مر عليه أكثر من عام ونصف.. ما مستقبل الصراع في السودان؟

فشلت محاولات التوسط لوقف إطلاق النار حتى الآن
يستمر الاقتتال في السودان بين الفصائل المتناحرة منذ أكثر من عام ونصف العام، فيما تهدد المجاعة البلاد التي تعاني أوضاعا صحية كارثية وآثارا جانبية شديدة لتغير المناخ.
وفي تطرقه إلى السيناريوهات المحتملة لتطور الحرب بين القوات النظامية ومليشيا الدعم السريع قال معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي إن "السودان، الذي يزيد عدد سكانه عن 50 مليون نسمة، يواجه واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية حدة في العصر الحالي".
وفي 15 أبريل/نيسان 2023، تفجرت التوترات بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، إلى اشتباكات مسلحة.

صراع مدمر
وحاليا، تسيطر القوات النظامية ميدانيا على منطقة جنوب شرق البلاد، في ولايات النيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار والقضارف وكسلا.
إلى الشرق، يتركز نفوذها جزئيا في ولاية النيل والبحر الأحمر حول مدينة بورتسودان، حيث نقلت مقرها الرئيس وحافظت أيضا على الوصول إلى البحر والولاية الشمالية.
على الطرف المقابل، تسيطر قوات الدعم السريع على مناطق تمتد إلى الجنوب الغربي ووسط البلاد، في ولايات غرب ووسط وجنوب وشرق دارفور وشمال وغرب كردفان والخرطوم والجزيرة.
وتحدث الاشتباكات الرئيسة في المناطق الأكثر كثافة سكانية مثل العاصمة الخرطوم، وفي مدينتي الأبيض (شمال كردفان) والفاشر (في جنوب شمال دارفور)، وقد شهدت تدخل الجماعات شبه العسكرية المحلية.
كما أن هناك مناطق غير آهلة، لا تشملها الاشتباكات ولا يطالب بها أي طرف بسبب الصحراء وندرة الموارد الطبيعية، خاصة المياه، وتشمل هذه المنطقة معظم الولايات الشمالية وشمال دارفور ونهر النيل والبحر الأحمر.
وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 7 ملايين من النازحين داخليا يعبرون الحدود بين الخرطوم والجزيرة باتجاه كسلا والقضارف.
ويعبر اللاجئون من وسط دارفور باتجاه تشاد ومن شرق دارفور وجنوب كردفان باتجاه جنوب السودان، فيما يحتاج ما لا يقل عن نصف السكان إلى المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.
يلاحظ المعهد أن القتال الشديد يحدث في ولايات الخرطوم والجزيرة، حيث تلتقي روافد النيل، النيل الأبيض، النيل الأزرق.
علاوة على ذلك، فإن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة لا تتبع مسار النيل في شمال البلاد فحسب، بل تتبع أيضا طرق الوصول الوطنية الرئيسة.
وتمكنت مليشيا الدعم السريع من بسط سيطرتها على حقول النفط وعزل طرق الإمداد في شمال وغرب كردفان، مما أثر سلبًا على النسيج الاقتصادي الوطني والمساعدات الإنسانية التي تقدمها القوات المسلحة.
وصف المعهد الإيطالي الوضع في السودان بالمأساوي للغاية خاصة أن مجلس الأمن كان قد صوت في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2023 لصالح إنهاء مهمته في البلاد.
في الأثناء، فشلت محاولات التوسط لوقف إطلاق النار حتى الآن من قبل الولايات المتحدة والسعودية المهتمتين بإنهاء الأعمال القتالية.
وتهتم الدولتان بالأمر لأنه مرتبط بالحاجة الأوسع إلى الاستقرار في بلدان مثل إريتريا والصومال وجيبوتي ومصر والسعودية نفسها، إلى جانب السودان.
وكذلك اليمن الذي يطل على البحر الأحمر؛ حيث يمر 30 بالمئة من نقل الحاويات البحرية العالمية.
واستنكر المعهد أن تدخل دولة الإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع يؤدي إلى إطالة أمد عدم استقرار الصراع الداخلي في السودان.

