السنغال تدفع نحو "التكامل الاقتصادي" مع موريتانيا.. هل تنجح؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

شرعت الإدارة السياسية الجديدة في السنغال في تعزيز خطوات تكاملها الاقتصادي وتعاونها الثنائي مع جارتها الشمالية موريتانيا، وسط حديث عن ملفات مشتركة متعددة وإستراتيجية.

وفي هذا الصدد، دعا رئيس الحكومة السنغالي عثمان سونكو إلى فتح الحدود بين موريتانيا والسنغال، وإزالة جميع العوائق التي تحول دون تحقيق التكامل الاقتصادي بينهما.

فتح الحدود

وأجرى سونكو في 14 يناير/كانون الثاني 2025 زيارة إلى نواكشوط، وقال في كلمة ألقاها أمام رجال الأعمال الموريتانيين والسنغاليين: "يجب أن تكون الحدود مفتوحة، وأن يكون هناك مزيد من الموريتانيين في السنغال والعكس، فالبلدان معا يمكن أن يشكلا سوقا قوية ومتكاملة".

وأضاف رئيس الوزراء السنغالي أن التعاون بين البلدين لا ينبغي أن يقتصر على الغاز وحوض نهر السنغال، بل يجب أن يشمل جميع القطاعات مثل الصيد والتنمية الحيوانية.

وشدد سونكو على أهمية تسريع وتيرة العمل المشترك بين البلدين، مشيرا إلى أن وتيرة التقدم في إفريقيا أبطأ بكثير مما يجب، وقال: "ما ينجزه الآخرون في يوم واحد، ننجزه نحن في سنة".

وانتقد سونكو تدخل القوى الغربية في شؤون القطاع الخاص في إفريقيا، قائلا: "الغربيون يمنعوننا من تطوير القطاع الخاص بينما يمارسونه في بلدانهم بأشكال مختلفة".

ودعا إلى ضرورة حماية القطاع الخاص في إفريقيا وتعزيزه ليكون قادرا على تحقيق التنمية المستدامة.

 أمانة سنغالية موريتانية

واتفقت موريتانيا والسنغال على دراسة إنشاء أمانة سنغالية موريتانية للتعاون والتنمية، كما اتفقا على تنظيم دورة سنوية للجنة الكبرى المشتركة برئاسة الوزيرين الأولين.

وجاء ذلك في البيان المشترك بين الجانبين في ختام زيارة رئيس الوزراء السنغالي لموريتانيا، ولقائه بنظيره الموريتاني المختار ولد أجاي.

وكلف البلدان سكرتيريا اللجنة المشتركة، التي يتولاها بالتناوب أحد سفيري البلدين؛ بأن تقوم بإعداد وتقديم نتائج الاجتماعات لاعتمادها من قبل قائدي البلدين.

واتفق البلدان على أهمية تكثيف اللقاءات بين الوزارات القطاعية؛ لتعزيز التعاون في مجالات محددة وتشجيع المبادرات المشتركة لخدمة التنمية.

كما بحثا مشروع الاتفاق الرامي إلى تمكين حرية تنقل الأشخاص وتسهيل شروط الإقامة والاستقرار لمواطني البلدين.

واتفق الجانبان على حصر مشروع الاتفاق المذكور في الجوانب المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص وشروط الدخول والإقامة والاستقرار في كلا البلدين.

وجددت موريتانيا التزامها بتنفيذ تعليمات الرئيس محمد ولد الغزواني المتعلقة بهذا الشأن، في أسرع الآجال، وبأن تقدم للجانب السنغالي، قبل نهاية الربع الأول من عام 2025، مشروع اتفاق منقح يتضمن، بوجه خاص، الشروط الجديدة لحصول المواطنين السنغاليين على بطاقة الإقامة.

كما اتفق البلدان على تعزيز وتفعيل اللقاءات الدورية بين السلطات الإدارية وأجهزة الدفاع والأمن الحدودية في البلدين، وعلى إنشاء إطار عملياتي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة التي تؤثر على البلدين.

لا سيما في مجالي مكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وعلى أن يقدم الجانب الموريتاني، في أقرب الآجال، إلى الجانب السنغالي مشروع اتفاق حول الهجرة.

