لقاء جديد.. ما أهداف روسيا من الدخول على خط قضية الصحراء الغربية؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تستغل روسيا قربها من الجزائر والمغرب لمحاولة اللعب على وتر الصراع بين الدولتين، ووضع موطئ قدم لها في المنطقة المغاربية من بوابة قضية الصحراء.

وحل المبعوث الأممي إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا، في روسيا، 11 مارس/آذار 2024، وأجرى لقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائبه، سيرغي فيرشينين.

وأكد الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في نفس اليوم خلال الإحاطة الصحفية اليومية، أن "الزيارة كانت بعد توجيه السلطات الروسية دعوة إلى دي ميستورا".

وتأتي هذه الزيارة بعدما سبق لدي ميستورا أن لبى دعوة سابقة لحكومة جنوب إفريقيا، 31 يناير/كانون الثاني 2024، لحضور اجتماعات لمناقشة ملف الصحراء الغربية.

وهو ما استنكره المغرب وأعرب عن "رفضه لأي دور لجنوب إفريقيا في الملف"، مما يجعل زيارة دي ميستورا لروسيا تحمل دلالات متعددة.

زيارة مختلفة

ورأى الخبير في قضية الصحراء إبراهيم بلالي السويح، أن حلول دي ميستورا بروسيا، مختلف تماما عن زيارته الغريبة إلى جنوب إفريقيا في فبراير/شباط 2024.

وقال السويح لموقع "هسبريس" المحلي، 12 مارس 2024، إن "موسكو عضو دائم بمجلس الأمن، ولها دور في تقريب وجهات النظر، وربما زيارة دي ميستورا أخذت في الحسبان وزن روسيا في الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الجزائر والمغرب".

ورأى أن "العلاقة بين الرباط ودي ميستورا ليست مقطوعة، خاصة وأن الرباط تحفظت فقط على ذهابه إلى جنوب إفريقيا".

وأشار إلى أن "دي ميستورا يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى ينجح في تحريك المياه الراكدة في هذا الملف".

وشدد المتحدث ذاته أن "ما حدث في جنوب إفريقيا لا يرقى إلى مرتبة فقدان الثقة بين المغرب ودي ميستورا، لكنها مناسبة مهمة لتبيان موقف الرباط برفض وساطة من دول منحازة".

بدوره، أكد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن زيارة دي ميستورا لروسيا مختلفة عن زيارته السابقة لجنوب إفريقيا، نظرا لكون الأخيرة معروفة بعدائها للوحدة الترابية للمملكة.

وأضاف في حوار مع موقع "القناة الثانية" المغربية، 15 مارس 2024، أن "المغرب كان واضحا وأكد أنه لن يسمح بأن تصبح صحراؤه أرضا للمناورة الدبلوماسية لجنوب إفريقيا".

واسترسل، "فيما يتعلق بروسيا، أعتقد أن لقاء دي ميستورا بلافروف غير مقلق بالنسبة للمغرب لعدة أسباب، أبرزها أن روسيا عضو دائم بمجلس الأمن، وطرف مركزي في توازن القوى، كما أن علاقتها جيدة بالمغرب، ولم يسبق أن اتخذت موقفا مناوئا له".

وقال الأستاذ الجامعي، إن هذه الزيارة ربما قد تكون مفيدة للمغرب، لأنها تفتح المجال أمام حوار جديد مع الدبلوماسية الروسية.

وأوضح أن "المغرب من واجبه أن يعمل خلال المرحلة المقبلة على جعل روسيا تتخلى عن صمتها وتصوت لصالحه".

من جانبه، أوضح خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن "هذه الزيارة ينطبق عليها ما قاله المتحدث باسم دي ميستورا، بأن الأخير له الحق في زيارة ما يشاء ومن يشاء، وله الحق في وضع التصورات التي تناسبه للخروج من الوضعية التي توجد فيها قضية الصحراء المغربية".

وذكر شيات لموقع "آشكاين" المحلي، 12 مارس 2024، أن "هذه الزيارات يجب أن تكون لها منهجية وآلية متجانسة، لأن زيارته لروسيا بوصفها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ولها تأثير على القرارات، مسألة طبيعية ومفهومة".

واسترسل: "لكن أن يزور دولة كجنوب إفريقيا فهذا الأمر ليس فيه قدر من الإيجابية، بل كان سلبيا بشكل كبير، لأنه اتجه لدولة تعلن عداءها التام وغير المشروط ضد الوحدة الترابية".

