يستهدف تغيير الهوية.. من يقف وراء عرض فيلم يروج للشذوذ الجنسي بالمغرب؟

عالي عبداتي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

انتقادات شديدة وجهها سياسيون وناشطون مغاربة لقرار السلطات السماح بعرض فيلم "أزرق قفطان"، لمخرجته مريم التوزاني، بقاعات السينما المغربية، لما يتضمنه من مشاهد تروج وتدعم الشذوذ الجنسي.

ولم تكتف السلطات بالسماح بعرضه، بل رشحه المركز السينمائي المغربي (حكومي)، لتمثيل المغرب في مسابقة أفضل فيلم دولي بالدورة 95 لجوائز الأوسكار الأميركية.

وجاءت أبرز الانتقادات من عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الإسلامي المعارض بعد بدء عرض الفيلم اعتبارا من 7 يونيو/ حزيران 2023.

"تجاوز خطير"

وقال بنكيران إن الأمانة العامة لحزبه، تعبر عن استنكارها الشديد السماح بعرض فيلم سينمائي يروج للشذوذ الجنسي في القاعات السينمائية المغربية، في تجاوز خطير للثوابت الدينية والوطنية والقيم الأخلاقية والتربوية للشعب المغربي المسلم.

ودعا في بيان بتاريخ 18 يونيو الجهات المسؤولة إلى منع هذا العرض، وتطبيق القانون الجاري به العمل، والذي سبق اعتماده في مايو/ أيار 2015 لمنع عرض فيلم من نفس الجنس أنتجته نفس الجهة المعروفة بتوجهاتها المعادية لثوابت الوطن ولمقدساته.

وهنا يشير الحزب إلى شركة عليان للإنتاج، التي تملكها عائلة نبيل عيوش، زوج المخرجة مريم التوزاني، وقد سبق لبنكيران أن اتهم عيوش الأب بنشر الفتنة في البلاد، وتهديد تماسك الأسرة والمجتمع، كما قال إن عيوش هو أكبر عملاء فرنسا في المغرب.

من جانب آخر، أشاد بنكيران بالفنانين المغاربة الذين يرفضون الانخراط في مشاريع تدمير الهوية والثوابت وتحطيم الأسرة المغربية، داعية إياهم إلى التصدي لمثل هذه المحاولات التي تسيء إلى الرسالة النبيلة للفن بشكل عام وللسينما بشكل خاص.

ودعا كل الجهات المعنية للتدخل من أجل التصدي للمحاولات الجارية للتطبيع مع هذه الظاهرة الشاذة ومحاولة إشاعتها في المجتمع المغربي.

وحذر الحزب الإسلامي "من تصاعد المخاطر المرتبطة بعمل بعض الجهات الغربية على زعزعة استقرار الأسرة عبر العالم وبكل الوسائل".

ونبه إلى أهمية الحفاظ على الأمن الروحي والاستقرار الاجتماعي، ومواجهة ما تسعى إليه بعض الأصوات النشاز من إشاعة الفاحشة، ضدا على ثوابت الوطن وعقيدة الشعب المغربي المسلم الأصيل.

استهداف للمجتمع

من جانبها، تزعم التوزاني أن فيلمها الذي تأهل للقائمة القصيرة لفئة أفضل فيلم أجنبي ضمن جوائز الأوسكار، "يمكن أن يساهم في إثارة نقاش صحي وضروري حول مسألة الشذوذ الجنسي التي يتناولها، وتتعدد المواقف منها في المجتمع المغربي"، وفق قولها.

وقالت المخرجة في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، إن رؤية أشخاص من مجتمع الشواذ يعيشون مختبئين وخائفين، والتعبير عن حبهم مكبوت وممنوع وعُرضة للأحكام، أمر "جارح ومؤلم".

وأضافت "فيلمي يمكن أن يساهم في إثارة نقاش صحي وضروري ومفيد في شأن هذه المسألة".

ويحكي الفيلم عن "حليم" المتزوج منذ فترة طويلة من "مينة"، ويملكان محلا لخياطة القفطان التقليدي بمدينة سلا.

الزوجة في الفيلم تعرف أن زوجها شاذ جنسي، لكنها تلزم الصمت، وبعد إصابتها بمرض، سيدخل شاب متدرب إلى حياتهما من أجل تعلم حرفة الخياطة، ليقع بعد ذلك في علاقة غرامية مع الزوجة كي يشبع بدوره رغبتها الجنسية.

