"حياة الماعز".. قصة 170 دقيقة أطاحت بسنوات من خطط ابن سلمان

داود علي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

“حياة الماعز” فيلم هندي أغضب النظام السعودي، بعدما أحدث دويا هائلا على جميع الأصعدة الشعبية والإعلامية، فضلا عن منصات التواصل الاجتماعي، الذي تصدر فيها لأيام هاشتاغ "حياة الماعز" أو "الكفيل".

الفيلم الذي عرض على منصة "نتفليكس" في 24 مارس/ آذار 2024، ومدته 3 ساعات، مأخوذ عن قصة حقيقية هي رواية "أيام الماعز"، التي تجسد معاناة المواطن الهندي، نجيب محمد"، الذي “اختطف” في السعودية خلال تسعينيات القرن الماضي، وتمكن من الفرار بعد مرور ثلاث سنوات.

أبطال الفيلم هم الممثل الهندي بريثفيراج سوكوماران، والفنان العماني طالب البلوشي الذي صب عليه السعوديون جام غضبهم، ومنع من دخول المملكة، بحسب الصحفي السعودي المعارض، تركي الشلهوب.

ووصف النقاد الفيلم بـ"دراما البقاء المدهشة"، بعدما كشف عن جحيم استعباد العمالة الوافدة إلى السعودية عبر نظام الكفيل "رجل سعودي هو المسؤول عن العمالة القادمة إلى البلاد، يكون هو المتحكم في حياتها وحرية حركتها وإقامتها وأجورها"، سيئ السمعة.

لكن "حياة الماعز" ترك انطباعا آخر عن مدى قوة الصورة والعمل الدرامي في الانتصار لقضية، فهناك عشرات التقارير الحقوقية الدولية التي نشرت وانتقدت نظام الكفيل، لكنها لم تأتِ بنفس ردة فعل العمل السينمائي الضخم.

قصة الفيلم 

استغرق تصوير الفيلم نحو خمس سنوات، بين الهند والأردن والجزائر، وهو من إخراج المخرج الهندي الشهير، ليسي توماس، وشهرته "بليسي". 

وعرض للمرة الأولى في الهند، ثم عرض على المنصة العالمية "نتفلكس"، منذ يوليو/ تموز 2024، ليصبح في أيام معدودة أحد أكثر الأفلام مشاهدة على المنصة.

ومع نزول الترجمة العربية الخاصة بالفيلم منتصف أغسطس/ آب 2024، انفجرت ردود الأفعال داخل العالم العربي والشرق الأوسط.

وتبدأ قصة الفيلم عندما يصل نجيب إلى السعودية وفي المطار لا يفهم لغة الموظفين، ولا يجد كفيله الذي كان من المفترض أن يستقبله.

ويصبح عرضة للنصب والاحتيال بل الاختطاف من أصحاب البلد، ثم يظهر كفيل “وهمي” سعودي صارم الملامح قاسي الطباع عنيف المعاملة.

اصطحبه في سيارة متهالكة في رحلة نحو الصحراء القاحلة، يسبه كلما تكلم، يوبخه كلما سأل، يضربه كلما اعترض، وأخذه إلى المجهول أو إلى جحيم الصحراء لرعاية الماعز.

ظل نجيب 3 أعوام في قبضة الكفيل السعودي، تحول فيها إلى شخص آخر، فقد وزنه، طالت لحيته، وتغير لون جسده.

كما تعرض لأبشع أنواع التنكيل، فلا ماء ولا طعام إلا بإذن الكفيل، لم ير إلا الماعز فبات يعيش حياتهم، يأكل أكلهم، حتى فقد القدرة على الكلام، إلا بعضا من أصوات يطلقها الماعز بين الحين والآخر.

في إحدى اللقطات يتوسل (نجيب) في مشهد مؤثر يمزق القلب والدموع تنهمر من عينيه على وجهه، وهو يحكي كيف باع كل شيء وغادر عائلته، سعيا وراء وظيفة موعودة، لكن كلماته باللغة المالايالامية لم تجد صدى لدى كفيله.

أما مشهد النهاية في الفيلم قبل عودة نجيب إلى الهند مرة أخرى كشف عن مفاجأة مذهلة داخل مصلحة الجوازات وقسم الترحيلات، وهي أن السعودي الذي اصطحب نجيب من المطار لم يكن بالأساس كفيله الحقيقي، وهو ما يوضح بشاعة هذا النظام الذي راح ضحيته آلاف البشر عبر سنوات طويلة.

رؤية فنية 

ينتمي فيلم "حياة الماعز" إلى ما يعرف بـ"سينما الواقع"، حيث إنه في عام 2008 تسلم المخرج الهندي بليسي رواية "أيام الماعز" التي حققت انتشارا كبيرا حينها، نظرا إلى وجود نحو 2.1 مليون هندي من ولاية كيرالا (التي ينتمي إليها نجيب) يعيشون خارج وطنهم، وما يقرب من 90 بالمئة منهم يعيشون في دول الخليج ومعظمهم في السعودية.

بدأ المخرج بليسي في إدخال بعض التعديلات على الرواية لتحويلها إلى عمل سينمائي ضخم.

لكنه رغم علمه بتفاصيلها المجملة كونها حديث الناس في الولايات الجنوبية الهندية، ذهل حين قرأها بشكل دقيق ونقدي.

