دحلان والشيخ وفرج.. من يعمل مع إسرائيل لقيادة غزة بعد العدوان؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

أدى الجدل الدائر حول قضية "اليوم التالي للحرب" على غزة وهوية الجهة أو الجهات التي يتوجب أن تتولى زمام الأمور في القطاع، إلى بروز الكثير من محاور الخلاف داخل إسرائيل.

فضلا عن وجود تباين بشأن هذه القضية بين الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية التي تنتظر هزيمة حركة المقاومة الإسلامية حماس.

فسلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه غير معني تماما بنقاش أو حسم مسألة اليوم التالي لقطاع غزة؛ لأنه غير معني ببساطة بانتهاء الحرب لدواع سياسية داخلية. 

ابتزاز نتنياهو 

فالقوى اليمينية المتطرفة التي تشارك في الائتلاف الحاكم، وتحديدا حزب "القوة اليهودية" برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير و"الصهيونية الدينية" بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ترى وجوب أن تحكم إسرائيل سيطرتها المدنية والعسكرية على غزة وتهيئة الظروف لاستعادة المشروع الاستيطاني فيها.

وقد عبر قادة هاتين الحركتين تصريحا وتلميحا بأنهم يرون أن الحرب على قطاع غزة يجب أن تفضي إلى تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين هناك إلى الخارج. 

ويرفض سموتريتش وبن غفير بشكل جارف مناقشة مستقبل قطاع غزة، ويجاهرون بكل قوة بعدم السماح لأي طرف فلسطيني بحكم القطاع، حيث يهددان بالانسحاب من حكومة نتنياهو؛ في حال لم يحترم موقفهما هذا.

وهذا بالضبط، ما يجعل نتنياهو معنيا بإطالة أمد الحرب لأبعد مدى لتجنب الخوض في مسألة مستقبل حكم قطاع غزة.

فنتنياهو يعي أنه في حال انسحب حزبا "القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" من ائتلافه فسيسقط، مما سيجعله في مواجهة المحاسبة؛ بسبب فشله في إحباط عملية "طوفان الأقصى".

 فضلا عن أن انهيار حكومته ومغادرته السلطة سيوفر بيئة سياسية ستسمح بزيادة وتيرة محاكمته في قضايا الفساد الخطيرة، وهي المحاكمة التي يمكن أن تسفر عن صدور حكم بالسجن عليه لمدة طويلة.

ومن الواضح أن نتنياهو يحظى بدعم كبير من الجمهور الإسرائيلي لمواصلة الحرب على القطاع، وعلى تأييد معظم قادة حزب "الليكود" الذي يقوده.

في المقابل، فإن قادة حزب "المعسكر الرسمي" الذي يقوده عضو مجلس الحرب الوزير بني غانتس يرى أنه يتوجب الشروع في حسم مسألة "اليوم التالي" وتوفير ظروف تسمح بتمكن جهة فلسطينية أو عربية أو دولية لتحل محل حركة حماس في قطاع غزة.

وحسب منطق غانتس، الذي تدعمه مراكز التفكير ومعظم وسائل الإعلام، فإنه في حال لم يتم الآن التوافق على الجهة التي يتوجب أن تتولى زمام الأمور في قطاع غزة بدل حماس، فإن هذا سيفضي إلى تهاوي "الإنجازات" التي حققها جيش الاحتلال حتى الآن في حربه في القطاع.

وهو ما يستدعي من هذا الجيش معاودة اقتحام مناطق في القطاع سبق أن نفذ فيها عمليات برية، كما حدث في حي "الزيتون" ومعسكر "جباليا" أخيرا.

وهذا الأمر ينطوي على إيقاع خسائر كبيرة في جنود الاحتلال، كما حدث في اقتحام حي "الزيتون" شرق مدينة غزة.

ومما يعزز من ثقل الموقف الذي يتبناه غانتس حقيقة أن قيادة جيش الاحتلال تتبناه.

إذ إن رئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هليفي حرص على تسريب محضر لقاء عقده أخيرا، انتقد فيه بشدة تلكؤ نتنياهو في بحث مسألة "اليوم التالي" وعدم حسمه بشأن قضية الطرف الذي يتوجب أن يحمل مكان حماس في حكم القطاع.

 فكما نقلت "قناة 13" العبرية أن هليفي حذر صراحة من أن "إنجازات الجيش تذهب سدى لعدم وجود جهة جاهزة لتولي حكم القطاع".

ليس هذا فحسب، بل إن الأطراف الإسرائيلية التي تطالب بحسم موضوع "اليوم التالي" وتحث على وجود بديل لحكم حماس، تلفت الأنظار إلى أنه قد تبين أنه ليس بوسع الضغط العسكري تحقيق هدفي الحرب الرئيسين.

وهما: القضاء على حركة حماس وتفكيك قدراتها العسكرية والسلطوية واستعادة الأسرى الإسرائيليين لديها.

