وقف إطلاق النار في غزة.. ما تأثيره على التصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟

خالد كريزم | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع الحديث المتكرر عن احتمال التوصل إلى اتفاق ينهي العدوان الإسرائيلي على غزة، تثار تساؤلات تتعلق بمدى ارتباط حزب الله اللبناني بالصفقة المحتملة.

ودخل حزب الله المعركة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد يوم واحد من تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية طوفان الأقصى في عمق المستوطنات الإسرائيلية.

لكن مع دخول العدوان على غزة شهره التاسع وتصعيد حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدد بحرب واسعة على لبنان، هل تسود التهدئة أيضا الجبهة الشمالية؟

موقف الطرفين

منذ بداية المعركة، ربط حزب الله وقف التصعيد بإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، وأكد على ذلك في مرات عديدة، رغم محاولات أميركية غربية للدفع بصفقات منفردة تفصل لبنان عن القطاع.

وأكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن حركة حماس تفاوض بالنيابة عن نفسها وعن الفصائل وعن محور المقاومة ونحن نرضى بما ترضى به وسنقبل به جميعا.

وشدد خلال كلمة له في 10 يوليو/تموز 2024 أن وقف التصعيد في الجبهة الشمالية مرتبط بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.

وفي فبراير/شباط 2024، قال نصر الله إن "جبهة جنوب لبنان هي للضغط والمساندة والمشاركة في إلحاق الهزيمة بالعدو وإضعافه حتى يوقف العدوان".

كما أكد على ذلك نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله اللبناني، في 2 يوليو 2024، بالقول إن السبيل الوحيد المؤكد لوقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية الإسرائيلية هو إنهاء العدوان بالكامل على غزة.

وقال قاسم في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس الأميركية في الضاحية الجنوبية لبيروت إنه إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة، فسوف يتوقف حزب الله دون أي نقاش.

وأضاف أن مشاركة حزب الله في الحرب كانت بمثابة جبهة إسناد لحليفته حماس، وأنه إذا توقفت، فلن يكون هذا الدعم العسكري موجودا.

لكنه قال إنه إذا قلصت إسرائيل عملياتها العسكرية دون التوصل إلى اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من غزة، فإن التداعيات على الصراع الحدودي بين لبنان وإسرائيل ستكون أقل وضوحا.

وأوضح قاسم أنه إذا أصبح ما يحدث في غزة مزيجا من وقف القتال ولا إنهاء إطلاق النار، ومن الحرب واللا حرب، فلا يمكننا أن نعرف كيف سيكون رد فعل حزب الله، لأننا لا نعرف شكل هذا الوضع ولا نتائجه ولا تأثيراته.

وينسق حزب الله مع حركة حماس بشأن التهدئة وتصعيد الضربات وفقا لتطورات المعركة، وفق ما تظهره الاجتماعات والتصريحات المتتالية من الطرفين.

وكان آخر خطوة في هذا الاتجاه، إبلاغ حركة حماس، حزب الله بموافقتها على الخطوط العريضة لصفقة وقف إطلاق النار الحالية التي تتعنت إسرائيل في الموافقة عليها.

وأشارت وكالة رويترز البريطانية نقلا عن مصادر أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله رحب بهذه الخطوة، خلال لقاء بينه وبين وفد من الحركة برئاسة القيادي فيها خليل الحية مطلع يوليو.

أما الطرف الآخر فقد تحدث بكلام معاكس فيما يخص التسوية، حيث قال وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت أكثر من مرة، كان آخرها في 7 يوليو إن "وقف إطلاق النار بغزة ضمن صفقة لتبادل الأسرى لا يعني وقف القتال على الجبهة الشمالية".

ورد عليه نصر الله في التصريحات المشار إليها سابقا بالقول "إذا لم ترد وقف الحرب معنا فأهلاً وسهلاً، وإذا نفذ العدو تهديداته ضدنا عليه أن يدرك أن المئة ألف (مستوطن) الذين غادروا الشمال لن يعودوا".

وتابع: "العدو ليس في موضع فرض الشروط على لبنان بل هو الضعيف والمأزوم، والمكاسب السياسية التي يتم التلويح بها لنا من هنا وهناك لن تؤثر علينا ولن تجعلنا نوقف الجبهة".

وختم قائلًا: "نتابع كل التطورات في المنطقة وكل الاحتمالات مفتوحة ونحن نقاتل في الجنوب وعيننا على غزة".

ويعلن حزب الله يوميا استهداف مواقع ونقاط عسكرية إسرائيلية، في المقابل يردّ الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف "بنى تحتية" للحزب وتحركات مقاتلين قرب الحدود.

تحركات دبلوماسية 

ولطالما حذرت إيران وأذرعها في المنطقة أن عدم وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، يعني توسع القتال ليشمل الجبهات الأخرى.

لكن حاولت الولايات المتحدة الأميركية وأطراف غربية فصل لبنان والجبهات الأخرى في اليمن والعراق عن ما يجري في قطاع غزة.

