تصاعد الخلافات بين بغداد وأربيل.. هل يهدد بانسحاب الأكراد من حكومة السوداني؟

يوسف العلي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

لم تمض سوى 5 أشهر على الاتفاق النفطي بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، حتى تفجرت الأزمة ذاتها بين بغداد وأربيل، وبدأ الطرفان يتراشقان الاتهامات حول الإخلال بتنفيذ بنود الاتفاقية، التي يفترض أنها وضعت حدا لمشكلة بين الطرفين منذ عام 2014.

ففي 13 مارس/آذار 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني عن التوصل إلى اتفاق يُنهي الخلاف بين بغداد وأربيل حول إيرادات نفط إقليم كردستان، فيما أشاد القادة الأكراد حينها بمساعي الأخير لحل المشاكل العالقة بين الطرفين.

وينص الاتفاق على وضع إيرادات نفط إقليم كردستان في حساب مصرفي يُخول رئيس حكومة الإقليم بالوصول إليه، وبإشراف من السلطات العراقية، في حين ترسل بغداد حصة الأكراد من الموازنة المالية للبلاد.

وبلغت الموازنة المالية لسنوات 2023 و2024 و2025، التي صوّت عليها البرلمان في 12 يونيو/حزيران 2023، قرابة 153 مليار دولار لكل عام، ويحظى إقليم كردستان بنسبة تقدر بـ12.6 بالمئة منها.

تقاذف الاتهامات

وفي اتهام مباشر وجهه رئيس وزراء إقليم كردستان، إلى الحكومة العراقية، قال مسرور البارزاني خلال تغريدة على منصة "إكس" في 7 سبتمبر 2023، إن "امتناع الحكومة الاتحادية في بغداد عن إرسال مستحقاتنا المالية المثبتة في الموازنة المالية الاتحادية انتهاك للاتفاقات الدستورية، ويلحق الضرر بمواطنينا ويقوض الثقة".

وقبل ذلك، قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق، بيشوا هورامي، حكومة بغداد بممارسة "سياسة التجويع" بحق الإقليم، وأنها لم تف بالتزاماتها، وخلطت قوت المواطنين بالمسائل السياسية.

وقال هورامي، خلال مؤتمر صحفي عقده بأربيل في 4 سبتمبر 2023، إن "الحكومة العراقية قررت إرسال 500 مليار دينار (الدولار يعادل 1532 دينارا)، إلى إقليم كردستان، لكن هذا المبلغ لا يكفي لدفع رواتب الموظفين".

وفي السياق ذاته، قال وزير المالية في حكومة الإقليم، آوات جناب نوري، إن "بغداد عاملتنا بآلية النفقات الفعلية ولا تعاملنا كجزء من العراق، وأن المبلغ الذي أرسلته لا يكفي لدفع الرواتب".

وأشار نوري خلال المؤتمر الصحفي ذاته إلى أن "الزيارات السابقة لوفد حكومة الإقليم إلى بغداد لم تسفر عن نتائج، ونحن لدينا 320 مليار دينار شهريا من الإيرادات غير النفطية، وما يتم إرساله من حكومة بغداد لا يكفي لدفع الرواتب".

ردا على ذلك، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إن "الحكومة الاتحادية نفذت التزاماتها المالية كاملة تجاه إقليم كردستان، وبذلت جهودا كبيرة لتقديم الحلول".

ولفت العوادي عبر تدوينة على منصة "إكس" في 8 سبتمبر، إلى أنه "لغاية نهاية يونيو بلغت الأموال في ذمة الإقليم أكثر من ثلاثة أضعاف حصة الإقليم، حسب الإنفاق الفعلي للدولة، في حين لم تسلم حكومة الإقليم الإيرادات النفطية وغير النفطية كما أوجب تسليمها قانون الموازنة الاتحادية".

وأشار إلى أنه "رغم عدم التزام حكومة الإقليم أخذت الحكومة الاتحادية قرارا بعدم تحميل المواطنين في الإقليم جريرة عدم الالتزام، وعملنا بما يسمح به القانون باتخاذ قرار في مجلس الوزراء بإقراض الإقليم لحين حسم مشاكله المالية أصوليا".

وشدد العوادي على أن "الحكومة الاتحادية حريصة على حقوق المواطنين في إقليم كردستان كحرصها على حقوق المواطنين في سائر المحافظات، وأن الالتزام بالقوانين الفيدرالية والاتفاقات المبرمة، في ظل الدستور، أقصر طريق لاستكمال التحويلات المالية وتعزيز الثقة".

