عينها على البحر الأحمر.. لماذا تعزز الإمارات استثماراتها في إثيوبيا؟

قسم الترجمة | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في 18 أغسطس/ آب 2023، وقعت إثيوبيا والإمارات 17 اتفاقية تعاون تغطي مختلف المجالات، خلال زيارة لافتة أجراها الرئيس الإماراتي محمد بن زايد إلى أديس أبابا.

وتمهد إحدى الاتفاقيات الطريق للتعاون بين موانئ أبو ظبي وشركة الاستثمار الإثيوبية القابضة، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في إفريقيا، وتدير أصولا تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار.

كما تمهد الاتفاقيات أيضا طريقا للتعاون المستقبلي بين موانئ دبي العالمية، ووزارة النقل والخدمات اللوجستية الإثيوبية، لتعزيز قطاع الخدمات اللوجستية في إثيوبيا.

ليست محض صدفة

وتعليقا على ذلك، أكد  إسماعيل عثمان، نائب مدير وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية السابق أنه "لا يمكن النظر إلى ظهور الإمارات كلاعب رئيس في القرن الإفريقي، خاصة بإثيوبيا، على أنه محض صدفة أو مجرد بادرة حسن نية".

وأضاف في مقال، نشره موقع "يوراسيا ريفيو الأميركي، إن "الجهود المتضافرة التي تبذلها القيادة الإماراتية للاستثمار بكثافة في المنطقة، تؤكد وجود رؤية إستراتيجية، تتشابك فيها الدبلوماسية مع الاقتصاد".

وقال: "أولا، دعونا نفهم جاذبية إثيوبيا، فبصفتها ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، فإنها توفر قاعدة استهلاكية وقوة عاملة هائلة".

وأضاف أنه "بفضل اقتصادها المتنوع وإمكاناتها الزراعية الهائلة، عدت إثيوبيا منذ فترة طويلة قوة إفريقية صاعدة".

"لذلك ليس من المستغرب أن ترى الإمارات في إثيوبيا شريكا قويا، ليس فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية فورية، ولكن أيضا لنسج شراكات إستراتيجية طويلة المدى"، وفق المسؤول الصومالي السابق.

وأكد أن "الأنشطة الإماراتية في إثيوبيا، سواء من خلال مشاريع البنية التحتية، أم الاستثمارات في قطاعات مثل الطاقة والزراعة، أم من خلال المبادرات الدبلوماسية، هي -في الأصل- مدفوعة بإستراتيجية متعددة الأوجه".

وأقر عثمان بأن "هناك دافعا اقتصاديا واضحا وراء توجه الإمارات لإثيوبيا"، لكنه أكد أن "هناك المزيد في تلك القصة؛ إذ لا يمكن تجاهل حقيقة أن إثيوبيا تستثمر في قواتها البحرية، رغم أنها دولة غير ساحلية".

هذه الحقيقة تثير سؤالا -وفق المقال- وهو: ما المياه التي تخطط إثيوبيا للدفاع عنها؟

وأوضح نائب مدير الاستخبارات الصومالية السابق أن "العديد من الصوماليين يتشاركون هذا القلق، خاصة عندما أشار الرئيس الصومالي السابق، محمد فرماجو، إلى أن إثيوبيا ستستثمر في أربعة موانئ صومالية".

وقال عثمان: "إن الحاجة الملحة للإمارات لتأمين مصالحها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تقع في قلب مصالحها من الانخراط مع إثيوبيا؛ لأن تلك المنطقة عبارة عن نقطة اختناق حاسمة للتجارة العالمية".

وتابع أن "ضمان الاستقرار في القرن الإفريقي تترجمه الإمارات مباشرة إلى الأمن البحري، نظرا لقرب المنطقة من هذه الممرات المائية الحيوية".

ومع ذلك، فإن "النظر إلى الانخراط الإماراتي في إثيوبيا، بصفته محصورا في صفقات كهذه، يُعد تبسيطا للمسألة"، وفق عثمان.

وأشار إلى أن "الإمارات استخدمت قوتها الناعمة باستمرار في جميع أنحاء العالم، وأقامت عدة شراكات دولية، وإثيوبيا ليست استثناء من ذلك".

وأردف أنه "من خلال تمويل المشاريع التي لها تأثير مجتمعي -سواء كان ذلك في مجال التعليم أو الرعاية الصحية أو الزراعة المستدامة- فإن الإمارات تضع نفسها كشريك في مسار التنمية الشاملة في إثيوبيا".

طموح محفوف بالتحديات

وأفاد المقال بأنه "في حين تبدو نوايا الإمارات واضحة وإستراتيجية، فإن علاقتها مع إثيوبيا لا تخلو من التحديات".

وأوضح أن "المشهد السياسي المتقلب في إثيوبيا، والتوترات العرقية، ونزاع أديس أبابا طويل الأمد مع مصر حول سد النهضة الإثيوبي الكبير، يُعقّد من شراكتها مع الإمارات".

