العين على الحدود.. لماذا وقع العراق مذكرة أمنية استخبارية مع السعودية؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 40 عاما، وقع العراق والسعودية مذكرة أمنية استخبارية، في إطار التحسّن الحاصل في العلاقة بين البلدين، والذي بدأ يرتفع منسوبه منذ عام 2017 عبر زيارات رسمية متبادلة.

وتوجه وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري على رأس وفد ضم كبار المسؤولين بوزارته إلى الرياض في 19 فبراير/ شباط 2023، والتقى نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود، وعقدا في اليوم ذاته اجتماعا موسعا.

مذكرة شاملة

وقبيل إبرام مذكرة التفاهم الأمنية بين الجانبين، قال الشمري إن هذه المباحثات تأتي استمرارا لتعزيز التعاون الثنائي في جميع المجالات الأمنية والعمل المشترك بين وزارتي الداخلية في البلدين.

من جانبه، أشار الوزير السعودي إلى أن المباحثات بين الجانبين "تسهم في تطوير العمل الأمني وتفعيله والوصول به إلى تطلعات قيادة البلدين وشعبيهما؛ لتحقيق مزيد من الأمن والاستقرار والرخاء".

وجرى خلال الجلسة بحث سبل تعزيز التعاون الأمني بين وزارتي الداخلية في البلدين، ثم جرى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الأمني بين وزارتي الداخلية في البلدين.

وعن هذه المذكرة، قالت وزارة الداخلية العراقية في بيان إنه "بروتوكول أمني هو الأول من نوعه منذ عام 1983 بين البلدين".

وأكدت أن "هذه المذكرة شملت كل أشكال التعاون الأمني، وتبادل الرؤى، وتفعيل العمل الأمني المشترك، بما يضمن المزيد من الأمن للجانبين العراقي والسعودي"، دون مزيد من التفاصيل.

ولدى مغادرته إلى الرياض، كان قد أوضح الشمري أن زيارته تهدف إلى مناقشة استكمال العمل في عدد من المشروعات المشتركة ذات الأهمية في المجالات الأمنية والتدريبية وفي مكافحة المخدرات.

وأضاف أنها تأتي أيضا من أجل بحث عدد من الملفات التي تخص العمل المشترك والتنسيق، من أجل تطوير التعاون الأمني في مجالات العمل الاستخباري، ومكافحة المخدرات وأمن الحدود الدولية والأدلة الجنائية والتدريب وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك.

ويرتبط العراق مع جارته الجنوبية السعودية بحدود يبلغ طولها 814 كيلومترا محاطة بسياج حديدي مدعم بتقنية إلكترونية حديثة يمكن من خلالها رصد كل ما يقع على الحدود وبالقرب منها فيما يرتبط البلدان بمنفذين حدوديين رسميين هما جميمة وعرعر.

تغيير النهج

وعن أبعاد توقيع مذكرة التفاهم والأسباب التي دفعت البلدين إلى إبرامها بعد 40 عاما على آخر تعاون بينهما، قال حامد المطلك العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي إن "الاتفاقية تدل على تعميق العلاقات بين قطرين عربيين".

وأوضح المطلك لـ"الاستقلال" أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أراد حينما جاء إلى السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، الانفتاح بشكل أكبر على المحيط العربي، وهذه خطوة تحسب له".

وأشار إلى أن "العراق يحتاج إلى الانفتاح على الأشقاء العرب، لأنه يعاني كثيرا من الوضع الاقتصادي والأمني، إضافة إلى أن الواقع السياسي يشهد تشرذما بين الكتل والأحزاب الحالية، لذلك فإن مثل هذه التفاهمات تعود بفائدة كبيرة على البلدين".

وأوضح السياسي العراقي أن "السعودية دولة غنية ومؤثرة في سياسات المنطقة وهي جارة للعراق بشريط حدودي كبير، لذلك من الضروري عقد مثل هذه التفاهمات، والعراق يحتاجها أكثر مما تحتاجها السعودية".

ولفت المطلك إلى أن "الكثير من مكونات قوى الإطار التنسيقي الشيعي تربطها علاقات قوية مع إيران، وهذا يؤثر بالتالي على قرارهم، لذلك يريد رئيس الوزراء الحالي تغيير النهج الذي سارت عليه بعض الفصائل المرتبطة بطهران  مع محيط العراق العربي".

وأعرب عن اعتقاده بأن "السوداني قرأ المشهد جيدا وتحرك على معظم الدول العربية، وشخّص ما يصب في مصلحة البلد قبل أن يتخذ أي خطوة ومنها توقيع مذكرة التفاهم الحالية مع الجانب السعودي".