وتريد تلك الأطراف تهدئة الجبهة الشمالية بالوسائل الدبلوماسية بعد أن تسببت صواريخ حزب الله ومسيراته في تهجير أكثر من 60 ألف مستوطن من عدة مدن وبلدات.

وقالت صحيفة هآرتس في 4 يوليو/تموز 2024، إن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى منع نشوب حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان لم تتوقف، على الرغم من أن الاشتباكات العسكرية مع حزب الله أصبحت مرة أخرى على حافة التصعيد.

وفي هذا السياق، التقى نعيم قاسم مطلع يوليو، أولي ديهل، نائب رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألماني BND. وبحسب موقع الأخبار اللبناني المقرب من حزب الله، ناقش الطرفان سبل منع اتساع نطاق الحرب. 

وكان هذا اللقاء هو الثاني الذي يعقده ديهل مع قاسم خلال العام الحالي، على الرغم من إدراج حزب الله على القائمة الألمانية للمنظمات الإرهابية. 

وتقول هآرتس: يُفترض عمومًا أن هذه الاجتماعات جرى تنسيقها مع الإدارة الأميركية، التي لا تقيم أي اتصال مباشر مع أعضاء حزب الله. 

وبدلاً من ذلك تجري المناقشات الأميركية مع رئيس البرلمان اللبناني وزعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري، حيث يقدم الأخير نفسه على  أنه مفوض من حزب الله للتفاوض نيابة عنه.

وألمانيا ليست الدولة الغربية الوحيدة التي تحافظ على اتصال مباشر مع حزب الله، حيث أجرى المبعوث الفرنسي الخاص جان إيف لودريان محادثات مع رئيس الكتلة البرلمانية للحزب محمد رعد والتقاه عدة مرات بعد التصعيد.

كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 13 يونيو/حزيران 2024 عن إنشاء منتدى ثلاثي إسرائيلي فرنسي أميركي لوقف إطلاق النار ومنع التصعيد على الحدود اللبنانية.

لكن الجهد الدبلوماسي الرئيس يديره المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين الذي وصل إلى باريس في 3 يوليو لإجراء محادثات مع نظيره الفرنسي لو دريان. 

وكان الهدف بحسب هآرتس، هو صقل وتنسيق الخطط التي سيجري تقديمها لاحقاً إلى الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية وإلى حزب الله، على افتراض أن اغتيالات إسرائيل الأخيرة لقادة الحزب لن تعرقل هذه الجهود الدبلوماسية.

وعلق نصر الله في تصريحات خلال فبراير بالقول إن “زيارات الموفدين الغربيين إلى لبنان لها هدف وحيد وهو حماية إسرائيل وإعادة المستوطنين إلى الشمال”.

وأشار إلى أن "هذه الوفود لا تتناول في أوراقها أي أمر يتعلق بما يحصل في غزة من عدوان وجرائم ومجاعة، وهي تتبنى بالمطلق الورقة الإسرائيلية وتكتفي بتقديمها للبنان".

فشل الفصل

وأوضحت هآرتس أن اغتيال إسرائيل كبار قادة حزب الله يبدو على نحو متزايد وكأنه بديل لإنجازات إستراتيجية، أو كمهدئ يهدف إلى تهدئة المطالب الإسرائيلية بشن حرب في لبنان تتعامل مع الحزب "بشكل نهائي".

وبينت أن عمليات الاغتيال الأخيرة لن تغير إستراتيجية حزب الله التي تجعل وقف إطلاق النار من لبنان مشروطاً بإنهاء إسرائيل لحربها في قطاع غزة.

ويشير بعض منظري المؤامرة في لبنان بالفعل إلى أن بعثات هوكشتاين الدبلوماسية أصبحت "بمحض الصدفة" بمثابة خريطة شاملة تتنبأ بالاغتيالات الإسرائيلية لكبار قادة حزب الله، وفق هآرتس.

وقع اغتيال القائد الميداني الكبير في الحزب محمد نعمة ناصر في نفس يوم وصول هوكشتاين إلى باريس. 

وكانت آخر زيارة أجراها هوكشتاين إلى لبنان في 17 يونيو/حزيران، جرت بعد أسبوع تقريبًا من اغتيال القيادي في الحزب طالب سامي عبد الله. 

وفي يناير/كانون الثاني، وصل هوكشتاين إلى لبنان بعد ثلاثة أيام من اغتيال القائد في الحزب وسام الطويل.

كما جاءت الزيارة بعد نحو أسبوع من اغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في بيروت.

في المقابل، لم يكن محض صدفة أن تنشر صحيفة “الأخبار” عشية زيارة هوكشتاين إلى باريس، تسريبات من محادثاته مع نبيه بري حول زيارة الموفد السابقة إلى لبنان. 

