مسجد سامراء نموذجا.. كيف يجرى تشييع عاصمة الخلافة العباسية بالعراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أثارت حادثة استيلاء "العتبة العسكرية" (مؤسسة رسمية تابعة للوقف الشيعي) على الجامع الكبير في سامراء وتغيير اسمه إلى "صاحب الأمر" الكثير من التساؤلات عن مصير عاصمة الخلافة العباسية التي تقع شمال العاصمة العراقية بغداد، وتقطنها غالبية سنية منذ عام 853 ميلادية.

وفي 7 مارس/آذار 2023، أعلنت ما تعرف بـ"العتبة العسكرية" الاستيلاء على جامع سامراء الكبير ذي الأهمية الكبرى لدى أهالي مدينة سامراء والعراق أجمع، إضافة إلى سيطرتهم على المدرسة الدينية التابعة له، الأمر الذي أثار ردودا شعبية وسياسية غاضبة.

مفجرة الطائفية

لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي تسلط الأضواء على المدينة المعروفة قديما باسم "سر من رأى"، وإنما كانت في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، سببا بدخول البلد في أتون حرب طائفية لم يسبق لها مثيل في العراق استمرت منذ عام 2006 وحتى 2008.

وفي 22 فبراير/شباط 2006، فُجّر مرقدا علي الهادي والحسن العسكري في سامراء (حفيدي الصحابي علي بن أبن أبي طالب)، ما تسبب بإشعال فتنة طائفية في العراق حرقت وهُدمت فيها مئات المساجد، وقتل نحو 100 ألف شخص على الهوية، فضلا عن تشريد مئات الالآف من المواطنين.

السلطات العراقية، اتهمت وقتها تنظيم القاعدة بتفجير "العسكريين" في سامراء، كاشفة أنها اعتقلت أحد منفذي الاعتداء وهو تونسي يدعى يسري فاخر محمد علي الترويكي الملقب بأبو قدامة وينتمي للجهة ذاتها، حسبما ورد على لسان مستشار الأمن الوطني آنذاك موفق الربيعي.

وفي عام 2013، كشف قائد القوات الأميركية السابق في العراق، الجنرال جورج كيسي أن فيلق القدس الإيراني بقيادة قاسم سليماني وقتها، هو من كان وراء تفجير المرقدين العسكريين في سامراء، مؤكدا أن التحقيقات الخاصة بالحادث أثبتت تورط القاعدة به.

وعلى أثر ذلك، أصدر رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في اليوم نفسه، بيانا كذب فيه ما وصفها "ادعاءات" الجنرال جورج كيسي بشأن تورط فيلق القدس الإيراني، لافتا إلى أن حديث الأخير كان في حفل خاص لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في باريس.

وفي 7 أغسطس/آب 2017، وجه القيادي البارز في التيار الصدري العراقي، والبرلماني السابق، عواد العوادي، اتهامات لإيران بالوقوف وراء جملة من "العمليات الإرهابية" في العراق من بينها تفجير المراقد في مدينة سامراء عام 2006.

وقال العوادي في حينها خلال مقابلة مع قناة محلية عراقية، إن "هناك تقارير تقول إن الذي حدث في سامراء عام 2006 نفذته مجاميع إرهابية جاءت من إيران، إضافة إلى أن الأخيرة متهمة بإدخال إرهابيين إلى العراق".

سجن كبير

منذ ذلك الوقت، بدأت المدينة تتعرض إلى تضييق كبير عليها وعلى ساكنيها من القبائل العربية السنية التي تقطنها منذ تأسيسها، لا سيما (العباسي، البازي، الدراجي، الأسود، البدري، والنيساني).

وعن هذه النقطة تحديدا، قال أحمد السامرائي (أحد سكان المدينة) إن "سامراء بدأ يهجرها أهلها بعد أحداث عام 2006، لأن المنطقة القديمة والتي تحيط بالمرقدين جرى إغلاقها بالكامل، وتوقفت فيها الحياة، فهي قبل ذلك كانت تعج بالفنادق والأسواق العامرة، لكن كل ذلك انتهى".

وأوضح السامرائي لـ"الاستقلال" أن "القوات الأمنية والمليشيات الشيعية تفرض أطواقا أمنية متعددة على المدينة، حوّلت حياة ساكنيها إلى جحيم، فلا يستطيع أحد زيارتهم إلا بإذن أمني، ويجري توثيق دخول وخروج السيارات بالتقاط الصور لها".

وأشار إلى أن "منزلهم القديم الذي بناه جده في ستينيات القرن العشرين جرى بيعه بسبب التضييق الكبير عليهم، وأن من اشتراه هم من الشيعة، وكذا الحال مع الكثير من السكان الأصليين للمدينة، كلهم أراد التخلص من السجن الكبير المفروض عليهم منذ عام 2006".

ولفت إلى أن الفنادق هناك تقطنها القوات الأمنية والمليشيات، ولا أحد يحرك ساكنا لإخراجهم منها، وهذا دليل على أن الحكومات المتعاقبة هي من تتبنى سياسة تخريب المدينة، والتي لم يجر عليها أي إعمار أساسا منذ ذلك العام الذي تفجر فيه المرقدين.

تقع مدينة سامراء الأثرية على ضفاف نهر دجلة وعلى مسافة 130 كيلومترا شمال بغداد، وكانت مقر عاصمة الدولة العباسية الإسلامية مدة تقرب من 58 عاما، تمتد من عام 834  إلى 892 للميلاد، والتي بسطت نفوذها على الأرض الممتدة من تونس إلى وسط آسيا. 

تمتد المدينة بطول 41 كيلومترا ونصف الكيلومتر من الشمال إلى الجنوب، أما عرضها فيتراوح بين 4 و8 كيلومترات، فهي تحتوي على معالم أثرية هندسية وفنية طوّرت محليا قبل أن تنقل إلى أقاليم العالم الإسلامي وأبعد من ذلك.