وشهدت العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق جمودا بعد عام 2003، وفي مقدمتها السعودية، وذلك بعد تولي رئيس الوزراء نوري المالكي السلطة عام 2006 وحتى 2014.

وكانت دول الخليج تتهم المالكي بالطائفية، بينما وجه هو لها اتهامات بإرسال انتحاريين للعراق.

لكن العلاقة تحسنت بعد تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية في 2014 إلى 2018، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015، وبعد انقطاع دام أكثر من 25 عاما، جرى الإعلان عن افتتاح السفارة السعودية بالعراق وسط انتقادات من أحزاب شيعية وترحيب الأطراف السنية.

وعينت السعودية، ثامر السبهان سفيرا لها في بغداد، لكن بعد نحو عام طلبت الخارجية العراقية في 7 أغسطس/ آب 2016، من المملكة سحب سفيرها من بغداد بعدما اتهمته بالتدخل بالشؤون الداخلية، ثم استبدلته في 14 أكتوبر 2016، بالسفير الحالي عبد العزيز الشمري.

وفي 25 فبراير 2017، قال وزير الخارجية السعودي آنذاك عادل الجبير إن بلاده "تتطلع إلى بناء علاقات مميزة مع العراق، وإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح"، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده ببغداد في أول زيارة لوزير خارجية سعودي إلى العراق منذ نحو 14 عاما.

ولم يقتصر الانفتاح السعودي على الجانب الحكومي، بل بدأت بالتواصل مع شخصيات شيعية فاعلة في العراق، ومنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي زار المملكة، والتقى ولي العهد محمد بن سلمان في يوليو/ تموز 2017.

تأمين الحدود

وبينما لم يصدر أي تصريح من البلدين يشرح تفاصيل المذكرة المبرمة، قال مسؤول عراقي بارز (رفض الكشف عن هويته) إنها "ركزت على تأمين الحدود المشتركة بين البلدين"، حسبما نقلت صحيفة "العربي الجديد" في 20 فبراير.

وأضاف أن "المسؤولين السعوديين ركزوا على أهمية تولي القوات النظامية ملف تأمين الحدود من الجانب العراقي مع السعودية، فضلا عن التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات بشأن عمليات التسلل ومنعها".

ولفت إلى أن "التفاهمات والتوافق بين الجانبين أفضت إلى توقيع الاتفاقية، والتي ستكون لها أهمية للبلدين، وأن المملكة اتفقت أيضا على تعزيز تواجدها الأمني على الشريط الحدودي، لمنع عمليات التسلل بين الجانبين".

وأكد المسؤول العراقي أن "الاتفاقية شملت تشكيل لجنة أمنية مشتركة لإدامة التواصل والتنسيق فيما يتعلق بالقضايا الأمنية المشتركة، لاسيما الحرب على الإرهاب".

وتنتشر مليشيات موالية لإيران، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"سيد الشهداء"، و"جند الإمام"، و"عصائب أهل الحق"، في نقاط مختلفة بالقرب من الحدود السعودية.

وتبدأ من مدينة النخيب في محافظة الأنبار غربا، وتقابلها عرعر السعودية، وتنتهي في نقطة نقرة السلمان على مقربة من حدود البصرة جنوبا، والمقابلة لحفر الباطن سعوديا.

وكان ملف الحدود العراقية السعودية قد برز بشكل واضح، بعد الهجمات العنيفة التي نالت منشآت نفط تابعة لشركة "أرامكو" في مدينتي بقيق وخريص السعوديتين، منتصف سبتمبر/ أيلول 2019، ورجحت تقارير غربية أنها صدرت من العراق.

وأفادت شبكة "سي إن إن" الأميركية الإخبارية في سبتمبر/ أيلول 2019 بأن الاعتداء الذي استهدف معملين كبيرين تابعين لشركة "أرامكو" في المملكة السعودية وتبنته جماعة الحوثيين اليمنية نفذ من العراق.

ونقلت الشبكة عن مصدر مطلع على مجريات التحقيق في الهجوم الذي أسفر في حينها عن توقف 50 بالمئة من إنتاج الشركة الحكومية السعودية قوله إن "المعلومات الأولية تؤكد أن القصف نفذ بواسطة طائرات مسيرة لم تقلع من اليمن، بل من العراق".

وفي السياق ذاته، أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في عام 2019 أن "خبراء سعوديين وأمريكيين يحققون في احتمال استخدام صواريخ كروز في الهجوم أطلقت من العراق أو إيران".