غضب شعبي كبير.. ما سر ضعف تغطية الإعلام الحكومي بالمغرب لكارثة الزلزال؟

الاستقلال | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

ألمُ المغاربة إزاء الزلزال الذي ضرب عدة مدن في 8 سبتمبر/أيلول 2023 لم يكن بسبب هذا القدر الإلهي فقط، بل زاد منه استمرار القنوات التلفزيونية الرسمية في سهراتها ومسلسلاتها الليلية، دون تفاعل لائق بالحدث وخطورته.

فالزلزال الذي ضرب مركزه منطقة الحوز، وسط البلاد، سمعت به القنوات الدولية وواكبت مستجداته بشكل عاجل، وخاصة قناة "الجزيرة" القطرية، في حين كانت القنوات العمومية المحلية مغيّبة ومتأخرة عن الحدث.

هذا التأخر كان موضع انتقاد شديد على المستوى الشعبي والسياسي، مع الامتعاض جراء تأخر قنوات الإعلام العمومي في التفاعل مع كارثة الزلزال، في اللحظات الأولى التي عرفت انتشار الخوف والهلع في صفوف المواطنين.

وخلف الزلزال في حصيلة غير نهائية، أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، و6125 جريحا، كما قدرت منظمات أممية أعداد المتضررين منه بأكثر من 300 ألف شخص، ثلثهم من الأطفال واليافعين.

أخطاء بالجملة

وقالت المجموعة البرلمانية لحزب "العدالة والتنمية" المعارض، عبر بيان في 9 سبتمبر 2023، إن هذه القنوات "استمرت في بث برامج ترفيهية مستفزة للشعور الجمعي في تلك اللحظات العصيبة".

وشددت على أن "المسؤولية الإنسانية والوطنية كانت تفرض في ذلك وقت على هذه القنوات والوزارة الوصية، بث فقرات للتوعية وتخصيص أرقام هواتف مجانية خاصة بتلقي نداءات الإغاثة، ومحاربة الإشاعات والأخبار الزائفة بإضافة المسؤولين الحكوميين والمسؤولين المنتخبين في المناطق المتضررة".

ويرى الناشط الإعلامي، محمود حاتم، أن "هناك جملة أخطاء وقعت خلال تغطية الإعلام العمومي لحدث الزلزال، وأولها استمراره في بث برامجه الاعتيادية والترفيهية، في وقت كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بأخبار وصور الزلزال".

وشدد حاتم لـ"الاستقلال"، على أنه "مما زاد من ألم المواطنين وغضبهم، والذي عبروا عنه كتابة عبر فيسبوك، أنهم اضطروا لمتابعة ما وقع وصوره الأولى عبر شبكة الجزيرة وبعض القنوات الدولية الأخرى".

وتابع: "فالجزيرة مثلا، قطعت برامجها فورا وجعلت من الزلزال حدثها الأبرز والأساسي، وصولا إلى استقدام مراسلين من دول متعددة لمتابعة تفاصيل الحدث من مناطق مختلفة".

ورأى حاتم أن "التأخر المسجل على القنوات العمومية إزاء الزلزال ليس بالأمر الجديد، بل ألف المغاربة هذا الأمر، لكنهم لم يقبلوا به ولن يقبلوا به، ولذلك دائما يعبرون عن رفضهم لهذا المستوى الضعيف الذي يطبع أداء قنواتهم العمومية".

وذكر أن "المواطن لا ينتظر فقط الخبر، بل هو في حاجة إلى دقة الخبر، في وقت تنتشر فيه الإشاعات والمعلومات المغلوطة"، منبها إلى أن "الإعلام الرسمي له مسؤولية رئيسة في القيام بهذا الدور التوعوي والتوجيهي والتواصلي".

