بدعم من المسلمين.. ماذا يعني انتصار حزب غاندي على "مودي" في الهند؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في 10 مايو/أيار 2023 حقق المسلمون انتصارا مهما حين دعموا حزب "المؤتمر" (حزب المهاتما غاندي)، وهزموا سويا الحزب المتطرف الحاكم في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند "بهاراتيا جاناتا" هزيمة ساحقة. 

وكان لهذا الانتصار وقع خاص، بالنظر إلى ما شهدته ولاية كارناتاكا في فبراير/شباط 2022 عندما منع الهندوس المتطرفون، الطالبات المسلمات المحجبات من دخول المدارس، مع حرمانهن من الدراسة، واعتداء متطرفي منظمة "باجرانج دال" الهندوسية عليهن.

وفازت المسلمة المحجبة "فاطمة كانيز" التي شاركت في الاحتجاجات ضد قانون حظر الحجاب وأصبحت وزيرة التعليم بالولاية بعدما هزمت منافسها الهندوسي المتطرف.

وهذه أول وأهم هزيمة للحزب الهندوسي في انتخابات الولايات، والتي المتوقع أن تعقبها انتخابات عامة عام 2024، وتشكل صحوة مهمة ضد هذا الحزب الفاشي الذي حول الهند لدولة طائفية تعادي المسلمين والأقليات عموما.

وهي الأولى من بين خمسة انتخابات في ولايات حاسمة هذا العام قد تحدد شكل المعركة التشريعية المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان ومايو 2024.

ومع خروج حزب بهاراتيا جاناتا من ولاية كارناتاكا، لم يعد يحتفظ بالسلطة في أي من ولايات الهند الخمس الجنوبية.

كما أنها أول مواجهة انتخابية كبيرة بين حزب بهاراتيا جاناتا برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب المؤتمر، منذ أن أدين زعيم الحزب الأخير "راهول غاندي" بالتشهير في مارس/آذار 2023 وفقد مقعده في البرلمان. 

وسيكون لنتائج الانتخابات تداعيات مهمة أبرزها السماح بالحجاب في المدارس بعد حظره، وكذا السعي لحظر منظمة "باجرانج دال" المتطرفة الموالية للحزب الهندوسي بهاراتيا جانتا التي تقوم على فكر عقيدة "هندوتفا" المتطرفة.

انتصار مهم

وفي التفاصيل، فاز حزب المؤتمر الوطني بنحو 136 مقعدا من إجمالي 224 مقابل 65 مقعدا فقط للحزب الهندوسي المتطرف الحاكم (كان له 104 مقاعد في انتخابات 2018).

كانت هذه الانتخابات حدثًا سياسيًا مهمًا يترقبه الكثيرون في البلاد، بعدما شرع حزب بهارتيا جانتا منذ توليه السلطة بالولاية عام 2018 في تحويلها إلى "هندوسية خالصة"، ومنع المسلمين من ممارسة حقوقهم، وتعدي أنصاره على المحجبات في المدارس.

وأيضا بسبب اعتداء متطرفي منظمة "باجرانج دال" الهندوسية التابعة للحزب الحاكم على المسلمين والأقليات، وقتل بعضهم بدعوى تطهير الهند من غير الهندوس، فضلا عن انتشار الفساد بين أعضاء الحزب الهندوسي.

وأعلن حزب المؤتمر (معارض) في برنامجه الانتخابي أنه سيحظر هذه المنظمة التي تحارب أيضا أكل المسلمين لحم البقر الذي يقدسه الهندوس.

ووعد بفرض حظر على جماعة "باجرانج دال" حال فوزه في الانتخابات، لأن كثيرا من الهنود المسلمين وغيرهم غاضبون من الممارسات العنصرية لهذه المنظمة الإرهابية الهندوسية.

حظي هذا الوعد باهتمام واسع من الناخبين والمشاركين السياسيين على حد سواء، للقضاء على التطرف والعنف الطائفي في الولاية وتعزيز التعايش السلمي بين الأديان المختلفة، بحسب مجلة "المجتمع" الكويتية 14 مايو 2023.

وقد يساهم هذا القرار في تعزيز سمعة حزب المؤتمر الوطني واستعادة الثقة في قدرته على الحكم بشكل فعال، وصعوده مجددا للحكم في كل الهند، لو نجح في تنفيذ وعده.

