معاناة متضرري زلزال المغرب.. كيف رفعت سهام الغضب ضد حكومة أخنوش؟

“شعار الدولة الاجتماعية أكذوبة فضحها زلزال الحوز”
مقارنة بزلزال تركيا وفيضان سد درنة بليبيا، حيث تم تعويض المتضررين وإعادة إسكانهم بشكل لائق وفي ظرف وجيز، ما يزال متضررو زلزال 8 سبتمبر/أيلول 2023 في المغرب يعانون من البرد والشتاء وحرارة الصيف دون أي تدخل حكومي، مما أثار غضب الرأي العام.
وفي 8 سبتمبر 2023 ضرب زلزال بقوة 7 درجات مدنا بينها مراكش والحوز وشيشاوة ووارززات (وسط) وتارودانت (جنوب)؛ مخلفا آلاف الضحايا ودمارا ماديا كبيرا، بحسب وزارة الداخلية المغربية.
ووفق إحصاءات رسمية، بلغ عدد المتضررين من الزلزال آنذاك 2.8 مليون نسمة، فيما بلغ عدد القرى المتضررة 2930، ما يمثل ثلث قرى المنطقة.
أوضاع مأساوية
وأعلنت مجموعة من الفعاليات النقابية والجمعوية عن مسيرة وطنية بمدينة مراكش في 20 أبريل/نيسان 2025، للتنديد بما وصفته بـ"التباطؤ غير المبرر" في تنفيذ مشاريع الإعمار، وعدم وفاء السلطات بالتزاماتها تجاه المتضررين.
وسجَّلت الفعاليات في بيان، أن "العديد من الأسر ما تزال تواجه أوضاعا مأساوية؛ حيث تفتقر مناطق واسعة إلى الخدمات الأساسية، من ماء وكهرباء وتعليم وصحة، في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على السكان".
كما انتقد البيان ما عدّه "غيابا للشفافية" في تدبير ملفات الإعمار، وغياب تواصل فعال بين الجهات المسؤولة والمواطنين؛ مما يفاقم حالة الإحباط واليأس في صفوف الضحايا.
من جانبها، أعلنت "التنسيقية الوطنية لضحايا الزلزال" عن مشاركتها في المسيرة، دعما لضحايا الزلزال، وتضامنا مع المعتقل سعيد أيت مهدي، ومرافقيه.
وفي 4 مارس/ آذار 2025، قضت محكمة الاستئناف بمراكش، برفع عقوبة الناشط المدني المعروف بدفاعه عن متضرري الزلزال أيت مهدي إلى سنة حسبا نافذا.
فيما أكدت جمعيات حقوقية أن الحكم عليه "يأتي بسبب نشاطه ودفاعه عن المتضررين من الزلزال".
ودعت “التنسيقية الوطنية” في بيان إلى الحضور والمشاركة في المسيرة، والدفاع عن حق المتضررين المشروع في السكن اللائق، والتعويضات لإعادة تشييد منازلهم وإنهاء معاناتهم التي طال أمدها.
وذكرت أنه بعد سلسلة من المسيرات والوقفات الاحتجاجية السلمية، وتقديم الآلاف من الشكايات للجهات المعنية من أجل تسوية ملفات الأسر المحرومة من الدعم، والتعويضات، والالتزام بتنفيذ ما جاء في بلاغ الديوان الملكي الصادر في 14 سبتمبر/ أيلول 2023، إلا أن "هذه المطالب قوبلت بالتماطل واللامبالاة".
وأردفت: "كما قوبلت المطالب بسياسة التهديد والوعيد لتكميم الأفواه وتقييد حرية الرأي والتعبير، ومن ذلك الحكم على أيت مهدي بسنة سجنا نافذة، والحكم على ثلاثة آخرين بأربعة أشهر سجنا نافذة لمطالبتهم الاستفادة من اللوحات الشمسية".
فشل حكومي
وقال المحامي وعضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان السابق، رضا بوكمازي، إن "طريقة تعامل الحكومة مع ضحايا زلزال الحوز هي صورة جلية لفشل السياسات العمومية والشعارات المرتبطة بتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية".
