دأب على مهاجمة الصحابة.. لماذا يُعد الصدر الأكثر تطرفا في العراق؟

منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم حديثه المتكرر عن نبذ الطائفية وضرورة التصالح والتعايش بين المسلمين، لكن زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، لا ينفك عن تطاوله على صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والإساءة إليهم واتهامهم بتشويه الدين، إضافة إلى مهاجمة الخلافتين الأموية والعباسية.

مع حساسية الطرح العرقي والطائفي في العراق، الذي تحول إلى حرب أهلية بين عامي 2006 و2008، وخلّفت جيوشا من الأيتام والأرامل، فضلا عن آلاف المعتقلين والمفقودين، فإن الصدر لا يزال أحد الشخصيات البارزة التي تغذي الخطاب الطائفي بين الحين والآخر.

مقتدى الصدر المولود عام 1974، زعيم التيار الصدري الذي يعد أكبر تيار شعبي شيعي في العراق، هو في الوقت نفسه قائد لأجنحة عسكرية عدة تابعة لتياره متمثلة بكل من، "جيش المهدي" و"لواء اليوم الموعود"، و"سرايا السلام".

طمس الحقائق

وفي 8 سبتمبر/ أيلول 2023، وجه الصدر بيانا لأتباعه بذكرى "وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم" قال فيه: "لا تكونوا كالذين نسوا محمدا فنسيهم، واتبعوا نهج خالد بن الوليد ومعاوية (بن ابي سفيان) ويزيد (بن معاوية) والحجاج (بن يوسف الثقفي) وأمثالهم".

واتهم الصدر هؤلاء الذين ذكرهم في بيانه على منصة "إكس" (تويتر سابقا) بأنهم "شوهوا سمعة الدين بسوء أخلاقهم وبظلمهم ضد المؤمنين، فكانوا أشداء على المؤمنين رحماء مع الكافرين".

تصريحات الصدر هذه أثارت غضبا واسعا في العالم العربي، ولا سيما في العراق، إذ رد عليه عدد من الناشطين بالحديث عن الفتوحات الإسلامية التي قادها خالد بن الوليد وهزيمة جيوش دولتي فارس والروم، اللتين كانتا أعتى إمبراطوريتين، في تلك الحقبة.

وكتب الصحفي العراقي، عثمان المختار على "إكس" قائلا إن "خالد بن الوليد فتح القدس وبصرى وحلب وحمص ودمشق ومرعش وأجنادين والحاضرة والحيرة واليرموك والأنبار وعين تمر، والديباج، والمدائن والولجة (النجف)، وشهد فتح مكة".

وأضاف: "ثم يأتي من يتطاول عليه وهو حتى المنطقة الخضراء (مقر الحكومة في بغداد) طردوه أتباع قاآني (قائد فيلق القدس الإيراني) منها رغم فوزه بالانتخابات".

وفي أغسطس/ آب 2021، اندلعت صدامات مسلحة في المنطقة الخضراء ببغداد بين أتباع التيار الصدري، ومليشيات موالية لإيران انتهت بمقتل العشرات من الصدريين، وإعلان الصدر اعتزال العمل السياسي "نهائيا".

وعلى الوتيرة ذاتها، هاجم الإعلامي العراقي، عمر الجمّال، زعيم التيار الصدري، عبر منصة "إكس" إن "خالد بن الوليد قال عنه النبي محمد صلى الله علي وسلم إنه سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين. لذلك يكرهه المشركون".

وسرد الجمّال بطولات الصحابي خالد، وقضائه على إمبراطوريتي فارس والروم بأربعة أعوام فقط، إذ هزم الأولى بـ15 معركة، والثانية بتسع معارك، ثم اتحدتا وشكلا جيشا ضد المسلمين قوامه 200 ألف مقاتل، ثم مزقهم وهزمهم ابن الوليد بـ15 ألف مقاتل.

وأردف الصحفي العراقي مخاطبا الصدر، قائلا: "هذه بطولات خالد، فأنت ماذا لديك؟ هزمك الولائيون (المليشيات الموالية لإيران) وأخرجوا أتباعك من المنطقة الخضراء سحلا وقتلا، ولم تستطع عمل شيء، فلماذا تأتي على الكبار؟".

وفي 13 سبتمبر 2023، وصف الصدر حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بـ"العباسية" في تعبير منه عن الظلم الذي لحقهم، وذلك على خلفية شكوى تقدمت بها أسر 28 ضابطا في وزارة الداخلية حُكم عليهم بالسجن والطرد من الوظيفة.