 ويرى أصحاب هذا الرأي أن القضاء على حكم حماس بشكل مطلق لن يتسنى إلا في حال أسهمت إسرائيل في توفير الظروف التي تسمح بصعود جهة فلسطينية تكون قادرة على تولي الحكم بدلا منها.

السلطة الفلسطينية

وطالب غانتس في 18 مايو/أيار 2024، بإقامة إدارة أوروبية أميركية فلسطينية للقطاع مدنيا، تضمن سلطة ناجحة تحكم غزة، وإعادة المواطنين في الشمال.

وجاء حديث غانتس ضمن كلمة هدد فيها بمغادرة حكومة الحرب ما لم يتم الموافقة على عدة بنود بحلول الثامن من يونيو/حزيران تتضمن تحديد اليوم التالي لغزة.

وبدورها، ترى بعض النخب الإسرائيلية المطالبة بحسم مسألة "اليوم التالي" للحرب ضرورة السماح للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس موطأ قدم يؤهلها لحكم قطاع غزة. 

ومن المتحمسين لهذا الرأي، وزير الجيش يوآف غالانت، الذي يعد الوحيد من وزراء حزب الليكود الذين يؤيدون بحماس كبير أن تُمنح السلطة الفلسطينية دورا مهما في حكم قطاع غزة.

وهذا ما دفع غالانت خلال العدوان للسماح بدخول الكثير من العناصر التابعة لقوى أمن السلطة التي يشرف عليها رئيس المخابرات العامة في السلطة ماجد فرج إلى قطاع غزة.

وهي الخطوة، التي أشارت وسائل إعلام فلسطينية إلى تمكن حركة حماس من إحباطها.

وكشفت القناة الـ14 العبرية في 13 مارس/ آذار 2024، أن ماجد فرج بدأ العمل على بناء قوة مسلحة جنوب قطاع غزة.

وأضافت أن قوة فرج التي يعمل عليها  تتكون من عائلات لا تؤيد حركة حماس لتوزيع المساعدات من جنوب القطاع إلى شماله.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية (كان) 24 فبراير/ شباط 2024، إن رئيس مجلس الأمن تساحي هنغبي التقى فرج بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وأشارت "كان" إلى أن غالانت اقترح تولي رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة مؤقتا بعد انتهاء الحرب.

وقالت الهيئة إن إسرائيل تدرس استخدام رئيس المخابرات الفلسطينية لبناء بديل لحركة حماس في اليوم التالي للحرب.

كما أن الولايات المتحدة أكدت بشكل صريح بأنها تؤيد عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة حكم قطاع غزة بعد حركة حماس.

وفي المقابل أفشلت وزارة الداخلية وعناصر من فصائل المقاومة عدة محاولات لفرض مليشيات مسلحة موجهة من جهات فلسطينية موالية لإسرائيل.

وبحسب بيان الداخلية في غزة 30 مارس 2024،  فقد اعتقلت قادة "قوة أمنية"، تسللت مع دخول شاحنات الهلال الأحمر المصري عبر معبر رفح البري، جنوبي القطاع.

 وكان أفراد القوة مرتبطين بحركة التحرير الوطني فتح، وكذلك أعضاء في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

وأوضحت أن إسرائيل نسقت مع ماجد فرج، بشأن ذلك. وأقر العناصر المعتقلين أن تحركاتهم ومهامهم كافة كانت بتنسيقٍ كامل مع الاحتلال.

 كما كشف مسؤول أمني في وزارة الداخلية بغزة، 5 أبريل / نيسان 2024، عن نتائج التحقيق مع قادة قوة أمنية شكلها اللواء ماجد فرج تسللت إلى قطاع غزة عبر شاحنات مساعدات تابعة للهلال الأحمر المصري، واعتقلت في القطاع. 

وقال المسؤول الأمني في تصريحات إعلامية، إن الخطة الأمنية التي وضعها فرج لإدارة الوضع في غزة تستند إلى ثلاث مراحل. 

المرحلة الأولى هي الأمن الغذائي تحت غطاء الهلال الأحمر الفلسطيني، والثانية تستهدف العشائر والثالثة الأمن الشامل.

 وأشار إلى أن الخطة حددت مقر الهلال الأحمر بمستشفى القدس مقرا للقوة الأمنية بحماية جوية إسرائيلية.

 وقال المسؤول الأمني في وزارة الداخلية بغزة، إن اللواء ماجد فرج كلف فريقًا من ضباط جهاز المخابرات الفلسطيني بمتابعة تنفيذ الخطة.

كما كلف أفرادا من القوة بجمع معلومات من مجمع الشفاء الطبي لماجد فرج قبل أسبوعين من الاقتحام الأخير والذي أوقع قرابة 500 شهيد.

وهناك في المقابل من يطرح خيارا آخر، يتمثل بأن تسليم حكم قطاع غزة إلى محمد دحلان القيادي الذي طردته حركة فتح من صفوفها ويحظى بدعم مباشر وقوي من الإمارات.

وتشير بعض الدلائل إلى أن جهودا تبذل في هذا الإطار، كما يعكس ذلك المساعدات الإنسانية الضخمة التي تقدمها الإمارات لقطاع غزة والتي توزع عبر  أزلام دحلان.