وجماعة "باجرانج دال" الهندوسية القومية اليمينية تأسست عام 1984، وتُعد الفرع الشبابي للمنظمة الهندوسية العالمية "فيشوا هندو باريشاد" VHP.

وهذه الأخيرة تنتمي إلى منظمة R.S.S التي تتولى فرض عقيدة "الهندوتفا" المتعصبة (الهند للهندوس).

أما "الهندوتفا" (Hindutva) أو حركة القومية الهندوسية، فهي أيديولوجية سياسية بدأت قبل نحو قرن بهدف تحقيق حاكمية الهندوس المطلقة في الهند، وإنشاء كيان هندوسي مستقل يرفض الديانات غير الهندية خاصة الإسلام والمسيحية. 

ويقول تقرير لموقع scroll.in في 14 مايو 2023 إن الهزيمة في كارناتاكا "هي درس مفيد لحزب بهاراتيا جاناتا حول حدود تطبيقه للهندوتفا الصعبة".

وبين أنها درس للحزب يشير إلى أن تركيزه على التعصب الديني، دون حل مشاكل الهنود الاقتصادية، جاءت بنتائج عكسية، ووحدت أصوات المسلمين والأقليات وحتى بعض الهندوس ضد ممارساته العنصرية.

وتقول مجلة "كرنفال" الهندية 8 مايو 2023 إن الدعوة لحظر منظمة باجرانج دال تظهر شجاعة انتخابية نادرة من مطلقيها من حزب المؤتمر لتحجيم المتطرفين وحماية الأقليات من التعصب والعنف لكن يبقى التنفيذ.

أكدت أنه لا ينبغي للمعارضة أن تخجل من مواجهة حزب أفكار بهاراتيا جاناتا الأيدلوجية وتظل في موقف دفاعي لأن هذه الأفكار تتعارض مع القيم الإنسانية المشتركة في الهند.

عودة الحجاب

مكسب آخر متوقع من هزيمة الحزب الهندوسي في الانتخابات في كارناتاكا التي تعد ثامن أكبر ولاية هندية، هو إنصاف الطالبات المحجبات في المدارس اللاتي جرى اضطهادهم وطردهم وحرمانهن من الدراسة.

"فاطمة كانيز" عضو حزب المؤتمر المسلمة قالت إن الكونغرس (برلمان الولاية) سيرفع الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية في ولاية كارناتاكا.

أكدت بالقول: "ستعود الفتيات المحجبات الممنوعات من الدراسة لامتحاناتهن بعدما فقدن عامين من دراستهن"، بحسب موقع scroll.in.

وخاضت "فاطمة" انتخابات مجلس النواب في الولاية الهندية لأول مرة في 2018 بعد وفاة زوجها قمر الإسلام، وقادت احتجاجًا للفتيات المسلمات في مدينة "كالبورجي" ضد حظر الحجاب.

وشهدت الولاية تحت قيادة الحكومة السابقة التابعة للحزب الحاكم تضييقا واسعا على المسلمين تمثلت بعض مظاهره في حظر الحجاب بالمدارس والمؤسسات التعليمية وحرمان الطالبات من دخول الامتحانات بسبب ارتدائهن الحجاب.

واندلع جدل حول ارتداء الحجاب في المعاهد التعليمية في ولاية كارناتاكا في ديسمبر/كانون أول 2021 بعد أن منعت إحدى الكليات ست فتيات محجبات من حضور الفصول الدراسية، ونظمت الفتيات احتجاجا في الكلية والولاية.

وفي 5 فبراير 2022 أصدرت حكومة ولاية كارناتاكا أمرًا بحظر الحجاب بدعوى أنه من الملابس التي "تزعزع المساواة والنزاهة والنظام العام".

وقد أيدت محكمة كارناتاكا العليا 15 مارس/آذار 2022 منع الحجاب بدعوى أن "ارتداءه ليس ضروريا في الإسلام"، ولا يزال الأمر معروضا على المحاكم.

والمفارقة أن الوزير الهندي المتطرف "بي سي ناغيش"، عضو حزب بهارتيا جاناتا، والمسؤول عن منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وأيضا منع المسلمين من تناول اللحوم الحلال، فقد مقعده في منطقة كوداجو.