ما علاقة كركوك؟

سبق هذه التطورات والاتهامات المتبادلة بين الإقليم والمركز، توتر سياسي وأمني في محافظة كركوك شمال البلاد، والتي تعد بمثابة عراق مصغّر لما تحتويه من تنوع عرقي، الأمر الذي يراه مراقبون أنه يرتبط بشكل مباشر مع الأزمة الحالية بين بغداد وأربيل.

جاء ربط البعض بين الحدثين، لكون الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، الذي يدير الحكم في إقليم كردستان، هو ذاته الذي نشبت بسببه التوترات في كركوك لأكثر من أسبوعين، بعدما رفض المكونين العربي والتركماني عودة نشاط الحزب في المدينة.

وفي 22 أغسطس 2023، وجه رئيس الوزراء العراقي، بإعادة افتتاح مقرات "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في كركوك، لتشهد المدينة احتجاجات شعبية واسعة يقودها المكونان العربي والتركماني رفضا لهذه الخطوة، التي عدها البعض بداية لاندلاع "حرب أهلية".

الاحتجاجات التي تفجرت في 25 أغسطس، قُطع خلالها الطريق الرابط بين كركوك وإقليم كردستان العراق، الأمر الذي رفضه أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني بمظاهرات أخرى منددة في 2 سبتمبر، حصل فيها صدام بين الطرفين أدى إلى سقوط 3 قتلى وإصابة 4 آخرين.

وفي ظل هذه التوترات، أفادت وكالة "الأعظمية نيوز" العراقية، القريبة من زعيم تحالف السيادة السني خميس الخنجر، في 4 سبتمبر، بأن "القيادة الكردية في أربيل دعت لاجتماعات مكثفة فيما بينها، وذلك لبحث خيار الانسحاب من الحكومة المركزية في بغداد".

وتعليقا على ذلك، استبعد الباحث في الشأن العراقي، بهاء الدين البرزنجي، أن يقدم الأكراد على الانسحاب من حكومة محمد شياع السوداني، لكنه توقع في حديثه لـ"الاستقلال" أن "يسهم في زعزعة أو تفكيك ائتلاف إدارة الدولة الذي كان سببا في تشكيل الحكومة الحالية".

وتأسس ائتلاف "إدارة الدولة" الذي تبنى تشكيل الحكومة في 25 سبتمبر 2022، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالفي السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية.

وأوضح الباحث أن "زعزعة ائتلاف إدارة الدولة يضع السوداني في مأزق، لأن تحالف السيادة السني هو حليف للحزب الديمقراطي الكردستاني، وبالتالي فإن انسحابهم وارد من هذا الكيان، لأنهم أيضا يشكون من عدم تنفيذ تعهدات كانت قوى الإطار التنسيقي قد وعدت بتنفيذها، ومن أبرزها عودة النازحين السنة لمناطقهم".

ولفت البرزنجي إلى أن "ما يجعل أمر انسحاب القوى الكردية، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني من الحكومة أمرا مستبعدا، هو أن الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل الطالباني هو من سيملأ الفراغ، فهو الأقرب إلى الإطار التنسيقي الشيعي، وحليف لإيران".

ورأى أن "إثارة الأكراد موضوع الموازنة، جاء للرد على أحداث كركوك، لأن بعض قوى الإطار التنسيقي، هي من قادت الاحتجاجات ضد عودة حزب البارزاني إلى المحافظة، وتحديدا منظمة بدر بقيادة هادي العامري، ومليشيا عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي".

وترك الحزب الديمقراطي وقوات البيشمركة الكردية، جميع مقراتهم في كركوك، على خلفية "استفتاء تقرير المصير" الذي أجراه رئيس الإقليم في وقتها، مسعود بارزاني، عام 2017، وتسبب في أزمة سياسية مع الحكومة في بغداد، دفعت القوات المركزية إلى فرض سيطرتها على المدينة.

وكانت قوات البيشمركة التابعة لحكومة الإقليم، قد انتشرت في قواعد أخلاها الجيش بمحافظة كركوك عقب ظهور "تنظيم الدولة" في 2014، وتولت سلطة الأمن في المدينة طوال 3 سنوات.

وبعد دخول القوات العراقية إلى كركوك عام 2017، أخلت قوات من الجيش مبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني وحولته إلى مقر قيادة العمليات الأمنية المشتركة (تابعة لوزارة الدفاع) في المحافظة.

إيقاف التصعيد

وعلى ضوء أزمة كركوك، واتهامات الحزب الديمقراطي الكردستاني حكومة السوداني، بعدم تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه، عقد ائتلاف إدارة الدولة اجتماعا في 9 سبتمبر 2023، بحضور الأحزاب الكردية.

