أتباع علي صالح يقلقون الحوثيين.. ما طبيعة نشاطهم السياسي والعسكري؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تواصل عشيرة الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح لعب أدوار سياسية وعسكرية في مشهد البلد الذي يحتل موقعا إستراتيجيا مهما في جنوب الجزيرة العربية.

إذ ما يزال أبناء وأنصار صالح الذي قتل عام 2017، يسعون للدخول في تحالفات تمنحهم حضورا فاعلا وسط استمرار القتال بين الحكومة المعترف بها دوليا، ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

ولا يبدو في الظاهر أن أحدا من أتباع علي صالح يشارك في المناقشات الدائرة بين الحكومة والحوثيين لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول.

ولكن وراء الكواليس تشير الوقائع إلى ممارسة أتباع صالح أدوارا على مستويات متعددة في المعادلة العسكرية والسياسية في اليمن.

وقتل علي عبد الله صالح، على يد حلفائه من الحوثيين في 2017 بعد إعلانه فك التحالف معهم والدعوة لقتالهم.

وقد كان صالح الذي حكم البلاد 33 عاما، قد مكن الحوثيين وقدم لهم الدعم العسكري، ومدهم بالسلاح، ودفعهم للانقلاب على الشرعية والنظام السياسي برئاسة عبد ربه منصور هادي في 21 مارس/آذار 2014.

وأعقب ذلك السيطرة على مؤسسات الدولة في ثورة مضادة على ثورة الشباب التي اندلعت في فبراير/شباط 2011.

تحالف صالح وأركان نظامه وشبكته السياسية والاجتماعية مع الحوثيين، كان غير معلن في البداية منذ أن سلم السلطة في فبراير 2012.

وبعد أن شن التحالف بقيادة السعودية عملية "عاصفة الحزم" في مارس  2015، أظهر صالح تحالفه مع الحوثي بشكل معلن لمقاومة ما أسماه "العدوان على اليمن".

ودفع اغتيال صالح الحوثيين للدخول في مواجهة مع قبائل "حاشد" التي تعد واحدة من أكبر القبائل اليمنية وينتمي الرئيس الأسبق لفرعها "سنحان".

"دور استخباراتي"

وفي هذا الصدد، كشف موقع "إنتليجنس أونلاين" الفرنسي الاستخباراتي، في تقرير له نشر في 14 مايو 2024 عن مواصلة عشيرة علي صالح قيادة الجهود الاستخباراتية المناهضة للحوثيين.

وبإعلان الأجهزة الأمنية التابعة لمليشيا الحوثيين، في بيان صحفي صدر في 6 مايو 2024، أنها ألقت القبض على العديد من العملاء اليمنيين التابعين لخلية استخباراتية، فإنها تعيد إطلاق حملة مطاردة لمؤيدي علي عبد الله صالح.

وقد بثت وكالة أنباء "سبأ نت"، التابعة للحوثيين، تسجيلا مصورا للموقوفين، وقالت إن "هؤلاء الجواسيس تم تجنيدهم للعمل على جمع معلومات، ورصد مواقع تابعة للقوات المسلحة اليمنية في الساحل الغربي للجمهورية اليمنية لصالح العدو الأميركي والإسرائيلي بقيادة عمار عفاش، وهو بحالة فرار".

وقالت المليشيا التي يقودها عبد الملك الحوثي إن الوحدة المعروفة باسم "القوة 400" التابعة للحكومة المعترف بها دوليا في عدن، انتشرت في غرب اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين لجمع معلومات عن موقع مستودعات الأسلحة والسفن التابعة للأخيرة بعد بدء شن هجمات في البحر الأحمر.

وتشن جماعة الحوثي اليمنية هجمات على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويرى مراقبون أن الحوثيين باتوا أقوى من أي وقت مضى، وأن الهدنة التي وقعوها مع الحكومة الشرعية في أبريل/نيسان 2024، منحتهم الكثير من الفرص لإعادة بناء قدراتها العسكرية.

وقائد "القوة 400" هو عمار عفاش، ابن شقيق علي صالح، وكان قائد خلية التجسس اليمنية، واسمه الكامل عمار محمد عبد الله صالح الأحمر.

