ثلاثة أسباب.. هل يمكن لتركيا التوسط بين مصر وإثيوبيا في أزمة سد النهضة؟

سلطت صحيفة ستار التركية الضوء على "اقتراح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو تنفيذ مصالحة لحل الخلاف بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة".
ومنذ أكثر من 10 سنوات، تخوض مصر وإثيوبيا والسودان مفاوضات متعثرة حول "سد النهضة" دفعت أديس أباب لملئه 3 مرات.
وبينما تتجمد المفاوضات الثلاثية منذ نحو عامين، تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، غير أن إثيوبيا ترفض ذلك وتؤكد أن سدها الذي بدأت تشييده قبل نحو عقد لا يستهدف الإضرار بأحد.
وقال الكاتب حسن إيلكبهار: دعمت تركيا إنشاء حكومة ديمقراطية في مصر بعد موجة الربيع العربي في 2011 وأقامت علاقات وثيقة مع حكومة (الرئيس الراحل) محمد مرسي، الذي وصل إلى السلطة بعد الثورة.
ومع ذلك، أثر الانقلاب في مصر عام 2013 على العلاقات بين البلدين، مما تسبب في انقطاع طويل للعلاقات الدبلوماسية.
واستدرك إيلكبهار: أثرت موجة التطبيع التي بدأت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة بشكل إيجابي على العلاقات التركية المصرية.
وتسارع تطبيع العلاقات مع تصافح الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أثناء تواجدهما في قطر لحضور حفل افتتاح كأس العالم في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وفي زلازل كهرمان مرعش في 6 شباط/فبراير 2023، أجرى وزير الخارجية المصري "سامح شكري" زيارة إلى تركيا، وزار منطقة الزلزال برفقة وزير الخارجية "مولود تشاووش أوغلو".
وأضاف الكاتب أن الخطوة الأخيرة نحو استعادة العلاقات الثنائية حدثت في 18 مارس/آذار عندما زار تشاووش أوغلو القاهرة.
وأكد تشاووش أوغلو، الذي التقى شكري، أن الاجتماع بين أردوغان والسيسي سيكون نقطة تحول فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية.
كما ذكر أنه لا توجد منافسة بين الدولتين في ليبيا، مبينا أن التعاون بين الدولتين في مجالات الطاقة والنقل سيزداد.
بالإضافة إلى ذلك، عرض وزير الخارجية التركي التوسط لحل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، بحسب ما نقلت صحيفة ستار.
إطار الأزمة
وذكر الكاتب أنه على الرغم من أن مصر وإثيوبيا والسودان هي الدول الثلاث الرئيسة التي تشكل حوض النيل الأزرق، فإن المنافسة المائية كانت موجودة دائماً في العملية التاريخية، خاصة بين القاهرة وأديس أبابا.
وبهذا المعنى، تسارعت المنافسة، التي استمرت خلال فترة المملكة المصرية، مع تطور التكنولوجيا الحديثة.
وحقيقة أن السدود أصبحت أداة مهمة في التنمية الاقتصادية زادت من منافسة مصر وإثيوبيا على النيل.
ففي هذه المرحلة، كان سد أسوان، الذي بدأ رئيس النظام المصري الأسبق جمال عبد الناصر في بنائه، الخطوة الرئيسة الأولى في الحوض عند نقطة التنمية وشكل بداية كونه عنصر استمرارية في السياسة الخارجية المصرية فيما يتعلق بنهر النيل.
لهذا السبب، أعلن خلفه أنور السادات أن "القضية الوحيدة التي يمكن أن تعيد مصر إلى الحرب هي المياه". وخلال فترة حسني مبارك، حاولت إثيوبيا ودول أخرى منع مصر من إنشاء سد كبير.
وأردف إيلكبهار: تظهر الهيمنة المصرية بشكل واضح في الحوض، فحوالي 86 بالمئة من مياه النيل المتجهة إلى مصر تنبع من النيل الأزرق ويمكن لإثيوبيا استخدام 3 بالمئة فقط من المياه الناشئة من مصدرها الخاص. ولهذا واصلت أديس أبابا اعتراضها على هذه الحالة.
وأشار الكاتب إلى أن التنافس المستمر بين مصر وإثيوبيا ازداد مع إعلان أديس أبابا في عام 2011 أنها ستبني سد النهضة الإثيوبي العظيم.
وواصلت مصر اعتراضها الشديد على المشروع، الذي صمم ليكون أكبر سد في إفريقيا وثالث أكبر سد في العالم.
ونظرت مصر إلى السد، الذي بدأ بناؤه في عام 2013، على أنه تهديد للأمن القومي، لكن إثيوبيا قدمته كمشروع تنموي.

