زيارة ميلوني إلى واشنطن.. لماذا فضل ترامب زعيمة إيطاليا على ماكرون؟

داود علي | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

في لحظة سياسية فارقة تعيد تشكيل العلاقات عبر الأطلسي، وصلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى واشنطن في 17 أبريل/ نيسان 2025، متجاوزة حلفاءها التقليديين في القارة.

وتعد ميلوني أول زعيمة أوروبية تزور الولايات المتحدة، بعد فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية جديدة، في خطوة لا تخلو من دلالات تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي. 

وبدا افتتاح اليمينية ميلوني للمشهد الأوروبي في البيت الأبيض، وكأنه انعكاس واضح لتوجهات ترامب الأيديولوجية، وميله نحو إعادة بناء تحالفاته الخارجية على أسس شعبوية وقومية، بعيدا عن تقاليد الليبرالية الغربية التي تجسدها فرنسا تحت قيادة إيمانويل ماكرون.

ولم تكن الزيارة بمعزل عن توترات خفية تزداد عمقا بين واشنطن وباريس، خاصة في ظل الخلافات حول السياسات الدفاعية، والموقف من الحرب الأوكرانية الروسية، ومقاربات الأمن الاقتصادي، والتنافس على النفوذ داخل أوروبا. 

في المقابل، يجد ترامب في ميلوني حليفة محتملة تتقاطع رؤاها مع رؤيته في ملف الهجرة، والهوية الوطنية، وتقليص الاعتماد على المؤسسات متعددة الأطراف، مثل حلف شمال الأطلسي "الناتو".

لكن التساؤلات التي تطرح نفسها، هل تشكل زيارة ميلوني نواة لتحالف جديد يتجاوز الانقسامات الأوروبية التقليدية؟ وهل تمثل تجاوزا متعمدا لفرنسا، أم مجرد ترتيب زمني بلا حسابات رمزية؟ 

والأكثر أهمية، هل يسعى ترامب إلى تأسيس محور جديد أقرب إليه عابر للأطلسي يبدأ من روما ويستبعد باريس؟

علاقة جيدة

استبقت ميلوني زيارتها إلى واشنطن، بإعلانها أن الشركات الإيطالية ستنفذ استثمارات بـ10 مليارات دولار في الولايات المتحدة.

وجاء ذلك رغم فرض إدارة ترامب رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات من الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة. 

كما فرضت رسوما أوسع على جميع السلع الأخرى تقريبا بموجب سياسة ترامب لاستهداف الدول التي تفرض رسوما عالية على الواردات الأميركية.

ومع ذلك عند وصولها إلى واشنطن، وخلال لقائها مع ترامب، أعلن الأخير أنه “سيكون هناك اتفاق تجاري عادل بالتأكيد”.

وكانت الزعيمة الإيطالية تأمل في الوصول إلى حل للرسوم الجمركية، وقالت: إنها "متأكدة من أنه يمكن للطرفين التوصل إلى اتفاق"، لتضيف أن هدفها هو "جعل الغرب عظيما من جديد".

ووصف موقع "بي بي سي" البريطانية في 18 أبريل 2025، الأجواء في المكتب البيضاوي بأنها كانت مريحة وجيدة، خلال استقبال ميلوني. 

وقال: إن ترامب يتمتع بعلاقة جيدة مع رئيسة الوزراء الإيطالية، التي تأمل في أن تكون جسرا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. 

دلالات الاصطفاف 

وقبل زيارة ميلوني، كان ترامب قد وجه انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالتجارة، ووصل به الأمر إلى إعلانه أن كتلة بروكسل تأسست "للإضرار بالولايات المتحدة". 

ولذلك، حاولت ميلوني خلال زيارتها كسر حدة الخلاف، وقال فريقها: إنهم في مهمة "سلام اقتصادي". 

ورغم أن ترامب لم يستجب لتطلعات ميلوني بشأن التعريفات الجمركية خلال اللقاء، فقد رأت أنها نجحت في إقناعه بقبول دعوة لزيارة روما، قائلة: إنها ستكون مناسبة له للقاء قادة أوروبيين آخرين.

ويعني ذلك أن وجهة ترامب الأوروبية الأولى خلال ولايته الثانية قد تكون إلى العاصمة الإيطالية لا إلى لندن أو باريس أو برلين بصفتهم أصحاب الثقل في القارة العجوز.

وذكر موقع "بي بي سي" أن ميلوني ستعود إلى أوروبا بمكانة أقوى بصفتها الشخص القادر على إقناع ترامب.

