صفقة سرية.. ماذا وراء التسليح الأميركي الإسرائيلي لقوات أمن سلطة عباس؟

إسماعيل يوسف | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

بشرط استخدامها ضد المقاومة الفلسطينية، زود جيش الاحتلال الإسرائيلي، سلطة محمود عباس بـ 1500 قطعة سلاح، ضمنها بنادق إم 16 تعمل بالليزر.

وكشفت إذاعة جيش الاحتلال 13 سبتمبر/أيلول 2023 أن إسرائيل سمحت بتزويد السلطة بهذه الأسلحة بشرط استخدامها ضد مقاتلي حركتي المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي.

"دورون كادوش" المراسل العسكري لإذاعة "چالاتس" العسكرية الإسرائيلية كشف تفاصيل الصفقة، مؤكدا أن شرط إسرائيل "أن تُظهر السلطة قدرة على ضرب المقاومة، تحديدا في جنين (شمال الضفة الغربية) وأن تكثف التعاون الأمني".

صحيفة "هآرتس" العبرية كشفت أيضا في 13 سبتمبر 2023 نقلا عن مصادر فلسطينية وإسرائيلية أنه "جرى توفير مركبات مدرعة أميركية للسلطة بموافقة إسرائيل".

أكدت نقل هذا السلاح من قواعد أميركية في الأردن، عبر معبر اللنبي، بموافقة إسرائيلية، وجرى تسليمه لـ "الأمن العام ومكافحة التجسس والشرطة" الفلسطينية في الضفة الغربية التي انتعشت فيها المقاومة ضد الاحتلال.

وقالت مصادر سياسية في تل أبيب لموقع "نيوز 1" العبري 13 سبتمبر 2023 إن إدارة الرئيس جو بايدن مارست ضغوطاً كبيرة على إسرائيل للموافقة على هذه الخطوة.

وبينت أنه كان على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الموافقة نظراً لقرب لقائه مع بايدن في نيويورك، وحتى لا تتهمه الإدارة الأميركية بإضعاف السلطة الفلسطينية. 

فور الإعلان عن هذه التفاصيل، انقسم الإسرائيليون بين فريق مؤيد لتسليح السلطة الفلسطينية وتقويتها كي تتصدي للمقاومة التي تقودها فصائل إسلامية في الضفة الغربية، وتسعي لنقل تجربة غزة لرام الله، ورجحوا أنه اتفاق سري جرى تسريبه.

فيما صرخ فريق آخر، يقوده اليمين اليهودي المتطرف الذي يمثله عدة وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو وهددوا بإسقاط الحكومة.

خرج نتنياهو لينفي توريد سلاح للسلطة الفلسطينية، كما نفت ذلك الحكومة الأميركية التي قيل إنها هي التي وردت هذه الأسلحة، ضمن قرارات قمتي العقبة وشرم الشيخ، فبراير/شباط ومارس/آذار 2023، للتصدي للمقاومة.

وقال مسؤولون أمنيون فلسطينيون إن السلطة طلبت الأسلحة والمعدات بالفعل منذ أكثر من عام، لكن إسرائيل رفضت في الماضي، ثم سمحت عقب توصيات اتفاقي العقبة وشرم الشيخ، ونفى بعضهم وصول سلاح جديد لهم.

تفاصيل السلاح

لم تكن الصفقة، وفق وسائل الإعلام العبرية، تقتصر على نقل معدات عسكرية تشمل أسلحة وعدة عربات مدرعة إلى السلطة لدعم أجهزتها الأمنية في مواجهة المقاومة المتصاعدة ضد الاحتلال في الضفة فقط، وكانت إسرائيل على علم بها.

مصادر فلسطينية مطلعة قالت لصحيفة "القدس" المحلية، في 13 سبتمبر 2023 إن "الشحنة جرت بموافقة إسرائيل، وبمساعدة الأردن".

وستستخدمها عدة فروع تابعة لقوات أمن السلطة الفلسطينية، في محاولة لاستعادة السيطرة على مناطق في الضفة الغربية أصبحت بؤراً لنشاطات مسلحة ضد الاحتلال.

صحيفة "يسرائيل هيوم" نقلت 12 سبتمبر 2023 عن مصادر فلسطينية أنه تم تزويد أجهزة أمن عباس أيضا بوسائل تكنولوجية متقدمة لتحسين قدراتها الاستخبارية.

