكنها قانونيا ادعاء الدفاع عن النفس ضد كيان (غير دولتي) داخل أراضيها المحتلة".

قيود صارمة

في بداية التقرير، يسرد الموقع الألماني خمسة قيود قانونية صارمة تخص حق الدول في الدفاع عن النفس.

ويتمثل القيد الأول في أن "الهجوم يجب أن يكون وشيكا أو جاريا من الخارج، ولا يمكن صده إلا بالوسائل العسكرية". بالإضافة إلى أن "الهجوم يجب أن يكون واسع النطاق، وليس مجرد حوادث حدودية بسيطة".

أما فيما يخص القيد الثاني، يقول الموقع إن "الرد العسكري يكون مشروعا فقط في حالة الدفاع ضد هجمات أو تهديدات بالهجوم واضحة ومحددة". لافتا إلى أن "استخدام القوة بشكل استباقي أو ضد تهديد متنامٍ لا يندرج ضمن حق الدفاع القوي عن النفس".

وثالثا، يذكر أنه "يجب استنفاد جميع الحلول السلمية قبل اللجوء إلى الدفاع عن النفس، ويجب إثبات ضرورة ذلك وتقديم الدلائل عليه".

وبالنسبة للقيد الرابع، يشير الموقع إلى أن "الدفاع عن النفس يقتصر على استخدام الوسائل بشكل متناسب لصد الهجمات الفعلية". 

وبالتأكيد على ضرورة إبلاغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يلفت الموقع إلى أن "مسؤولية إدارة النزاع تنتقل بعد صد الهجوم إلى الأمم المتحدة ضمن إطار (الدفاع الجماعي عن النفس)".

وأخيرا، يشدد على أن "استخدام القوة للدفاع عن النفس لا يُعد مشروعا إلا إذا كانت هناك أدلة قوية تدعمه، ويجب أن تكون الأدلة قابلة للعرض علنا".

عملية عسكرية خاصة

ويسلط الموقع الضوء على ما أعلنته الحكومتان الروسية والإسرائيلية عندما هاجمت روسيا أوكرانيا وقصفت إسرائيل غزة، حيث قالتا إن "هذه الهجمات تمثل دفاعا عن النفس وتتم وفقا للقانون الدولي".

وبإلقاء نظرة أدق على الوضع، يشير الموقع إلى أنه عندما بدأت روسيا "عمليتها العسكرية الخاصة" في 24 فبراير/ شباط 2022، أبلغ ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة الأمين العام للأمم المتحدة بأن العملية العسكرية "تتم وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بممارسة حق الدفاع عن النفس". 

وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى ذلك أيضا في خطابه، بحسب ما ورد عن الموقع.

ورغم ذلك، يرى الموقع أن "التبريرات التي قدمتها الحكومة الروسية لغزو أوكرانيا لا تبرر الحرب كعمل دفاع عن النفس بموجب القانون الدولي، إذ لم يحدث أي هجوم من دولة يستدعي تدخل الجيش الروسي للرد عليه".

وفي هذا السياق، يلفت النظر إلى أن "بوتين كان قد أشار إلى اقتراب الناتو والولايات المتحدة من الحدود الروسية وصولا إلى أوكرانيا، والتي تدعي روسيا الدفاع عن نفسها ضدها". 

وأردف: "ولكن هذه الدول لم تبدأ أي هجوم على روسيا، ولا يكفي مجرد تهديد متوقع، كما ذُكر أعلاه، لتفعيل المادة 51 من الميثاق". 

"إذ يجب أن يكون الهجوم قد بدأ بالفعل حتى يصبح الدفاع المشروع عن النفس قانونيا"، كما يشدد الموقع.

لا يوجد هجوم

وبالحديث عن شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا منذ عام 2014 مع بداية الأزمة، يقول الموقع إنه "على اعتبار أنها أراضٍ روسية، كما أعلنت موسكو بعد الاحتلال والاستفتاء في 2014، فإن ضمها يُعد غير قانوني دوليا، وتعد روسيا قوة احتلال". 

جدير بالذكر هنا أن قلة من الدول هي التي تعترف بالقرم كجزء من روسيا، بينما تعدها معظم الدول والجمعية العامة للأمم المتحدة أرضا أوكرانية.

وبناء على ذلك، يؤكد الموقع أن "دفاع روسيا عن نفسها لم يكن ضد هجوم خارجي".

وفي هذا الصدد، يوضح مايكل شميت أستاذ القانون الدولي: "لا توجد أي دلائل على أن الناتو أو حتى أوكرانيا قد قرروا بدء هجوم لاستعادة القرم. علاوة على ذلك، لم تكن هناك قوات عسكرية قادرة على تنفيذ ذلك في المنطقة". 