ومن بين الآثار العديدة والبارزة الموجودة في الموقع المسجد الجامع ومئذنته الملوية، وقد شيد في القرن التاسع الميلادي. ويبقى قرابة 80 بالمئة من المدينة الأثرية مطمورا ويحتاج إلى تنقيب.

وفي سبتمبر/أيلول 2008 أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قرارا يعتبر سامراء ضمن 851 مدينة تراثية في العالم، مما يرتب عليها مسؤولية الحفاظ بكل الوسائل على الأبنية والمواقع الأثرية المتواجدة على أرضها.

تغيير ديموغرافي

وفي أول عملية استيلاء على مملكات المدينة، جرى انتزاع ملكية "المرقدين العسكريين" من ديوان الوقف السني، وضمهما رسميا إلى نظيره الشيعي، وذلك في يوم التفجير مباشرة عام 2006، فقد كان يرأس الحكومة حينها زعيم حزب الدعوة الشيعي السابق إبراهيم الجعفري.

وتلت عملية إلحاق "المرقدين العسكريين" بالوقف الشيعي، سيطرتهم على أحد أقدم الجوامع في المدينة، وهو مسجد حسن باشا، إضافة إلى الاستيلاء على عشرات العقارات الصغيرة التي جرى تسجيلها كأوقاف شيعية.

وجرت كذلك عمليات غلق لمناطق ضخمة في المدينة، ومنها شارع الشواف وبابي القبلة والصحن وجميع الطرق المؤدية إليها ومرآب النقل القديم في سامراء والجسر القديم، وكلها أصبحت متاحة لتجوال الزوار الشيعة فقط ولا يسمح لأهالي المدينة بالاقتراب منها.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أحيطت كل تلك المناطق بجدار خرساني يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار، وتنتشر أبراج الحراسة والأسلاك الشائكة عليه، حسبما يؤكد الموظف السابق في الوقت السني علاء زعين العباسي.

وقال العباسي في حديث نقلته صحيفة "العربي الجديد" في مارس/آذار 2015، إن محاولات مستمرة يقوم بها الوقف الشيعي لاستملاك أكبر مساحة من أراضي سامراء وبشتى الطرق.

وأوضح الموظف السابق أنه "في عام 2012 جرى استقدام قوة عسكرية خاصة، طوقت دائرة التسجيل العقاري، وطردت جميع الموظفين وصادرت الأوراق الثبوتية للأراضي المحيطة بمرقد الإمامين، ونقلتها إلى دائرة الوقف الشيعي في بغداد".

وأشار العباسي إلى أن العملية كانت ترمي إلى تسجيل 12 من تلك الأراضي كأوقاف شيعية، وأن وزارة العدل ساهمت فيها، مؤكدا أن الاستيلاء بالقوة رافقته دائما عمليات شراء وبأسعار خيالية لأراضي مدينة سامراء تصل إلى 2300 دولار.

ووصف ما يجري بأنها "عملية غريبة ومتناقضة مع مدينة غير مستقرة أمنيا وتشهد عمليات اغتيال بشكل يومي"، لافتا إلى أن "التفسير الوحيد لها هو أن اليد التي تغتال بالأسلحة الكاتمة وتزرع الرعب في المدينة هي ذاتها التي تشتري أراضيها وعقاراتها".

سيطرة صدرية

ومع اجتياح تنظيم الدولة، تمكن الأخير من السيطرة على أغلب مدن محافظة صلاح الدين، ولاسيما مركزها تكريت وبيجي والشرقاط والعظيم وغيرها، لكنه لم يقترب من سامراء، وذلك بعدما توقف عند ناحية المعتصم التي تبعد 20 كيلومترا جنوب المدينة.

وعلى ضوء ذلك، أصدر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2014، بيانا دعا فيه أتباعه إلى التأهب لإعلان الجهاد خلال 48 ساعة للتصدي لتنظيم الدولة.

وقال مكتب زعيم التيار إنه "نظرا للظروف الراهنة الاستثنائية والخطر المحدق بمدينة سامراء من الإرهابيين، أمر السيد مقتدى الصدر أن يكون إخواننا المجاهدون والمؤمنون كافة على أهبة الاستعداد لتلبية إعلان الجهاد خلال 48 ساعة".

ورغم أن تنظيم الدولة لم يصل إلى سامراء، فإن مليشيا "سرايا السلام" التابعة للتيار الصدري فرضت سيطرتها عل المدينة بالكامل منذ ذلك الحين، وحتى اليوم.

إذ جرى إسناد مهمة حمايتها إليهم بالاتفاق مع الحكومة العراقية في عهد حيدر العبادي (2014 إلى 2018) وكذلك بتنسيق مع قوات الحشد الشعبي التي تنتشر في مدن أخرى من محافظة صلاح الدين.

وتشهد المدينة بين الحين والآخر عددا من "التعرضات الأمنية" التي توجه فيها السلطات العراقية، أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة بالوقوف ورائها، إذ يسقط خلالها العديد من القتلى والمصابين في صفوف القوات الأمنية، وعناصر المليشيا التابعة للصدر.

وكان آخر تلك الهجمات في 25 يوليو/تموز 2022، إذ أفادت مديرية الإعلام لـ"سرايا السلام" أنها "صدت تعرضا لمجرمي التنظيم في شارع النخوة ضمن قاطع عمليات سامراء".

وأضافت، أن "سرايا السلام تزف الشهيدين المجاهدين (باسم شلاگه ومهند شهاب) دفاعا عن الوطن والمقدسات خلال صد تعرض للعــدو التكفيري في شارع النخوة بسامراء المقدسة"، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع".