سفارات وزيارات واتفاقيات.. هكذا تتحضر تركيا لتوسيع وجودها في إفريقيا

داود علي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

خلال حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تطورت بصورة لافتة علاقات تركيا مع القارة الإفريقية، وهو ما يتجلى في زيادة عدد الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى وتوقيع الاتفاقيات بين الجانبين في مجالات عدة.

فضلا عن فتح تركيا أبواب جامعاتها للطلاب الأفارقة الذين درسوا فيها وأتقن كثير منهم اللغة التركية، وكذلك افتتاح أنقرة معاهد ثقافية في البلدان الإفريقية.

وكان 2003 هو العام الذي تولى فيه رجب طيب أردوغان رئاسة وزراء تركيا، وبداية الانطلاقة الكبرى لحزب العدالة والتنمية، الذي حكم أكثر من عقدين من الزمن، تغيرت على أثرهما تركيا داخليا وخارجيا، حتى أصبحت قوة إقليمية نافذة، ولها جسور ممتدة حتى إلى إفريقيا.

في ذلك العام تحديدا أعدت مستشارية التجارة الخارجية في الجمهورية التركية ما عرف بـ "إستراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية".

بعدها أعلنت الحكومة بقيادة أردوغان أن 2005 سيكون "عام إفريقيا" لأول مرة في تاريخ الجمهورية الحديثة. 

وفي عام 2013 زار أردوغان الغابون، وحدد فيها مسار العلاقات بين أنقرة والقارة قائلا: إن "إفريقيا ملك للأفارقة، ولسنا هنا من أجل ذهبكم بل بهدف علاقة قائمة على قاعدة رابح رابح"، وعمق هذه السياسة منذ أصبح رئيسا للجمهورية في عام 2014 وحتى اليوم.

رابح رابح 

وفي 8 أغسطس/آب 2023، كتب الصحفي التركي حمزة تكين عبر صفحته بـ "فيسبوك" قائلا: "تتحضر تركيا في هذه المرحلة لتطوير علاقاتها أكثر مع إفريقيا بتوجيهات مباشرة من أردوغان".

وأضاف: "واضح جدا أن نفوذ أنقرة في إفريقيا نما بشكل كبير على مدار الـ 20 عاما الماضية أي منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم".

ثم عقب: "القادم سيكون أكثر وأكثر على حساب الغرب عامة وفرنسا خاصة التي نهبت وسرقت وقتلت ولم تقدم أي خير لتلك الشعوب".

وأتبع: "من أهم صور النفوذ التركي الإيجابي المفيد لكلا الطرفين والذي يتوسع يوما بعد يوم في إفريقيا على قاعدة (رابح ـ رابح) هي الصناعات الدفاعية التركية":.

وأردف: "مالي، بوركينا فاسو، توغو، بنين، النيجر، نيجيريا، إثيوبيا، السنغال، ودول عربية إفريقية بدأت كلها تتوجه بشكل ملحوظ نحو الصناعات الدفاعية التركية من المركبات المدرعة ومركبات إزالة الألغام وأنظمة الاستشعار والمراقبة والبنادق إلى الطائرات المسيرة". 

وذكر أن "هناك 30 دولة في القارة الإفريقية لديها نوع من أنواع الاتفاقيات المتعلقة بالأمن والجيش والتكنولوجيا العسكرية مع تركيا".

وإلى جانب الصناعات الدفاعية، تتواجد تركيا بقوة في القارة من خلال شركات الإنشاءات التي تنفذ حاليا عشرات المشاريع التنموية الكبرى في دول عدة من سكك حديدية ومطارات وطرقات ومستشفيات إلى ملاعب رياضية ومشاريع الطاقة والكهرباء، بحسب تكين.

44 سفارة 

هذا ما أكده الموقع الرسمي لوزارة الخارجية التركية، عن سياسة الدولة تجاه إفريقيا على مدار السنوات الماضية، وجاء فيه أن الدبلوماسية التركية عملت على تعزيز تواجدها هناك، لتصل إلى 44 سفارة تركية هناك.

يذكر أن الولايات المتحدة تمتلك 49 سفارة، أما فرنسا التي تعد إفريقيا منطقة نفوذها الأولى فلديها 46 سفارة.

وإعلاميا بدأت تركيا تخاطب الأفارقة من خلال إطلاق "TRT Afrika" وهي قناة تلفزيونية تركية رسمية تخاطب الأفارقة بلغات متعددة.

أما إنسانيا فبصمات أنقرة حاضرة في هذا المجال من خلال المشاريع الإغاثية والخيرية والتعليمية والدينية والصحية التي تقدمها المؤسسات التركية الإنسانية، مثل (IHH - آفاد - وقف الديانة) بشكل مجاني.

وعلى المستوى التعليمي، أفادت "رئاسة شؤون أتراك المهجر"، عام 2017 بوجود آلاف الطلاب الأفارقة في تركيا، وأن قطاعا منهم يدرس على نفقته الخاصة.

وبينت في تقرير لها أن قرابة 4 آلاف طالب إفريقي يواصلون تعليمهم الجامعي في جميع المراحل، و8 آلاف و786 طالبا إفريقيا من 51 دولة تخرجوا في الجامعات التركية.