وقال الصدر في جوابه لأسر الضباط إنه "ليس من المستغرب أن يصدر من تلك الحكومة (العباسية) تلك العقوبة، فليس لهم من القرآن صحبة، ولا من العقيدة صحبة، وليس لديهم إلا الكراسي والعشاء والمال".

وحمّل القضاء العراقي هؤلاء الضباط مسؤولية عدم القيام بواجباتهم في حماية السفارة السويدية التي اقتحمها أتباع التيار الصدري في يونيو/ حزيران 2023، على خلفية إقدام اللاجئ من أصول عراقية، سلوان موميكا، على حرق نسخة من المصحف الشريف في السويد.

غيض طائفي

لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيه الصدر الصحابة والخلافة الإسلامية في عصرهم، إذ أصدر بيانا في 28 يوليو 2023، وصف فيه (بني أمية) بأنهم "أساس الإرهاب، وأقذر الأصلاب وأنتن الأنساب وهم للشيطان أحزاب ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".

"بنو أمية" التي يعود إليها نسب الصحابي معاوية بن أبي سفيان، هم إحدى فروع قبيلة قريش الكنانية، وكانوا من أهم الأفخاذ ذات السيادة والنفوذ في مكة، وهم أول أسرة حجازية مسلمة حاكمة في تاريخ الإسلام، حكموا الدولة الأموية وعاصمتها دمشق ما بين عام 661 إلى 750 ميلادية، وأسسوا لهم دولة في الأندلس عاصمتها قرطبة.

تغريدة الصدر هذه كانت عشية يوم عاشوراء (عاشر أيام محرم)، الذي يحييه الشيعة في العراق والعالم من كل عام، لأن فيه ذكرى وفاة الإمام الحسين،رضي الله عنه، حفيد النبي محمد،صلى الله عليه وسلم الذي استشهد سنة 680 ميلادية، وتستمر مظاهر الحزن واللطم، في المناطق ذات الغالبية الشيعية لمدة أربعين يوما.

وفي 17 فبراير 2023، دعا زعيم التيار الصدري قناة "إم بي سي" السعودية إلى سحب مسلسل عن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان الذي يروي أحداثا تاريخية من القرن السابع، وعدم عرضه خلال شهر رمضان.

ورأى الصدر في بيان له أن "بث مثل هذه المسلسلات مخالف للسياسات الجديدة المعتدلة التي انتهجتها السعودية الشقيقة"، قائلا إنه "لا داعي لجرح مشاعر إخوتكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. وإني لكم من الناصحين".

وتعليقا على ذلك، قال الباحث في الشأن العراقي، ميثم محمد صاحب، إن "ما يصدر عن مقتدى الصدر لا يخرج عن كونه غيضا طائفيا في داخله، الذي لا يستطيع كتمه، لذلك نراه يطفح بين الحين والآخر".

وشدد صاحب في حديث لـ"الاستقلال" على أن "نهج الصدر الطائفي واضح منذ بدايات ظهوره بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، وأن خطابه الذي يحاول تصديره بأنه شخصية وطنية، لا ينطلي سوى على المغفلين".

ويرى أن "إثارة الصدر النعرات الطائفية مرة أخرى ضروري لتحشيد الشيعة تحت قيادته في سياق التنافس بينه وبين غرمائه في قوى الإطار التنسيقي التي تتولى إدارة الحكومة الحالية". 

وأوضح صاحب أن "الصدر هو مؤسس الاقتتال الطائفي في العراق، وذلك بإطلاق يد مليشيا جيش المهدي عام 2006 لحرق مساجد أهل السنة وقتل مواطنيهم على الهوية، إضافة إلى التنكيل بالجالية الفلسطينية وتعذيبهم وقتلهم وتشريدهم أيضا إبان الحرب الطائفية".

وأشار إلى أن "المدعو أبو درع القيادي في جيش المهدي والمتهم بقتل المئات، وربما الآلاف من الشباب السنة في بغداد لايزال حرا طليقا في العراق، ولم يتبرأ منه الصدر أو دعا إلى محاكمته".

وتُتهم مليشيات "جيش المهدي" بممارسة عمليات اختطاف وقتل وتعذيب، أثناء المواجهات الطائفية التي شهدها العراق، والتي بلغت ذروتها عامي 2006 و2007.