وأضاف بوكمازي لـ"الاستقلال"، أن "المؤسسات التي استطاعت أن تهدم ملعبا كبيرا بالعاصمة الرباط وأن تشيد ملعبا جديدا في نفس المكان وفي ظرف قياسي، هي نفسها لم تستطع أن تضمن الحق في السكن لأناس تعرضوا لكارثة طبيعية لا حول لهم بها ولا قوة".
واسترسل: "سرعات التنمية في بعض المجالات الترابية والتي تحقق جودة الحياة بها، تقابل في مواقع كثيرة أخرى بتوقف قطار الخدمات الأساسية، بل أحيانا بتراجع الوضع الذي كانت عليه تلك الخدمات".
وذكر بوكمازي أن "بوصلة الأولويات تعرف خللا كبيرا، ومع كامل الأسف هذا الخلل يصاحب بتضييق على الحق في الاحتجاج والتعبير عن رفض حالة الإهمال التي يعيشها من تضرروا من هذا الإهمال".
وأشار البرلماني السابق إلى أن "وزيرة التعمير والإسكان فاطمة الزهراء المنصوري، هي نفسها عمدة مدينة مراكش، ولا تفصلها عمن يعيشون لأكثر من سنة في الخيام إلا مسافة بسيطة، ومع ذلك لم تزرهم ولم تكترث بمعاناتهم".
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، عبد الحفيظ اليونسي، إن "الملك محمد السادس عقد ثلاث جلسات عمل بتاريخ 9 و14 و20 سبتمبر 2023 خصصت لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز".
وأضاف اليونسي لـ"الاستقلال"، أن “بعدها تم الإعلان في بلاغ الديوان الملكي عن ميزانية توقعية إجمالية تقدر بـ120 مليار درهم، أي حوالي 12 مليار دولار، لإعادة إعمار المناطق المتضررة، على مدى خمس سنوات”.
واسترسل: "كما عقد رئيس الحكومة 13 اجتماعا للجنة البين-وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، كما تم إحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير (مؤسسة عمومية) وتعيين مديرها العام".
وتابع اليونسي: "كما يقدم الوزراء المعنيون بالملف عروضا وتقارير في كل مناسبة خصوصا أثناء مناقشة قوانين المالية".
ولفت إلى أن “السلطات لا تسمح بمبادرات مجتمعية مواطنة (أفراد وجمعيات) للقيام بعمليات البناء لدواعٍ بيروقراطية”، ويرى أن “هذا المنع هو نتيجة العلاقة بين الضبط والعجز، ضبط المجال والعجز عن القيام بوظيفة الدولة التوزيعية”.
واسترسل: "ثم هناك أناس طيبون وبسطاء لا يعرفون للاحتجاج طريقا، إذ إن تربيتهم تتمحور حول القناعة والصبر وتدبير الندرة، ثم حبس من تجرأ منهم عن الاحتجاج والمطالبة بحقه الدستوري في السكن والعيش الكريم".
الخلاصة، وفق الأستاذ الجامعي، أنه "أمام معاناة الناس وانعدام حلول ناجعة وفاعلة، فإن تدبير ملف زلزال الحوز هو عنوان فشلنا الجماعي"، مشددا على أن "منطق التدبير في السياسة العامة والعمومية يحتاج إلى مراجعة عاجلة".
تفاعلات غاضبة
تفاعلات مجتمعية واسعة خلفها هذا الوضع الذي تعانيه الساكنة المتضررة من الزلزال، خاصة في ظل موجة البرد والأمطار والثلوج التي عرفها المغرب في هذه الفترة.
وفي هذا الصدد، أكد الإعلامي أشرف بلمودن، أن "شعار الدولة الاجتماعية الذي يرفعه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، هو أكذوبة فضحها زلزال الحوز".
وأضاف بلمودن في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك" في 9 مارس 2025، أنه "بينما يعيش آلاف المنكوبين في الحوز تحت رحمة البرد القارس والعواصف، يواصل رئيس الحكومة الترويج للوهم، متحدثا عن إنجازات لا وجود لها إلا في الخطابات الرسمية".