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، تحدث مركز "أبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا"، عن تأثير الطالب الإفريقي الذي يتحدث التركية ولغته الأم في بلاده.

وبين أن "الخريجين الأفارقة لعبوا دورا رائدا في مساعدة الشركات التركية في بلدانهم على التنافس مع نظيرتها الأجنبية التي لها تاريخ عميق الجذور في العديد من القطاعات".

وأضاف: "الطلاب المتخرجون في تركيا ساهموا بمجالات السياسة والدبلوماسية وبمناصب على مستوى الدولة والسفارات لأنهم يعرفون اللغة التركية ولغتهم الرسمية".

ولفت إلى أن الطلاب الأفارقة الذين درسوا في تركيا أصبحوا سفراء شرفيين لها، وفق قوله.

تطور اقتصادي 

في 24 مايو/أيار 2023، كتب الباحث النيجيري أوفيغوي إيغيغو، مقالا عن تطور الأوضاع الاقتصادية بين أنقرة والعواصم الإفريقية، ومدى اهتمام القارة بالانتخابات الرئاسية التركية (فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان على مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو). 

وقال في المقال الذي نشره مركز الأبحاث الدولي "Development Reimagined" بألمانيا: "أعتقد أن الأمر بالنسبة للأفارقة ليس سيان، فمنذ عام 2003 لدينا عهد ذهبي مستمر حتى اليوم".

وأشار إلى نمو حجم التبادل التجاري بين تركيا وإفريقيا الذي يصل إلى نحو 45 مليار دولار.

وأضاف: "هذا التبادل كان قبل عشرين عاما حوالي 5.4 مليار دولار حسب وزارة الخارجية التركية، وهذا نمو كبير لحجم التبادل التجاري مع القارة".

وأتبع: "يساوي ذلك 9.4 بالمائة من حجم الصادرات التركية، وهذه الطفرة تمثل أهمية وتبرز مدى تصاعد العلاقة بين الطرفين".

وأورد أنه: "على سبيل المثال تصدر تركيا الكثير من المفروشات إلى نيجيريا، لأن هذه الصناعة التركية غير قادرة على المنافسة في السوق الأوروبية".

ثم اختتم: "حتى في الدول الفرنكوفونية في غربي إفريقيا، تعد تركيا شريكا تجاريا جذابا، حيث تراجعت علاقة تلك الدول مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة".

وكان أردوغان قد أعلن في 18 ديسمبر 2021، أن تركيا تبني علاقات اقتصادية على أساس تفاهم يربح فيه الجميع على أساس الشراكة المتكافئة.

وقال: "إن الشركات التركية نفذت أكثر من 1150 مشروعا بقيمة إجمالية تتجاوز حوالي 70 مليار دولار في جميع أنحاء إفريقيا".

وفي فعاليات منتدى الأعمال التركي الإفريقي الثالث في أكتوبر/تشرين الأول 2021، شارك حوالي 3 آلاف رجل أعمال، بينهم نحو 1600 من 45 دولة إفريقية.

أما البقية فكانت من تركيا، إضافة إلى وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى من 34 دولة إفريقية.

 

النموذج الصومالي 

وإذا أردنا أن نضرب مثلا عن عمق العلاقات التركية بأفريقيا، فليس هناك أهم من النموذج الصومالي. فالسفارة التركية في الصومال، تعد أكبر بعثة دبلوماسية لأنقرة بالخارج.

وفي أغسطس/آب 2011، أجرى أردوغان زيارة تاريخية إلى الصومال، مصطحبا معه كبار المسؤولين في الدولة، وأفراد أسرهم، فضلا عن فريق كامل من الأطقم الطبية والهندسية.

رغم أن البلد الإفريقي كان يئن من الصراعات المتتالية، والاقتتال الأهلي، وأوضاع اقتصادية وأمنية سيئة، فإن رئيس الوزراء التركي آنذاك، لم يستسلم لهاجس الخوف، وقرر إتمام زيارته.

وصف أردوغان حينها، الحالة الصومالية، بـ"الصادمة"، وتعجب من حجم المعاناة التي خلفتها المجاعة التي ضربت الجمهورية عقب موجة جفاف لم تشهدها البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي.

أردوغان أمر بتسخير طاقات تركيا لمساعدة الشعب الصومالي، فأرسلت الحكومة المزيد من الأطقم الطبية والتعليمية والهندسية والعسكرية.

وتكفل بتعليم الآلاف من الطلبة وبناء المدارس والمستشفيات والمطارات والموانئ، ولم يكتف بهذا بل درب الجيش والشرطة، وأمر بإصلاح الشوارع والمقرات الحكومية.

في يونيو/حزيران 2016، تكررت زيارة أردوغان إلى العاصمة الصومالية مقديشو، ولكن هذه المرة بصفته رئيسا للجمهورية، وهي الزيارة التي افتتح فيها السفارة التركية.

منذ ذلك التاريخ أصبحت تركيا تعني الكثير بالنسبة للصوماليين، فهي التي بسطت لهم يد العون والمساعدة.

