سابقة تاريخية.. لماذا أقرّت حكومة العراق 3 موازنات مالية دفعة واحدة؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تحصل لأول مرة بتاريخ البلاد، صادق مجلس الوزراء العراقي على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023 و2024 و2025 دفعة واحدة، وجرى إحالته إلى البرلمان لغرض تمريره.

وبلغت موازنة السنة الواحدة التي صوّتت عليها الحكومة العراقية في 13 مارس/آذار 2023، أكثر من 197 تريليون دينار (140 مليار دولار أميركي) وهي الأكبر في تاريخ البلاد.

استقرار مالي

رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، برر "أهمية" خطوة إقرار ثلاث موازنات مالية دفعة واحد، بأنها تكمن في "دعم الاستقرار المالي"، مؤكدا أنها أوّل موازنة تُعد من الحكومة، ونالت وقتا كافيا من البحث والنقاش، وبما يضمن تنفيذ البرنامج الحكومي.

وأضاف السوداني خلال مؤتمر صحفي في 13 مارس 2023 أن "الوزارات السابقة كانت عادة تدخل في مرحلة من السُبات في نهاية السنة وبدايتها لحين إقرار الموازنة، وهنا يتوقف العمل، نحن اليوم أمام شلل مضى عليه 6 سنوات، يتعلق بالإجراءات والمشاريع والتعاقدات، فضلا عن التجاذبات السياسية".

وبحسب تصريحات رئيس الحكومة، فإن إجمالي الموازنة يبلغ 197.828 تريليون دينار عراقي (الدولار الأميركي الواحد يعادل 1320 دينارا) وأنها ستتكرر في ضوء الأرقام والمتغيرات، مضيفا أن"العجز فيها يبلغ 63 تريليون دينار".

ولفت السوداني إلى أن إجمالي إيرادات الموازنة المالية للسنة الواحدة تبلغ أكثر من 134 تريليون دينار، منها 117 تريليون دينار إيرادات نفطية، والباقي إيرادات غير نفطية.

وأشار إلى أن الحكومات السابقة طرحت إشكالية ضَعف العلاقة بين البرنامج الحكومي، والموازنات التي تُقر، وقد كان التأخير من أجل تلافي هذا الخلل.

وتابع: تأكدنا أن ما تبنيناه من أولويات في البرنامج الحكومي، سيكون حاضرًا في هذه الموازنة التي ستتكرر لثلاث سنوات، حسب قانون الإدارة المالية (رقم 6 لسنة 2019)، الذي أجاز للحكومة إعداد موازنات لأكثر من سنة.

لكن مستشار السوداني المالي، مظهر محمد صالح، رأى أن إقرار مجلس الوزراء لمشروع قانون الموازنة للسنوات المالية 2023 و2024 و2025، إجراء غير صحيح.

وقال صالح خلال تصريح لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 13 مارس 2023 إن "قانون الإدارة المالية يؤكد على سنوية الموازنة (سنة بسنتها). ومن الممكن أن يقدم مجلس الوزراء خطة مالية لثلاث سنوات، وليس لثلاث موازنات سنوية".

وبشأن إقرار مشروع قانون الموازنة الثلاثية، قال صالح "لا تتغير عندما تقر بقانون ولكن الخطط المالية هي تقديرات قابلة للتعديل"، وأن ما جاء به هو "خطة مالية للسنوات القادمة وهي تبقى تقديرا ليس بها التزام، تتحدث عن مستقبل مالي".

وتعود آخر موازنة أقرّت في العراق إلى أبريل/نيسان 2021، فيما لم يجر اعتماد واحدة في 2022 بسبب الاضطرابات السياسية التي شلّت البلاد لعام كامل بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة.

تمرير متوقع

وعن مدى قانونية ما أقدمت عليه الحكومة، قال الخبير السياسي والقانوني العراقي، علي التميمي إن "دمج موازنات لثلاث سنوات قادمة أمر ممكن دستوريا وقانونيا، بدلالة المادة 78 من الدستور، والمادة 4 من قانون الإدارة المالية والدين لعام 2019".

ولفت في حديث مع "الاستقلال" إلى أن "هذه المواد الدستورية والقانونية أجازت الدمج بين الموازنات، وما أقرّته الحكومة تعد متوسطة الأجل لثلاث سنوات قادمة، وتكون السنة الأولى (2023) وجوبية التطبيق كما هي".

وأشار إلى أن "الموازنتين اللاحقتين قابلتان للتعديل من البرلمان وحسب الظروف، وهو أمر يلائم فلسفة تشريع الموازنات التي تعد خطة مالية مستقبلية تحول دون تأخر التشريع، ويمكن أن تقدر قيمة النفط وسعر الدولار، وتحدد فيها التعيينات والوظائف بثبات تام يضمن تطبيقها ويمنع التغييرات".

وأوضح التميمي أن "القاعدة القانونية تقول إن القانون الخاص يقيد العام، بمعنى أن ما أقر في عام 2019 يقيد مما موجود الدستور الذي كتب عام 2005، وهنا لا اجتهاد في النص الصريح للمواد المذكورة".