وأردف المتحدث ذاته أن "ما جاء في كلمات بلاغ الخارجية الروسية يبقى منطقيا من دولة حافظت دائما على مستوى من المسؤولية الدولية في علاقتها بمجموعة من القضايا الدولية بما فيها قضية الصحراء المغربية".

وخلص إلى أن "الحديث هنا ليس عن زيارات دي ميستورا، ولكن عن طبيعتها والمغزى منها والمخرجات التي يمكن أن تأتي بها، وما إن كانت سعيا منه لإيجاد الحل أم أنها دليل على تخبط وعدم وجود رؤية واضحة، وكلها أمور تبقى واردة وممكنة".

تفاعل البوليساريو

في تفاعله مع الزيارة، أكد أبي بشرايا البشير، ممثل جبهة البوليساريو بسويسرا ولدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف، أن أهميتها تنبع من المكان والظرف الذي تحدث فيه.

وأضاف البشير لصحيفة "الشروق" الجزائرية، 12 مارس 2024، أن روسيا، بالإضافة إلى كونها عضوا في مجموعة ما يسمى بـ"أصدقاء الصحراء" داخل مجلس الأمن الدولي، فهي البلد الوحيد دائم العضوية في المجلس الذي دأب على التحفظ بشدة على القرارات المنحازة لمقاربة "الاحتلال المغربي"، وفق تعبيره.

ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو حول إقليم الصحراء، بدأ بعد انتهاء الاحتلال الإسباني، قبل أن يتحول لمواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وانتهت بتوقيع اتفاق برعاية أممية.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

أما فيما يتعلق بالسياق الذي تجري فيه الزيارة، فقال عنه المتحدث ذاته بأنه "دقيق للغاية بالنظر إلى الضغوط الكبيرة التي يمارسها المغرب ضد دي ميستورا لإفشال مهمته ودفعه إلى الاستقالة".

ورأى البشير أن روسيا "تريد إعادة إطلاق مسار التسوية السياسية بناء على قرارات الأمم المتحدة وميثاقها، وهي تعترض دائما على الطريقة التعسفية واللاديمقراطية التي يتم من خلالها فرض مسودات قرارات المجلس دون نقاش تشاركي من طرف جميع الأعضاء".


 

وأضاف أن "روسيا، إذا أرادت، من الممكن أن تلعب دورا هاما في إحداث التوازن المفقود الآن داخل المجلس والذي بسببه يخرج مسار التسوية السياسية عن سكته الشرعية الأصلية المتفق عليها والمتمثلة في استفتاء تقرير المصير"، وفق رأيه.

من جانبه، ذكر موقع "الشعب" الجزائري، أن هذه الزيارة تأتي في سياق تحضيرات روسيا لجلسة مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المقررة في أبريل/نيسان 2024.

وأضاف، "مع العلم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2703 يحدد مدة 6 أشهر كمهلة للمبعوث الشخصي لاطلاع الأعضاء على تطورات النزاع والجهود التي قام بها".

واسترسل، "يتوقّع أن تُركز جلسة مجلس الأمن القادمة على تقييم مسار العملية السياسية وإمكانية استئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية".

 كما يرتقب أن يقدّم دي ميستورا إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن حول تطورات القضية الصحراوية والجهود التي بذلها خلال فترة ولايته، وفق تقديره.

ورأى المصدر ذاته أن هذا الاستقبال يؤشّر لاهتمام روسيا بالملف ودعمها للجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حلّ سلمي وعادل للنزاع.

أوجه متضاربة

وبدوره، قال الكاتب المغربي بلال التليدي، إن وجهات النظر تضاربت إزاء زيارة ستيفان دي ميتسورا المبعوث الشخصي للأمين العام المكلف بملف الصحراء إلى موسكو، خاصة وأنها لم تخلف نفس ردود الفعل التي خلفتها زيارته إلى جنوب إفريقيا.

وأضاف التليدي في مقال رأي نشره عبر "القدس العربي" اللندني، 15 مارس 2024، "فالمغرب الذي انتقد بشدة زيارته إلى جنوب إفريقيا بحجة أن هذه الدولة ليست طرفا معنيا بالصراع، ولا يمكن لها بأي حال أن تقدم شيئا لهذا الملف، لم يعلق على زيارته الأخيرة إلى موسكو، بينما رحبت بها جبهة البوليساريو".

واسترسل، من الواضح أن هناك خلافا جوهريا بين الزيارتين لكل من جنوب إفريقيا وروسيا، وذلك على الأقل من ثلاثة جوانب، أولها أن روسيا من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، وهي الصفة التي لا توجد عند جنوب إفريقيا.