وعلى الرغم من حماس دحلان الكبير للعب دور في إدارة حكم قطاع غزة، فإنه لا يمكن أن يقدم على مثل هذه الخطوة بدون إطار سياسي وضمن توافق، ولو مبدئي على حل الصراع.

ولكن كل السيناريوهات التي تتحدث عن بدائل لحكم حركة حماس في قطاع غزة لا يمكن أن تتحقق إلا في حال ألحقت إسرائيل هزيمة كبيرة بالحركة.

وتقر دوائر الحكم في تل أبيب وحتى في واشنطن بأن هذا هدف لا يزال بعيد المنال، إن لم يكن محالا.

رفض إسرائيلي

ويصطدم منح السلطة الفلسطينية دورا في حكم قطاع غزة بعقبة كبيرة تتمثل في أنه حتى الأطراف الإسرائيلية المتحمسة لدورها ترفض دفع الثمن المطلوب. 

فالسلطة الفلسطينية سواء كانت ممثلة بقوات ماجد فرج أو من خلال مسؤول التنسيق مع إسرائيل حسين الشيخ، ليس بوسعها أن تعود إلى حكم القطاع، بدون أن تكون هذه الخطوة في إطار الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.

وكذلك بدون أن تكون عودة السلطة في إطار حل سياسي، فسينظر الفلسطينيون إليها على أنها قد جاءت على ظهر دبابات الاحتلال التي دمرت قطاع غزة، وهو ما سيفضي إلى حدوث مزيد من التدهور والانهيار على مكانتها الداخلية.

وتبدو مصر تحت قيادة عبد الفتاح السيسي معنية كثيرا بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.

وذلك على تقدير أن هذا التطور يضمن لمصر عدم عودة حماس، التي يبدي نظام السيسي حساسية كبيرة لوجودها في الحكم؛ لأنها ولدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، التي يعاديها.

لكن لا يوجد في إسرائيل طرف جدي يمكن أن يوافق على خوض غمار مسار سياسي لحل الصراع، بحيث يعود الحديث عن إقامة دولة فلسطينية.

إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحاول من ناحيتها تقديم مغريات لنتنياهو لإقناعه بالموافق على عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة في إطار حل الصراع عبر التلويح بورقة التطبيع مع السعودية. 

ووفق المنطق الأميركي هذا، فإن سماح إسرائيل بعودة السلطة ضمن موافقتها، النظرية فقط، على حل الصراع، سيدفع السعودية والدول الخليجية لتوفير الغطاء السياسي والاقتصادي الذي يضمن للسلطة إحكام سيطرتها على قطاع غزة والتخلص من حكم حماس مرة وللأبد.

لكن نتنياهو يرفض حتى الآن مقايضة عودة السلطة إلى قطاع غزة بالتطبيع مع السعودية، لأنه معني بالتمسك بحكومته الحالية.

فهي تمنحه حبل النجاة من التحقيقات في الفشل في مواجهة "طوفان الأقصى" ومن ثم المحاكمة في قضايا الفساد.

نتنياهو في المقابل، يسرب أحيانا بأن لديه خطة لليوم التالي للحرب على قطاع غزة تقوم على وجود قوات دولية وعربية في قطاع غزة، وتحديدا السعودية والإمارات. 

لكن هذه الدول سارعت إلى نفي استعدادها للمشاركة في دور في قطاع غزة بدون أن يكون الأمر مرتبطا بعودة السلطة وضمن إطار حل سياسي للصراع.

وفي 11 مايو 2024، استنكرت أبوظبي تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي قال فيها إنه من الممكن لدولة الإمارات أن تشارك في مساعدة حكومة مستقبلية في قطاع غزة بعد الحرب.

وفي منشور له على منصة " إكس" انتقد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان بشدة نتنياهو، وقال "إن أبو ظبي تستنكر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي".

وجاء في المنشور "تشدد دولة الإمارات على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتمتع بأي صفة شرعية تخوله باتخاذ هذه الخطوة، كما ترفض الدولة الانجرار خلف أي مخطط يرمي لتوفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة".

وأضاف "عندما يتم تشكيل حكومة فلسطينية تلبي آمال وطموحات الشعب الفلسطيني الشقيق وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية، فإن الدولة ستكون على أتم الاستعداد لتقديم كافة أشكال الدعم لتلك الحكومة".

والإمارات واحدة من بضع دول عربية تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، وحافظت عليها خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال نتنياهو في مقابلة إن "الإمارات والسعودية ودولا أخرى من الممكن أن تساعد حكومة مدنية مع سكان قطاع غزة بعد الحرب".

وجاءت هذه التصريحات في وقت يرفض أعضاء بارزون في الحكومة الإسرائيلية فكرة وجود دولة فلسطينية مستقلة، فيما يقول نتنياهو إن إسرائيل في حاجة لمواصلة السيطرة الأمنية على غزة بعد الحرب.