من الزوارق البسيطة إلى الغواصات.. تطورات "مقلقة" بالبحرية الإيرانية

"التهديد البحري الإيراني يتطلب الرد"
"من الاعتماد على الزوارق البسيطة السريعة في مضيق هرمز إلى المغامرة بالوصول إلى المحيطين الأطلسي والهادئ عبر غواصات وسفن كبرى".
بهذه الكلمات حذرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية واشنطن من تطور سلاح البحرية الإيراني، مدعية أنه "أصبح محور العسكرية الإيرانية في الوقت الراهن".
:quality(70)/cloudfront-us-east-1.images.arcpublishing.com/archetype/KYW5RIDHH5ASDN7Q4M3RTDP2KQ.jpg)
ساحة معركة
وقالت المجلة إنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح البحر الأحمر ساحة معركة حقيقية.
إذ أطلقت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران صواريخ وطائرات مسيرة مسلحة؛ لضرب السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر إلى إسرائيل، ما نتج عنه غرق سفينتين وإلحاق الضرر بعشرات السفن الأخرى.
"ومن خلال تعطيل الممر -الذي يمر عبره ما لا يقل عن 12 بالمئة من إجمالي التجارة الدولية سنويا- تسببت هجمات الحوثيين في ارتفاع تكاليف الشحن إلى حد كبير، وقلبت النظام التجاري رأسا على عقب"، وفق المجلة.
وتعهدت جماعة الحوثي بمواصلة استهداف السفن التجارية الإسرائيلية حتى تنهي تل أبيب عدوانها على غزة.
وتعليقا على ذلك تقول المجلة: "ربما يقود الحوثيون هذا الهجوم، لكنهم لا يتصرفون بمفردهم".
وأضافت: فطهران قدمت الأسلحة والمعلومات الاستخبارية لدعم حملة الحوثيين في البحر الأحمر، وأيد قادة البلاد الهجمات على السفن التجارية الإسرائيلية.
وتابعت: "دعم إيران للحوثيين في تلك الهجمات مجرد جزء واحد من تحول إستراتيجي أوسع لإيران، يعتمد بشكل متزايد على القدرات البحرية لإبقاء أعداء طهران في موقف دفاعي".
ولفتت المجلة إلى أنه "حتى ما يقرب من أربع سنوات مضت، كانت أنشطة إيران في البحر تقتصر إلى حد كبير على عدة مئات من الزوارق السريعة للحرس الثوري الإيراني، التي تقوم بدوريات في الخليج، هذا فضلا عن تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز".
واستدركت: "لكن في الآونة الأخيرة، حازت القوات البحرية الإيرانية سفنا أكثر تقدما، بما في ذلك غواصات جديدة وسفن حربية مسلحة بالصواريخ، كما بدأت تغامر بالوصول إلى المحيطين الأطلسي والهادئ".
إذ أدخلت إيران العديد من التغييرات الملحوظة أثناء تطوير إستراتيجيتها البحرية، وفق المجلة.
فقد اضطلعت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بدور مهيمن؛ إذ كانت تتألف تاريخيا من أسطول من الزوارق السريعة الرشيقة التي تتحرش بالسفن الأميركية في الخليج العربي ومضيق هرمز.
وفي الوقت نفسه، قامت القوات البحرية التقليدية الإيرانية -التي تحوز سفنا أكبر- بتسيير دوريات، ونفذت عمليات لمكافحة القرصنة، وجمعت معلومات استخباراتية في المياه البعيدة، وهي مهام دفاعية في الأساس.
مع ذلك، اختفى التفاوت في قدرات سلاحي البحرية الإيرانيين فعليا في يناير/كانون الثاني 2024، عندما تلقت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني سفينتين حربيتين متطورتين جديدتين.
وتتوقع المجلة أن "تكتسب المزيد في السنوات المقبلة"، مؤكدة أن "هذه السفن ستسمح لبحرية الحرس الثوري الإيراني بتنفيذ عمليات خارج الخليج وخارج نطاق مهمة القوات البحرية التقليدية".