كما أن العديد من المنشآت الخدمية والطرق بنيت بتمويل وتنفيذ تركي، فضلا عن أن أنقرة تخطط حاليا لبناء ميناء على ساحل الصومال المطل على المحيط الهندي ومبنى للبرلمان على الساحل ذاته.

الأهم من ذلك أن الخطوط الجوية التركية كانت من أوائل شركات الطيران التي ربطت الصومال بالعالم، فقد دشنت رحلاتها من وإلى مقديشو منذ العام 2012.

دلل على ذلك الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، عندما اختار تركيا لتكون أول وجهة خارجية له فور توليه رئاسة البلاد، في أبريل/نيسان 2017، واستقبله أردوغان بمراسم رسمية مهيبة.

ومثلت علاقة أنقرة بمقديشو نموذجا يحتذى به لبقية عواصم القارة، وتركت انطباعا أن تركيا حليف قوي وموثوق به، ويستطيع أن يحدث فارقا في المعادلة، دون خسائر أو ابتزاز، وكبديل عن القوى الاستعمارية القديمة.

التحالف العسكري 

وإلى جانب التعاون الاقتصادي والسياسي والتعليمي، تبرز تطورات بين تركيا والقارة الإفريقية في المجال العسكري الدفاعي. 

ففي عام 2017 أقامت تركيا قاعدة عسكرية كبيرة في العاصمة الصومالية مقديشو لتدريب الجنود الصوماليين.

وبلغت نفقات إقامة القاعدة حوالي 50 مليون دولار حسب بعض المصادر، ويمكنها أن تأوي حوالي 1500 جندي وتقدم التدريب لهم في وقت واحد لمساعدة الحكومة الصومالية في التصدي لـِ"حركة الشباب" المتطرفة.

وتبلغ مساحة القاعدة 4 كلم مربع وهي قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز.

وفي ليبيا، وقع البلدان اتفاقية للتعاون الدفاعي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، سمحت بتقديم أنقرة مساعدة عسكرية سريعة وحاسمة لقوات حكومة الوفاق الليبية السابقة أنقذت العاصمة طرابلس من السقوط في يد مليشيات الشرق الليبي بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر (المدعوم من مصر والإمارات).

بعدها ساهمت تركيا في إعادة بناء الجيش الليبي، ونزع الألغام التي زرعها مرتزقة فاغنر الروسية في الأحياء الجنوبية لطرابلس.

ثم انتشر مستشارون عسكريون أتراك في قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) بالقرب من الحدود التونسية، وبقاعدة مصراتة الجوية ومينائها البحري (200 كلم شرق طرابلس).

وتمدد النفوذ العسكري التركي إلى النيجر، الواقعة جنوب ليبيا، وإحدى دول الساحل، التي تواجه تحديات أمنية صعبة في مواجهة تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى غربا، وجماعة بوكو حرام شرقا.

ووقعت تركيا مع النيجر في يوليو/تموز 2020، اتفاقية عسكرية مثيرة ومهمة، وسبب ذلك أن نيامي واقعة تحت النفوذ الفرنسي، ما مثل اختراقا ملفتا.

وكذلك تأتي نيجيريا، التي تعد أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان والناتج الداخلي الخام وصادرات النفط، فخطت خطوة مهمة نحو تعزيز تعاونها العسكري مع تركيا.

وفي عام 2018، وقع البلدان اتفاقية تعاون في مجال التدريب العسكري، تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية ومكافحة قراصنة البحار، وإنشاء مقرات مشتركة، وتنفيذ مناورات ثنائية، وتبادل الوفود العسكرية، وإرسال مراقبين لمناورات البلدين.

وتخوض نيجيريا حربا شرسة في الشمال ضد بوكو حرام وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا، أما في الجنوب، وخاصة في دلتا النيجر الغنية بالنفط، فانتشرت أعمال القرصنة بشكل كثيف، لتشمل كامل خليج غينيا، ليأتي التحالف مع أنقرة كمحاولة لحل تلك القلاقل في المنطقة الملتهبة. 

وفي 27 أبريل/ نيسان 2021، رأى موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي: أن "العثمانيين دخلوا مرة أخرى إلى القارة السمراء، حيث تمركزوا في الموانئ العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الساحل ومن القرن الإفريقي إلى رأس الرجاء الصالح". 

وقال: إن "وصولهم إلى هناك جاء لهدف محدد وهو إثبات الوجود وربما تحقيق الازدهار والتوسع على حساب الآخرين، أو بالأحرى القوى المتهالكة والشائخة مثل إيطاليا والبرتغال".

وأكد أن الإستراتيجية الخارجية الجديدة لتركيا بقيادة أردوغان، شملت عدة دول في إفريقيا جنوب الصحراء. 

وبينت أنه بعد أن جرت دراستها بدقة وتنفيذها بعناية، دخلت تركيا منطقة "فرانس أفريك" (مستعمرات فرنسا السابقة)، وأبحرت إلى أقصى جنوب القارة.

بالإضافة إلى التوسع في الفضاء الاستعماري البرتغالي السابق والاستحواذ على النفوذ الإيطالي في القرن الإفريقي.