بعد الحسين والحاكم بأمر الله.. هكذا سمح السيسي لـ "البهرة" بتشويه مسجد السيدة نفيسة 

إسماعيل يوسف | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد أيام من إعادة افتتاح مسجد السيدة نفيسة بعد تطويره بتمويل من طائفة البهرة الشيعية، وإشراف من الجيش المصري، كشف خبراء آثار أن ما جرى تضمن "تشويها للأثر التاريخي وتغييرا في الطراز المعماري له".

وافتتح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بصحبة سلطان البهرة "مُفضل سيف الدين" يوم 8 أغسطس/ آب 2023، مسجد السيدة نفيسة، ضمن مشروع ترميم مساجد آل البيت الذي يشرف عليه الطائفة الشيعية الإسماعيلية الهندية.

وهو ما اعترض عليه مصريون مستغربين إسناد التطوير لطائفة سبق أن كفرتها دار الإفتاء المصرية، لمجرد تحصيل السلطة أموالا منها، وتركها تغير في طبيعة الآثار الإسلامية التاريخية.

وبعضهم ربط الأمر بـ"تبرعات شيعة البهرة لنظام السيسي"، الذي التقى سلطانهم ست مرات منذ انقلاب 2013، وحصل منهم على مبالغ مالية كبيرة.

ومسجد السيدة نفيسة يقع في حي السيدة نفيسة بالقاهرة، وبُني في عهد الدولة العباسية لإحياء ذكرى السيدة نفيسة وهي عالمة إسلامية من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويقع ضريحها داخل المسجد

ماذا جرى؟

ضمن إشرافهم ماليا على خطة لـ"تطوير" مساجد آل البيت في القاهرة القديمة، شملت سابقا مسجد الحسين ثم الحاكم بأمر الله، افتتح سلطان طائفة "البهرة"، ثالث مسجد بعد تطويره وهو السيدة نفيسة، وسيعقبه السيدة زينب.

عملية "التطوير" تمت بموجب اتفاق بين السيسي، وسلطان البهرة والذي ينعته المتحدث باسم الرئاسة المصرية في بياناته، بـ"عظمة السلطان"، وتنفيذ الهيئة الهندسية للجيش التي تحتكر أغلب مشروعات البناء في مصر.

عقب أول عملية "تطوير" تمت لمسجد "الحسين" في أبريل/ نيسان 2022، وجهت انتقادات واتهامات، من جانب مهندسين وخبراء مصريين، بتخريب "الأثر الإسلامي" لمن قاموا بعملية "التجديد".

اتهموا البهرة ومن نفذ التجديد (هيئة الجيش الهندسية) بتخريب الأثر الإسلامي بسبب عدم مطابقة ما تم لقواعد ترميم المباني الأثرية والنسيج العمراني للمدينة التاريخية.

كان من بين الملاحظات التي ركز عليها مهتمون بالتراث ومتخصصون في الهندسة المعمارية، تمرير مسارات تكييف المسجد على الواجهة ومن خلال فتحة في القبة الأثرية للمسجد وإغلاق فتحات أخرى به.

ونشرت نقابة المهندسين المصرية حينها صورة لعملية التجديد، وقالت إن نقيب المهندسين طارق النبراوي، شكل لجنة من خبراء الشعب المعمارية والهندسية، لتحديد العيوب التي شابت عملية التجديد والترميم.

تكرر الأمر مع تطوير مسجد الحاكم بأمر الله، وهو أهم جامع يهتم به البهرة لأنهم يعتمرون إليه بدل بيت الله الحرام، وفق معتقداتهم الباطلة، واشتكى معماريون من قيام البهرة بتغييرات في المسجد شوهت شكله القديم المملوكي.

الكارثة الأكبر ظهرت عقب افتتاح مسجد السيدة نفيسة في أغسطس 2023 بعد تجديد البهرة له، حيث كشف أثريون أنهم شوهوه تماما وحولوه لأثر هندي لا مملوكي وشوهوا طرازه المعماري وحذفوا نقوشا ولوحات تاريخية.

