لويس ساكو.. كاردينال عراقي مرشح لخلافة البابا فرنسيس ورئاسة الفاتيكان

يوسف العلي | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

مع إعلان وفاة بابا الفاتيكان فرنسيس، عن عمر 88 عاما، بدأ يتردد اسم الكاردينال العراقي لويس روفائيل الأول ساكو (76 عاما) لخلافته في البابوية، خصوصا بعد الإعلان الرسمي من رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، دعمه في تولي المنصب.

وفي 21 أبريل/ نيسان 2025، أعلن عن وفاة البابا فرنسيس بمقر إقامته في دار "القديسة مارتا" بالفاتيكان، وذلك بعد تدهور في صحته منذ 18 فبراير، وهو من أصول أرجنتينية، ولد باسم "خورخي ماريو بيرغوليو"، في بوينس آيرس لعائلة من العمال المهاجرين.

"مرشح وحيد" 

وعلى وقع الحديث عن البديل، أكد السوداني أنه "داعم للكاردينال لويس روفائيل الأول ساكو، بوصفه المرشح الوحيد من منطقة الشرق الأوسط ليخلف البابا الراحل فرنسيس بالكرسي الرسولي في الفاتيكان، نظرا لما يتمتع به من حضور محلي ودولي، ولدوره في نشر السلام والتسامح". 

وأضاف السوداني عبر منصة "إكس" في 22 أبريل، قائلا: "بلدنا العراق هو أحد أهم الأماكن التي عاش فيها أبناء الديانة المسيحية متآخين مع بقية الأديان على مدار التاريخ، وهو اليوم يضم أتباع جميع الكنائس، بما يمثله هذا الأمر من محبة وإخوة بين المؤمنين من مختلف الأديان".

لكن هذه التدوينة أثارت حفيظة ريان الكلداني زعيم مليشيا "بابليون" المسيحية المنضوية ضمن الحشد الشعبي، وهو العدو اللدود للكاردينال روفائيل الأول ساكو، وسبق أن حصلت بينهما تبادل اتهامات بخصوص المكوّن المسيحي ومناصبه وممتلكاته في العراق.

وقال الكلداني عبر "إكس": إن الحديث عن ترشيح أشخاص لمنصب البابا يعكس “جهلا صارخا بالإجراءات الكنسية”، مشيرا إلى أن البابا لا يرشح نفسه، بل يُنتخب فقط من قبل الكرادلة في مجمع مغلق، دون وجود حملات انتخابية أو ترشيحات رسمية.

وأوضح أن ما يُثار إعلاميًا عن وجود "كاردينال فلان" كمرشح هو مجرد "ترويج سطحي"، وأن الكرادلة وحدهم هم من يختارون البابا "عبر صلاة وتأمل واختيار من الروح القدس"، عادّا ما وصفها بالتكهنات "الجوفاء" تشويهًا لفهم الكنيسة الكاثوليكية وحرجًا أمام الأصدقاء.

وأشار الكلداني إلى أن الكاردينال العراقي (يقصد ساكو) ليس الممثل الوحيد للشرق الأوسط في المجمع، إذ يوجد أيضا بطريرك القدس للاتين والبطريرك الماروني، وأن الكنيسة الكاثوليكية جامعة ولا تحكمها حدود، محذرًا من بناء مواقف على "أوهام" و"معلومات مغلوطة" قد تُستغل لإحراج الكاثوليك والرأي العام.

عقب ذلك، أصدرت البطريركية الكلدانية في العراق بيانا توضيحا بشأن ترشيح الكاردينال لويس روفائيل ساكو لمنصب البابا، فيما أشارت إلى أنه من ضمن الكرادلة الذين تنطبق عليهم شروط الانتخاب والترشح.

وذكرت أن "بعض التكهنات حول خليفة قداسة البابا الراحل فرنسيس بدأت منذ اعتلال صحته ودخوله المستشفى، وانتشرت هنا وهناك أسماء بعض الكرادلة من أوروبا وأميركا وإفريقيا وآسيا والشرق الأوسط".

وأضاف البيان، أن "هناك 136 كردينالا من جميع أنحاء العالم (أعمارهم أقل من 80 سنة) وتنطبق عليهم شروط الناخبين والمرشحين، وأن الكاردينال لويس روفائيل ساكو من ضمنهم".