وتظهر المحادثات أن هوكشتاين يدرك بوضوح أنه "لا توجد إمكانية للتوصل إلى تسوية بشأن الحدود (الإسرائيلية اللبنانية) قبل انتهاء الحرب في غزة".

وتعلق هآرتس: “هذه الرسائل توضح للجميع أن حزب الله هو الكيان الوحيد الذي يمكنه تحديد ما إذا كانت هناك حرب شاملة، وأن المنظمة هي في الواقع تدير المفاوضات مع الولايات المتحدة”.

واللافت أن التسريبات لا تذكر التهديدات التي أطلقها هوكشتاين بشأن التداعيات المتوقعة لحرب شاملة على لبنان وحجم الضرر والدمار الذي سيلحق به. 

وتؤكد أوساط سياسية وإعلامية في كل من إسرائيل ولبنان أن الطرفين ليس لديهما مصلحة في الانجرار إلى حرب شاملة.

لكن تقول هآرتس إن الرابط الذي أنشأه حزب الله مع غزة يضع الآن العبء الأكبر في القرار بشأن ما إذا كانت مثل هذه الحرب ستندلع على إسرائيل، وليس على لبنان.

لا يريد صفقة

وعن مدى الارتباط اليوم، يقول المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في لبنان عبد الرحمن نصار إنه “من الطبيعي أن وقف العدوان على غزة يعني انتهاء التصعيد في الجبهة الشمالية”.

وقال في حديث لـ" الاستقلال" إن “إسرائيل تريد انتهاء الحرب أكثر من لبنان، لأن حزب الله هو المتحكم في إيقاع الضربات بعكس ما كان الوضع عليه في بداية أول 3 شهور من عملية طوفان الأقصى”.

وأردف: “وقتها كان هناك تبادل للضربات ونية إسرائيلية للهجوم، ولكن بعد الغرق أكثر في غزة وإنهاك قوات الاحتلال، لم يعد لدى الإسرائيلي قدرة حقيقية على الأقل للتصعيد بريا مع لبنان”.

ويرى أن إسرائيل ستوقف ضرباتها على لبنان حال توقف حزب الله عن التصعيد، سواء انتهى العدوان على غزة أم لا.

ويؤكد أن “حزب الله أعلن من البداية أنه لن يتوقف قبل إنهاء العدوان على غزة وهي خطوة لم تقرأ كشيء عظيم لأن الحرب كانت كبيرة وقتها”.

واستدرك: “كانت هذه خطوة ذكية. لو لم يكن هناك تصعيد من لبنان واليمن والعراق، لأصبح الإسرائيلي مرتاحا كثيرا في غزة”.

وبين أن الجبهات الأخرى، في لبنان واليمن والعراق، تضغط على الاحتلال اليوم رغم اجتياحه قطاع غزة وما خلفه من تدمير.

وبين نصار أن حزب الله لا يخوض لعبة سياسية من أجل تحقيق مكتسبات تخص إبعاد الإسرائيليين عن الحدود أو وقف الطلعات الجوية فوق لبنان، لأن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقات.

وذكر أن الحزب لا يذهب باتجاه توقيع صفقة لأنه ليس معنيا فيها، وإنما يريد إنهاء الحرب على غزة وأن لا تخرج حماس مهزومة أو مكسورة.

ويعود ذلك بحسب نصار إلى أن انكسار حماس يعني بداية ضرب محور المقاومة في المنطقة ككل.

ولذلك فقد وضع الحزب انتهاء الحرب بالصيغة التي ترضاها المقاومة الفلسطينية شرطا أساسيا للتهدئة في جبهة لبنان.

ويوضح أن حزب الله "بادر إلى تفعيل جبهة إسناد في 8 أكتوبر لعدة أسباب، منها عدم شعور الفلسطينيين أنهم وحيدون ومخذولون.

والسبب الثاني أن صمت حزب الله يعطي إشارة سلبية بأنه خائف وضعيف، مما قد يدفع إسرائيل لتنفيذ هجوم شرس ومفاجئ، مؤكدا أنه “لذلك كان لا بد من فتح الجبهة لإرسال رسالة بأن الحزب مستعد”.

وهو ما أكد عليه نصر الله في 19 يونيو بالقول، إنه لا يخشى الدخول في حرب مع إسرائيل، في ضوء تصاعد وتيرة إطلاق النار عبر الحدود بين الجانبين.

وأضاف في خطاب تلفزيوني، أن الحرب إذا فُرضت على لبنان فإن مقاتلي الحزب سيخوضونها دون "قواعد أو أسقف"، ولوح بأن "دخول المقاومة إلى الجليل الأمر الذي يبقى مطروحًا في حال تطور المواجهة".

وتابع نصر الله: "التهديد بالحرب على مدى 8 أشهر لا يخيفنا... نحن كمقاومة حضرنا أنفسنا لأسوأ الأيام".

وشدد على إنه إذا اندلعت الحرب فإنه "لن يبقى مكان سالم" في إسرائيل “من صواريخنا ومُسيّراتنا”.