أكدت تدريب "وحدة إلكترونية فلسطينية خاصة"، لمكافحة المحتوى المؤيد للمقاومة، واختراق التنظيمات خاصة في جنين ونابلس، بحسب مصدر فلسطيني تحدث لـ "يسرائيل هيوم".

وقال المصدر إن هذا يمكن أن يسهل مهام قوات الأمن التابعة للسلطة، ويمنحها الأدوات اللازمة لتتبع المسلحين واعتقالهم.

وتابع: "تهدف هذه الإجراءات إلى تعزيز السلطة في حربها ضد حماس والجهاد وفصائل المقاومة في الضفة الغربية".

الصحيفة أشارت إلى أن "المعدات الجديدة ستسمح للأجهزة الأمنية بتنفيذ عمليات تجسس وجمع معلومات استخباراتية، عبر اختراق الهواتف المحمولة التابعة لشركات الخلوي الفلسطيني.

وسيدرب خبراء أردنيون وأميركيون أعضاء الوحدة السيبرانية في السلطة، على كيفية استخدام الأجهزة، في مقر الأمن الوطني الفلسطيني (بيتونيا) لأن الوحدتين التكنولوجيتين المتوفرتين لدى أمن عباس حاليا غير كافيتين وضعيفتان مهنيا.

وكانت هذه التقنيات ممنوعة على الفلسطينيين في السابق بقرار إسرائيلي، خوفًا من استخدام الأجهزة الأمنية لها في كشف عملاء الشاباك (جهاز الأمن العام)".

وخلال الشهور الـ 18 الماضية، نشر مقاومون شبكة متطورة من الكاميرات في مدينتي جنين ونابلس، مما سمح لهم بمراقبة تحركات قوات جيش الاحتلال وأمن السلطة على مدار الساعة، لذلك ستعمل المعدات الجديدة على اقتحام هذا النوع من أنظمة الكاميرات أيضًا.

وكان نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت كشفا، وهما ينفيان توريد أسلحة جديدة للسلطة الفلسطينية، أنه تم بالفعل إدخال 10 مدرعات أميركية لها كانت قد وافقت عليها الحكومة السابقة.

صفقة سرية

إثر الكشف عن صفقة مد السلطة الفلسطينية بأسلحة أميركية بموافقة إسرائيل ومصر والأردن للتصدي للمقاومة، هدد وزيران متطرفان نتنياهو بعواقب وخيمة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" 14 سبتمبر 2023.

الوزيران اليمينيان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير زعما أن هذه الخطوة جرت من دون علمهما، واتهما نتنياهو بالتخطيط لوضع أسس حكومة بديلة مع زعيم حزب "أبيض - أزرق" ووزير الجيش السابق "بيني غانتس".

مكتب وزير المالية سموتريتش قال إن تسليم الأسلحة إلى السلطة الفلسطينية وخطوات التسوية بشأن ما يسمى "الإصلاح القضائي" في مقر إقامة رئيس الدولة الإسرائيلية هما "بمثابة دُفعة (من نتنياهو) إلى بيني غانتس لتأليف حكومة معه تسعى لإحياء اتفاق أوسلو للسلام.

وقال وزير الأمن القومي بن غفير في بيان صادر عنه، مخاطباً نتنياهو: "إذا كانت نيتك محاولة تأليف حكومة أوسلو 2، فيُرجى تبليغ وزرائك والجمهور لكي نتمكن من التصرف وفقاً لذلك".

لكن نتنياهو رد نافيا تسليم أسلحة للسلطة الفلسطينية، ثم أقر بتسليم مركبات مدرعة، قائلا إنه جرى الاتفاق عليها مع الحكومة السابقة (حكومة نفتالي بينت – يائير لابيد) في يناير/كانون الثاني 2022، عندما كان غانتس وزيراً للجيش.

كما نفى وزير الجيش الحالي يوآف غالانت تسليم أسلحة إلى السلطة الفلسطينية خلال توليه المنصب.

لكن مكتبه، اعترف أنه جرى نقل 10 مدرعات أميركية للسلطة الفلسطينية، وسيتم في المستقبل نقل وسائل لتفريق المظاهرات، من أجل السماح لقوات عباس بالتحكم في جنين ونابلس.

أيضا نفت إدارة بايدن أنها أرسلت أسلحة أو ذخيرة إلى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.

كما نفى المتحدث باسم الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، طلال دويكات، التقارير الإعلامية عن حصولهم على معدات أمنية عبر إسرائيل.