وقال بيان لمكتب السوداني في 10 سبتمبر، إن رئيس الوزراء أضاف اجتماعا لائتلاف إدارة الدولة لمناقشة الأوضاع في كركوك، بحضور رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي".

ولفت إلى ان "الاجتماع خُصص لمناقشة الأوضاع الراهنة في محافظة كركوك، وسبل تعزيز الأمن والاستقرار في عموم المحافظة، حيث جرت نقاشات مستفيضة اتسمت بروح المسؤولية تجاه قضايا الوطن وسلامة أرواح المواطنين".

وأدان الائتلاف "الأحداث التي جرت في كركوك، والاضطرابات الأمنية التي هددت السِّلم الأهلي، وتسببت في تعكير صفو الأمن فيها، وأن ما حدث يعد عملا غير مقبول تحت أي ذريعة، ومن أي جهة كانت"، وفق البيان.

وتابع: "كما يتوجب على جميع الأطراف تغليب المصلحة العليا للمحافظة ومواطنيها، وأن يبقى الحوار مفتاحا لنبذ الخلافات والحفاظ على التعايش السلمي في كركوك".

ودعا الائتلاف، بحسب البيان، إلى الالتزام بخطاب وطني يدعم التهدئة ويشيع الأمن والاستقرار في محافظة كركوك، التي تتميز بخصوصيتها وتنوّعها، الذي طالما شكّل مصدر قوة واعتزاز لدى كل الطوائف والقوميات والأطياف العراقية المتآخية في المحافظة.

واتفق المجتمعون على "تشكيل لجنة قيادية من الائتلاف لزيارة محافظة كركوك، وعقد لقاءات مع الفعاليات الرسمية والاجتماعية لكل مكونات المحافظة، وإيجاد الحلول للمشاكل الآنية وفي مقدمتها موضوع المقر وإجراء تعديلات إدارية في كركوك، بما يحفظ التوازن بين جميع مكوّناتها".

وكذلك اتفقوا على "دعم قرار البرلمان المتمثل بتشكيل لجنة نيابية لتقصّي الحقائق في كركوك، والتأكيد على ضرورة كشف نتائج التحقيق للرأي العام، ومحاسبة كل من يثبت تورّطه بالأحداث، أيّا كان عنوانه وانتماؤه".

وشددوا على ضرورة "التزام أطراف ائتلاف إدارة الدولة بالاتفاق السياسي المثبت في المنهاج الوزاري، الذي ينسجم مع الدستور والقانون، وجرى التصويت عليه في مجلس النواب".

واتفق المجتمعون على "إيقاف التصعيد الإعلامي ومناقشة الاختلافات في وجهات النظر داخل ائتلاف إدارة الدولة"، داعين إلى "الالتزام بإجراء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) بموعدها المقرر، في 18 ديسمبر 2023، وإجراؤها في محافظة كركوك أيضا".

وبخصوص أزمة الموازنة بين بغداد وأربيل، أعرب المجتمعون في بيانهم عن "دعم قرار البرلمان المتمثل بإضافة وزيري المالية في الحكومة الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان العراق".

وخلال إضافتها في اللجنة البرلمانية المالية، قالت وزيرة المالية، طيف سامي، إن "ما بذمة إقليم كردستان من الأموال أكثر من استحقاقاته ويجب عليه سداد التزاماته للحكومة الاتحادية".

وقالت اللجنة خلال بيان لها في 9 سبتمبر إن "الاجتماع ناقش ملف صرف التخصيصات المالية لإقليم كردستان وضرورة الالتزام بتعليمات قانون الموازنة الاتحادية".

ونقل البيان عن وزيرة المالية قولها إن "ما بذمة الإقليم من أموال أكثر من استحقاقه، ويجب عليه تسديد التزاماته للحكومة المركزية بتسليم ايراداته النفطية وغير النفطية والكشف عن حقيقة حجم الأموال المتحققة من ذلك".

من جانبه، أكد رئيس اللجنة المالية عطوان العطواني أن لجنته "ستضيف قريبا وزير المالية الاتحادي ووزير مالية حكومة الإقليم للاطلاع على الحقائق وبيان المصروف الفعلي لهذه الأموال لتتمكن من احتساب المبالغ المطلوب إطلاقها، والعمل على إيجاد حل لهذه المشكلة تحت سقف الدستور وبما ينسجم مع تعليمات الموازنة العامة للبلاد"، بحسب البيان.