النيجر تضع حدا لأحلام أميركا في استعادة نفوذ الغرب بمنطقة الساحل.. كيف؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في 16 مارس/آذار 2024، أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر، عبر بيان بثه التليفزيون الحكومي، قطع العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة "فورا"، وإلغاء الاتفاق العسكري الذي يجمع البلدين.

ولفت موقع "المونيتور" الأميركي إلى أن هذا القرار جاء بالتزامن مع تصاعد المشاعر المعادية للغرب في منطقة الساحل الإفريقي.

إذ يأتي بعد أشهر قليلة من إنهاء الوجود العسكري الفرنسي في النيجر، عقب الانقلاب الذي أطاح برئيس النيجر السابق، محمد بازوم، في يوليو/تموز 2023.

واستغرق الأمر من مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، عدة أشهر ليصفوا رسميا الاستيلاء العسكري على النيجر بأنه “انقلاب”.

تحديات جديدة

وفي مقال له بموقع "المونيتور"، أكد الباحث البريطاني جوناثان فينتون، أن قرار النيجر يفرض تحديات جديدة للديناميكيات الإقليمية والأمن في المنطقة.

وقال إن الإدارة الأميركية سعت للحفاظ على التعاون العسكري الإستراتيجي بين واشنطن والنيجر وديمومة نفوذها الإقليمي.

وأضاف أن واشنطن كانت تأمل أيضا في تشجيع عودة النيجر إلى الحكم الديمقراطي ومنع محاولات روسيا مغازلة النظام العسكري الجديد.

وأفاد الباحث بأن قرار النيجر بتعليق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة جاء بعد عدة أيام من المفاوضات التي شهدت توترا.

وبعد القرار لم تعلن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أنها ستسحب قواتها، وقالت إنها تعتزم التفاوض مع النيجر بدلا من ذلك.

و"في حالة انسحاب الولايات المتحدة، سيترك ذلك فرصة للجماعات المسلحة التي كانت هدفا للجهود العسكرية الأميركية، خاصة الفصائل المرتبطة بتنظيمي الدولة والقاعدة"، وفق الباحث.

وتضمنت الاتفاقية، التي أُبرمت في عام 2012 بين الجانبين، استثمارات أميركية عديدة في النيجر.

وفي عام 2016، بدأت الولايات المتحدة في بناء منشأة للطائرات المسيّرة بتكلفة 100 مليون دولار تسمى "القاعدة الجوية 201" في أغاديز، وسط النيجر، وهو موقع إستراتيجي على بعد 750 كيلومترا (466 ميلا) شمال شرق العاصمة نيامي.

ودعمت هذه القاعدة عمليات المراقبة والاستهداف ضد المسلحين في منطقة الساحل، ما مكن واشنطن من نشر طائرات مسيّرة تنطلق من النيجر إلى بقية منطقة الساحل وغرب ووسط إفريقيا.

مخاوف أميركية

وفي السياق أوضح موقع "المونيتور" أن هناك بالتأكيد مخاوف أميركية من أن روسيا قد تستفيد من قرار النيجر بإنهاء الاتفاقية.

وأعرب مسؤولون عسكريون ودبلوماسيون أميركيون عن مخاوفهم بشأن "علاقات النيجر المحتملة مع روسيا" عقب الإعلان عن هذا القرار.

علاوة على ذلك، أجرى زعيم المجلس العسكري في النيجر الجنرال، عبد الرحمن تياني، اتصالا هاتفيا بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 26 مارس/آذار، لمناقشة تعزيز التعاون الأمني.

وقد تثير هذه الخطوة المزيد من المخاوف بشأن العلاقة المتنامية بين موسكو والنيجر، بحسب الباحث.

وفي معرض توضيحه لدوافع النيجر، قال الباحث الذي عمل أيضا مع وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأميركية في إفريقيا، كاميرون هدسون، إن الخطوة جاءت "تأكيدا على السيادة".

وأضاف: "أعتقد أن العديد من الدول الإفريقية تشعر بالامتهان في علاقاتها مع الغرب".

وتابع: "في أماكن مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، تؤكد المجالس العسكرية استقلالها وتختار شركاء جددا مثل روسيا وإيران، المهتمين بتطوير العلاقات مع الدول الإفريقية بقدر اهتمامهم بتقويض العلاقات الغربية التقليدية هناك".

وفي حين كان يُنظر إلى النيجر في السابق على أنها مقربة من الغرب، فقد تراجعت العلاقات الثنائية بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة في يوليو/ تموز 2023.

ونتيجة لذلك، سحبت الولايات المتحدة العديد من جنودها البالغ عددهم 1100 جندي من النيجر.

وادعى المتحدث باسم جيش النيجر، أمادو عبد الرحمن، أن الاتفاق "فُرض قسرا" على النيجر وكان ينتهك "القواعد الدستورية والديمقراطية" لسيادتها.

وأفاد الباحث بأن الولايات المتحدة ليست الدولة الغربية الوحيدة التي واجهت تحديات لنفوذها في منطقة الساحل.

ففي يناير/كانون الثاني 2024، أغلقت فرنسا رسميا سفارتها في النيجر، معلنة أن التوترات جعلت من "المستحيل" تنفيذ مهامها في البلاد.

وكان انقلاب النيجر مصحوبا باحتجاجات واسعة النطاق ضد فرنسا، وأجبر استيلاء المجلس العسكري على السلطة باريس على تقليص وجودها العسكري، كما فعلت في مالي وبوركينا فاسو.