وأشاد الجانبان بالتنسيق المثالي والإستراتيجي القائم بين الفرق التابعة للبلدين، والذي أسهم في إنجاح مشاريع قطاع الطاقة، وتجاوز جميع التحديات، ونجاح المشروع المشترك "السلحفاة أحمييم الكبير (GTA)"؛ وقد تُوّج هذا النجاح بالإعلان المشترك عن افتتاح أول بئر في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وعبرت موريتانيا والسنغال عن إرادتهما المشتركة لمواصلة وتعزيز هذا التنسيق في إطار روح التشاور الدائم والالتزام والتكامل والشراكة القائمة على المصالح المشتركة.

كما اتفقا على تكثيف الجهود للحفاظ على مصالحهما المشتركة وتعظيم الفوائد الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن المرحلة الأولى والمراحل المستقبلية لمشروع GTA.

وذلك من خلال تزويد أسواقهما المحلية بالغاز الطبيعي في إطار تنفيذ إستراتيجية "Gas-to-Power"، إضافة إلى خلق سلسلة قيمة وترقية المحتوى المحلي.

ونوه الجانبان بتوقيع بروتوكول اتفاق في 13 يناير 2025، يهدف إلى تنفيذ القواعد والآليات الخاصة بالمحتوى المحلي المطبق على مشروعGTA، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز مشاركة القطاعين الخاصين بالبلدين في تطوير سلسلة القيمة لصناعة النفط والغاز.

وغطى البيان الختامي مباحثات البلدين في العديد من المجالات كالنقل، والصيد البحري، والثروة الحيوانية.

وأشاد البلدان بإنشاء مجلس الأعمال الموريتاني السنغالي في أكتوبر 2024، فيما اتفقت وكالة APIM ووكالة APIX، بالتعاون مع القطاعين الخاصين في موريتانيا والسنغال، على تنظيم النسخة الثانية من المنتدى الاقتصادي الموريتاني - السنغالي في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025 بنواكشوط.

وأكدت الوكالتان التزامهما بتعزيز تعاونهما لتحديد مشاريع التكامل الإقليمي في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، وبالتنسيق مع القطاعين الخاصين في كلا البلدين.

مؤشرات إيجابية

تفاعلا مع هذه الزيارة، قال الصحفي المصطفى محمدن لولي، إن علاقات موريتانيا والسنغال تشهد انتعاشا ملحوظا في ظل حكم الرئيس الحالي باسيرو ديوماي فاي، بعد ركود دام لعدة سنوات من جراء أحداث 1989 الدموية، وما نجم عنها من أضرار كبيرة لدى الجالية الموريتانية في السنغال.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن من مؤشرات ذلك الزيارات الرسمية المتبادلة، حيث كانت أول زيارة خارجية للرئيس الجديد ديوماي فاي لموريتانيا، فضلا عن أنه زارها لثلاث مرات خلال سبعة أشهر.

واسترسل، "وكذلك كانت زيارة وزيره الأول عثمان سونكو رفقة معظم وزراء السيادة، وهو دليل قوي على الأهمية التي توليها السنغال لهذه العلاقة".

وشدد محمدن الولي على أن هذه الزيارات تعكس رغبة مشتركة في تعزيز التعاون وتعميق العلاقات بين البلدين.

وقال الصحفي الموريتاني إن الأواصر المشتركة التي تجمع موريتانيا والسنغال مهمة للغاية، حيث تربطهما روابط قوية ومتينة، والتي تشمل القرابة، حيث إن هناك روابط اجتماعية وقبلية عميقة بين شعبي البلدين، وتوجد أسر وعائلات مشتركة على جانبي الحدود.

وأضاف، وتشمل أيضا الدين، إذ يشترك البلدان في الدين الإسلامي، ما يُعزز التقارب والتفاهم بينهما.

واسترسل، كما يشتركان جغرافيا، عبر حدود جغرافية طويلة، ما يجعل التعاون والتنسيق في القضايا الحدودية والأمنية أمرا ضروريا.

ناهيك عن "العلاقات الروحية، حيث توجد روابط روحية وتاريخية عميقة بين البلدين، تعود إلى قرون مضت"، إضافة إلى "العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتي تمثل ركيزة أساسية في تعزيز التعاون الثنائي".

وفي هذا الجانب الاقتصادي، قال محمدن الولي، إن "الجالية السنغالية في موريتانيا تعد أكبر جالية سنغالية في الخارج، حيث تُسهم بشكل كبير في توفير العمالة في موريتانيا وخصوصا في مجالات الصيد التقليدي والمهن اليدوية".