 وكل هذا بمعرفة الزوج، ولن يفقد ذلك الحب بينهما، حيث سيساعد كل واحد منهما الآخر لممارسة شذوذه وانحرافه، وفق الفيلم.

غير أن رضا بوكمازي، المحامي والناشط السياسي والاجتماعي، يؤكد أن الفيلم يتعارض مع قيم المجتمع المغربي ويمس بالهوية.

وقال بوكمازي لـ "الاستقلال"، "نحن مع حرية الفن والإبداع، واتساع خيال الفنانين والإبداعات الفنية، لكن ذلك يجب أن يكون مؤطرا بالدستور والثوابت الجامعة، ومن ضمنها الإسلام باعتباره دين الدولة والمجتمع.

وشدد المتحدث ذاته، أن ما يدعو له الفيلم يتعارض مع المستمسك الدستوري والقانون، خاصة أنه يهدد قيم المجتمع المغربي الأصيلة، داعيا في هذا الصدد إلى تدخل السلطات العمومية بشكل مباشر لإيقاف عرض الفيلم.

وأردف، وسواء تفاعلت السلطات مع هذا الطلب أم لا، فإن الثقل على كاهل المجتمع المغربي، الذي عليه رفض التفاعل مع مثل هذه النماذج التي تسيء إلى منظومته القيمة، من خلال مقاطعة هذه الأشكال.

واسترسل، كما على المجتمع إعطاء رسالة واضحة أنه لا يمكن أن نعطي الموافقة أو الرضى عن هذه الأعمال بدعوى أو تحت مبرر معالجة ظواهر قد تكون شاذة في المجتمع، لأن المعالجة لا تكون بإبرازها وتجسيدها سينمائيا وتلفزيونيا بقدر ما تكون بمحاصرتها.

وأكد النائب البرلماني السابق، أن محاصرة ومعالجة الأمراض التي تطفو في المجتمع، تتم من قبيل مواكبة الحالات المرضية وعرضها على الأطباء، لأن الشذوذ هو خروج عن الفطرة الإنسانية، وهو في بداية الأمر ومنتهاه حالة مرضية تستدعي العلاج.

الصهينة والشذوذ

عدد من الباحثين المغاربة ربطوا بين ترويج هذا الفيلم الداعم للشذوذ وبين واقع الحال الذي ينخره التطبيع مع الصهاينة، بما يمثله الأمران من خراب وخطر على المغرب.

ومنذ إعلان المغرب وإسرائيل، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، تطبيع علاقاتهما الدبلوماسية، كثف البلدان تعاونهما بوتيرة متسارعة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.

وفي هذا الصدد، قال محمد عوام، الباحث بمركز مقاصد للدراسات والبحوث، إن ما وصفه بـ "العفن" العيوشي، نسبة إلى منتج الفيلم، يُعرض في دور السينما، تطبيعا مع الشذوذ الجنسي، في بلاد يقال عنها بلاد الأولياء والصلحاء، والعلماء والأتقياء، والمحافظة على الأمن الروحي والثوابت.

وأردف عوام لـ "الاستقلال"، يقع هذا العفن التطبيعي مع الفواحش والقاذورات، ليضاف للتطبيع مع الصهاينة، ليشكلا بذلك منظومة خراب متكاملة المعالم. 

واسترسل، خراب لبنية الدولة المغربية، في ثوابتها ومعتقداتها وأصالتها، وخراب على كل المستويات، قصد إنشاء جيل ممسوخ في هويته وأخلاقه، ومدمر في عقله وفكره.

وأردف المتحدث ذاته، نحن اليوم أمام طوفان وتسونامي من الفساد الممنهج، الذي لا يشك مؤمن عاقل في مآلاته وعواقبه على المجتمع والفرد، وطبعا على الدولة.

وانتقد عوام صمت غالبية العلماء والفقهاء أمام ما يقع من خراب، كما انتقد صمت كثير من المثقفين، الذين يرون الانهيار الأخلاقي، وطغيان تيار الفساد والاستبداد، الذي علا في البلاد، دون أن يصوبوا أقلامهم، ليكشفوا عواره، أو يرفعوا أصواتهم منددين ومستنكرين، حماية لوطنهم.

وأشار الباحث الأكاديمي، إلى أنه إذا علا العفن وانتشر الخبث، وتمكن من العقول والقلوب، فيتبعه حتما العقاب المدمر، فهي سنة ربانية ثابتة، وقاعدة إلهية، لا تتبدل أو تتغير، أو يطويها النسيان أبدا.

وخلص عوام للقول: نحن نبرأ من عيوش وآله، من فسادهم في بلادنا، كَبَرَاءَتنا من الصهاينة وما يفعلون، سائلين المولى تعالى ألا يعلو لهم مقام، ويردهم خائبين كالحين، وأن يحفظ بلدنا هذا من المجرمين الذين يتربصون به.

في السياق ذاته، قال أحمد ويحمان، الحقوقي ورئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، إن مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط هو الراعي الرسمي لنشر الشذوذ في المغرب.

وأدان ويحمان في تصريح لموقع "هوية بريس" المحلي، 11 يونيو 2023، "استهداف استقرار البلاد ونشر الفتنة"، مطالبا "بفتح تحقيق في تبديد المال العام في الدعوة للشذوذ الجنسي"، نظرا لكون الفيلم مدعوما من المركز السينمائي المغربي، أي من المال العام.

وأشار الناشط الحقوقي إلى أن المخرجة مريم التوزاني حاولت تمرير رسائل تدعو للتعايش والتسامح مع الشذوذ الجنسي والتطبيع معه، عبر قصة الفيلم أو موضوعه.

المغاربة يرفضون

أكد الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب، أن المغاربة عبروا في كل فرصة عن رفضهم للفيلم ولقصته، متسائلا عن الجهة التي أذنت بعرضه الآن بقاعات السينما، بعد تأجيله لفترة.

وقال الطالب لموقع "الإصلاح" المحلي، في 13 يونيو، إن هذا الفيلم يُروج للشذوذ الجنسي في دولة ينص دستورها على أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وهو الدين الذي حرم العلاقات الشاذة.

وأوضح أن الفيلم تعرض لانتقادات عدة عند عرضه في آخر دورة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش خلال نوفمبر/ تشرين ثاني 2022.

حيث مثل المغرب في هذا المهرجان كما هو الشأن في مهرجان "كان" الفرنسي، خلال مايو 2023.

وتساءل الطالب، هل أصبحت السينما المغربية تروج للشذوذ الجنسي ضدا على قيم المغاربة وهويتهم؟ وكيف سمح المركز السينمائي المغربي بعرض هذا الفيلم الذي يحمل شارة أقل من 16 سنة؟

ورأى المتحدث ذاته، أن الفيلم لا يمثل المغاربة في شيء، منبها إلى أن موجة الاستنكار التي تعرض لها سواء داخل المغرب وخارجه ترجع إلى أنه يطعن في قيم المغاربة وشرف المغاربة رجالا ونساء.

وأردف الطالب، كما يطعن في شرف مدينة سلا العريقة الأصيلة والعالمة، والمعروفة برموز الحركة الوطنية، والذين ضحوا من أجل استقلال هذا البلد، والحفاظ على انتمائه للأمة الإسلامية مع الانفتاح على العالم.

وأكد أن مخرجة الفيلم مريم التوزاني ومن ورائها منتج الفيلم وزوجها نبيل عيوش لم يراعوا هوية المجتمع المغربي، ولا قيمه ولا دينه ولا دستوره ولا القانون المؤطر للإنتاج السينمائي المغربي.

وتساءل الناقد الفني والسينمائي قائلا: هل يعقل أن تقبل الزوجة المغربية زوجا شاذا؟ وهل يعقل أن يصور الرجل المغربي بهذه الطريقة المستفزة والدنيئة؟ وهل هذا هو نموذج الأسرة المغربية؟

ووجه الطالب أسئلة للوزارة المعنية بسبب السماح بتداول الفيلم، قائلا لماذا دعم المركز السينمائي هذا الفيلم الذي يفرض علينا مواضيع ضد الفطرة الإنسانية؟ وكيف سمحت الوزارة الوصية على قطاع الثقافة والاتصال بعرض هذا الفيلم المنافي لأخلاق المغاربة؟

وشدد على ضرورة أن يقدم وزير الثقافة والاتصال توضيحا لذلك، مضيفا، كما على مدير المركز السينمائي المغربي أن يقوم بدوره بتقديم توضيح للمغاربة الذين يدفعون من جيوبهم لتمويل الإنتاج السينمائي المغربي.

