حصار وتجفيف التمويلات.. أحزاب المعارضة الجزائرية بين نيران الدولة والعزلة 

قسم الترجمة | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع بريطاني الضوء على الأزمة المالية التي تعيشها أحزاب المعارضة في الجزائر، مؤكدا أن سياسات الحكومة سبب رئيس في هذه الأزمة.

وقال موقع "ميدل إيست آي" في نسخته الفرنسية، إن "أحزاب المعارضة الجزائرية -المقيدة بالفعل في أنشطتها من قِبل السلطات- تعاني من الحصار الاقتصادي".

"ومع حرمانها من المساعدات الحكومية، تتحصل أحزاب المعارضة على قليل من الدعم من قِبَل المؤيدين، الذين يشعرون بالرعب من أن يجدوا أنفسهم في مرمى نيران الدولة"، حسب التقرير.

تبرعات الأنصار

"أناشد السلطات العليا في البلاد أن تتدخل لدى الأمين العام الأول لجبهة القوى الاشتراكية لتسوية حقوقي المالية"، هذه الرسالة، يكررها الموظف في جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية، نسيم بلحوت، منذ أكثر من عامين.

وحسب ميدل إيست آي، فإن "بلحوت" لجأ إلى السلطة القضائية، التي أكدت حقوقه المالية، ولكن دون أي نتيجة، لأن جبهة القوى الاشتراكية ليس لديها من الأموال ما يكفي حتى لدفع راتب موظف بسيط.

وقال الموقع: "مثل العديد من أحزاب المعارضة، تعاني جبهة القوى الاشتراكية من أزمة مالية عميقة، فمنذ عام 2019، لم تعد المساهمات الضئيلة للنشطاء كافية لعقد مؤتمرات عامة للجبهة، أو صيانة المباني، أو حتى دفع رواتب الموظفين".

فيما قال مسؤول تنفيذي سابق في الحزب -الذي يُعد أقدم حزب معارض في الجزائر- بشرط عدم الكشف عن هويته، إنه "حتى عام 2019، كان الحزب يتلقى المساعدات المالية التي تخصصها الدولة للأحزاب الممثلة في البرلمان، وكانت تكفينا لتمويل أنشطة الحزب".

وأشار التقرير إلى أنه "بشكل عام، تتلقى الأحزاب مبلغا قدره 400 ألف دينار جزائري (حوالي 2000 يورو) بشكل سنوي لكل نائب في البرلمان".

واستدرك: "لكن عُلّق هذا الإجراء من قِبَل السلطات عام 2019 دون أي تفسير، وفقا لشهادة العديد من المصادر داخل الأحزاب السياسية. وبالتالي، فإن هذه الأحزاب فقدت مصدر تمويل لا يُمكن تقدير قيمته".

وعلى غرار جبهة القوى الاشتراكية، فإن حزب العمال الجزائري (يساري) لم يتلق مساعدات من الدولة منذ عام 2019.

وأضاف "ميدل إيست آي" أنه "وفقا للثقافة التروتسكية (الشيوعية)، كان الحزب -الذي تتزعمه لويزة حنون- يُلزم جميع نوابه بدفع جميع مخصصات الدولة لهم لحساب الحزب، ثم يوزع الأخير الرواتب على النواب والقادة الآخرين والموظفين في الحزب في نهاية كل شهر".

ووفق الموقع، فإن هذا الأسلوب ساعد حزب العمال في تعزيز خزينته، ومع ذلك، خسر الحزب هذا المصدر التمويلي الهام بسبب مقاطعته للانتخابات التشريعية عام 2021.

وفي الوقت الحاضر، يعتمد حزب العمال فقط على موارده الخاصة، ففي عام 2019، قدم معظم نوابه استقالاتهم من مناصبهم. 

ووفق ما أفصح عنه عضو المكتب السياسي لحزب العمال، يوسف تاعزيبت، فإن "الحزب يعتاش على اشتراكات وتبرعات أنصاره".

خسارة للأحزاب

وبشكل مماثل، يعتمد حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، الذي يمثل المعارضة العلمانية في الجزائر، على تبرعات النشطاء، حسب التقرير.

وقال المتحدث الإعلامي باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، رشيد حساني: "نعتمد دائما على مساعدة النشطاء في تمويل نشاطاتنا، وبعبارة أخرى، نجد صعوبة في تمويل فعالياتنا".

وأوضح حساني أنه يقصد بـ"النشطاء" أولئك الذين لديهم "موارد مالية"، مثل رجال الأعمال، أو التجار، أو غيرهم من الذين لديهم عمل خاص.

وتابع: "لا يمكننا مطالبة أعضاء قاعدتنا الحزبية ببذل مزيد من الجهود، لأنهم ينتمون في الأساس إلى الطبقات الأشد فقرا في المجتمع".