وكان لفرنسا -تلك القوة الاستعمارية السابقة في النيجر وغيرها من المستعمرات السابقة في منطقة الساحل- الحق الأول في شراء الموارد الطبيعية من هذه الدول.

ولفت الباحث إلى أنه "مع تراجع النفوذ الفرنسي، حاولت واشنطن ملء الفراغ".

واستدرك: مع ذلك، ونظرا لاحتمال أن يكون الوجود الأميركي أيضا في طريقه إلى الزوال، فقد أثار مخاوف من أن المبادرات الموازية لتحقيق الاستقرار في النيجر ستذهب سدى.

انتكاسة أميركية

وبحسب جيه بيتر فام، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى منطقة الساحل والزميل الحالي لـ"المجلس الأطلسي"، فإن تعليق الاتفاق العسكري "سيكون بمثابة انتكاسة لجهود الولايات المتحدة في المنطقة".

وأشار إلى أن هذه الانتكاسة ليست فقط في النيجر، ولكن عبر منطقة الساحل، وإلى أجزاء أخرى من إفريقيا.

وأضاف أنه بفضل جهود الولايات المتحدة لمكافحة الجماعات المسلحة، "انخفض مستوى العنف الذي ارتكبه المسلحون في النيجر في 2023 قبل الانقلاب إلى أدنى مستوياته منذ خمس سنوات، وبدأ السكان يعودون إلى المناطق التي نزحوا منها".

وحذر المسؤول الأميركي السابق من أن هذه المكاسب قد تتراجع الآن. ومع ذلك، فإلى جانب ازدهار الجماعات المسلحة، هناك مخاوف أخرى مثل احتمال إهمال التنمية في النيجر والدول المجاورة، وفق الموقع.

بدوره، أكد هدسون أن "القلق الأكبر هو النفوذ المتزايد للدول الشمولية في مجموعة واسعة من الدول الإفريقية، الأمر الذي سيقوض عددا من المصالح الأميركية لعقود قادمة".

واستطرد: هؤلاء القادة العسكريون وداعموهم الخارجيون ليسوا مهتمين ببناء مؤسسات قوية أو تحسين مستويات المعيشة أو تنمية اقتصاداتهم.

وأردف: "على المدى البعيد، ستكون [هذه الدول] أقل حرية وأقل أمانا وأقل ازدهارا، مما يجعلها أكثر عرضة لحالة عدم استقرار وللاضطرابات العنيفة".

في نهاية المطاف، هناك عامل رئيس يجب أخذه في الحسبان، وهو ما إذا كانت الصين أو روسيا أو حتى إيران -التي طورت شراكات ناشئة مع دول الساحل- ستكون قادرة على ملء الفراغ الأمني الذي خلفه تلاشي النفوذ الغربي.

بدوره، قال كبير أدامو، المدير الإداري لشركة "Beacon Consulting"، وهي شركة استشارات استخباراتية وإدارة مخاطر أمنية مقرها نيجيريا، إن "التراجع الواضح لواشنطن يتفاقم في ظل النفوذ المتزايد لروسيا في كلا البلدين [مالي وبوركينا فاسو]".

ويرى "فينتون" أن من السمات المميزة لانخراط موسكو في إفريقيا "مغازلة القادة العسكريين المستبدين".

وبحسب ما ورد، فإن مرتزقة "فاغنر" التابعة لموسكو، تعمل في منطقة الساحل، سعيا لدعم المجالس العسكرية هناك.

وفي مطلع 2024، كُشف عن "فيلق إفريقيا"، الذي يرى "فينتون" أنه بمثابة اسم جديد لقوات "فاغنر" الروسية في تلك المنطقة.

وأضاف أدامو أن "من غير المرجح أن يُستبدل رحيل الولايات المتحدة واللاعبين العالميين الآخرين بقدرات محلية أو روسيا أو الصين".

ولذلك، أكد على أن "هذا يترك فجوة قد تستغلها الجماعات الإرهابية للتوسع"، وفق قوله.

وتابع المقال: "يقتصر وجود بكين في إفريقيا في المقام الأول على العلاقات التجارية".

ويتفاقم هذا القيد بسبب موقف الصين التقليدي المتمثل في عدم التدخل، وهو ما يحد من جهودها لتقديم دعم يتجاوز مصالحها التجارية.

وفي منطقة الساحل، تنشط الشركات الصينية الحكومية في دول مثل النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، حيث إن المنطقة الأوسع للساحل غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والذهب واليورانيوم والغاز الطبيعي والليثيوم.

وقبل القرار الأخير للمجلس العسكري في النيجر، اتهمت الولايات المتحدة إيران بمحاولة شراء اليورانيوم من النيجر لبرنامجها النووي.

وعلى الرغم من عدم تقديم أدلة قاطعة بعد، فإن هذا الادعاء يأتي وسط انخراط إيران المتزايد في إفريقيا، مما يثير المخاوف بشأن نواياها وأنشطتها في القارة، بحسب المقال.

وأردف: "في نهاية المطاف، إذا انسحبت القوات الأميركية، فمن المؤكد أن ذلك سيوجه ضربة أخرى للنفوذ الأميركي في إفريقيا".

"ومع ذلك، فإن الشراكات الجديدة التي تسعى النيجر إلى تحقيقها، لن تكون لديها أي قدرات تضاهي المظلة الأمنية لواشنطن، مما يزيد من مخاطر الاستقرار الإقليمي".

وختم الباحث بالتنويه إلى أهمية رصد هذه الاتجاهات في المستقبل القريب.