وأردف حاتم: "كما ينتظر المواطن التعرف على تفاصيل ما وقع، والمناطق المتضررة، والإجراءات المتخذة من لدن مختلف المتدخلين، ونداءات الاستغاثة العاجلة، والحاجات الضرورية للمتضررين والسكان، وكل هذا وفق شروط المهنية والكفاءة".

وتابع: "كما كان على الإعلام العمومي أن يسارع إلى إيراد أسماء أماكن وجود العالقين تحت الأنقاض، والبنى التحتية والمعالم التاريخية المدمرة أو المقطوعة أو المهددة بالانهيار، استنادا دائما لمصادر رسمية من عين المكان، مع الحديث عن سيناريوهات الإنقاذ المنجزة على أرض الميدان".

بالإضافة إلى "تخصيص مساحات إعلامية لتقديم بعض الشروحات العلمية المركزة والمقبولة من متخصصين موثوق بهم، دون الوقوع في فخ التطبيل أو تضخيم إيجابيات التفاعل الرسمي مع الحدث"، يوضح حاتم.

بدوره، قال الباحث الأكاديمي إدريس الكنبوري، إن التغطية الإعلامية للقنوات الرسمية المغربية لكارثة الزلزال "كانت ضعيفة جدا وبكل المقاييس".

وأضاف الكنبوري في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 13 سبتمبر 2023، أن "بعض الإعلاميين لا يعرفون حتى اللغة العربية بشكل سليم ويتلعثمون في الحديث، ولا يستطيعون التواصل بشكل جيد مع المشاهدين".

واستطرد: "مقابل هذا لاحظنا أن الإعلاميين المغاربة العاملين مع قناة الجزيرة مثلا أكثر طلاقة وأكثر قدرة على الحركة والتعبير والتواصل".

وأرجع سبب هذا الوضع إلى "غياب التجربة عند الإعلاميين العاملين في القنوات الرسمية، وعدم الخضوع لتدريبات".

وقال الكنبوري: "بحكم تجربتي الطويلة السابقة كصحافي ثم كرئيس مكتب في جريدة (المساء)، أرى أن واحدة من أسباب هذا الهزال والضعف راجعة إلى مناخ البيروقراطية القوية التي يشتغل فيها هؤلاء الإعلاميون".

وتابع: "حيث تغيب الحرية والمبادرة، وحيث يعمل العاملون في جو من الشعور بعدم الأمن، وغياب التجربة، لأن عددا من هؤلاء الإعلاميين ليست لديهم تجارب ميدانية وكانوا قابعين في المكاتب، إلى أن نودي عليهم على حين غفلة للتوجه إلى مسرح الأحداث".

وأعرب الكنبوري عن أمله أن يكون "هذا درسا للمسؤولين عن الإعلام الرسمي في المغرب، وأن يتم تحرير الطاقات والكفاءات الموجودة ورفع مستواها المادي والمهني، ومنحهم هامشا من الحرية".

وأكد على أن "ضمن هؤلاء الصحفيين كفاءات مهمة، لكنهم يشتغلون في ظروف صعبة، ولا أدل على ذلك من أن الإعلامي المغربي عندما ينتقل إلى قناة خارج المملكة يبدع أكثر لأنه يتحرر أكثر ويتقاضى أحسن".

انتقادات إعلامية

عدد من المنابر الإعلامية المحلية انتقدت أداء القنوات العمومية وكيفية تغطيتها لحدث الزلزال، مؤكدين أنها "لم تكن في المستوى المطلوب".

وفي هذا الصدد، قال موقع "أنفاس بريس" في 15 سبتمبر 2023، إن "التلفزة المغربية تخلفت عن الركب، وكأن المغرب يوجد في مجرة بعيدة عن الأرض، وكأن الأموات ينتمون إلى كوكب زحل، أو أن الأماكن المنكوبة مقتطعة من فيلم كارتوني".

وذكر الموقع أن هذا الأداء الباهت للتلفزة المغربية، "يأتي في وقت هجرت فيه القنوات الإخبارية الدولية التي تحترم نفسها، جميع أخبار العالم، وركزت على تغطية أخبار الزلزال".

ورأى أن "ما وقع هو فضيحة من العيار الثقيل في حق المغاربة أولا، وفي حق الإعلام المهني ثانيا".

وشدد الموقع على أن "التلفزة المغربية لو كانت تعمل بمهنية تستحق الاحترام، لكانت هي المصدر الأكثر قوة للخبر المرتبط بالزلزال، وغصّت بلاطوهاتها (استديوهاتها) بالخبراء والمحللين، ولكان المغاربة متحلقين حولها لتتبع أخبار بلدهم، ما دام الزلزال وقع في وطنهم، وما دامت الهزات الارتدادية تطارد طمأنينتهم".

ودعا الموقع إلى "إقالة المدير العام لقنوات الإعلام العمومي، فيصل العرايشي، والذي يوجد على رأس الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون منذ 1999، دون أن يستطيع أحد الاقتراب منه، رغم أنه أثبت فشله وضعفه الكبير".

أما موقع "أشطاري" (ماذا يقع) المحلي، فقال إن "الزلزال كشف الحاجة إلى إعلام حقيقي في المغرب، حيث ظل هذا الإعلام في غيّه مع سهرات غنائية وغيرها، دون إرشاد الناس لحقيقة الأخبار الزائفة، تلك التي خلقت رعبا لدى المواطنين".

وذكر الموقع عبر مقال في 12 سبتمبر 2023، أنه "في الملمات والشدائد يظهر الإعلام الحقيقي المبني على المهنية، فحتى لو ارتكب أخطاء يعود إلى أصله المهني".

وتابع: "من هنا جاءت تسمية الإعلام خدمة عمومية، والتي تعني أنه يقدم خدمة للعموم دون أن يحصل من ورائها على عائدات مباشرة، بمعنى يبيع المعلومة الصحيحة لكن بشكل مجاني، وليس مفروضا منه البحث فقط عن المشاهدين".

وأوضح المصدر ذاته، أن "القناة الأولى تتوفر على طاقات جيدة ظهرت في الميدان وفي التغطيات المباشرة وأظهرت قدرات على المنافسة مع باقي الزملاء في القنوات الدولية، لكن القناة تفتقد فكرةَ البلاطو (الاستديو) الجيد".

أما موقع "أخبار تساوت"، فنشر مقالا للناشط الحقوقي عمر أربيب، في 9 سبتمبر 2023، نوه خلاله بالإعلام المواطن المتجسد في شباب المناطق التي تعرضت للزلزال، والذي أوصل صورة ما وقع للعالم.

في المقابل، قال أربيب إن "الإعلام العمومي بقي خارج التغطية، رغم أنه يمتص ملايير الدراهم من جيوب دافعي الضرائب".

واسترسل: "نستغرب كيف أن الإعلام الدولي يتابع تفاصيل الحدث بالصوت والصورة باعتماده على المواطن الصحفي طبعا، وإعلامنا العمومي خارج الزمن والفاجعة".

وشدد الناشط الحقوقي على أن "نداءات الاستغاثة وجهودها السريعة كان بالإمكان جعلها في مستوى أحسن وأجدى لو قام الإعلام العمومي بدوره، وانشغل بما تقتضيه أخلاقيات المهنية، وركز على قضايا الوطن والمواطن".

والقنوات العمومية هي، الأولى والثانية والرياضية والرابعة والمغربية والسادسة للقرآن الكريم والسابعة للأفلام والثامنة تمازيغت والجهوية للعيون.

تفاعلات مجتمعية

هذا التأخر في متابعة الحدث كان محل انتقاد شديد من لدن العديد من الفاعلين والأكاديميين المغاربة.

وفي هذا الصدد، قال الناشط السياسي والإعلامي حسن حمورو، إنه من "غير المعقول أن تواصل القنوات العمومية بث برامجها في لحظة يسيطر فيها الهلع والخوف على عموم المغاربة... وكأن شيئا لم يقع".