ويتابع: "بل على العكس، أجرت روسيا والغرب سلسلة من المفاوضات حول الوضع، بينما كانت روسيا تتمتع بتفوق عسكري".

وعلى جانب آخر، يضيف الموقع أن الحكومة الروسية قدمت حجة رئيسة أخرى لتبرير غزو أوكرانيا كعمل من أعمال الدفاع عن النفس.

إذ صرح بوتين أن "روسيا تدخلت لمساعدة دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، بموجب حق الدفاع الجماعي عن النفس".

جدير بالإشارة إلى أن تلك المناطق شهدت منذ عام 2014 مواجهات متكررة بين مجموعات انفصالية والقوات الأوكرانية، وقد توقفت هذه المواجهات أحيانا بسبب اتفاقيات وقف إطلاق النار والمفاوضات. 

من يمكنه طلب المساعدة؟

وللإجابة عن هذا السؤال، ينوه الموقع أولا أن "حق الدفاع الجماعي عن النفس بموجب القانون الدولي، أي حق طلب المساعدة العسكرية من الخارج، يقتصر على الدول فقط". 

موضحا أن "الجماعات غير الحكومية أو المعارضة داخل دولة لا تملك هذا الحق لأسباب وجيهة؛ إذ إن ذلك من شأنه أن يفتح الباب واسعا للتدخلات العسكرية الخارجية في الشؤون الداخلية للدول".

وفي حالة روسيا، يذكر الموقع أن "الجمهوريتين الشعبيتين" تُعدان جزءا من أوكرانيا من قبل المجتمع الدولي، ولم تعترف بسيادتهما سوى روسيا وسوريا وكوريا الشمالية خلال الحرب في أوكرانيا.

إضافة إلى ذلك، لم تكن هناك حاجة ملحة للتدخل العسكري لأغراض دفاعية وفقا لمتطلبات القانون الدولي، إذ كانت المفاوضات بشأن الصراع مستمرة، ولم تكن هناك تدهورات في الوضع بالمنطقة عند وصول قوات حفظ السلام الروسية.

أما فيما يتعلق بهجوم روسيا على كييف ومناطق أخرى من أوكرانيا، يؤكد الموقع أنه "لا علاقة له بالدفاع عن هجمات وشيكة في المناطق المحتلة شرقا".

إسرائيل والدفاع عن النفس

وبنقل الحديث إلى ما يحدث في إسرائيل، يقول الموقع الألماني إن "الوضع يبدو مختلفا في هذه الحالة للوهلة الأولى". 

ففي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، نفذت حماس هجوما على الأراضي المحتلة، أسفر عن مقتل 1,195 شخص، من بينهم 815 مدنيا، واختطاف 251 رهينة إلى قطاع غزة، بحسب ما يدعيه الموقع.

وردا على ذلك، قصفت إسرائيل غزة ونفذت عمليات برية، مما أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 43,000 فلسطيني، 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء. 

بالإضافة إلى ذلك، أُصيب نحو 100 ألف فلسطيني، كما لا يزال هناك 10 آلاف شخص في عداد المفقودين، وفق ما ورد عن الموقع.

وفي هذا السياق، يلفت الموقع إلى أنه في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد أيام من هجوم حماس، أعلنت إسرائيل عن "حقها في الدفاع عن النفس". 

وقد أيدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا والمملكة المتحدة الرأي القائل بأن "لإسرائيل، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، حق اللجوء إلى الدفاع عن النفس".

وهنا، يزعم الموقع أنه "من الطبيعي أن تمتلك إسرائيل الحق، بل والواجب، في حماية مواطنيها داخل أراضيها". 

ومن وجهة نظره، "كان صد الهجوم المستمر مشروعا وقانونيا، لكن الجيش الإسرائيلي والحكومة فشلا في توفير هذه الحماية بشكل فعال".

مشكلة الاحتلال

وفي إطار ما ذُكر سابقا، يلفت الموقع الأنظار إلى أن "إسرائيل لا يمكنها الاستناد إلى ميثاق الأمم المتحدة في هذا السياق، لأن الميثاق لا ينطبق على هذه الحالة. خصوصا أن حكومة نتنياهو لا تستطيع الادعاء بحق الدفاع عن النفس بعد انتهاء الهجوم لبدء حرب ضد غزة".

ويستدل هنا بالنقاش القانوني الدولي، والذي يُشار فيه إلى عدة جوانب. 

