"فرض هيبة الدولة".. هل ينجح السوداني في جمع السلاح "المنفلت" بالعراق؟

بغداد - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة عُدت ضمن الوعود التي سبق أن أطلقها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إبان تشكيل حكومته في أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، أعلن وزير داخليته عبد الأمير الشمري وضع "خطة إستراتيجية من أجل حصر السلاح المنفلت بيد الدولة".

تساؤلات عدة أثارتها خطة السوداني، لا سيما ما يتعلق بالجديد الذي جاءت به، ومدى قدرة الحكومة في تطبيقها على أرض الواقع، وتحديدا في مناطق ذات طابع عشائري يُعد السلاح فيها جزءا من ثقافتها، إضافة إلى أسلحة المليشيات المحمية سياسيا.

4 فئات مستثناة

وعن تفاصيل الخطة الإستراتيجية لحصر السلاح بيد الدولة، قال وزير الداخلية، الشمري، في 11 مايو/ أيار 2023، إن "اجتماعا موسعا للجنة العليا لحصر السلاح بيد الدولة، جرى بحضور المحافظين وقادة الشرطة وكذلك قادة العمليات في المحافظات".

ووفقا لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع"، فإن الشمري أكد أن "الاجتماع ناقش الخطة الإستراتيجية لسحب وضبط السلاح بيد الدولة".

وأوضح الشمري أن "الكثير من المواضيع المهمة التي تعاني منها الدولة لحصر السلاح جرى مناقشتها، منها الجوانب الإعلامية والقانونية بالإضافة إلى الجوانب الإدارية".

وشدد الوزير العراقي على أن "عملية اقتناء السلاح المتوسط والثقيل من قبل المواطنين سيعرضهم إلى مساءلة قانونية"، داعيا إلى "تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة".

وأشار الشمري إلى "فتح قاعدة بيانات لتسجيل الأسلحة في مراكز الشرطة لكي لا يتعرض صاحبها إلى مساءلة أو مصادرة للسلاح"، لافتا إلى "المضي بتنفيذ الخطة الإستراتيجية، وبالبدء بعمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة غير المسجلة".

وكان الشمري قد أعلن في مارس/آذار 2023 عن منح 4 فئات مجتمعية إجازات حيازة وحمل السلاح الناري، وشمل القرار "المقاولين والتجار وصاغة الذهب وأصحاب محلات الصرافة".

وفي الشهر ذاته، باشرت قيادات الشرطة في محافظات وسط وجنوبي العراق، العمل على تشكيل لجان داخل المدن والبلدات المختلفة، للحد من ظاهرة السلاح المنفلت بيد المليشيات والعشائر، والذي بات مصدرا رئيسا مهددا للأمن والاستقرار فيها.

واستهل السوداني عمله بإطلاق الكثير من الوعود، متعهدا بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ومن أبرز ما تضمنه برنامجه الحكومي، إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت شكوك سياسية في قدرته على الوفاء به.

نجاح مشروط

وعن مدى نجاح السوداني تطبيق خطته على أرض الواقع، قال العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان، حامد المطلك، إن "الواقع الأمني الحالي بأمس الحاجة إلى تحديد حمل السلاح، ومصادرة الأسلحة كافة المتوسطة والثقيلة من جميع حامليها".

وأوضح المطلك لـ"الاستقلال" أن "العملية التي يقدم عليها رئيس الحكومة ليست بالسهلة، خصوصا أن هناك مليشيات تمتلك هذا السلاح، لذلك يتطلب الأمر حزما وقوة في تطبيق القانون على الجميع".

وشدد السياسي العراقي على "ضرورة ألا تسمح لأي شخص بحمل السلاح دون امتلاك رخصة تجيز له ذلك، وهذا يعنى به السلاح الخفيف المخصص للحماية الشخصية، وليس المتوسط والثقيل".

ولفت إلى أن "حصر السلاح بيد الدولة يواجه تعقيدات كثيرة، لأن هناك من يعارض ومن لا يريد أن ينفذ السوداني خطته، لذلك الأمر بحاجة إلى حزم ومدة زمنية مناسبة لتنفيذها بالشكل الصحيح".