وأضاف حمورو في تدوينة على فيسبوك في 8 سبتمبر 2023، "من العيب أن يتابع المغاربة قناة الجزيرة لمعرفة ما يحدث في بلدهم".

بدورها، قالت نائبة رئيس البرلمان السابقة، أمينة ماء العينين، إن "ما يقع في المغرب لا يليق مطلقا، حالة من الرعب تخيم على الجميع كبارا وصغارا، والإعلام الرسمي غائب ومغيب تماما، والناس يتابعون تغطية قناة الجزيرة لزلزال المغرب".

ودعت ماء العينين في تدوينة على فيسبوك في 8 سبتمبر، إلى وجوب "التواصل السريع والفعال في مثل هذه الأوقات العصيبة على الناس".

أما الباحث بالمركز المغربي لتحليل السياسات رشيد أوراز، فقال إنه "من المؤسف والمحزن أن ترى قناة إعلامية، أي الجزيرة، تأتي بشبكة مراسلين من كل بقاع العالم (بوركينا فاسو، الدوحة، أوكرانيا الخ...) ينتشرون الآن في مراكش والحوز وجبال تارودانت الشمالية".

وأردف في تدوينة نشرها على فيسبوك في 10 سبتمبر 2023، "بينما المسؤولون مخشيون (قابعون) في مكاتبهم في الرباط وغيرها، يتابعون الأخبار والناس تموت من الجوع وغياب الدعم ومن الحكرة (الاحتقار)".

إرادة الإصلاح

وقال الناشط الجمعوي والإعلامي، محمود حاتم، إن "إرادة إصلاح الإعلام العمومي بالمغرب ما تزال غير موجودة، وإن جاءت بعض الدعوات لهذا المسعى، فإنها تجد مقاومة كبيرة من جهات متحكمة ونافذة".

وذكر حاتم لـ"الاستقلال" أن التقرير الذي أعدته لجنة برلمانية، في إطار المهمة الاستطلاعية للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب عام 2014، تحدث عن العديد من الاختلالات التي تعاني منها قنوات الإعلام العمومي، دون أن يتبع ذلك أي حساب أو ربط للمسؤولية بالمحاسبة.

وأوضح أن التقرير سجل ما أسماه "ارتجالا واضحا أثر بشكل سلبي على المنتوج الإعلامي المقدم".

وطالب التقرير، وفق المتحدث ذاته، بضرورة "إعادة هيكلة قنوات الإعلام العمومي"، مؤكدا وجود "تضخم في المديرين المركزيين ووجود مديريات بدون الحاجة إليها، الأمر الذي خلق نوعا من الضعف في مواكبة التطور الكمي لتطلعات المشاهد".

وذكر حاتم أن التقرير سجل ما وصفه بـ"الغموض في عمليات التوظيف"، بالإضافة إلى غياب الوضوح في قوانين الترقية، لافتا إلى التأخر المسجل في تدريب العنصر البشري.

ونبه إلى أن هذا التقرير هو واحد من الأدلة على العبث الذي يدار به "القطب العمومي"، سواء من حيث المواد البشرية أو المالية، أو على مستوى الاختيارات التحريرية.

وسجل المتحدث ذاته، أن "عدم تفاعل الإعلام العمومي مع انتظارات وهموم المواطنين هو جزء من حالة عامة، تبتعد فيها كثير من المؤسسات العمومية عن المواطنين، وترتمي في أحضان جهات متحكمة أو نافذة، أو تخضع لأجندات غير ديمقراطية".

ومعنى هذا، بحسب حاتم، أن معالجة الوضع السلبي للإعلام العمومي من جذوره، رهين بـ"مستوى تعزيز البناء الديمقراطي في البلد، إذ كلما ارتفع منسوب الديمقراطية إلا وانعكس ذلك إيجابا على الإعلام العمومي، والعكس صحيح".