“اليد الطويلة”
وفي عام 2020، كلف المرشد الأعلى علي خامنئي، الحرس الثوري الإيراني على وجه التحديد بتوسيع قدرة إيران على الوصول إلى الخصوم في المياه البعيدة، بما يتماشى مع إستراتيجية تُعرف باسم "اليد الطويلة".
وتشكل القدرة التكنولوجية للقوات الجديدة تغييرا بارزا آخر. حيث تعمل إيران على تطوير برنامجها الصاروخي منذ عقود، لكنها الآن تعمل بشكل متزايد على تسليح أسطولها البحري بأحدث التقنيات.
وجُهزت السفن الحربية التابعة للبحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بأنظمة صاروخية متقدمة يصل مداها إلى 430 ميلا.
ففي السابق، كان بإمكان الصواريخ الأرضية الإيرانية الوصول إلى أهداف على بعد 1200 ميل فقط من الأراضي الإيرانية، لكن قدرة الأسطول البحري على الحركة تعمل على توسيع نطاق الأهداف المحتملة بشكل كبير.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، قامت إيران بمهام بحرية لمساعدة مجموعات "محور المقاومة" بوتيرة متزايدة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "التلغراف" البريطانية، "أرسلت وحدة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أسلحة إلى "حزب الله" اللبناني عن طريق تخزينها على سفن الشحن التي تغادر مدينة بندر عباس الساحلية الإيرانية".
وتتوقف هذه السفن في ميناء اللاذقية السوري، حيث تُفرَّغ الأسلحة، قبل مواصلة طرقها التجارية.
استخدمت إيران أيضا "ناقلات شبح" لتوصيل النفط إلى سوريا، وهي سفن توقف تشغيل أنظمة التتبع الخاصة بها وتغير أسماءها وتسجيلها لتجنب اكتشافها.
وفي البحر الأحمر، كانت السفينة الإيرانية "بهشد" تقدم الدعم الاستخباراتي والمراقبة لهجمات الحوثيين على الشحن الدولي.
وهناك عنصر رئيس آخر في الأنشطة البحرية الإيرانية -وفق المجلة- وهو تشديد سيطرة البلاد على الممرات المائية الإستراتيجية.
وتتيح الجغرافيا الإيرانية لقواتها البحرية الوصول إلى الخليج ومضيق هرمز، الذي يُشحَن من خلاله أكثر من 20 بالمئة من النفط المستهلك عالميا.
وتتيح الجغرافيا الإيرانية لقواتها البحرية الوصول إلى الخليج العربي ومضيق هرمز، الذي يتم من خلاله شحن أكثر من 20 بالمئة من النفط المستهلك عالميا.
كما أن شراكتها مع الحوثيين تمتد إلى مضيق باب المندب، وهو الممر بين اليمن والقرن الإفريقي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وفي عام 2018، ألمح الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، إلى أن إيران تسيطر على باب المندب عندما قال: "لدينا العديد من المضايق، ومضيق هرمز هو مجرد واحد منها".
وبعد مرور خمس سنوات على هجمات الحوثيين على السفن التي تمر عبر هذا الممر المائي، تبدو كلمات روحاني وكأنها تحذير، وفق وصف المقال.
علاوة على ذلك، أفادت وسائل إعلام حكومية إيرانية بأن طهران أرسلت صواريخ باليستية إيرانية الصنع مضادة للسفن إلى الحوثيين وأن التكنولوجيا الإيرانية ساعدت الحوثيين في ضرب السفن في البحر الأحمر.
ومن المحتمل أن تكون إيران قد نقلت تكنولوجيا صاروخية مماثلة إلى حزب الله، الذي يُعتقد أنه يمتلك بالفعل صواريخ روسية الصنع مضادة للسفن.

“الدفاع الأمامي”
وتشدد المجلة الأميركية على أن "من خلال الجمع بين المواقع الساحلية والقدرات البحرية لأعضاء محور المقاومة مع قدراتها الخاصة، تستطيع إيران إبراز قوتها خارج الخليج إلى البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط".
وتتماشى هذه التغييرات مع عقيدة "الدفاع الأمامي"، التي تبنتها إيران بعد حربها مع العراق عام 1988، وعززتها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي تهدف إلى التصدي للخصوم بعيدا عن الحدود الإيرانية، قبل أن يتمكنوا من تشكيل تهديد للوطن.
وأضافت أن "البحرية الإيرانية المطوَّرة أصبحت الآن في قلب إستراتيجيتها العسكرية".
وتابعت أن "الأدوات التي طالما كانت أساسية للدفاع الأمامي لإيران على الأرض، والتي تمثلت في الصواريخ والطائرات بدون طيار والميليشيات العميلة- تُنشَر اليوم في البحار".
وفي هذا السياق لفتت المجلة إلى أن "من أجل تعزيز قوتها بشكل أكبر، أقامت طهران شراكات بحرية مع الصين وروسيا".
فمنذ عام 2019، أجرت الدول الثلاث أربع مناورات بحرية مشتركة، كان آخرها في خليج عمان في مارس/آذار 2024.
وأوضحت أن "هذه المناورات أرسلت إشارة إلى قدرة هذه الدول وعزمها على تحدي الهيمنة البحرية الغربية في المنطقة".
وكجزء من التعاون العسكري المتنامي بين إيران وروسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، طلبت إيران أيضا المساعدة الروسية في تطوير صواريخ بحرية دقيقة أكثر تقدما طويلة ومتوسطة المدى.
ورأت أنه "من خلال تعزيز وجودها البحري، لا تهدف إيران فقط إلى ردع الهجمات التي تشنها الجهات الأجنبية التي قد ترغب في إلحاق الضرر بها، بل تهدف إلى تهديد هؤلاء الخصوم بشكل مباشر، وفي المقام الأول الولايات المتحدة".
وشددت على أن "التهديد البحري الإيراني يتطلب الرد"، قائلا: "يجب على واشنطن أن تجبر ضعف نظام الشحن الدولي من خلال تطوير طرق تجارية بديلة".
كما يمكن لواشنطن أن تقلل من رغبة طهران في تعطيل العبور البحري في المقام الأول، وذلك من خلال السماح لإيران بالاندماج في نظام التجارة العالمي بطرق محدودة.
وأضافت المجلة توصية أخرى وهي أنه "في الوقت الذي يعمل فيه شركاء الولايات المتحدة في الخليج على تحسين علاقاتهم مع إيران، يجب على واشنطن تشجيعهم على ممارسة نفوذهم لكبح جماح استفزازات طهران".
وأردفت بالقول: "على الجبهة العسكرية، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع حلفائها لمواجهة القوة البحرية الإيرانية واحتوائها".