واسترسل: "وعود جوفاء، تدابير متعثرة، وواقع يُكذّب كل الشعارات البراقة التي تُسوّق كإنجازات عظيمة"، مؤكدا أن المطلوب هو "قرارات حاسمة تضع حدا لمعاناة الذين فقدوا كل شيء.. كان المنتظر تحركا فوريا، لا التلكؤ والمماطلة؛ لأن الزمن عامل حاسم".
ورأى أن "الحكومة اختارت أن تدير الأزمة وكأنها ملف إداري روتيني، وليس مأساة إنسانية تستوجب تدخلا عاجلا ومُحكما، فلا خطط واضحة، ولا آليات فعالة، ولا حتى اعتراف بحجم الفشل الذريع في تدبير الوضع".
وشدد بلمودن على أن "المأساة هنا تتجاوز الكارثة الطبيعية نفسها؛ إذ إنها شهادة حية على استهتار الحكومة وإخفاقها في التعامل مع الأزمات".
من جانبه، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، إنه "لا يمكن لبلادنا أن تتقدم إلا باعتماد خطاب الوضوح والصراحة، دون تملق ولا مزايدة".
وأضاف الغلوسي في تدوينة على "فيسبوك" في 11 مارس 2025، أن "الوضوح يقتضي أن نثير انتباه المسؤولين إلى معاناة ضحايا الزلزال، معاناة وجراح استمرّت طويلا وتعمقت مع التقلبات المناخية من برد وأمطار وثلوج".
وشدد على أن “السكان هناك يعيشون مأساة حقيقية”، معتبرا أن “الواقع يؤكد أن شعارات التنمية والاهتمام بالعالم القروي لا أثر لها على حياة المتضررين”، داعيا إلى "تحرك عاجل لمعالجة الأوضاع قبل أن ينفد صبر الناس".
بدوره، قال رئيس مركز “أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية”، محمد بودن، إنه "لا ينبغي ترك الفئات المتضررة من زلزال الحوز تشعر بأن الاهتمام بقضيتها يتضاءل؛ لأن هذا يتنافى مع القيم المغربية الأصيلة.".
وأضاف بودن في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك: "لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر إذا أدار ظهره للفئات الأكثر تضررا وهشاشة".
بيانات متعددة
وشهدت الساحة السياسية المغربية إصدار العديد من البيانات المنددة بأوضاع متضرري زلزال الحوز، ومن ذلك بلاغ صادر عن "الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان"، والذي عبر عن قلقه البالغ إزاء التطورات المتعلقة بوضعية متضرري زلزال الحوز بإقليم تارودانت.
وأضاف الائتلاف الحقوقي، "لا يزال عدد كبير من المواطنين يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية، نتيجة فقدانهم مساكنهم وانعدام البدائل السكنية اللائقة، في انتهاك واضح للحق في السكن الملائم".
وسجل الائتلاف الذي يتكون من 20 هيئة حقوقية، استمرار شكاوى المتضررين، من وجود خروقات خطيرة شابت عمليات إحصاء الضحايا ودراسة ملفاتهم؛ حيث تم إقصاء عدد كبير من العائلات، رغم تقديمهم وثائق تثبت الضرر الكلي الذي لحق بمساكنهم.
واسترسل: "وذلك بسبب تقارير أعوان السلطة داخل اللجان المعنية، مما يعد إجحافا في حق الضحايا، وخرقا لمبادئ العدالة والشفافية التي ينبغي أن تؤطر عمليات الدعم وإعادة الإعمار".
وأكد البلاغ، أن "السلطات الإقليمية تواصل رفضها فتح قنوات تواصل فعالة مع ممثلي المتضررين، بمن فيهم التنسيقية الوطنية لمتضرري زلزال الحوز، رغم مطالباتهم المتكررة بعقد لقاءات مع المسؤولين".