وأشارت إلى أن هؤلاء "سيلتقون في اجتماعات صلاة سرّية ولأيام عدة، وبعد الصلاة يصوّت كل كاردينال ضميريا لمن يراه بمستوى هذه المسؤولية الجسيمة".

مناوئ للمليشيات

دخل الكاردينال ساكو في صراعات كثيرة مع زعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني، المنتمي للحشد الشعبي، والمعاقب أميركيا منذ عام 2019، الأمر الذي دفع الفاتيكان إلى الدخول على الخط في محاولة منه لإنهاء الأزمة الحاصلة بين الأطراف المسيحية في العراق.

وفي وقتها نشر الفاتيكان بيانا صادرا عن الاتحاد الأوروبي و11 دولة أوربية، أكد دعم بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو، في ظل نزاعه مع ريان الكلداني.

وبحسب ما نشره موقع "فاتيكان نيوز" في 21 مايو/ أيار 2023، فإنّ الحكومات الأوروبية تعرب عن تضامنها مع البطريرك ساكو، مشددة على أهمية "جهوده لحماية حقوق المسيحيين على الأرض التي يسكنونها منذ ألفي عام".

وتأتي هذه التطورات بعد مؤتمر صحفي عقده ساكو في 6 مايو 2023، دعا فيه الحكومة العراقية إلى اتخاذ موقف بشأن التهم الموجه إليه ولكنيسة الكلدان، ملوحا بخيار آخر وهو التوجه الى المحافل الدولية لحمايتهم في حال لم يصدر عن الدولة العراقية موقف.

وأضاف قائلا: "لن أسكت على الباطل، أنا حريص على العراق ولم أدع أي طرف يتدخل بالمسألة، رغم أنه بإمكاني طلب التدخل من الفاتيكان ومن الدول الغربية الصديقة لنا، لكن إذا لم تكن الحكومة العراقية حريصة على حقوق المسيحيين فحينها سنتصرف".

وتفجر الخلاف بين ساكو والكلداني بعد اتهامات متبادلة صدرت من الجانبين بالتصرف في كنائس ومنازل المسيحيين ممن غادروا العراق، سواء ببيعها أو الاستيلاء عليها، وهو أمر ينفيه الاثنان.

وقال ساكو خلال مؤتمره الصحفي: إن الكلداني "استحوذ خلال الفترة الماضية على مقدرات المكون المسيحي من خلال استحواذه على الكوتا المسيحية (حصة المكون النيابية في البرلمان)، ويستخدم الرموز الدينية المسيحية لأغراض سياسية".

ولفت إلى أن (الكلداني) وأشقاءه وأتباعه "استولوا على مقدرات مسيحية في سهل نينوى وتلكيف والقوش (مدن في محافظة الموصل) وعلى منازل عوائل مسيحية في بغداد".

واتهم ساكو غريمه الكلداني، بأنه "كان ينوي الاستيلاء على ديوان الوقف المسيحي والكنيسة، واشترى بعض رجال الدين المسيحيين للتغطية على أفعاله"، وذلك ردا على اتهامات أطلقها زعيم "بابليون" بأن الكاردينال يبيع الكنائس في العراق.

مسنود خارجيا

وعلى خلفية الأزمة مع الكلداني، أصدر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة بافل الطالباني، وهو حليف زعيم "بابليون"، مرسوما جمهوريا في مطلع يوليو/ تموز 2023، يلغي تعيين ساكو بطريركا على كلدان العراق والعالم، ومتوليا على أوقافها.

وفي وقتها قرر الكاردينال لويس روفائيل ساكو الانسحاب من المقر البطريركي في بغداد والتوجه إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق، بعد التوتر الحاصل بينه من جهة، وبين رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد وزعيم حركة "بابليون" المسيحية ريان الكلداني من جهة أخرى.

وأعلن ساكو خلال مؤتمر صحفي في 15 يوليو 2023، أنه "قرر الانسحاب من المقر البطريركي ببغداد إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق"، منددا بـ"حملة" تشنها ضدّه حركة "بابليون" وبـ"صمت الحكومة"، على حد تعبيره.