وأردف، "ويعد حقل الغاز آحميم، الواقع على الحدود البحرية بين البلدين، مشروعا اقتصاديا مهما يُمكن أن يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية في كلا البلدين. وقد تم توقيع اتفاقيات بين البلدين لتنظيم استغلال هذا الحقل بشكل مُشترك".

وتابع المتحدث ذاته، كما أن "قطاع الصيد يعد من القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تُساهم في تعزيز التعاون بين موريتانيا والسنغال، حيث توجد اتفاقيات بين البلدين لتوفير رخص للصيد في المياه الإقليمية الموريتانية للبحارة السنغاليين".

وتوقف محمدن الولي عند "التبادل التجاري بين البلدين، والذي يشهد نموا مُطردا في مختلف السلع والمنتجات".

وبشكل عام، يقول الصحفي الموريتاني، إن "العلاقات الموريتانية السنغالية تشهد تطورا إيجابيا في مختلف المجالات، وهناك إرادة سياسية قوية لدى قيادتي البلدين لتعزيز هذه العلاقات وتطويرها بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين".

تعاون مستمر

بعد أسبوعين من فوزه بالرئاسة السنغالية، قرر باسيرو ديوماي فاي أن تكون موريتانيا هي أول وجهة خارجية له بعد تنصيبه نهاية مارس/آذار 2024.

حيث استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني نظيره السينغالي الخميس 19 أبريل/نيسان 2024، وسط احتفاء إعلامي كبير بالزيارة ودلالاتها السياسية.

حيث قال الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية إن حرص الرئيس السنغالي على أن "تكون موريتانيا أول بلد خارجي يزوره يعبّر عن عمق العلاقة الأخوية بين البلدين".

وأوضح الوزير في مؤتمر صحفي وقتئذٍ، أن العلاقات بين موريتانيا والسنغال "تشمل جميع ميادين الحياة، كالصيد والغاز والمناطق الرعوية، فضلا عن العلاقات الروحية بين الشعبين"، في إشارة إلى الروابط الدينية التي تتمثل في المذهب المالكي والطرق الصوفية.

أما الوكالة الموريتانية للأنباء، وهي الوكالة الرسمية التي تتحدث باسم السلطات، فقد نشرت تقريرا بالتزامن مع وصول الرئيس السنغالي قالت فيه إن زيارته "تندرج ضمن مسار طويل من الأخوة والصداقة والتضامن والتعاون".

وشدد التقرير على أن البلدين لديهما "رغبة مشتركة وواضحة" في العمل على "بناء مستقبل أفضل عبر مسار تنموي مبتكر، يضع في الحسبان، وبشكل ضروري لا مفر منه اليوم – تعزيز التعاون الثنائي لجعل موريتانيا والسنغال محركا للازدهار في المنطقة".

وفي السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، اختتمت اللجنة المشتركة الكبرى للتعاون بين موريتانيا والسنغال، والتي شهدت التوقيع على عدد من الاتفاقيات.

وتمخضت الدورة الثالثة عشرة للجنة التعاون الكبرى الموريتانية السنغالية عن عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في عدة مجالات، أمضاها وزير الشؤون الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، ونظيرته السنغالية وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية، ياسين فال.

ومن هذه الاتفاقيات، مشروع اتفاق مؤطر للتعاون في مجال التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة، ومشروع اتفاق تعاون في مجال التجارة، ومشروع اتفاق تعاون في مجال المعلومات ووسائل الإعلام والتكوين على الحرف والإعلام والاتصال.

 إضافة إلى مشروع بروتوكول اتفاق تعاون في مجال الوظيفة العمومية والعمل، ومشروع اتفاق إطار للتعاون في المجال الرياضي، ومشروع اتفاق يتعلق بشروط الدخول والإقامة بالنسبة للأشخاص والممتلكات، ومشروع اتفاق يتعلق بالخدمات الجوية.

ووقع السفيران الموريتاني المعتمد في داكار، والسنغالي المعتمد في نواكشوط، كذلك، مذكرة تفاهم في مجال محاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين.

وبرنامج تعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ومذكرة تفاهم في مجال الانتجاع، واتفاق تعاون في مجال الصحة الحيوانية والصحة العامة البيطرية والإنتاج الحيواني.