وذلك برغم أنها واحدة من أقوى مناطق قومية تابعة للهندوتفا المتعصبين في الهند، بحسب ما نشر موقع "the news minute" في 13 مايو 2023.

وخلال فترة حكمه في ولاية كارناتاكا، دعم حزب بهاراتيا جاناتا عددًا من القوانين والسياسات التي تستهدف المسلمين، مثل حظر الحجاب في المدارس، ومنع الباعة من إنشاء متاجر في "المناطق الهندوسية"، وإلغاء تخصيص 4 بالمائة من الوظائف الحكومية والتعليمية لهم.

أيضا سن قوانين "مكافحة التحول" التي تُجرم تغيير الهندوس ديانتهم إلي الإسلام بسبب نظرية مؤامرة هندوسية تدعي أن المسلمين يستدرجون النساء الهندوسيات لتحويلهن إلى الإسلام يُسمونها "حب الجهاد".

كما قُتل مسلمون بسبب مزاعم بأنهم تناولوا لحوم البقر، وجرى إفساح المجال للجماعات الهندوسية المسلحة مثل "باجرانج دال" لارتكاب عمليات قتل جماعي وغير ذلك من جرائم الكراهية ضد المسلمين، باسم القوانين التي وضعها الحزب.

تحديات قادمة

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" 13 مايو 2023 إن هزيمة حزب مودي في ولاية كارناتاكا جنوب الهند تشكل "دفعة معنوية" لحزب "المؤتمر" المعارض وعززت موقفه قبل الانتخابات العامة العام القادم 2024.

ورأت أن هزيمة حزب بهاراتيا جاناتا على مستوى كل الهند "لا تزال بعيدة المنال"، بعد الضربات التي وجهها في الانتخابات العامة عامي 2014 و2019 لحزب المؤتمر.

لكنها نقلت عن محللين تحذيرهم من تحديات قد يواجهها "مودي" عندما يسعى لولاية ثالثة مطلع العام 2024.

وأكدت صحيفة "الغارديان" 13 مايو 2023 الأمر ذاته، مشددة على أن انتصار حزب المؤتمر على بهاراتيا جاناتا "يشكل ضربة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي يسعى لولاية ثالثة في الانتخابات العامة المقبلة 2024".

أوضحت أن هذا الانتصار قبل الانتخابات العامة، يمكن أن يكون دافعا لتشكيل ائتلاف معارض لهزيمة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يسيطر على السلطة في البلاد منذ عام 2014، ويضعه حزب المؤتمر في وضع أقوى لعقد صفقة مع الأحزاب الأخرى.

ورأى ناشطون هنود أن ما جرى في كارناتاكا درس يمكن أن يكرره حزب المؤتمر في جميع الولايات الأخرى إذا مضى قدمًا في التخطيط المناسب لهزيمة حزب بهاراتيا جاناتا.

 

ويقول موقع "the news minute" في 15 مايو 2023 إن ما أنجح تجربة التصدي لمحاولات حكومة حزب بهاراتيا جاناتا تقويض الديمقراطية من خلال إطلاق العنان للعنصرية والكراهية، هو تصدي منظمات المجتمع المدني لها.

أكدت أن منظمات المجتمع المدني في كارناتاكا، التي تضم الناشطين والمواطنين العاديين والمحامين والأطباء والمنظمات غير الحكومية، يمثلون أطيافا مختلفة من الطائفة والدين والجنس لعبت دورا في هزيمة الحزب الهندوسي في الانتخابات.  

أوضحت أنهم استغلوا عنصرية وقمع وفساد الحزب الحاكم، وأخطاءه في تجاهل حاجات السكان المعيشية، والتركيز على نشر الكراهية ضد المسلمين، في تشكيل تحالفات بين الجميع ضد هذا الكيان العنصري فأسقطوه في الانتخابات.

وقال المجلس الإسلامي الهندي الأميركي (iamc) في 15 مايو 2023 إن الحزب الهندوسي خسر انتخابات كارناتاكا، رغم إقامة ناريندرا مودي حوالي 20 مهرجانا انتخابيا هناك لدعم حزبه ودعوة الهندوس للتصويت له.