الباحثة في شئون الآثار "أمنية عبد البر"، قالت، في سلسلة تغريدات، إن المسجد كانت حالته جيدة ولا يعاني من مشاكل إنشائية تستدعي التدخل.

كان يحتاج فقط لبعض النظافة لكن "المشروع طمس معالم المقام وتم محو الهوية المصرية وأصبح شكل الزخارف منفرا ومبهرجا بدون أي روح".

وأنه تمت إزالة باب الضريح الفضي، وتم استبدال المقصورة التاريخية القديمة (كانت باللون الأخضر فأصبحت بلون ذهبي)، واختفى النجف التركي العتيق، كما تمت إزالة "رنك (رمز أو إشارة أو ختم)" الخديوي عباس حلمي، وكتبوا اسم رئيس طائفة البهرة مكانه، بحسب الباحثة.

أيضا تمت تغطية الشبابيك المصنوعة من الجص، بالرخام، وكل العناصر الزخرفية والكتابات استبدلت بتصميم غريب لا يمت بصلة لطرز العمارة المصرية الإسلامية التي تخضع لأسس معروفة في التصميم.

ونقل موقع "المنصة" المحلي في 10 أغسطس اعتراف "مصدر مسؤول بوزارة الآثار، مطلع على ملف الآثار الإسلامية، أن ترميم مسجد السيدة نفيسة، أخفى الطابع المصري الفاطمي والمملوكي، وساد الطابع العراقي والهندي مثلما حدث بمسجد الحسين.

وقال: كان على منفذي الترميم أن يعلموا أنهم بمصر فيتم الترميم وفقًا للطراز المملوكي، مثلما فعل الخديوي عباس حلمي الثاني بلجنة حفظ الآثار العربية منذ 120 عاماً عند ترميم ذات المسجد.

ورأى مسؤول الآثار، الذي رفض ذكر اسمه، أن اختفاء رنك الخديوي عباس حلمي الذي كان موجودا أعلى ضريح السيدة نفيسة، ومدونا عليه اسمه وتاريخ الترميم، بجانب وضع إضاءات حديثة "كارثة".

وقال الباحث في الآثار الإسلامية "قسام شكري" عبر تويتر، عقب زيارته مسجد السيدة نفيسة بعد تجديد البهرة له، إنه "تم محو الأثر نفسه من قِبل البهرة، واختفي الباب الأثري المصفح بالفضة للضريح"، وحوائط أثرية.

حذر من أن هذا أيضا هو مصير مسجد السيدة زينب الذي يجري تجديده حاليا أيضا بأموال البهرة، وغيره، ونشر "شكري" صورا للزخارف الإسلامية المعمارية القديمة لمقارنتها بالتشويه المنتظر عقب افتتاح المسجد قريبا.

وكان لافتا أيضا أن المذيعة المقربة من نظام السيسي لميس الحديدي والحقوقي نجاد البرعي انتقدا تشويه مسجد السيدة نفيسة بحجة التطوير. 

وقال نشطاء إن تطوير البهرة الهنود لمساجد مصر التاريخية كما ظهر حتى الآن في مسجدي الحسين والسيدة نفيسة حول شكلها إلى أضرحة هندية لا مصرية، عادّين ما يجرى عملية طمس ممنجهة للفن المصري الإسلامي "حسب مزاج وذوق الزبون".

تساؤلات بلا أجوبة

الحديث عن تشويه المساجد التاريخية ارتبط بتساؤلات حول طبيعة اتفاق السيسي وسلطان البهرة بشأن تجديد مزارات آل البيت في مصر، وهل تركها لهم مقابل المال خاصة مع تزايد شكوى سكان المنطقة من استيطان البهرة للحي وشراء منازل ومحال تجارية.