وأضاف الكاتب: وعلى الرغم من وجود تصريحات مختلفة حول التعاون خلال حكومة محمد مرسي، فإن الرئيس أكد أن جميع خيارات الحل مطروحة على الطاولة وأنه إذا جرى تقليل قطرة من النيل، فإن دماءهم ستملأ مكانها.
ومع ذلك، خفت حدة التوترات مع صعود السيسي إلى السلطة، ووقعت مصر والسودان وإثيوبيا على ما أصبح يعرف باسم إعلان المبادئ أو إعلان الخرطوم في عام 2015.
ومع الإعلان الموقع لحل أزمة سد النهضة، قبلت مصر رسمياً بناء السد. ولكن ازدادت التوترات من جديد في عام 2019 عندما بدأت إثيوبيا في حجز المياه بواسطة السد، يقول الكاتب.
وعندما بدأت إثيوبيا في حجز المياه للمرة الثانية، أبدت مصر اعتراضها وبدأت مرة أخرى في رؤية السد كقضية أمنية. وقد أدى الاتحاد الإفريقي دور الوساطة بين الأطراف، ولكن لم يحرز أي تقدم.
وقدمت الولايات المتحدة والبنك الدولي أيضا الوساطة، لكن الجانب الإثيوبي اتهم الولايات المتحدة بدعم مصر ورفض الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة.
وطالبت مصر والسودان دول الخليج وجامعة الدول العربية بأداء دور قيادي. وخلال كل هذا، جاءت تصريحات مماثلة لتصريحات مرسي من قبل السيسي، وكان ينظر إلى السد على أنه تهديد للأمن القومي.
واقترح السيسي توقيع اتفاق ملزم بشأن تشغيل السد، وهدد إثيوبيا بالحرب، مشيراً إلى أنه إذا لم يحدث ذلك، فسينشأ عدم استقرار غير مسبوق في المنطقة.
مقترح وساطة
وأضاف الكاتب التركي إيلكبهار: جاء عرض وساطة آخر لحل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان من تركيا.
وتكرر اقتراح الوساطة، الذي عرض لأول مرة في عام 2021 بعد محادثات استكشافية بين تركيا ومصر، مرة أخرى خلال زيارة تشاووش أوغلو إلى القاهرة.
وأشار الكاتب إلى أن هنالك ثلاثة أسباب رئيسة تضع تركيا في وضع يمكنها من لعب دور في حل الأزمة.
أولاً، لعبت الحكومة التركية دوراً مهما في حل المشاكل الإقليمية والعالمية من خلال محاولة التوسط بين مختلف الأطراف مثل كل من إسرائيل مع سوريا وفلسطين ولبنان وأيضا أفغانستان وباكستان والفلبين.
وفي هذا السياق، اضطلعت تركيا بأنشطة وساطة مختلفة في إطار الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة التعاون الإسلامي.
ونظراً لأن أنشطة حل النزاعات والوساطة جزء مهم من الدبلوماسية الإنسانية، لعبت تركيا دوراً مهماً في حل أزمة الحبوب التي بدأت بغزو روسيا لأوكرانيا.

فتركيا، التي لها تاريخ كبير وناجح في الوساطة، لديها القدرة على لعب دور في حل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، بحسب تقدير الكاتب.
ثانياً، لدى تركيا مياه عابرة للحدود مثل دجلة والفرات والعاصي، وواجهت مشكلة مائية مع العراق وخاصة مع سوريا في التسعينيات، على غرار المشكلة المصرية الإثيوبية.
ومهدت اتفاقية أضنة، الموقعة بوساطة مصر، الطريق للتعاون بين الدولتين (القاهرة ودمشق)، وفق الكاتب.
وبالنظر إلى أن تركيا لديها خبرة كبيرة في أنشطة الوساطة والدبلوماسية المائية التي زادت في السنوات الأخيرة، يمكن القول إن لديها القدرة على لعب دور نشط في حل مشكلة سد النهضة.
وأخيرا، على الرغم من أن تركيا لديها علاقات قديمة مع مصر، فقد كانت هناك زيادة كبيرة في علاقاتها مع إثيوبيا في السنوات الأخيرة.
وقد أحرز تقدم كبير بين أديس أبابا وأنقرة في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والدفاعية والتعليمية.
وأدى التقارب المتزايد في العلاقات المصرية التركية في الفترة الأخيرة إلى تصريحات حسن نية متبادلة من قبل أنقرة والقاهرة، وحقق البلدان تقدماً كبيراً في تطبيع علاقاتهما.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: على غرار وساطة مصر في المشكلة بين تركيا وسوريا في التسعينيات، فإن لعب أنقرة لنفس الدور سيأخذ العلاقات التركية المصرية إلى مستوى متقدم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دور تركيا الناجح في مشكلة سد النهضة سيفتح الباب أمامها لحل مشاكل أخرى في إفريقيا، بحسب تقييم الكاتب التركي.