وتابع التليدي، والثانية، أن جنوب إفريقيا دولة داعمة لجبهة البوليساريو معادية للرباط، في حين حصلت تطورات كثيرة في الموقف الروسي تجاه ملف الصحراء، وأصبحت موسكو أقرب إلى الراعي المحايد الذي يدعم حلا سياسيا ويرعى مصالحه بشكل متوازن مع كل من الرباط والجزائر.

وأما الجانب الثالث وفق الكاتب، فهو أن السياق الدولي والإقليمي، صار يدفع روسيا بشكل حثيث إلى أن تعيد تموضعها في العالم العربي، بل أيضا في منطقة الساحل جنوب الصحراء، بخلاف جنوب إفريقيا، فليس لها الأهلية والقدرة على أن تتطلع للعب دور بهذا الحجم.

وقال التليدي إن كلا من الدبلوماسية الجزائرية والمغربية، فضلا الصمت وعدم التعليق على هذه الزيارة، إلا أن وسائل الإعلام في البلدين اتخذت مسارا مختلفا.

وأردف، فالإعلام الرسمي الجزائري، لا يختلف في تعليقه عن أطروحة البوليساريو التي تتمنى أن يكون للدور الروسي أثر في إعادة عقارب الساعة قليلا إلى الوراء.

 وتحديدا قبل السنوات الثلاث الماضية التي صدرت فيها قرارات لمجلس الأمن بخصوص الصحراء، والتي نظر إليها جزائريا على أنها غير متوازنة وأنها تخدم الموقف المغربي.

وذكر الكاتب أنه يمكن أن نفسر الصمت المغربي عن التعليق من زاويتين، الأولى، وهي التريث حتى تظهر خلفيات الزيارة ومقاصدها، خاصة أن طلب الزيارة كان من موسكو، وليس من المبعوث الشخصي للأمين العام.

وأضاف: "والثانية، أن المغرب يدرك أن روسيا لا تتطلع فقط إلى لعب دور أساسي في حل ملف الصحراء، بل تنظر إلى المبادرة الأطلسية على أساس أنها مناورة ذكية، يصعب أن تبقى فيها على موقع الحياد".

وكان المغرب قد أعلن عن مبادرة أطلسية في ديسمبر/كانون الأول 2023، بغية تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، بمشاركة مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد.

ورأى التليدي أن تحرك روسيا في قضية الصحراء ناتج عن تفكيرها في إيجاد موطئ قدم قوي وذي تنافسية كبيرة في منطقة الساحل جنوب الصحراء، من بوابة مشروع الواجهة الأطلسية، الذي جاء بفكرة إدماج هذه الدول في التنمية، بدل عزلها سياسيا.

وشدد أن روسيا تدرك أن الدينامية المغربية، تحظى بدعم قوي، وستكون موسكو أكبر خاسر إن لم تنضم إليها وتكن طرفا قويا فيها.

ولذلك، تأتي دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام لإيجاد التركيب الأساسي، الذي يتخذ من دور روسي للدفع بمسار التسوية إلى الحل عنوانا لحجز مقعد فاعل في الديناميات الدولية تجاه منطقة الساحل جنوب الصحراء.

أما رضوان أجديد، الباحث في العلاقات الدولية، فرأى أن العلاقات المغربية الروسية جيدة، ولم يسبق لموسكو أن أقدمت على مناورات ضد المملكة، متوقعا أن تكون مباحثات بين موسكو والرباط في الفترة القادمة حول الملف.

واسترسل أجديد لموقع "مدار 21"، في 16 مارس 2024: "رغم أن روسيا لا تصوت على القرارات الصادرة من مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء، إلا أن ذلك لا يعني عداوة مع المغرب، بل بسبب تحفظها عليها نظرا لعلاقتها المتوترة مع الولايات المتحدة بصفتها حاملة قلم وراعية ملف الصحراء المغربية في المجلس المذكور".

وشدد أجديد أن الوقت حان للدبلوماسية المغربية للتحرك أكثر نحو روسيا، وإقناعها بالخروج عن صمتها والإعلان عن دعم مبادرته، خاصة أن العلاقات الاقتصادية المغربية الروسية تتطور بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، "ويمكن للعلاقات السياسية أن تتطور أكثر".

ويرى الباحث في العلاقات الدولية أن الرباط عبرت بما يكفي عن رفضها لزيارة دي ميستورا لجنوب إفريقيا.

 "وفي الفترة القادمة سيستمر في مطالبته بالعودة للموائد المستديرة، بمشاركة أطراف النزاع، وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو"، وفق تقديره.