حسابات خاطئة.. هذه فرص نجاح إستراتيجية إسرائيل في تفكيك سوريا

الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة لخلق الفوضى قد تستمر على المدى القصير لكن فرص نجاحها على المدى الطويل ضئيلة
بينما تؤكد الإدارة السورية الجديدة حمايتها لجميع طوائف البلاد دون تمييز ضمن وطن واحد، تواصل إسرائيل مزاعم عن تعرض الدروز في سوريا لاعتداءات، وهو ما تعده دمشق ذريعة لانتهاك السيادة السورية.
ففي الآونة الأخيرة، برزت مسألة مهمة حول ما إذا كانت إسرائيل تخطط لاحتلال دائم لجنوب سوريا، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في محافظة السويداء والديناميكيات التي تتشكل حول المجتمع الدرزي.
وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأناضول مقالا للكاتب التركي "عمر أوزكيزيلجيك"، سلط فيه الضوء على إستراتيجيات الكيان الإسرائيلي في سوريا وتداعياتها المحتملة.
احتلال دائم
وفي مستهل المقال، لفت الكاتب إلى أن إسرائيل لا ترغب في تعزيز السلطة المركزية في سوريا، بل تسعى إلى تفكيك البلاد إلى مناطق متفرقة على أسس طائفية وعرقية.
وهذا يتجسد في الجهود الإسرائيلية المستمرة لزعزعة الاستقرار في سوريا، من خلال الهجمات الجوية التي دمرت العديد من الأنظمة العسكرية الإستراتيجية في البلاد.
ومن خلال هذا الهجمات تمكنت إسرائيل من السيطرة على بعض الأراضي الإستراتيجية، مثل مرتفعات الجولان التي أصبحت بمثابة منطقة عازلة تخدم مصالحها الأمنية.
ويتضح موقف إسرائيل من النظام السوري وتداعياته أيضاً من خلال تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يرى أن الحكومة السورية المدعومة من تركيا، في حال سيطرتها على كامل الأراضي السورية، تشكل تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل.
ولذلك، تسعى إسرائيل إلى منع الحكومة المركزية السورية من توحيد البلاد، وتفضل إبقاء النظام السوري ضعيفا وممزقا.
كما تسعى إلى نزع السلاح من المناطق التي تشهد تنوعاً دينيا وعرقيا في جنوب سوريا، بما في ذلك محافظات درعا والقنيطرة ذات الطابع السنّي إضافة إلى محافظة السويداء الدرزية.
والهدف من ذلك هو إضعاف القوة العسكرية في هذه المناطق لضمان عدم وجود مقاومة فعالة أمام تدخلاتها المستقبلية.

بين السياسة والدين
كما لفت الكاتب إلى أنه يطلق على الزعماء الدينيين للدروز اسم "شيوخ العقل"، ويوجد شيخ عقل واحد في إسرائيل، واثنان في لبنان، وثلاثة في سوريا.
وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة التي تحصر هذا المنصب في شخص واحد وهو الشيخ موفق طريف، الذي يُقال إنّه يسعى إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي بين دروز سوريا، كما يُزعم أنه يشارك في أنشطة ضغط داخل الولايات المتحدة لدعم المصالح الإسرائيلية.
وما يميز الشيخ طريف عن غيره هو مكانة جده، الذي كان يحمل لقب "شيخ العقل الروحي"، وهو منصب كان يعلو جميع القادة الدينيين للدروز، مما يجعله أحد أقوى المرشحين لإعادة إحياء هذا اللقب.
أما في لبنان، وعلى الرغم من وجود شيخين للعقل، فإن الزعيم الفعلي للطائفة الدرزية هو وليد جنبلاط، المعروف بموقفه الصارم والمناهض لإسرائيل.
بينما في سوريا، فإن الطائفة الدرزية تشهد انقساما بين ثلاثة شيوخ عقل: الشيخ حكمت الهجري، الذي يتواصل مع إسرائيل ومع وحدات حماية الشعب ويطالب بإقامة منطقة حكم ذاتي في السويداء.
والشيخ يوسف الجربوع، الذي يميل إلى التعاون مع دمشق ويؤثر بشكل خاص على الدروز في المناطق الحضرية.
والشيخ حمود الحناوي، الذي يبتعد عن السياسة، لكنه يؤكد على وحدة سوريا ويرفض التدخل الإسرائيلي.
وبعد تصريحات نتنياهو حول "حماية الدروز"، حاول الشيخ الحناوي والشيخ الجربوع لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، لكن مصادر محلية أفادت بأن اللقاء ألغي بعد اعتراض الشيخ حكمت الهجري.
وبدلا من ذلك، التقى الشرع بقيادات درزية أخرى، منها ليث بلوش وسليمان عبد الباقي، وهما من القادة العسكريين الدروز.
وعلى الصعيد العسكري تمتلك الطائفة الدرزية أربعة تشكيلات مسلحة رئيسة في سوريا وهي: رجال الكرامة، لواء الجبل، أحرار الجبل، رجال شيخ الكرامة.
وجميع هذه الفصائل تتخذ موقفا داعما لدمشق في مواجهة إسرائيل؛ حيث ارتفع مستوى التعاون بين هذه الجماعات والحكومة السورية رغم عدم التوصل إلى اتفاق رسمي لدمجها في الجيش السوري.
وأشار الكاتب إلى أن هذا التحالف تعزز بسبب التهديد الإسرائيلي المشترك، حيث باتت دمشق ودروز الجنوب السوري يرون في إسرائيل عاملا مزعزعا للاستقرار.