وفي تغريدة عبر تويتر في 11 أغسطس، كتب الإعلامي علاء السيد: "الشيعة البهرة يسيطرون على مساجد مصر المسماة بأسماء آل البيت في خطة ممنهجة لتغيير الهُوية المصرية إلى الهوية الشيعية ، والسؤال هنا لصالح من؟ وبكم؟".

زادت التساؤلات بعدما كشف برنامج تلفزيوني مصري أن نظام السيسي قرر نزع الإدارة والإشراف على مسجد الحسين التاريخ من وزارة الأوقاف، ومنحه لمؤسسة مدنية تديرها وتمولها طائفة البهرة الشيعية تسمى "مساجد"!.

وذلك بالتنسيق مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، كخطوة أولى لتعميمها على بقية ما يعرف بمساجد آل البيت في مصر.

حيث أعلن برنامج "حديث القاهرة" بقناة "القاهرة والناس" المملوكة لرجل الأعمال طارق نور، إسناد إدارة مسجد الحسين بعد تجديده لمؤسسة "مساجد" بدلًا من وزارة الأوقاف.

وقال مقدما البرنامج خيري رمضان وكريمة عوض، خلال تقديمها حلقة 8 مايو/ أيار 2022 من البرنامج، إن "مصادرهم الخاصة" أبلغتهم بهذا القرار.

والغريب أن رابط مؤسسة مساجد وهي مؤسسة غير هادفة للربح ولديها شراكة مع الهيئة الهندسية للجيش لترميم المسجد، لا يتضمن سوى حديث عن مسجد الحسين وتكلفة الترميمات الأخيرة وهناك صور من حفل نظمته "مساجد" منذ فترة في أحد فنادق القاهرة.

وتضم قائمة أسماء المؤسسين لـ"مساجد" رؤساء مجالس إدارات أكبر شركات ومصانع حلويات في مصر، في تجمع غريب وغير مسبوق وسبق لهم التبرع لصندوق "تحيا مصر" الذي يديره السيسي.

ويخلو موقع "مساجد" من أي مشروعات أخرى غير تطوير مسجد الحسين لكن بالرجوع للمؤتمر الصحفي للمؤسسة في ديسمبر 2020 يبدو أن الهدف هو جميع مساجد آل البيت.

ويبدو أيضًا أن عقود التطوير مشروطة بحق الإدارة حيث دفعت "مساجد" 150 مليون جنيه (حوالي 600 ألف دولار) مقابل إدارة مسجد الحسين، لكن دون توضيح عدد سنوات الانتفاع.

وأثار هذا تساؤلات في الشارع المصري حول علاقة مؤسسة "مساجد" بطائفة البهرة، والأكثر دهشة هو غياب شيخ الأزهر أحمد الطيب عن أي فعاليات حضرها السيسي وسلطان البهرة لافتتاح مساجد بعد ترميمها.

وفي 9 ديسمبر 2021 أعلن نيازي سلام رئيس مجلس أمناء مؤسسة "مساجد" خطة تطوير مسجد الإمام الحسين بميزانية 150 مليون جنيه بموجب بروتوكول تعاون تم توقيعه مع وزارة الأوقاف وفق صحيفة اليوم السابع.

قال: "مؤسسة مساجد سوف تكون مسؤولة عن التشغيل والصيانة والنظافة بعد انتهاء أعمال التطوير وذلك باستخدام الأساليب الحديثة والمتقدمة في التحكم في أنظمة ومرافق المسجد والوصول إلى أعلى معدلات الحفاظ على معدلات التشغيل داخله". 

ويقول الصحفي المصري فتحي أبو حطب الذي نشر على فيسبوك في مارس 2023 عن مؤسسة مساجد "أنها تتيح التبرع بصكوك تصل قيمتها إلى 150 ألف جنيه في المرة الواحدة، "إن المؤسسة فيها حاجه غير مفهومة".

ويؤكد الصحفي جمال سلطان أن أملاك هيئة الأوقاف من أوقاف المسلمين في مصر تعادل تريليون و40 مليار جنيه، والميزانية السنوية للوزارة 18 مليار جنيه، وعدد العاملين في الوزارة 380 ألف موظف، منتقدا تعاقدها مع "جهة خاصة" كشريك لإدارة شؤون مسجد الحسين.