وشغل عفاش منصب مدير لجهاز الأمن الوطني خلال رئاسة عمه التي استمرت من 1990 حتى 2012، ثم تم تعيينه ملحقا عسكريا في إثيوبيا عام 2013.

ومع ذلك، فقد ظل صامتا منذ أن أقاله الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي عام 2015، بعد شهادة عميل سابق لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب على قناة الجزيرة الإخبارية، والتي أشارت إلى تورطه ماليا في عملية الهجوم على السفارة الأميركية في صنعاء عام 2008.

وبالإضافة إلى عفاش، يواصل أقارب آخرون لعلي عبد الله صالح العمل في الدوائر الأمنية اليمنية.

ويشغل أحد أبناء أخيه، وهو طارق صالح، منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي اليمني وهو كذلك أحد قادة ألوية العمالقة، المعروف الآن باسم لواء عمالقة الجنوب، وهو تابع للإمارات- وهي جماعة مدعومة تعمل على توسيع نفوذها في جنوب اليمن.

وتحالف طارق صالح مع الحوثيين بعد سيطرتهم على صنعاء عام 2014، وبعد اغتيال عمه تحول إلى مناوئ لهم وحليف للإمارات في عدن.

وطارق صالح عضو في مجلس القيادة الرئاسي الذي شكله الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي بقرار جمهوري في 7 أبريل/ نيسان 2022.

والهدف من تشكيل مجلس القيادة هو أن يكون جزءا من الحل السياسي الشامل للحرب اليمنية، حيث تنازل منصور هادي بموجب القرار عن كامل صلاحياته الرئاسية لصالح المجلس، الذي شكل برئاسة رشاد محمد العليمي وعضوية 7 أعضاء بدرجة نائب رئيس.

وتشهد مناطق باب المندب اليمنية، صراع نفوذ محتدما بين عدد من التشكيلات العسكرية المدعومة من الإمارات والسعودية، وتحديدا بين القوات المشتركة بقيادة طارق صالح، وقوات العمالقة بقيادة عبد الرحمن المحرمي "أبو زرعة".

حضور عسكري

وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة جرى تشكيل القوتين "المشتركة" و"العمالقة" عام 2015.

وطارق صالح لا تقتصر تحركاته داخل اليمن، إذ ينفذ جولات خارجية بوصفه عضوا في مجلس القيادة الرئاسي اليمني.

فقد وصل طارق صالح، في 27 فبراير/شباط 2024 إلى العاصمة البريطانية لندن، وعقد لقاءات مع مسؤولين في البرلمان ووزارة الخارجية البريطانية، وفق وكالة سبأ الحكومية.

وأضافت الوكالة أنه شارك في ندوة مع المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" تستعرض جهود الأمم المتحدة في اليمن والأوضاع التي تقوّض عملية السلام وجهود مجلس القيادة الرئاسي في هذا الإطار.

كما بحث طارق صالح، مع الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية أورسينيو فيلايسكو، سبل احتواء كارثة السفينة "روبي مار" في البحر الأحمر، ومخاطر الهجمات الحوثية وأحداث القرصنة ضد النقل البحري المدني العالمي.

ومن الجانب الآخر، يحظى أحمد علي عبد الله صالح سفير اليمن السابق في الإمارات من 2013 حتى 2015 وهو أكبر أولاد الرئيس الأسبق، بنفوذ قوي لدى الإمارات ويقيم حاليا في أبوظبي.

ويلعب أحمد الذي شغل منصب قائد الحرس الجمهوري اليمني لمدة 8 سنوات، من أبو ظبي دورا في لملمة صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي تأسس بقيادة والده علي صالح في 24 أغسطس/آب 1982 قبل أن يتوزع الحزب إلى تيارات عديدة عقب مقتل المؤسس عام 2017.

ويؤكد مراقبون أن هناك مؤشرات على رغبة أبوظبي والرياض في إعادة توظيف حزب، المؤتمر الشعبي اليمني بمهمة بناء سلطة شمولية تحل بديلا عن تركة ثورة التغيير وسطوة مليشيا الحوثي المسلحة.