وأشار إلى أن "كل من يحملون السلاح يفتقدون للوعي الوطني والأمني الكامل، وهم يمثلون عائقا في طريق تحديد حيازة هذه الأسلحة، لكن الحكومة إذا كانت قوية ومصرة على الموضوع، فعليها وضع مدة زمنية للإقناع والسيطرة وفرض هيبة الدولة والقانون".

ورأى المطلك أن "هذا بحاجة إلى جانب من الدبلوماسية أيضا لإقناع العشائر وخصوصا في المناطق الجنوبية التي تستخدم كل أنواع الأسلحة في نزاعاتها، فهؤلاء يمثلون عائقا حقيقا، وعليهم ألا يقفوا بوجه مصلحة الدولة والصالح العام".

وأكد "أهمية اتخاذ أسلوب القوة في تطبيق القانون على كل من يدعي انتماءه للأجهزة الأمنية وهو ينتمي إلى المليشيات سواء الحشد الشعبي أو غيره من التشكيلات العسكرية، لذلك يجب أن يطبق القانون بعدالة على الجميع دون تمييز".

وأعرب المطلك عن اعتقاده بأن "رئيس الحكومة جاد في موضوع حصر السلاح بيد الدولة، والأمر يتطلب الحزم في تطبيق الخطة وتعاون جميع القوى السياسية معه، لكن إذا كان الأمر للاستهلاك الإعلامي فهذا سينكشف في خلال شهرين أو ثلاثة".

شعار للحكومات

ما يطرحه السوداني حاليا، سبق لسلفه مصطفى الكاظمي أن تعهد بتنفيذه أثناء تكليفه بتشكيل الحكومة عام 2020، والذي أكد حينها أن "السلاح هو من اختصاص الدولة وسنعمل على حصره بإجراءات حاسمة".

لكن الكاظمي بقي محتفظا بتعهده ولم ينفذه حتى انتهاء ولايته عام 2022، رغم حديثه المستمر طيلة عامين عن توجيه القوات الأمنية بنزع السلاح من جميع المحافظات وفرض سلطة القانون.

ففي 4 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت قيادة العمليات المشتركة في العراق (أعلى سلطة أمنية)، أن "الكاظمي كلفها خلال زيارته مقرها بالشروع في حصر السلاح بيد الدولة، بالإضافة إلى مطاردة متجاوزي القانون".

وبعدها بيومين فقط، أعلنت "قيادة العمليات" أن الإجراءات الأمنية التي انطلقت في محافظتي بغداد والبصرة حققت نتائجها، وأنها ستفرض القانون في جميع المحافظات التي تشهد انفلاتا أمنيا بسبب السلاح غير المنضبط.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، عن المتحدث باسم العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، قوله: إن "قيادة العمليات المشتركة نفذت عمليات أمنية في بغداد والبصرة وبتوجيه من القائد العام للقوات المسلحة الكاظمي، بمطاردة وملاحقة الخارجين عن القانون".

وأوضح الخفاجي أن "العملية الأمنية حققت نتائجها، من خلال ما حصلت عليه من أسلحة وأعتدة، فضلا عن إلقاء القبض على مطلوبين مهمين في تجارة المخدرات والإرهاب".

وأشار المتحدث إلى أن "انطلاق العمليات الأمنية الأخيرة، جاء من أجل حصر السلاح بيد الدولة، فضلا عن فرض هيبة الدولة والقانون"، لافتا إلى أنهم "جادون في فرض القانون في جميع المحافظات العراقية التي تتعرض لانفلات أمني بسبب السلاح غير المنضبط".

ويعد السلاح المنفلت في العراق واحدا من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي، رغم رفع جميع الحكومات منذ عام 2005 شعار "حصر السلاح بيد الدولة".

ومع غياب إحصائيات رسمية بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن تقديرات تتحدث عن أرقام تصل من 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ"آر بي جي".

وأغلب هذه الأسلحة تمتلكها المليشيات والجماعات المسلحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وانعدام الأمن واضطرار المواطنين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من العصابات المنظمة والجماعات المسلحة.