وتوقع الخبير العراقي أن "تمرر مثل هذه الموازنات التي صوّت عليها مجلس الوزراء، وبناء على ذلك فإنه من المتوقع أن تبقى الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني لمدة ثلاث سنوات، لإكمال الاستثمارات والمشاريع التي بدأت بها منذ تشكيلها في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022".

وتعهد السوداني، الذي شكلت حكومته قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحليفة لإيران، بإجراء انتخابات برلمانية خلال عام، وذلك حسب البرنامج الحكومي الذي عرضه أمام البرلمان ونال الثقة على أساسه.

وقال رئيس الوزراء العراقي حينها إنه يتعهد بـ"تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال 3 أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، إضافة إلى إجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي".

"سرقة كبرى"

وبالتزامن مع التصويت على الموازنة المالية التي وصفها مراقبون بـ"الانفجارية"، فإن الحديث عن ثروات البلد الضائعة منذ عام 2003 دائما ما يتكرر، ولا سيما أن القوى السياسية التي تدير الحكم منذ ذلك الحين، هي ذاتها التي شكّلت الحكومة الحالية.

ووصف الناشط العراقي صادق علي الفلاحي إقرار ثلاث موازنات دفعة واحدة، بأنه "أكبر سرقة في تاريخ العراق"، مبينا أن الإطار (التنسيقي) ضرب قانون اللجنة المالية الذي يقول إنه يتم إقرار الموازنة في سنتها فقط.

ولفت الفلاحي خلال تغريدة كتبها على "تويتر" في 13 مارس 2023 إلى أن "النفط أسعاره غير ثابته، فعلى أي سعر جرى إقرار موازنة العامين الآخرين 2024 و2025".

وأوضح: "لنفرض أنه تم إقرار الموازنات للأعوام الثلاث القادمة وجرى تحديد سعر برميل النفط الخام فيها 60 دولار أميركي، ثم ارتفعت أسعاره في السنة المقبلة، فإن الفائض سيذهب في جيوب الفاسدين. أما إذا انخفضت في العام اللاحق فإن العجز سيتحمله المواطنون".

وفي هذه النقطة تحديدا، كشف رئيس مجلس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، أن الفساد المتفشي في دوائر الدولة ومؤسساتها تسبب بالتهام أكثر من 600 مليار دولار من أموال العراق.

وقال الكاظمي خلال مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 12 مارس 2023، إن "هناك من يحاول شيطنتي وتحميل حكومتي كل عيوب النظام السياسي والحكومات السابقة في السنوات العشرين الماضية".

وأشار رئيس الوزراء العراقي السابق إلى أن "الفساد التهم أكثر من 600 مليار دولار من أموال العراق استخدمت لمصلحة أفراد وكيانات حزبية وعسكرية وأدوار إقليمية".

وزاد بالقول: "للأسف هناك من يريدون أن ينظفوا تاريخهم السيئ في الحكم، ولذلك يلومون حكومة الكاظمي الذي لا حزب له ولا مليشيا ولا كتلة برلمانية"، متهما تلك الجهات بأنها عرقلت عمل حكومته.

وفي السياق ذاته، قال وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي إن "إيرادات النفط العراقي بلغت منذ عام 2003 وحتى الآن 1310 مليار دولار، وهذا رقم مخيف وليس بسيط".

ولفت إلى أن "الإيرادات المتحصلة من النفط كانت لمدة عشرين عاما بدءا من 2003 وحتى 2022، وهذه كلها أرقام صادرة عن وزارة التخطيط وشركة تسويق المنتجات النفطية العراقية. أين ذهبت؟".  

وأشار الجلبي إلى أن "إيرادات النفط العراقية منذ عام 1933 وحتى 2003 وصلت إلى 283 مليار دولار أميركي".

وفي أكتوبر 2019، اندلعت احتجاجات شعبية عارمة في العراق سقط خلالها 800 قتيل، وأصيب نحو 30 ألفا آخرين بإطلاق نار من القوات الأمنية والمليشيات الموالية لإيران.

وطالبت هذه الاحتجاجات بإبعاد الطبقة السياسية التي تدير الحكم في البلاد منذ عام 2003 كونها هي من صنعت الفساد في البلاد، ولم توفر الخدمات للمواطنين رغم الأموال الطائلة التي صرفت، ولاسيما في قطاعات الطاقة والمياه والتعليم والصناعة والزراعة.

وعلى ضوء ذلك استقال رئيس الوزراء العراقي القريب من إيران عادل عبد المهدي، وجرت انتخابات مبكرة عام 2021، فاز فيها التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، لكنه أخفق في تشكيل حكومة أغلبية سياسية مع حلفاء من السنة والأكراد، وأعلن انسحاب كتلته من البرلمان.

وبعد عام كامل من إجراء الانتخابات، تمكنت قوى الإطار التنسيقي الشيعي من تشكيل حكومة توافقية في أكتوبر 2022 شاركت فيها جميع المكونات السياسية في البلاد (شيعة، سنة، أكراد، مسيحيون) برئاسة السوداني، وأطلق عليها تسمية "حكومة الخدمات".