وطالب "الائتلاف المغربي" بلجنة تحقيق برلمانية لفتح تحقيق مستقل ونزيه في شبهات الفساد والتمييز التي شابت برنامج إعادة الإعمار، وذلك انسجاما مع مبدأ عدم الإفلات من العقاب المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية، وحرصا على ضمان حق المتضررين في الإنصاف والعدالة.
من جانبها، عبرت "شبيبة اليسار الديمقراطي"، عن "قلقها العميق ورفضها القاطع للتطورات السلبية المقلقة في مجال الحقوق والحريات بالمغرب".
وأشارت شبيبة اليسار الديمقراطي في بيان إلى "رئيس تنسيقية ضحايا زلزال الحوز، الذي كان يطالب بتعويضات مناسبة للمتضررين، بالإضافة إلى مجموعة من النشطاء في تنسيقية ضحايا فيضانات مدينة طاطا...".
وتابع البيان أن "كل هؤلاء كانوا قد رفعوا أصواتهم للمطالبة بحقوق أساسية، فكان الرد عليهم بالاعتقال والقمع، في رسالة واضحة للتضييق على حرية إبداء الرأي وتبني المواقف تجاه مختلف القضايا الاجتماعية بشكل حر".
تساؤلات برلمانية
ودعا عدد من أعضاء البرلمان، خاصة من أحزاب المعارضة، الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها في معالجة الأوضاع بمنطقة الزلزال ووقف معاناة الساكنة.
وفي هذا الصدد، قالت عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ربيعة بوجة، إن ضحايا زلزال الحوز “يعيشون شتاءهم الثاني وهم يتجرعون المرارة والألم بسبب الحالة المزرية التي آلت إليها أوضاعهم”.
وأوضحت بوجة، وفق موقع “العدالة والتنمية” في 13 مارس 2025، أن الضحايا "يقطنون داخل خيام مغطاة بالبلاستيك، تفتقر لشروط السلامة الصحية والكرامة الإنسانية، وسط موجة من الصقيع والبرد القارس بسبب قساوة الطقس".
ونبَّهت في سؤال شفوي لوزير الداخلية إلى أنه، “ورغم كل الاحتجاجات التي قام بها هؤلاء المواطنون العزل الذين شدوا الرحال إلى العاصمة الرباط ليوصلوا شكواهم أمام البرلمان، ورغم إثارة التنبيهات المتتالية من قبل نواب الأمة حول غياب الحكامة في تدبير هذا الملف، تستمر معاناتهم مع الأسف الشديد ويسوء وضعهم”.
بدورها، رأت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن هذه التساقطات كشفت بوضوح "فشل الحكومة في التدبير والتسيير، وتحديدا فيما يخص إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز".
وقالت التامني، لموقع “صوت المغرب” في 10 مارس 2025، إنه “لم تعد الكلمات تكفي لوصف وضع المتضررين وظروفهم المأساوية، سواء على مستوى انتقاد الحكومة التي لم تتخذ خطوات عملية لتحسينه، أو على مستوى معاناة الضحايا الذين لا يزالون يعيشون في خيام مهترئة بعد مرور 18 شهرا على الزلزال”.
وأشارت إلى أن "هذا الوضع غير مقبول، إذ إن الأسر والأطفال والنساء في جبال الأطلس يعيشون مآسي حقيقية تحت الخيام"، منبهة إلى أن "معاناتهم مازالت مستمرة في الوقت الذي تم فيه رصد ميزانية لتدبير أزمة الزلزال، وإحداث صناديق دعم، وجمع تبرعات مهمة".
ولفتت إلى أن "المغرب يسير بسرعتين متناقضتين مع الحكومة الحالية، مضيفة "نتحدث اليوم عن بناء ملاعب رياضية بمواصفات عالمية، وعن أكبر ملعب في العالم، بينما يعيش ضحايا الزلزال في خيام".
ورأت التامني أن "تأخر الحكومة في إعادة متضرري زلزال الحوز إلى منازلهم يدل على التقاعس، وغياب الإرادة السياسية"، مستنكرة ما صاحب ذلك من اختلالات وفق مراقبين، والتي من بينها "خروقات تتعلق بنهب المال العام، واستغلال الضحايا".