ما خفي أعظم.. هكذا تسعى الدفاع العراقية للتغطية على فضيحة "شبكة الدعارة"

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مازالت قضية القبض على شبكة دعارة داخل وزارة الدفاع العراقية، تثير الجدل في البلاد، في ظل غياب نتائج التحقيق التي وعدت الأخيرة بإعلانها، بعدما كشفت عن الحادثة وسائل إعلام محلية في 23 سبتمبر/ أيلول 2023، ووصفتها حينها بأنها فضيحة من "العيار الثقيل".

الفضيحة التي تعد سابقة في الوزارة التي يتجاوز عمرها المئة عام، سلطت الضوء على خطورة الأوضاع التي وصلت إليها هذه المؤسسة الحساسة، بعدما بدأت تتعافى من الانهيار الكبير الذي شهدته في عام 2014 حين اجتاح تنظيم الدولة البلاد.

ففي 10 يونيو/ حزيران 2014، سيطر تنظيم الدولة على مدينة الموصل شمال العراق بعد فرار نحو 4 فرق عسكرية منها وتركت معداتها وآلياتها، وذلك بعد اشتباكات لم تدم ساعات طويلة، والتي سقطت بعدها مدن الأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى تحت سيطرة التنظيم.

قادة متورطون

وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، كشفت صحيفة "العالم الجديد" العراقية، عن مساعٍ حثيثة من قبل قيادات عسكرية عليا، لغلق ملف التحقيق بشأن فضيحة شبكة الدعارة التي سبق أن كشفتها في وزارة الدفاع ويقودها أحد أفراد هذه المؤسسة، وزبائنها من الضباط رفيعي المستوى.

وقالت الصحيفة إن "ملف التحقيق الخاص بشبكة الدعارة، بدأ يتعرض للتسويف واحتمالية الغلق من قبل أطراف مؤثرة في رئاسة أركان الجيش والوزارة، بهدف حماية الضابط المتورطين في الشبكة".

وأشارت إلى أن "ملف التحقيق يتعرض لمعرقلات كثيرة، وبات من الصعب أن يتقدم خطوة واحدة ليأخذ مجراه الطبيعي، فعند أي موقع يصله، يجري تسويفه بهدف غلقه بشكل نهائي".

ولفتت الصحيفة إلى أن "المسؤولين عن تسويفه يعولون على تطورات الأحداث السياسية في العراق والمنطقة من أجل التعتيم على مجرياته، والاكتفاء بعقوبات بسيطة غير مؤثرة هدفها غلق الملف".

وفيما يخص هويات الضباط المتورطين وعددهم 10 ضابط، اكتفت الصحيفة، بذكر مناصب فقط دون أسمائهم، لأسباب قالت إنها مهنية، وهم: "ضابط رفيع المستوى في قيادة عمليات الكرخ ببغداد، وضابط رفيع يشغل منصبا مهما في الفرقة 16. وضابطان في قيادة العمليات المشتركة".

وكذلك من المتورطين: "ضابط في مكتب أمين عام سر الدفاع، وثلاثة ضباط في رئاسة أركان الجيش، أحدهم يشغل منصبا رفيعا، وضابطان برتبة عميد في دائرة العمليات التابعة لرئاسة الأركان، إلى جانب ضابطين برتبة عقيد في معسكر وزارة الدفاع القديمة بمنطقة باب المعظم ببغداد".

وكانت "العالم الجديد" ذاتها، كشفت في تقرير نشرته في 23 سبتمبر، تحدثت فيه عن إدارة منتسب في وزارة الدفاع لشبكة دعارة، حيث يعمل على توفير الفتيات والنساء لضباط كبار في الوزارة، في منزل يملكه بمنطقة صناعية شعبية وسط العاصمة بغداد.

كما أن المنتسب كان يحصل على هدايا مالية ومكافآت عينية، من القادة العسكريين في وزارة الدفاع، حتى إنه أصبح يتقاضى مبالغ من زملائه المنتسبين، مقابل توسطه لنقلهم أو تثبيتهم في موقع معين، عبر علاقاته بهؤلاء القادة، ويوافقون على أي طلب يقدمه الأخير لهم.

ردا على ذلك، أكدت وزارة الدفاع، عبر بيان لها في 25 سبتمبر، فيه قيام منتسب واحد بأعمال سيئة، وتم القبض عليه ويجري التحقيق معه لينال جزاءه العادل لما ارتكبه من أعمال يحاسب عليها القانون، لكنها أشارت إلى أنه لا يمكن عكس تصرف فردي على مؤسسة كاملة تاريخها يمتد لأكثر من مئة عام.

تطوّر خطيرة

وبخصوص هذا التطور في أحد أهم المؤسسات الأمنية في العراق، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي إن "ما يجرى اليوم في وزارة الدفاع يعد نتيجة حتمية وطبيعية للفساد المالي والإداري الذي اجتاح جميع مفاصل الدولة بعد الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "ما كشفته الصحيفة هي حادثة واحدة وما خفي أعظم، لأن الرقابة لم تعد كما كانت عليه في مرحلة ما قبل 2003، التي كان يُسأل فيها عن أي امرأة ينوي خطبتها الضابط ولا يتم الزواج إلا بعد موافقة أمنية، وذلك حفاظا على سمعة وحساسية هذه المؤسسة".

ولفت إلى أن وزارة الدفاع بحاجة إلى إعادة هيكلتها وخصوصا فيما يتعلق بالتشديد على حسن السيرة والسلوك، لأن سمعة الكثير من ضباطها باتت في الحضيض بسبب رعايتهم لشبكات وبيوت دعارة في عدد من المناطق، ولاسيما في بغداد، وهذا أمر خطير.