التطورات المحتملة
وبدوره، قدم “مشروع النزاع المسلح وبيانات الأحداث” فكرة عامة كاملة عن الصراع اليوم وحاول التنبؤ بالتطور المحتمل للاشتباكات.
وأشار المشروع الذي تشرف عليه ACLED وهي منظمة دولية مستقلة تجمع البيانات عن الصراعات العنيفة والاحتجاجات، إلى أن الأزمة السودانية تأتي في المرتبة الثامنة لأكثر النزاعات تطرفا في مؤشر الصراع العالمي في يوليو/تموز 2024.
ويأتي الصراع في السودان بعد الحروب في فلسطين وميانمار وسوريا والمكسيك ونيجيريا والبرازيل وكولومبيا.
وتدهور الأمر مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني 2024، حيث يقع هذا الصراع في المركز العاشر، وهو ما يشير إلى انتشار أوسع للاشتباكات في البلاد.
علاوة على ذلك، شهدت سنة 2024 زيادة غير مسبوقة في حوادث العنف ضد المدنيين مقارنة بـ 2023، العام الذي اندلعت فيه الحرب، وقد أدى ذلك إلى تأسس مجموعات شبه عسكرية محلية تزيد من تفكك البلاد.
المناطق الأكثر تضررا من الصراع في المرحلة الحالية هي الخرطوم والجزيرة لأسباب سياسية وبسبب التقاء أهم موارد المياه في البلاد، وشمال دارفور خصوصا مع تقدم قوات حميدتي نحو مدينة الفاشر.
وفي الأشهر الستة المقبلة، يضع المعهد احتمالا كبيرا لتوسع الاشتباكات من الخرطوم والجزيرة حيث يمكن أن يشتد حصار قوات الدعم السريع إلى ولاية النيل الأبيض المجاورة.
ويتوقع كذلك حدوث تصعيد في شمال دارفور في ظل سعي المليشيا المدعومة من الإمارات إلى السيطرة على الفاشر وكذلك تداعيات العنف غير المسبوق ضد السكان المدنيين على النسيج الاجتماعي الهش لجبهة جنوب غرب السودان.
ويرجح أن تؤدي التوترات بين الجماعات شبه العسكرية المحلية المسلحة إلى انقسام ملموس بشكل تدريجي لمناطق السيطرة أو حتى ظهور مناطق "منزوعة السلاح" جديدة.
فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، فإن الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الدعم السريع على الخرطوم ودارفور قد يمنع الوصول إلى الأشخاص المحتاجين بسبب عزل طرق الإمداد وانخفاض عدد القوافل التي ترسلها القوات المسلحة.
وستظل المنظمات غير الحكومية القليلة النشطة على المستوى المحلي تعمل على المدى المتوسط والطويل لكنها ستكون أمام حتمية التعامل مع شح الموارد المائية والطاقية والصحية والغذائية بسبب المجاعة والكوارث البيئية الأخيرة.
وعن تدخل الأطراف الخارجية بالصراع، أشار المعهد إلى أن تشاد قد تضطر إلى الاختيار بين تقديم الدعم لمليشيا الدعم السريع أو للسكان غير العرب ضحايا الاعتداءات الفظيعة، بسبب الضغوط الداخلية الناجمة عن تدفق اللاجئين الذي يزعزع استقرار البلاد والصدى الإقليمي والدولي لأحداث دارفور.
علاوة على ذلك، لا يستبعد اندلاع خلاف مستقبلي في شمال السودان بشأن تقسيم السيطرة على مياه النيل، يشمل أيضًا إثيوبيا ومصر بسبب الخلافات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي خاصة في حالة نقص التزود بالمياه محليا.
وهو ما قد يدفع اللاجئين لعبور الحدود السودانية الشمالية إلى الأراضي المصرية أو الإثيوبية بأعداد كبيرة.
وأشار المعهد إلى احتمال تدخل جهات فاعلة مثل تنظيمي الدولة والقاعدة في الصراع لا سيما في ظل رغبتهما بتوسيع نفوذهما خارج مناطق السيطرة ما قد يؤدي إلى حالة فوضى لا يمكن التحكم فيها.