وإذ شجب ما عده "لعبة قذرة"، اقترح على من وصفه "حامي الدستور" -في إشارة إلى رئيس الجمهورية- بأن يولي الكلداني وشقيقيه مسؤولية "أوقاف الكنيسة".

وبعدها بأسبوع واحد، تدخلت الولايات المتحدة في القصة، وعبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، عن قلق بلاده إزاء القرار الذي أصدره الرئيس العراقي، بشأن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين الكاردينال، لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم.

ورأى المتحدث الأميركي، القرار الرئاسي العراقي "ضربة للحرية الدينية"، وقال: "إننا منزعجون من المضايقات التي تعرض لها الكاردينال ساكو، ومنزعجون من أنباء مغادرته بغداد ونتطلع إلى عودته الآمنة".

وعبّر "ميلر" عن قلق الولايات المتحدة إزاء تعرض ساكو للهجوم من عدد من الجهات على وجه الخصوص من زعيم ميليشيا خاضع لعقوبات بموجب قانون "ماغنتسكي" الأميركي، القاضي بمعاقبة المسؤولين الحكوميين الأجانب الذين ينتهكون حقوق الإنسان.

بعد نحو عام من النزاع، أعاد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للكاردينال لويس روفائيل ساكو وضعه القانوني بصفته بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم ومتولّيا على أوقافها؛ الأمر الذي مهّد عودة رجل الدين إلى بغداد.

وفي 12 يوليو/ تموز 2024، قالت البطريركية الكلدانية في بيان لها إن "تسلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو النسخة الرسمية للأمر الديواني الموَقّع من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتسميته بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، وتولّيه أوقاف الكنيسة الكلدانية".

وصرّح البطريرك ساكو في وقتها لوكالة الصحافة الفرنسية، قائلا: "سأعود إلى بغداد وأنا سعيد جدا لأن القانون انتصر. يعطي ذلك الكثير من الأمل للمسيحيين ويحترم حقوقهم".

ماجستير بالفقه

ولد البطريرك الكاردينال، مار لويس روفائيل الأول ساكو، بمدينة زاخو بإقليم كردستان العراق، في 4 يوليو/ تموز 1948، وسمي كاهنا في أبرشية الموصل الكلدانية منذ العام 1974. 

وحصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة البابوية في روما عام 1983، وماجستير في الفقه الإسلامي سنة 1984، كما حاز لاحقا على شهادة دكتوراه من جامعة السوربون سنة 1986. 

انتخب مطرانا على أبرشية كركوك في عام 2002، وسمي على هذا المنصب العام التالي، وتم انتخابه بطريركا على الكنيسة الكلدانية في سينودس الكنيسة بروما خلفا للبطريرك المستقيل عمانوئيل الثالث دلي في 1 فبراير/ شباط 2013.

وجرى تعيين لويس ساكو عضوا في المجلس الاقتصادي الفاتيكاني في 4 يناير/ كانون الثاني 2022.

وحاز لويس ساكو على عدة أوسمة وتشريفات منها "وسام الدفاع عن الإيمان" من إيطاليا، ووسام "باكس كريستي" الدولي ووسام "القديس إسطيفان" عن حقوق الإنسان من ألمانيا. 

كما ألف ونشر ما يزيد عن 200 مقال و20 كتابا في مجالات علم اللاهوت المسيحي والفقه، وهو بمرتبة كاردينال منذ عام 2018، ومطران كاثوليكي منذ 2013، ويجيد العديد من اللغات، وهي "الآرامية الآشورية الحديثة، والسريانية، إضافة للعربية".

ويعد الكاردينال لويس روفائيل ساكو شخصية بارزة لدى الأقلية المسيحية في العراق، ومتحدثا أساسيا باسمها، لا سيّما في الأوساط السياسية والدبلوماسية، سواء في الداخل أو خارج البلاد.

وتعد الكنيسة الكلدانية من أكبر الكنائس في العراق، وتشير التقديرات إلى أن عدد المسيحيين اليوم في البلاد لا يتخطى 400 ألف نسمة، من نحو 1.5 مليون قبل عقدين، هاجروا بسبب 20 عاما من الحروب والنزاعات.