وبالنسبة لحساني، فإن الأيام التي كان فيها "النشطاء يسهمون بمالهم الخاص قد ولى".

وأكد على ذلك يوسف تاعزيبت، قائلا إن "معظم أعضاء حزبنا موظفون"، وهذا يعني أنه من المستحيل بالنسبة لهم أن يدفعوا مبالغ كبيرة.

ووفقا لقانون الانتخابات وقانون الأحزاب، فإن للأخيرة أن تحصل على تمويل من الدولة، ويُسمَح لها أيضا بالاعتماد على مصادر تمويل أخرى كاشتراكات الأعضاء، والتبرعات والهبات من المناصرين.

لكن وفقا لمصادر حزبية مختلفة، فقد انخفض عدد النشطاء الذين تجرأوا على إبداء تعاطفهم مع الأحزاب في السنوات الأخيرة.

وبحسب حساني، فإنه "منذ تعطل الحراك (حركة الاحتجاج الشعبية التي أدت عام 2019 إلى سقوط الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة)، لا يبدي المواطنون، خاصة الشباب، اهتماما كبيرا بالانضمام إلى الأحزاب".

ويحلل حساني ذلك بأنهم إما "لا يرون فائدة من الالتزام الحزبي، أو لأنهم يخشون من القمع والتضييق".

واتفق تاعزيبت مع حساني في أن أنصار الأحزاب "يخشون الانخراط فيها" بسبب "التهديدات والضغوط التي يتعرض لها البعض من قبل السلطات".

وأضاف "ميدل إيست آي" أنه "خلال فترة الحراك الشعبي عام 2019، أبدى بعض الجزائريين اهتماما أكبر بالشأن السياسي".

واستدرك: "لكن منذ توقف التظاهرات في ربيع عام 2021، نتيجة لتفشي جائحة كورونا، والقيود التي فرضتها السلطات على التجمعات، تلاشى هذا الحماس".

وتابع: "وبالتالي، يمثل الوضع الحالي خسارة للأحزاب، سواء من حيث عدد الأعضاء أو الموارد المالية".

خوف من المضايقات

وبالإضافة إلى هذا العجز، هناك عامل آخر أسهم في الأزمة المالية للأحزاب السياسية في الجزائر، ففي الجولات الانتخابية السابقة، كانت الأحزاب هي من تختار المرشحين الذين يقودون القوائم في الانتخابات البلدية أو التشريعية.

وكانت المساهمات المالية لهؤلاء المرشحين تتوزع وفقا لترتيبهم في القائمة، بحيث إن الشخص الذي يحتل المرتبة الأولى في القائمة ومضمون انتخابه يسهم بمبلغ أكبر من الآخرين، حسب التقرير.

ومع ذلك، "فمنذ إقرار قانون الانتخابات عام 2021، فإن ترتيب المرشحين يتم بناء على تصويت الناخبين، وبالتالي، لا يستطيع أحد معرفة موقعه مسبقا، وهذا لا يحفزهم على دفع المساهمات"، وفق "ميدل إيست آي".

وأردف الموقع أنه "لمواجهة هذه التحديات المالية، تحاول الأحزاب التكيف مع هذه الأوضاع، فبدلا من عقد مؤتمرات عامة في صالات باهظة الثمن، يستخدمون مقارهم، حتى وإن كانت ضيقة".

"هذا أصلا إن سمحت لهم السلطات بذلك، لأنه في كثير من الأحيان تحظر الحكومة عقد مثل هذه المؤتمرات"، وفق الموقع.

وأفاد التقرير بأنه "لم يعد المؤيدون الرئيسون للأحزاب، ورجال الأعمال، وغيرهم أصحاب المشاريع الخاصة، يتدخلون -على الأقل علنا- في السياسة وتمويل الأحزاب".

وقال مسؤول في "جبهة القوى الاشتراكية" إن "بعض رجال الأعمال لم يعودوا ينخرطون في السياسة، خوفا من التعرض للمضايقات من قبل السلطات، فمنذ عدة سنوات، أعلنت السلطات الحرب على ارتباط المال بالسياسة".

ووفق التقرير، فإن هذه السياسة تهدف لتجنب تمويل الحملات الانتخابية من قِبل "القلة الثرية"، كما حدث في عهد بوتفليقة.

فقد أدين الإخوة رضا ونوح وعبد القادر كونيناف بالسجن 16 و15 و12 عاما على التوالي، بتهمة "تقديم تمويل سري لحملة انتخابية".

ومع ذلك، فإن هذه السياسة لن تمنع "التمويل السري"، وفقا لرئيس نادي "كوادر مالية"، كريم محمودي.

وأكد محمودي على أنه "لا يزال بعض رجال الأعمال يقدمون "تمويلا سريا" لكل من أحزاب السلطة (مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، وأحزاب المعارضة.