وتساءل: هل لأن الوزارة فاشلة أو بدون ميزانية أو نقص العمالة ؟، أو لأمر آخر ؟!!

بعد كشف دور البهرة في إدارة مساجد آل البيت في مصر وانتشار غضب شعبي على مواقع التواصل، نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، ما "انتشر في بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي من أنباء بشأن إصدار وزارة الأوقاف قرارا بإسناد إدارة مسجد سيدنا الحسين لجهة خاصة".

لكن مجلس الوزراء أقر ضمنا بدور لإدارة "مساجد" شؤون مسجد الحسين حيث نقل عن وزارة الأوقاف أن "أية بروتوكولات تعاون توقعها الوزارة مع أية جهات خاصة تكون بغرض الاستعانة بهم كشركاء في تنفيذ أعمال تطوير المساجد دون إسناد إدارتها لأي من تلك الجهات".

طائفة البهرة

و"البهرة" طائفة إسماعيلية شيعية، لها حضور لافت بالهند وباكستان واليمن، ومنذ ثلاثينيات القرن الـ20 بمصر، ويمارسون معتقداتهم وطقوسهم بسرية تامة، وبينما يعدهم أهل السنة خارجين عن الملة يرون أنفسهم فرقة إسلامية لا تختلف عن بقية الفرق.

ويؤكد مؤرخون أن البهرة من الفاطميين الذين كانوا في مصر إبان العصر الفاطمي الشيعي الذي أنهاه صلاح الدين الأيوبي مؤسسا الدولة الأيوبية السنية مكانها، لذا هاجر الكثيرون منهم من مصر حتى انتهى بهم المقام إلى جنوب الهند، ليطلق عليهم البهرة، أي تجار البهارات.

وللبهرة تاريخ حافل من التقرب لحكام مصر، إلا أنهم في عهد السيسي نالوا أكثر مكاسبهم وحضورهم وظهورهم الإعلامي، بل حصلوا على إشادة نظام السيسي عبر خمسة بيانات رسمية، رغم الفتاوى الثابتة بأنها فرقة خارجة عن الإسلام.

وقبل تولي السيسي حكم مصر رسميا في يونيو/ حزيران 2014، وفي فتوى رقم 680732، قالت دار الإفتاء المصرية في 18 فبراير/ شباط 2014، إن البهرة "فرقة خارجة عن الإسلام، وحكمهم في التعاملات نفس حكم المشركين".

ومع ذلك ومنذ العام 2014، تتواصل لقاءات السيسي وسلطان البهرة وأبنائه، خاصة في ظل حرصهم على التبرع، ونهم السيسي في الحصول على "الأرز" كما ورد في أحد التسريبات له عن أموال وتبرعات الخليج عام 2015.

ويُعرف عن سلطان البهرة وطائفته الثرية التي تعمل بتجارة المنتجات الغذائية وصناعات الورق والرخام أنها تتبرع بشكل دوري لصندوق "تحيا مصر"، ما أكدته بيانات الرئاسة المصرية مرارا.

ويُعد مفضل سيف الدين، السلطان رقم (53) بسلسلة "الدعاة المطلَقين" الفاطميين، وزعيم الطائفة، والممثل الدنيوي للإمام الغائب والذي يتولى نيابة الإمام الدينية وفق مزاعمهم، ولد بمدينة "سورت" الهندية 20 أغسطس/ آب 1946، وخلف والده محمد برهان الدين بعد وفاته يناير/ كانون الثاني 2014.

ويمتلك سلطان البهرة، أو "الداعي" منزلا بمنطقة الدقي بالجيزة غرب القاهرة، والتقى السيسي لأول مرة بقصر "الاتحادية" في 17 أغسطس/ آب 2014، وتبرع حينها بـ10 ملايين جنيه مصري (حوالي 1.4 مليون دولار حينها)".