وكانت ميلوني قد حرصت على الإشادة بترامب خلال الزيارة، والتوافق مع وجهة نظره، خاصة ما أطلقت عليه "أيديولوجيا اليقظة" ودعم "الحرب ضد الهجرة غير الشرعية".

فيما تلقت ميلوني الكثير من الثناء الذي أغدقه عليها ترامب، بدءا من الإشادة، بعملها كرئيسة للوزراء، وصولا إلى وصف لغتها الإيطالية بـ "الجميلة".

كما ثمن الرئيس الأميركي موقف ميلوني "الحازم" تجاه الهجرة، وقال: إنه يتمنى لو كان هناك المزيد من أمثالها. 

دعوة ماكرون 

وعلى النقيض من توجهات ميلوني، يحضر هنا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يتوافق مع ترامب في ملفات متعددة، سواء في ولايته الأولى أو الحالية. 

فخلال ولايته الأولى، تحديدا عام 2018، سخر ترامب بوضوح من ماكرون، ووجه له انتقادات عبر موقع إكس بعد زيارة أجراها إلى باريس لحضور مراسم الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى.

وكانت سخرية ترامب وانتقاداته لماكرون، على خلفية طرح الرئيس الفرنسي، بخصوص الشعبوية، ومقترحاته حول الجيش الأوروبي، والتعريفة الجمركية الفرنسية على واردات النبيذ الأميركي.

وقد علق ترامب، قائلا: "إذا كانت فرنسا تنتج نبيذا، فلدينا نبيذ رائع"، وتابع: "مشكلة إيمانويل أنه يعاني من تدني مستوى شعبيته بشدة". 

وانعكس الاختلاف في وجهات النظر سابقا على الوضع حاليا بين الرجلين، ففي 19 أبريل 2025، وبالتزامن مع عودة ميلوني من البيت الأبيض، دعا ماكرون الأجانب (الذين فصلهم ترامب) للعمل من فرنسا.

وجاء ذلك في توجه واضح مخالف لقرارات ترامب، حيث يسعى ماكرون، لجذب العلماء الأميركيين المتضررين من خفض الإدارة الإنفاق الفيدرالي على الجامعات ومراكز الأبحاث.

وغرد ماكرون عبر منصة إكس "أيها الباحثون من جميع أنحاء العالم، اختاروا فرنسا، اختاروا أوروبا".

وذلك دون أن يذكر اسم الولايات المتحدة حيث جرى فصل مئات العلماء في إطار تخفيض الإنفاق على الأبحاث، في ظل صدام أوسع نطاقا بين ترامب وجامعات رابطة آيفي ليغ.

ويأتي هذا الإعلان بعد يوم من تصريح مسؤولين بأن باحثين فارين من خطط ترامب لخفض الإنفاق سيبدؤون العمل في جامعة فرنسية.

تحديات فرنسا وألمانيا 

ومنذ أن فرض ترامب التعريفات الجمركية، كانت باريس أولى العواصم الأوروبية التي رفضت القرار.

وفي 5 أبريل 2025، حذر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو من أن الرسوم الجمركية الأميركية، تعرقل جهود بلاده لسد عجز الميزانية.

وأشار إلى أن ذلك يتسبب في مخاطر لفقدان كبير للوظائف، وكذلك خطر التباطؤ الاقتصادي وتوقف الاستثمارات.

واعتبر بايرو أن قرار ترامب سيسبب أزمة عالمية، ووصفه بالزلزال العالمي وأن الأميركيين سيكونون أول ضحاياه.

وكان موقع "دويتشه فيله" الألماني، قد توقع في 21 يناير/ كانون الثاني 2025، إبان تولي ترامب عهدته الثانية، أن الأمور لن تكون على ما يرام بين أكبر عاصمتين أوروبيتين، باريس وبرلين من جهة، وواشنطن من جهة أخرى. 

وقال في تقرير له إن ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، ستواجهان عدم الاستقرار الحكومي مع تولي ترامب الرئاسة.

وتابع: "على الرغم من كونهما محركين رئيسين لأوروبا، فإنهما يواجهان تحديات اقتصادية ومالية ضخمة".

وذكر أن ألمانيا وفرنسا، أكبر دولتين في الاتحاد من حيث السكان والاقتصاد، ستواجهان في ظل ولاية ترامب، غياب الحكومات المستقرة، مما قد يعقد اتفاق قادتهما الحاليين على كيفية التعامل مع سياسات" الرئيس الأميركي.