 وفي تعليقه على تلك الرواية في حديثه لموقع "بي بي سي" البريطاني، قال بليسي: "من السمات البارزة لهذه القصة هو امتزاج الهويات بين الإنسان والحيوان، فهذا الرجل يفقد هويته ببطء كإنسان، ويصبح واحدا من تلك الحيوانات، لم أقرأ شيئا كهذا من قبل".

وبحسب المعلومات الفنية الواردة عن الفيلم في موقع السينما العالمي "IMDB" فقد استخدم "بليسي" تقنيات التصوير باستخدام الإضاءة الطبيعية لتعزيز واقعية المشاهد.

كما استخدام اللقطات العريضة (Wide Shots)، لالتقاط المناظر الطبيعية الشاسعة وإبراز البيئة التي تعيش فيها الماعز.

وقام بالتصوير باستخدام كاميرات محمولة (Handheld Cameras) لتحقيق تأثير وثائقي وشعور بالاندماج مع الشخصيات والبيئة.

لكن تلاعب المخرج بالألوان الطبيعية أضفى بعدا مختلفا، فكان دائما يستخدم الإضاءة الصفراء في مشاهد السعودية، كتعبير عن الصحراء القاحلة والقسوة والكآبة. 

في حين أنه استخدم الإضاءة الطبيعية المبهرة في مشاهد الهند للتعبير عن السعادة والطمأنينة وصور الغابات الخضراء والأنهار. 

هدم المعبد 

تلك التفاصيل جعلت من فيلم "حياة الماعز" أيقونة كشفت عوار نظام الكفيل داخل السعودية.

لكنه أغضب نظام محمد بن سلمان الذي أطلق العنان للذباب الإلكتروني، خاصة أن ذلك النظام ومندوبه في رئاسة هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، أنفقوا مليارات الدولارات لرسم صورة جديدة للسعودية أمام العالم.

فعلى مدار سنوات نظموا الحفلات، وغيروا القوانين، وبدلوا الهوية، واستضافوا مناسبات عالمية كبرى، في محاولة لتوجيه رسالة مفادها أن السعودية قادمة وبقوة نحو رؤية 2030 وكأس العالم 2034.

لكن ما فعله فيلم "حياة الماعز" أنه هدم المعبد فوق الرؤوس، وفتح نقاشا لن يتوقف عن حقوق العمال في السعودية وفعالية الإجراءات التي أدخلتها على نظام الكفالة منذ مارس 2021 فيما عرف بخدمة التنقل الوظيفي ومبادرة تحسين العلاقات التعاقدية.

وبالحديث عن نظام الكفالة محور الفيلم وسبب النقد، فإنه نظام يتطلب من جميع العمال الوافدين أن يكون لديهم كفيل داخل البلد.

عادة ما يكون صاحب العمل، المسؤول عن تأشيراتهم ووضعهم القانوني، خاصة أن تصريح الدخول والعودة للعامل الوافد إلى السعودية لا يتم إلا بموافقة الكفيل.

كذلك الإقامة تجدد سنويا من خلال مبلغ مالي يدفعه للكفيل، وهو الذي يقوم بأي إجراءات تتعلق بالتأمين الطبي على العامل، ويشترط الحصول على موافقة الكفيل للانتقال من عمل لآخر أو الانتقال إلى كفيل آخر.

وظل هذا النظام مطبقا بوضعه القديم في السعودية لمدة 72 عاما، قبل أن تحدث بعض التعديلات التي لم تحسن الأوضاع إلا قليلا. 

وفي مارس 2021 أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية تقريرها عن إشكاليات نظام الكفيل في المملكة.

وقالت المنظمة إن "ثروة السعودية واقتصادها بنيت على ظهر ملايين العمال الوافدين، وحان الوقت لتغيير جذري بمنحهم الحماية القانونية، وضمانات الحقوق التي يستحقونها".

قوة الدراما 

وقال الناقد الفني عبد الرحمن الشرقاوي، إن "الدراما والسينما ليست مجرد أعمال فنية وليدة الحالة وتنتهي، بل هي توثيق يظل قائما لسنوات طويلة، ويحفر في وجدان ملايين البشر". 

وأوضح الشرقاوي لـ"الاستقلال" أن "فيلم حياة الماعز وثق لظلم نظام الكفيل، ولما يحدث للعمال الهنود تحديدا في السعودية وبعض دول الخليج، وهو توثيق يتجاوز عشرات التقارير الحقوقية والمقالات الصحفية، التي تقرأ ويتم تجاوزها في أيام وشهور على الأكثر". 

وأضاف: "يجب ألا نستهين بقوة الصورة واللقطة، فهناك صورة غيرت مسار غزو الولايات المتحدة لفيتنام في الستينيات، عندما قام رئيس الشرطة الوطنية في فيتنام بسحب أسير إلى وسط الشارع مدينة سايغون، وأطلق عليه رصاصة في رأسه ليرديه قتيلا ببرودة".

واستطرد الشرقاوي: "كان على بعد أمتار، يقف المصور الأميركي إدي آدامز، الذي اقتنص هذه اللحظة التاريخية القاسية، في صورة خالدة، صنعت الكثير وغيّرت وجهة الرأي العام باتجاه الحرب في فيتنام".

وتابع: "الدراما حاليا قادرة على تغيير سياسات دول كبرى، وهي بمثابة غزو ناعم أيضا، وقد رأينا الهند نفسها تغزو الولايات المتحدة بالدراما، وتركيا وصلت إلى أميركا اللاتينية بمسلسلاتها المشهورة".