لكنه أكد أن للسلطة الفلسطينية الحق في الحصول على أي معدات تحتاجها للقيام بعملها الطبيعي، بحسب موقع "ميديا لاين" الأميركي 13 سبتمبر 2023.

ويبدو أن الصفقة كانت "سرية" باتفاق خاص بين مصر والاردن وأمريكا وحكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية، لكن مصادر في اليمين الإسرائيلي المتطرف داخل الحكومة سربتها للصحف.

"مسؤول أمني" إسرائيلي قال ​​في حديث مع القناة 12 العبرية: "لا يوجد شيء اسمه عدم إدخال أسلحة للسلطة، من المستحيل الإمساك بالعصا من كلا الطرفين، فلا يُعقل أن تطلب منهم العمل ضد منظمات المقاومة ثم لا تزودهم بالأدوات والذخيرة".

قال إن المنظومة الأمنية للاحتلال لا تدعم ​​هذه الخطوة فحسب، بل تفكر أيضًا في اتخاذ وسائل مساعدة إضافية للسلطة.

وأشار إلى أن الـ 8 مدرعات التي نقلها الأميركان وبموافقة إسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية، تهدف للسماح لأجهزة الأخيرة بالعمل في نابلس وجنين تحت النار وفقا لمصلحة إسرائيل، وبطلب أميركي يصعب رفضه.

وأوضح "يارون أبرهام" محلل الشؤون السياسية في القناة (12 N) أن أحد محاضر جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) التي كشفت عقب الخلاف الإسرائيلي الداخلي حول نقل المعدات جاء فيها على لسان المسؤولين: "السلطة في رام الله حيوية لنا ونحن بحاجة إليها، وممنوع أن نسمح لها بالانهيار".

ايضاً اقتبس أبرهام من محضر لجلسة كابينت سابقة جاء فيه: "في ظل عدم وجود تغيير في تقديرات إسرائيل، سنعمل على منع انهيار السلطة في رام الله".

سبب القلق

سر القلق الصهيوني من تزويد السلطة الفلسطينية بأي أسلحة أو مدرعات جديدة هو الخوف من أن يسيطر المقاومون من حماس والجهاد على هذه المعدات والزحف بها نحو المستوطنات القريبة وتنفيذ عمليات.

الكاتب الصهيوني "جوناثان بولارد" لخص في مقال نشره بصحيفة اليمين المتطرف "إسرائيل هيوم" 12 سبتمبر 2023 المخاوف من نقل سلاح ومدرعات لمساعدة السلطة الفلسطينية، بتأكيده على خطورة استيلاء حماس عليها.

وأردف: "إذا جرى اختطاف واحدة أو أكثر من هذه المركبات المدرعة المنقولة من قبل هؤلاء الذين يرتدون الزي الرسمي للشرطة الفلسطينية ويعتنقون فكر المقاومة، واستخدامها لاقتحام مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية، حينها ستحدث مذبحة بحق مواطنينا في المستوطنات".

قال أيضا: "لنفترض أن السلطة الفلسطينية كانت تحاول اقتحام منطقة يقطنها مقاومون بقوتها المدرعة الجديدة وجرى الاستيلاء على واحدة منها من جانب المقاومين وتوجهت لضرب المستوطنات".

زعم أن "كل الأسلحة التي قدمتها إسرائيل للسلطة الفلسطينية تحولت في نهاية المطاف ضدنا، ومن المحتمل أن يحدث نفس الشيء مع هذه المدرعات".

وبين أن عدد المقاومين "الذين يخدمون في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ارتفع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية".

عضو لجنة الخارجية والأمن، في الكنيست "داني دانون" قال أيضا لصحف عبرية: "لا يجوز الوثوق بالسلطة الفلسطينية في أي شيء، ومن الواضح لنا أنه إذا مر مسدس أو رصاصة، فلا نعرف إلى أين سينتهي به المطاف".

وتابع: "لقد شهدنا محدودية قدرة السلطة على مكافحة المقاومة بالضفة، وكانت هناك حالات كثيرة نفذ فيها عناصر من الشرطة الفلسطينية عمليات، ولهذا نقول إننا لن نعتمد إلا على أنفسنا".

وتصاعدت العمليات الفلسطينية خلال العام الأخير ضد الاحتلال في مدينتي نابلس وجنين شمال الضفة الغربية، في وقت تتهم إسرائيل عباس بمشاركة قواته بتنفيذ بعضها أو عدم سيطرتهم على السلاح الخاصة بهم ووقوعه في أيدي المقاومية.