وفي 22 فبراير/شباط 2006، فُجّر مرقدا علي الهادي والحسن العسكري (حفيدا الصحابي علي بن أبن أبي طالب) في مدينة سامراء، ما تسبب بإشعال فتنة طائفية حرقت وهُدمت فيها مئات المساجد، وقتل نحو 100 ألف شخص، فضلا عن تشريد مئات الالآف من المواطنين.

مفقسة للمليشيات

قبل انقضاء الحرب الطائفية في العراق عام 2008، تشكلت العديد من المليشيات الشيعية، خرجت معظمها من عباءة الصدر، كانت تقاتل ضمن "جيش المهدي" الذي قرر الصدر تجميده، في أغسطس من العام نفسه، بعدما قاد رئيس الوزراء حينئذ نوري المالكي، حملة عسكرية ضدهم.

وفي لقاءات تلفزيونية وبيانات عدة للصدر، حاول زعيم التيار الصدري التبرؤ من الدماء التي سفكتها مليشيا جيش المهدي، باتهام من يطلق عليهم "المليشيات الوقحة" بالوقوف وراء ارتكابها، في إشارة إلى التشكيلات المسلحة التي تقودها شخصيات انشقت وخرجت عن طاعته.

وفي مايو/ أيار 2017، قال الصدر خلال مقابلة تلفزيونية إن "قيام قيادي في هذه المليشيات الوقحة قام إبان الحرب الطائفية باختطاف 1500 عراقي، انتقاما لحادثة اختطاف شقيقه"، مؤكدا قيام هؤلاء بعمليات اختطاف متكررة لأشخاص "ذكروا قادتهم بسوء".

ما عدا "سرايا السلام" التابعة للصدر حاليا، ومنضوية ضمن الحشد الشعبي، فإن أبرز المليشيات العاملة على الساحة حاليا خرجت من عباءة "جيش المهدي"، وارتكبت جرائم في العراق، وسوريا بقتالها إلى جانب رئيس النظام بشار الأسد بعد اندلاع الثورة عام 2011.

ومن هذه الملشيات، "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وحركة "حزب الله النجباء" بزعامة أكرم عباس الكعبي، و"كتائب الإمام علي" التي يرأسها شبل الزيدي.

وكذلك فإن من المليشيات التي خرجت من رحم "جيش المهدي" وجرى حلها لاحقا بعد إنهاء الحرب ضد تنظيم لدولة في العراق عام 2017، هي "لواء أبو الفضل العباس" بقيادة أوس الخفاجي، و"كتائب التيار الرسالي" بزعامة عدنان ارميض الشحماني.

وعن هذه النقطة، قال الصحفي العراقي، شاهو القرة داغي، إن "مقتدى الصدر الذي يدعو للإصلاح والتغيير بينما أغلب قادة المليشيات المتورطة بالفساد والقتل والذهاب للقتال خارج العراق والمدرجة في قائمة الإرهاب (الأميركية) خرجوا من مدرسته، أكرم الكعبي، قيس الخزعلي، عدنان الشحماني".

وتساءل القرة داغي عبر تدوينة كان قد كتبها على حسابه بمنصة "إكس" في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قائلا: "هل المشكلة في منهجه (مقتدى الصدر) أم في الاخرين؟".

وفي إحاطة نظمت في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بعد أربعة أشهر من سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل العراقية، اتهمت منظمة العفو الدولية مليشيا "عصائب أهل الحق" بخطف وقتل عشرات المدنيين السنة، وذلك في رد انتقامي مزعوم على الهجمات التي نفذها التنظيم.

وقالت المنظمة آنذاك إنه "تم اكتشاف عشرات الجثث مجهولة الهوية في مختلف أنحاء البلاد، وكانت قد قيدت أيدي الضحايا مع تعرضهم لإطلاق نار في الرأس، ما يشير إلى نمط من عمليات القتل المتعمدة الشبيهة بالإعدام".

ونفذت المليشيا هذه أيضا العديد من عمليات خطف، لا سيما بين عامي 2015 و2017، وقتلت بعض الأسرى حتى بعد قيام عائلات هؤلاء بدفع فدى بقيمة 80 ألف دولار وأكثر لضمان إطلاق سراحهم.

وتقدّر أعداد المواطنين المدنيين السنة الذين جرى اختطافهم على يد "عصائب أهل الحق" ومليشيات أخرى موالية لإيران من المدن ذات الغالبية السنية، إبان الحرب ضد تنظيم الدولة بين عامي 2015 و2017، نحو 12 ألف شخص، ولا يعرف مصيرهم حتى اليوم.