إذ إن الحجة الأساسية تتمثل في أن "الهجوم لم يكن من دولة على دولة أخرى، بل كان من مجموعة مسلحة انطلقت من إقليم غزة الذي تحتله إسرائيل بشكل غير قانوني منذ أكثر من 50 عاما". 

ويشدد الموقع هنا على أن وصف هذه المجموعة بـ "الإرهابية" لا يغير من الحقائق القانونية.

وكما توضح المحامية الحقوقية نورة عريقات، أستاذة القانون في جامعة روتجرز في الولايات المتحدة، "لا يمكن لدولة أن تمارس السيطرة على منطقة تحتلها ثم تهاجمها عسكريا، مدعية أنها (دولة أخرى) وتهدد الأمن القومي".

وبحسب الموقع، تضيف فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابعة للأمم المتحدة، قائلة: "يمكن المطالبة بحق الدفاع عن النفس عندما تكون دولة مهددة من دولة أخرى، وهذا ليس الحال هنا". 

وتؤكد ألبانيزي أن "إسرائيل لا يمكنها ادعاء حق الدفاع عن النفس ضد تهديد صادر من منطقة تحتلها أو تقع تحت سيطرتها العسكرية".

هل يبرر "تحرير الرهائن" الحرب؟

وفيما يتعلق بتحرير الرهائن كـ"مبرر للحرب"، ينوه موقع "تيليبوليس" أن "غالبية الرهائن أُطلق سراحهم من خلال تبادل أو من خلال عمليات أحادية الجانب من قبل حماس، والذي يبلغ عددهم حوالي 113 رهينة".

وأضاف: "في حين من المحتمل أن عدد الرهائن الأحياء المتبقين أقل بكثير من الرهائن الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية عن طريق الخطأ خلال الحرب، هذا إضافة إلى عدد المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا أثناء محاولات الإنقاذ".

وفي هذا الصدد، ينقل الموقع أن أفراد عائلات الرهائن اتهموا نتنياهو بأنه "من خلال رفضه التفاوض يترك الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة بشكل متعمد". 

جدير بالذكر هنا أن "حكومة تل أبيب عطلت جميع السبل الممكنة لتحقيق وقف إطلاق نار يشمل إطلاق سراح الرهائن".

وفي هذا السياق، يشير إلى أن متحدثا سابقا باسم عائلات الرهائن قال إنهم "قد أُبلغوا أن حماس قد عرضت، في 9 أو 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إطلاق سراح جميع الرهائن المدنيين مقابل عدم دخول القوات الإسرائيلية إلى قطاع غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت العرض".

ازدواجية المعايير

ومن وجهة نظر الموقع، يرى الموقع الألماني أن "إسرائيل كان ولا يزال أمامها العديد من الخيارات كقوة محتلة لضمان الأمن لمواطنيها دون اللجوء إلى الحرب والعنف". 

وينقل عن ألكسندر ميلياني، من جامعة العلوم السياسية في باريس، بعض البدائل على مدونة "القانون الدولي الجنائي" قوله: "من بين التدابير الإسرائيلية لحماية المدنيين، اعتراض صواريخ حماس بواسطة القبة الحديدية وتعزيز مراقبة الحدود مع قطاع غزة، وربما إنهاء الاحتلال مع الاعتراف بدولة فلسطين". 

وفي النهاية، يخلص الموقع إلى أن "روسيا وإسرائيل لا يمكنهما الاستناد إلى حق الدفاع عن النفس وفقا لميثاق الأمم المتحدة لتبرير أفعالها الحربية". 

"ووفقا للقانون الدولي، تُعد هذه الأفعال حروبا غير قانونية وأعمالا عدوانية، تتضمن انتهاكات متكررة لقانون النزاعات المسلحة"، بحسب ما ورد عن الموقع.

وعلى جانب آخر، يشير الموقع إلى أن "دعم الدول الغربية لإسرائيل في حربها ضد غزة بالأسلحة والمال والدعم الدبلوماسي والسياسي، بينما تفرض نظاما تاريخيا من العقوبات على روسيا وتقدم دعما ماليا وعسكريا كبيرا لأوكرانيا، يُعد ازدواجية صارخة للمعايير".

ويختتم تقريره بقوله إن "المبادئ التي يجب أن يكون القانون الدولي قائما عليها عالميا تتعرض للتشويه أو حتى التدمير من خلال هذا التناقض وتلك الازدواجية"، متسائلا: “لماذا يجب على الدول الأخرى أن تلتزم بالقانون الدولي في حين أنها تُخالف الآن على الهواء مباشرة كل يوم؟”