وبيّن المهداوي أن خطورة الأمر تكمن في سهولة تسرب المعلومات الحساسة لهذه المؤسسة المهمة، جرّاء مثل هذه العلاقات المشبوهة بين نساء يعملن في شبكات دعارة وبين عدد من الضباط الذين يشغلون مناصب رفيعة بوزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش.  

وشدد الباحث على ضرورة "تطبيق القانون بشكل صارم على المتورطين في شبكة الدعارة بوزارة الدفاع وعدم التهاون معهم، وكشف نتائج التحقيق بشكل شفاف للرأي العام والعقوبات التي اتخذت بحق من سمح لنفسه بالانخراط في هذه العلاقات المشبوهة والخضوع إلى طلباتهم".

وبحسب المهداوي، فإن "هذه الحادثة سببها الفساد المالي وبيع الضمائر، فاليوم الترفيعات العسكرية تحصل للضباط الذين يدفعون نحو 30 ألف دولار، رغم أنهم يستحقونها وفق المدد الزمنية، لكن ذلك لا يتم إلا بدفع هذه الرشوة، ومن لا يفعل لا يجري ترفيعه".

وأكد الباحث أهمية "تتبع تضخم أموال القادة العسكريين وأصحاب المناصب الرفيعة في وزارتي الدفاع والداخلية أيضا، لأن بيوتهم الفخمة وسياراتهم الفارهة تشير إلى مدخلات مالية تفوق رواتبهم بمئات المرات وسنوات الخدمة لديهم بأضعاف أعمارهم".

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تداول ناشطون عراقيون على مواقع التواصل، وثيقة رسمية صادرة عن هيئة النزاهة العراقية، تقضي باستقدام رئيس جهاز مكافحة الإرهاب العراقي (مؤسسة أمنية مرتبطة برئاسة الوزراء) السابق الفريق الأول الركن طالب شغاتي، بسبب تضخم في أمواله.

وبحسب الوثيقة، فإن هيئة النزاهة وجهت طلبا إلى جهاز مكافحة الإرهاب لتبليغ قائده السابق طالب شغاتي، بالقدوم إلى مقر مديرية تحقيق بغداد بغية بيان مصادر إيداعاته المالية بنحو 6.5 ملايين دولار، وفقا لأحكام القانون المتعلقة بالكسب غير المشروع.

حوادث مماثلة

فضيحة وزارة الدفاع، ربما شبيهة بحوادث مماثلة تشي بعلاقات أقامها ضباط في وزارة الداخلية العراقية ومسؤولين حكوميين ونواب في البرلمان مع النساء المشهورات على وسائل التواصل الاجتماعي المعروفات بـ"فشينستات" (موديلات موضة)، حتى تغولن في مؤسسات الدولة.

وبات هؤلاء النسوة يشكلن حرجا واضحا للحكومة العراقية وقادتها سواء في الأجهزة الأمنية أو الوزارات الأخرى، ولاسيما الحساسة منها، وذلك بعد انتشار مقاطع الفيديو على مواقع التواصل، والتهديدات التي يطلقنها ضد رجال المرور والشرطة في النقاط الأمنية.

ولعل آخر تلك الحوادث، كان الاعتداء الذي نفذته الفاشينستا العراقية شهد الطائي، ووالدتها على ضابط في المرور، وذلك بضربه بالأحذية بعد احتجازه سيارتهن كونها كانت متوقفة في مكان ممنوع وتسبب بعرقلة السير، وتوعدت بفصله من سلك الشرطة و"إقعاده في البيت مع أخواته".

الحادثة التي وقعت في 27 يوليو 2023 تطورت وأصبح قضية رأي عام بعد نشر مقاطع الاعتداء على مواقع التواصل.

وإزاء الغضب الشعبي الذي أثارته الحادثة وحمايتهما من قبل البرلماني بهاء النوري، أعلنت وزارة الداخلية "استمرار الإدارات المختصة في الوزارة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المرأتين المعتديتين على أحد ضباط المرور في منطقة الحارثية ببغداد".

وأشارت الداخلية في بيان لها في 28 يوليو 2023 إلى حرصها "على حفظ هيبة المؤسسة الأمنية والعسكرية وترفض بشدة أي اعتداء على العاملين فيها خاصة أثناء أدائهم الواجبات والمهام الموكلة إليهم".

وعلى إثر ذلك، قررت كتلة ائتلاف دولة القانون البرلمانية في 30 يوليو 2023، فصل النائب بهاء النوري وإبعاده من صفوفها على خلفية الحادث الذي حصل مع السيدتين، لعلاقته معهما واستقوائهما به.

لكن الاعتداء هذا لم يكن الأول من نوعه، ففي مايو/أيار 2020 تداول ناشطون ووسائل إعلام عراقية، مقطعا مصورا لامرأة تعرف باسم "عسل دولار" و"أم فهد" وهي واحدة من المشهورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تتوعد عناصر في الشرطة بدعسهم بـ"النعال".

وخلال المقطع ذاته، قالت "عسل دولار" إنها اتصلت بوزير الداخلية السابق (عثمان الغانمي)، لكنها أكدت بعد ذلك أنها تواصلت مع طالب شغاتي (رئيس جهاز مكافحة الإرهاب السابق) ووعدها بمعاقبتهم، مضيفة: "لن أكون امرأة إذا ما أدعس (أطأكم) عليكم بالنعل".

وأظهر مقطع آخر لها في مايو 2021، اتصالها بمدير نجدة بغداد اللواء عبد الكريم إسماعيل لتخليصها من زخم السيارات في أحد شوارع العاصمة، ليقدم الأخير على رفع النقاط الأمنية وإعادة انسيابية السير وفك الاختناق، ليصدر بعدها قرار من وزير الداخلية، عثمان الغانمي، بإعفائه من منصبه.