وأكدت وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية أن "فترة طويلة قد مرت على لجنة التعاون دون أن تجتمع، إلا أن اللجنة عوضت، حسب قولها، كل ما فات من وقت، من خلال تحديث آفاق شراكتنا الإستراتيجية في قطاعات حيوية لتنمية بلدينا".

وحثت "الإدارات في موريتانيا والسنغال، على التحلي بالصرامة والجدية في تنفيذ الاستنتاجات الواردة في محضر هذه اللجنة".

وأكد وزير الشؤون الخارجية الموريتاني، محمد سالم مرزوك، أن "دورة لجنة التعاون مكنت من إجراء تقييم شامل وتحيين لوضعية العلاقات الثنائية التي تغطي قطاعات متنوعة من التعاون الثنائي".

وأكد أن "كل الأسباب تدعو لأن يكون هذا التعاون مثاليا"، ويرى أن ما تمخضت عنه هذه الدورة من قرارات وتوصيات هامة يشكل رافعة قوية تعطي دفعا جديدا للعلاقات الأخوية وللصداقة الممتازة بين بلدينا".

وشدد الوزير على "استعداده الكامل لتطبيق كل ما تم اتخاذه من قرارات وتوصيات سبيلا للرقي بالتعاون الموريتاني السنغالي إلى أعلى المستويات".

وبرهنت دورة اللجنة المشتركة الموريتانية السنغالية أن البلدين الجارين قد تمكنا من تجاوز آثار أزمات سابقة من أشدها أزمة 1989، التي كادا خلالها أن يدخلا في مواجهة عسكرية مباشرة.

قراءة سنغالية

من جانبه، أكد المحلل السياسي السنغالي عبد الأحد الرشيد، وجود جهود مشتركة كبيرة لتعميق علاقات موريتانيا والسنغال، حيث شمل التعاون الثنائي جميع المجالات الاقتصادية والبنية التحية والزراعة والرعي والصيد وقضايا الحدود والهجرة وغيرها.

وقال الرشيد لـ "الاستقلال"، إن رئيس الوزراء السنغالي يدعو للتكامل الإفريقي، ولذلك تولي حكومته اهتماما كبيرا بعلاقاتها مع الدول المجاورة، وخاصة مالي وغامبيا وغينيا بيساو والمغرب ونيجيريا وغانا وغيرها.

وذكر المحلل السياسي أن الملفات الاقتصادية هي الطاغية على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء السنغالي لموريتانيا، خاصة أن البلدين يشتركان في حقل حدودي للغاز، وهو مهم للبلدين.

وتابع، حيث إنه ولأول مرة في العالم نرى دولتين تشتركان في حقل واحد دون أي إشكال، وبشكل توافقي، وذلك بعد عقد اجتماعات وتوافقات في هذا المستوى.

ونبه الرشيد إلى أن كل الخلافات التي تقع في هذا المجال لن تكون جوهرية، إذ هناك سعي حثيث لأجل الاستفادة المتبادلة من كل الفرص المتاحة أمام البلدين.

وذكر المحلل السياسي أن الاتحاد الإفريقي أمامه ملفات سياسية ساخنة، خاصة ما يتعلق بالأوضاع السياسية المضطربة في دول غرب إفريقيا.

وأشار إلى أن الرئيس السنغالي يقوم بدور الوساطة في عدد من هذه الملفات، والرئيس الموريتاني بدوره يرأس حاليا الاتحاد الإفريقي، وهذا يعزز التشاور الثنائي بخصوص هذه القضايا والملفات الإقليمية.

وقال الرشيد: إن ظاهرة الهجرة غير النظامية تشكل تحديا للبلدين، وهذا يستدعي تعاونهما في الملف الذي يشكل عبئا كبيرا على حكومتي البلدين، ولذلك تم وضع خطة ناجعة لحل هذه المشكلة، وذلك بالتعاون مع الحكومة الإسبانية.

وبخصوص موضوع الطاقة، رأى الرشيد أن هذا الموضوع جوهري لجميع الدول الإفريقية، ولذلك تنخرط موريتانيا والسنغال في مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، وهو مشروع ضخم.

وخلص إلى أن "هذا محور تعاون موريتاني سنغالي أيضا، نظرا لأهمية قطاع الطاقة والكهرباء ليس للبلدين فقط، بل لأوروبا أيضا".