لن نختبئ

وكان المستشار الألماني أولاف شولتس، قد أعلن أن ولاية ترامب الثانية بمثابة "تحد لأوروبا". 

بينما رأى الرئيس الفرنسي أن أوروبا يجب أن تدافع عن مصالحها الاقتصادية، بحسب موقع "إن تي في" الألماني.

وقال شولتس، خلال اجتماعه مع ماكرون، في باريس 23 يناير 2025، "سيشكل الرئيس ترامب، وهذا أمر واضح بالفعل، تحديا، وأوروبا لن تنحني وتختبئ". 

مع ذلك لم تكن مواقف العواصم الأوروبية موحدة بشأن ترامب والخلاف معه؛ حيث كانت روما ومدريد أقرب للهجة التهدئة وعدم الصدام.

ففي 6 أبريل 2025، حذر وزيرا المالية في إيطاليا وإسبانيا خلال اجتماع مشترك، عقد في سيرنوبيو قرب بحيرة كومو الإيطالية، من الرد التصعيدي على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.

وهو الأمر الذي أبرز طبيعة الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع التدابير الأميركية الأخيرة.

فحينها دعا وزير المالية الإيطالي جيانكارلو جورجيتي إلى التزام الهدوء، بينما حذر نظيره الإسباني كارلوس كوربو، الذي يشرف أيضا على التجارة في الحكومة الإسبانية، من التصعيد.

وأوضح الوزيران أن التصعيد سيؤدي إلى ما وصف بـ "خسارة لجميع الأطراف"، في تصريحات تبرز التباين مع سعي فرنسا وألمانيا إلى رد أكثر صرامة.

الرؤية الترامبية 

وعن زيارة ميلوني إلى واشنطن، والتوترات الكامنة بين الولايات المتحدة وفرنسا، قال الباحث في العلاقات الدولية أحمد راغب إن "الرؤية الترامبية لطبيعة الحلفاء الأوروبيين لا تعتمد فقط على تقديرات اقتصادية أو أمنية، بل تنبع من تصور أعمق لدور قادة أوروبا في رسم ملامح سياسته".  

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "في هذا الإطار، فإن دعم زعيمة يمينية مثل ميلوني قد لا يكون مجرد تكتيك عابر من ترامب، بل جزءا من مشروع أوسع لتقوية التيارات الشعبوية التي تنقض على إرث النخبة الأوروبية الحاكمة".

وتابع: "اختيار ميلوني لافتتاح العلاقة الأوروبية مع البيت الأبيض لم يأت صدفة، في الوقت الذي تتزايد فيه الخلافات الاقتصادية والسياسية بين واشنطن وباريس".

وبين أن "زيارة ميلوني جاءت لتشير إلى تحول في المزاج السياسي الأميركي بقيادة ترامب تجاه أوروبا، من التنسيق مع النخب الليبرالية إلى مد اليد لقادة اليمين القومي والشعبوي". 

وأوضح أن "التقاطع بين ترامب وميلوني واضح المعالم: موقفهما من الهجرة، تحفظهما من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وشعارات الهوية الوطنية، والسيادة فوق كل شيء". 

وأضاف الباحث السياسي: "ما يجمع الزعيمين يتجاوز الأجندات اليومية إلى تصور أيديولوجي مشترك، لما يجب أن تكون عليه السياسة الأوروبية في العصر القادم الذي يطلق عليه، ما بعد العولمة". 

 أما عن تجاهل باريس، فأوضح أن الأمر: "لا يمكن قراءته خارج سياق التوتر الأميركي الفرنسي، سواء في ملفات إفريقيا، أو الطاقة، أو حتى الملف النووي الإيراني".

واستطرد: "الزيارة الإيطالية تحمل رسالة ضمنية مفادها أن واشنطن الجديدة لا تضع باريس في مقدمة الحلفاء، وأن لليمين الأوروبي صوتا وحضورا متزايدا في السياسات الترامبية العابرة للأطلسي".

واختتم: "لا يبدو أن ترامب يتحرك فقط بدافع البراغماتية السياسية، فدعمه لزعيمة مثل ميلوني يأتي في سياق إستراتيجية أوسع لتمكين التيارات القومية والشعبوية داخل أوروبا، كبديل عن التحالف الليبرالي الذي ظل مهيمنا منذ نهاية الحرب الباردة".

وتوقع أن يكون الهدف هو خلق محور يميني غربي شعبوي، يوازن قوى العولمة ومؤسساتها، التي يرفضها ترامب وإدارته.