وأكد أنه "سيتعين على الإمارات أن تتحرك بحذر، وأن توازن علاقاتها مع القوى الإقليمية الأخرى، وأن تضمن ألا تؤدي استثماراتها إلى تأجيج الصراعات الداخلية عن طريق الخطأ".

وشدد المقال على أن "الانخراط الإماراتي في إثيوبيا هو دليل على تطلعاتها العالمية ورؤيتها نحو قرن إفريقي أكثر تكاملا واستقرارا".

لكنه أشار إلى أن هذا "مسعى طموح، محفوف بالتحديات، ولكن إذا تعاملت معه أبو ظبي بمهارة، فإنه يمكن أن يمهد الطريق لفصل جديد في العلاقات بين الشرق والغرب، بحيث تكون الإمارات وإثيوبيا في مركزه".

"وكما هو الحال مع جميع العلاقات الدولية، فإن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت هذه الشراكة ستزدهر وتتحول إلى علاقة إستراتيجية، أو ما إذا كانت التوترات الجيوسياسية ستحدد مسارا مختلفا".

وقال المسؤول الصومالي السابق: "إن قرار الإمارات بتوقيع اتفاقية بحرية مع إثيوبيا، الدولة غير الساحلية، قد يثير الدهشة للوهلة الأولى".

"ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة تكشف عن دوافع أعمق، متجذرة في الإستراتيجية الجيوسياسية وتغير ديناميكيات القوة في المنطقة"، وفق عثمان.

وتابع: "في حين أن إثيوبيا قد لا يكون لديها خط ساحلي، إلا أنها سعت تاريخيا إلى الوصول إلى الموانئ البحرية من أجل تجارتها، معتمدة في ذلك بشكل كبير على جيرانها".

ووفق المقال، فإن "الاتفاق مع الإمارات يرمز إلى سعي إثيوبيا للحصول على قدر أكبر من الاستقلالية في المجال البحري".

وأوضح أنه "من خلال الشراكة مع الإمارات، تضع إثيوبيا نفسها في موقع قد يمكّنها من التأثير على مستقبل تطوير الموانئ والخدمات اللوجستية في المنطقة".

علاوة على ذلك، فإن التعاون الإماراتي-الإثيوبي، يشير إلى القوى الإقليمية الأخرى -مثل تركيا وقطر- بأن الإمارات لا تزال لاعبا أساسيا في القرن الإفريقي، سواء مع قدرتها إلى الوصول المباشر إلى البحر أو بدونها".

خلافات الإمارات والصومال

وأكد نائب مدير الاستخبارات الصومالية السابق أن "تجاهل بلاده يشكل غفلة سياسية كبرى؛ نظرا لموقعها الحيوي بالقرب من البحر الأحمر، وسواحلها الممتدة".

وأضاف: "تاريخيا، كانت الإمارات منخرطة اقتصاديا وسياسيا مع الصومال، لكن مع مرور الوقت، برزت الخلافات".

وأوضح أن "بعض القضايا، كالمشاريع الإماراتية في مناطق مثل أرض الصومال وبونتلاند، إلى جانب وجهات النظر المختلفة حول الأزمة الخليجية، شكّلت محطات اختبار للعلاقة بين مقديشو وأبو ظبي".

علاوة على ذلك، فإن "التعامل مع الصومال يتطلب اتباع سياسة متوازنة ودقيقة، مع الأخذ في الحسبان الديناميكيات الداخلية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية".

وتابع: "بالنظر من الزاوية الجيواستراتيجية، فإن اللعبة الجيوسياسية الأوسع، لها دور أيضا، ذلك أن البصمة المتزايدة للصين في إفريقيا، وخاصة في الموانئ والبنية التحتية، هو أمر يراقبه عن كثب لاعبون دوليون، بما في ذلك الإمارات".

وشدد عثمان على أن "اعتبار الإمارات لإثيوبيا كشريك ودي، قد يوفر ثقلا موازنا في تطوير الموانئ الإقليمية، لكنه أيضا إشارة إلى أن أبو ظبي تتطلع إلى ما هو أبعد من العائدات المباشرة، وتركز على المشهد الإستراتيجي الأكبر".

وأكد على أنه "في العلاقات الدولية، غالبا ما تكون القرارات مدفوعة بالرمزية، والرؤية طويلة المدى، والجغرافيا السياسية، أكثر من المكاسب الاقتصادية المباشرة".

وأوضح أن "نجاح مناورة الإمارات يعتمد على الديناميكيات المتطورة في المنطقة، وقدرة الدولة الخليجية على التعامل مع النسيج المعقد لسياسات شرق إفريقيا".

وختم بالقول إن "شعب الصومال وحكومته الفيدرالية يراقبان هذه التطورات عن كثب"، مدركين أن الصومال جزء لا يتجزأ من إستراتيجيات النمو في القرن الإفريقي، بل هي في الأساس قلب القرن الإفريقي".