وفي إطار التفاعل البرلماني مع الفيلم، توجهت النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي، بسؤال كتابي لوزير الشباب والثقافة والتواصل، بخصوص الموضوع.

وقالت الفتحاوي في سؤالها للوزير، إن الفيلم يحتوي على مشاهد إباحية بين رجلين (بطل الفيلم وشاب آخر)، عَمَل على تمرير رسائل تدعو إلى التسامح والتطبيع مع الشذوذ الجنسي وإلى التعايش مع وضعية تكون فيها المرأة متزوجة تحب زوجها لكنها تضطر إلى التنازل عن حقوقها الجنسية مع زوجها لأنه شاذ.

وأردفت، وبما أن الفيلم المعني مستفز لمشاعر المغاربة بدعوته الصريحة للتطبيع مع الشواذ فإنني أسائلكم السيد الوزير عن مسؤولية المركز السينمائي المغربي عن الدعم المالي الذي دعم به هذا الفيلم؟ والمسؤول عن عرضه في مهرجان سينمائي دولي ببلادنا؟

وفي اتصال مع "الاستقلال"، أكدت الفتحاوي أنها إلى الآن، لم تتلق أي جواب من الوزير عن السؤال الكتابي الموجه له بخصوص الفيلم المذكور.

تحد للبشرية

يقول رضا بوكمازي، المحامي والناشط الحقوقي والاجتماعي، إن الفيلم وغيره، يبرز ما تتسم به هذه المرحلة، من تصاعدت دعوات المجاهرة والدعم والترويج المكثف لآفة الشذوذ الجنسي، مشددا أن ما يقع "يشكل أخطر تحدي تشهده البشرية".

وأوضح لـ "الاستقلال"، أن هذه الدعوات يُستعمل فيها منسوب التأثير المهم، والزخم الذي يمتلكه بعض المشاهير والمسؤولين على المستوى السياسي والمؤسساتي والمؤثرين على المستوى الاقتصادي والفني.

وتابع، هذا الهجوم المتصاعد والمدعوم قصد التمكين لانحراف أخلاقي وقيمي، قد يجعل البشرية تعيش لحظة من بين أدق اللحظات المفصلية في تاريخها، لأن من يقف وراء هذا الانحراف يسعى إلى تركيز تحول فارق لتحديد الكيفية التي يجب أن يكون عليها العالم في المستقبل القريب.

وأكد بوكمازي، أن هذه الدعوات الساعية إلى التمكين لنموذج يعاكس الفطرة البشرية، تشتغل على تحطيم أسس الاجتماع البشري، مما ينذر بخراب العمران والإنسان، فضلا أنها دعوات تعمل على قتل كل ما يمكن أن يؤدي أو يرمز إلى العلاقة بالله وبالوظيفية التي خلق الله لأجلها الإنسان في الأرض وهي وظيفة الاستخلاف.

وأضاف النائب البرلماني السابق، بكل تأكيد قد لا نملك الوعي الكافي في بلداننا وشعوبنا العربية والإسلامية بطبيعة الخطر القادم، والذي يتلبس بلبوس الحرية والحق في الاختيار، وقد نتهاون في التعاطي مع بعض الصيغ والأشكال التي تطبع مع مداخل هذا الخراب، غير أنه ومع كامل الأسف سنجد أنفسنا آنذاك أمام وضع لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه.

لهذا، يسترسل بوكمازي، المطلوب منا اليوم التصدي بكل حزم لدعاة هذا الانحراف والمطبعين معه، والممكنين له على المستوى السياسي والاجتماعي وعبر المداخل الفنية والثقافية وغيرها من الأشكال.

وأردف، في اعتقادي أن مفتاح معركة مواجهة هذا الانحراف الأخلاقي الكبير هو الوعي بطبيعة المعركة والأدوار المطلوبة، الأمر لا يتعلق بثوب مزركش بألوان، ولا بإرادة حقوقية تسعى التمكين للحق في الاختيار.

إنما الأمر يتعلق برغبة جامحة في هلاك الجنس البشري وتفكيك مقومات استمراره واستقراره، الأمر يتجاوز ذلك إلى رغبة في إخراج الإنسان عن فطرته البشرية وطبيعته الإنسانية، يختم بوكمازي.