لملمة الصفوف

وهنا يشير الكاتب اليمني عامر الدميني، إلى أن "اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام بنسخته المتبقية في العاصمة صنعاء وافقت في 2 مايو 2019 على اختيار أحمد علي عبدالله صالح نائبا لرئيس الحزب".

وأضاف الدميني خلال مقال نشره في أغسطس 2022: “لم يعترض الحوثيون على تعيين أحمد بذلك المنصب الحزبي، ويرأسه في صنعاء القيادي المؤتمري صادق أمين أبو راس”.

ويعمل الأخير في ظل سيطرة كاملة للحوثيين على الدولة، بمشاركة شكلية للحزب في المجلس السياسي المتشكل بالمناصفة بين الطرفين في 28 يوليو/تموز 2016.

كما يعمل تحت انخراط أغلب قيادات الحزب الميدانية بالمحافظات والمديريات في التعاون مع الحوثيين، وقد كانوا ركائز أساسية لتمدد الجماعة في المحافظات، منذ وقبل وعقب سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وفق الدميني.

وينوه إلى أن "أحمد التقى بأحد محافظي اليمن (لم يذكر اسمه) في مسكنه بأبوظبي وأبلغه أنه يتطلع للعمل مع شخصيات في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن".

ويعيش نجل صالح المطوق بعقوبات أممية كأحد معرقلي السلام في اليمن، مع تسعة من أولاده في أبوظبي.

وهنا يضيف الدميني، "في مكتبه بأبوظبي يمتلك أحمد علي سكرتارية كاملة لإدارة شؤونه الخاصة والعامة، ولقاءاته مع ضيوفه والمترددين عليه".

وراح يقول: "وللإشارة هنا فإن الفترة التي قضاها نجل صالح سفيرا لدى الإمارات مثلت حينها ذروة التصعيد الداخلي في اليمن ضد نظام هادي، وتقدم الحوثيين نحو صنعاء، وإسقاطهم لها، بتواطؤ إماراتي سعودي".

وضمن هذا الإطار، ذكرت قناة "بلقيس" اليمنية، أن "السعودية والإمارات تخططان عبر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي إلى إعادة هندسة وتشكيل المشهد اليمني وفق رؤية لا علاقة لها بالقرارات الأممية أو مخرجات الحوار والمبادرة الخليجية".

وأضافت القناة في 22 أغسطس 2022، أن "أبو ظبي والرياض تخططان لإعادة أحمد علي عبد الله صالح إلى المشهد من بوابة حزب المؤتمر، الذي بات أشبه بحصان طروادة، الذي استخدمته مليشيا الحوثي في الانقلاب الأول، وينفذ من خلاله التحالف الانقلاب الثاني".

وبعد الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن والسيطرة على صنعاء عام 2014، دخلت الإمارات إلى البلاد تحت مظلة "التحالف العربي" الذي شكلته السعودية عام 2015 لإيقاف تقدم الحوثيين، والذين لا يزالون يتحكّمون في عدد من المدن اليمنية.

ورغم إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن عام 2019، لكنها لا تزال تتحكم بأذرعها التي سلحتها ودربتها في جنوب البلاد، ومن أبرزها "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة عيدروس الزبيدي، والذي يسعى إلى الانفصال وإعلان دول منفصلة في الجنوب.

وضمن هذه الجزئية، يرى الدميني في مقال نشره في أغسطس 2022، أن “الإمارات تقدم نفسها اليوم صانعة للزعماء والحكام في المنطقة، وهي المهمة التي كانت تضطلع بها السعودية طوال العقود الماضية، وتنافسها اليوم”.

بل وتسحب البساط من تحت قدمها أبوظبي، التي ترى أن عودة نجل صالح للحكم في اليمن انتصارا لها على الربيع العربي الذي حولته لخصم، وجندت نفسها لوأده، والقضاء على كل الأطراف التي انخرطت فيه، في أكثر من دولة عربية، وفق قوله.

وتابع الدميني: "بل وتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بإعادة ذات الأنظمة لواجهة الحكم من جديد، كما يحصل في اليمن، أو إنتاج أنظمة جديدة موالية لها، وتنفذ أجندتها في مواجهة شعوبها المغلوبة، منعا لتكرار أي ثورة شعبية مستقبلا، كما هو الحاصل في مصر".