التجزئة والفوضى
وتعتمد إسرائيل في إستراتيجيتها جنوب سوريا على إبقاء المنطقة في حالة من التجزئة والفوضى، بهدف إضعاف سلطة الحكومة المركزية في دمشق.
ولتحقيق ذلك، تتبع إسرائيل ثلاثة محاور رئيسة: أولا، تعميق الانقسام داخل المجتمع الدرزي. ثانيا، إضعاف شرعية الحكومة السورية لمنع رفع العقوبات عنها. ثالثا: تعزيز نفوذها من خلال الحوافز الاقتصادية.
وتحاول إسرائيل جذب الدروز إلى نطاق نفوذها عبر دعم إقامة كيان شبه مستقل في السويداء. ومع ذلك، يظل المجتمع الدرزي متنوعا سياسيا وديناميكيا؛ حيث يرفض العديد من الجماعات الدرزية قطع علاقاتها مع دمشق، وهو ما يتعارض مع التوقعات الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، برز المجلس العسكري الجديد في السويداء كطرف قد يغير ميزان القوى العسكرية في المنطقة. وتشير التقارير إلى أن هذا المجلس يتلقى دعما غير مباشر من القيادة المركزية الأميركية وإسرائيل.
وعلى الرغم من صغر حجمه، إلا أنه قد يؤدي دورا مشابها لما قامت به قوات لبنان المسيحية التي دعمتها إسرائيل خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
وتستخدم إسرائيل الحوافز الاقتصادية كأداة لتعزيز سيطرتها. ففي هذا الإطار، أعلنت إسرائيل عن مشروع لمنح تصاريح عمل لسكان الجنوب السوري في مرتفعات الجولان، حيث يمكن للدروز في سوريا العمل هناك مقابل 70 إلى 100 دولار يوميا.
بالتالي فإن هذا المشروع يهدف إلى جعل المجتمع الدرزي معتمدا اقتصاديا على إسرائيل، مما قد يؤدي إلى تحول في الهوية الدرزية على المدى البعيد، وإضعاف ارتباط الدروز بالحكومة السورية.
فمع تفاقم معدلات البطالة والفقر في المنطقة، قد يصبح الشباب الدرزي أكثر ميلا للبحث عن فرص اقتصادية داخل إسرائيل، مما يسهم تدريجيا في إبعادهم عن دمشق.

حسابات خاطئة
وتهدف سياسة إسرائيل في جنوب سوريا إلى زعزعة الاستقرار وتعميق الانقسامات الإقليمية، لكن التطورات الميدانية لم تسر كما كان متوقعا في تل أبيب، يؤكد الكاتب التركي.
فعلى الرغم من محاولات إسرائيل استمالة المجتمع الدرزي في السويداء، لم يكن المجتمع الدرزي متجاوبا بشكل واضح مع إسرائيل، بل شهدت المنطقة مظاهرات مناهضة لها، ما يعكس حالة من الرفض الشعبي تجاه تدخلات إسرائيل.
في المقابل، تعمل دمشق على تعزيز الحوار مع الدروز، في محاولة لتقليل التأثير الإسرائيلي في المنطقة.
وهذا الأمر جعل من نفوذ إسرائيل في السويداء محل تساؤل، خصوصا مع عدم وضوح مصير المجلس العسكري في السويداء، الذي قد لا يكون أداة دائمة لإسرائيل كما كان يُتوقع.
بالإضافة إلى أن مناطق درعا والقنيطرة، التي كانت تقف على الحياد أو متحفظة تجاه الحكومة السورية، شهدت توجها نحو الاقتراب من دمشق بسبب التدخلات الإسرائيلية، مما يسهم في تعزيز وحدة الصف السوري ضد التدخلات الخارجية.
بذلك تُظهر هذه التطورات صعوبة تنفيذ إسرائيل لاحتلال دائم في جنوب سوريا. فخلافا لما كانت تأمله تل أبيب، فإن مواقف القيادات الدرزية والمجموعات العربية السنية في المنطقة بدأت تسهم في تعزيز قدرة دمشق على استعادة السيطرة على الجنوب السوري.
وبالتالي، على الرغم من استمرار الإستراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى خلق الفوضى على المدى القصير، فإن فرص نجاحها على المدى الطويل تبدو ضئيلة.
وختم الكاتب مقاله قائلا: إن الاتفاق الأخير بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بشأن شرق الفرات قد يمثل دافعا إضافيا للدروز للبحث عن تفاهمات أوسع مع الحكومة السورية، مما يزيد من تعقيد الحسابات الإسرائيلية في المنطقة ويضع تحديات جديدة أمام مخططاتها في الجنوب السوري.