سر التسليح

حين عُقدت قمتا "العقبة" في الأردن 26 فبراير 2023، ثم "شرم الشيخ" في 19 مارس 2023 كان هدفهما المعلن هو بحث الاعتداءات الإسرائيلية على مدن الضفة الغربية، وما يسمي "تصاعد العنف (أي المقاومة) هناك".

لكن هدفهما الفعلي كما ظهر من تصريحات الإسرائيليين والأميركان كان تصفية الفدائيين الإسلاميين من حماس والجهاد في نابلس وجنين عن طريق دعم سلطة رام الله بسلاح أقوى، وبمباركة مصر والأردن وأميركا وإسرائيل.

كان هدف القمتين الواضح هو بحث تطبيق خطة جديدة للجنرال الأميركي "مايك فينزل" الخاصة بتجفيف بيئة المقاومة عبر عمل عسكري ضد الشباب المقاوم، بدلا من خطة "دايتون" للتنسيق الأمني فقط بين الاحتلال وإسرائيل.

وشجع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على "قبول وتنفيذ الخطة الأمنية" التي صاغها المنسق الأمني مايك فينزل، حسبما أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي في فبراير 2023.

لكن قيل إن عباس تردد في قبول الخطة التي وضعتها إدارة بايدن لمحاربة المقاومة في الضفة الغربية، عبر إنشاء قوة فلسطينية خاصة لمحاربة المقاومة خشية أن تظهره كمقاول لإسرائيل لقمع شعبه، واقترح دعم أكبر لقواته عسكريا.

والسبب أنه "يخشى أن تؤدي حرب السلطة الفلسطينية ضد الجماعات المسلحة في الضفة الغربية، إلى إثارة غضب الشارع وتقود إلى حرب أهلية من شأنها زعزعة استقرار حكمه"، بحسب موقع "نيوز 1" الإسرائيلي 13 سبتمبر 2023.

وقد أشارت مصادر لصحيفة "جيروزاليم بوست" 12 سبتمبر 2023 أن الجانب الأميركي تفهم مطالب السلطة بهذا الشأن وعمل على تزويدها بالمعدات اللازمة سواء مدرعات أو أسلحة آلية حديثة بالليزر لاستخدامها في المداهمات والاشتباكات مع الخلايا المسلحة.

وقد أوضح "دورون كادوش" مراسل إذاعة "چالاتس" أن تزويد السلطة بالسلاح هو ترجمة لاجتماعي "العقبة" و"شرم الشيخ"، بمشاركة مصر والأردن.

إذ جاءت الموافقة على نقل السلاح للسلطة عقب قمتي العقبة وشرم، بعد حوار أجري مع منسق العمليات الإسرائيلي في الضفة.

وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون للإذاعة العبرية إن هذه خطوة ضمن سلسلة خطوات إضافية يجري دراستها لصالح تقوية السلطة الفلسطينية، لكن بموجب شرطين.

الأول، أن تُظهر السلطة "إنجازات عملية" ضد المقاومين في الضفة، وخاصة في جنين، والثاني أن تعمل على تقوية التنسيق الأمني.

وذكر مسؤولون أمنيون إسرائيليون لصحيفة "هآرتس" 13 سبتمبر 2023 أن "تقديم الدعم المادي للسلطة الفلسطينية في مصلحتنا" لأنه "يعد أيضًا المفتاح المحتمل للتطبيع مع المملكة العربية السعودية".

وقد أشار لهذا الصحفي الإسرائيلي في موقع أكسيوس، باراك ريفيد، مؤكدا أن بلينكن قال في مقابلة مع بودكاست Pod Save The World إن قادة السعودية أخبروه أنه "من المهم بالنسبة لهم أن يكون لأي اتفاق تطبيع مع إسرائيل تأثير على الفلسطينيين".

وقال الصحفي الإسرائيلي إن بلينكن أوضح هذه الأمور ليبين أن وجود "مكون فلسطيني" في اتفاق التطبيع مع إسرائيل ليس طموحا أميركيا فحسب، بل مطلب سعودي أيضا".

وأضاف أن "الصراع حول توريد المركبات المدرعة لأجهزة الأمن الفلسطينية يبين مدى صعوبة أو استحالة تقديم الحكومة الإسرائيلية الحالية تنازلات من هذا النوع للسعودية"، ومن ثم تسهيلها التطبيع.