تعاون استخباراتي غير مسبوق.. هل تعلن بنغلاديش التطبيع رسميا مع إسرائيل؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

منذ تأسيس جمهورية بنغلاديش الشعبية عام 1971، كدولة في جنوب شرق آسيا ذات أغلبية مسلمة كاسحة، أكد مؤسسها، الشيخ مجيب الرحمن، علانية موقف بلاده المؤيد لفلسطين، ورفض الاعتراف بإسرائيل وإقامة أي علاقات معها. 

مضت السنوات وتبدلت الأحوال في البلد الفقير المضطرب الذي يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية، وأصبح أكثر قبولا للتطبيع، فرغم أن دكا لم تتخذ موقفا رسميا مطبعا مع دولة الاحتلال، لكن أجهزتها الأمنية والاستخباراتية أقامت علاقات سرية، وارتبطت بشبكة من المصالح مع الشركات العبرية.

برامج التجسس 

في 24 يناير/ كانون الثاني 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرا عن تعاون بنغلاديش مع شركة برامج التجسس الإسرائيلية "ميرلينكس" (Merlinx)، التي أطلقت يدها لتعاون وطيد مع المخابرات البنغالية.

وذكرت المجلة الفرنسية أن "ميرلينكس"تقوم بتزويد أجهزة المخابرات البنغالية بأدواتها عبر شركة (Prelysis) الإسرائيلية للحواسيب الشخصية. 

كشف هذا الشهر عن منافستها التجارية مع شركة (Intellexa) الإسرائيلية أيضا، في التعامل مع أجهزة المخابرات البنغالية.

وتأسست (Intellexa) لبرامج التجسس على يد الرئيس السابق للوحدة الإسرائيلية (8100)، تال ديليان، وتتخذ من العاصمة اليونانية أثينا مقرا لها، وكشفت صحيفة "هآرتس"، عن تعاملها مع أجهزة المخابرات في بنغلاديش، التي تتعامل أيضا مع "ميرلينكس" المتخصصة في التسلل السيبراني.

وأنشئت "ميرلينكس" من قبل المتخصصين السابقين في الاستخبارات التقنية في الجيش الإسرائيلي، ماتان ماركوفيكس، ودانييل هانجا، وتال تشويلا، قبل أن تستحوذ عليها شركة البيانات السحابية الإسرائيلية الأميركية (Own Backup) عام 2021.

وتعمل "ميرلينكس" في بنغلاديش وفق عقد وقعه جهاز مخابرات الأمن القومي البنغلاديشي عام 2018 مع شركة (Prelysis) الإسرائيلية  القبرصية برئاسة أميت أيسيكويتز.

وتبيع (Prelysis) نظام (Wagtail) وهو في الواقع منصة اعتراض لشبكات الـ"واي فاي" تقدمه شركة "ميرلينكس" ويستخدم في عمليات الاستخبارات السيبرانية التكتيكية. 

ويستخدم جهاز مخابرات الأمن القومي البنغالي هذا النظام وهو قادر على اعتراض جميع اتصالات (URL) غير الآمنة واستخراج جميع المعرفات، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني، عبر التصيد الاحتيالي.

وبحسب "إنتيليجنس أونلاين" ينص العقد بين "ميرلينكس" وبنغلاديش على توفير "نظام اعتراض واي فاي والخدمات ذات الصلة" بما يشمل تكنولوجيا وخدمات أخرى أكثر قوة، ومثل هذه الصياغة الملطفة ليست غريبة في بنغلاديش حيث تستخدم منعا لإثارة الشكوك.

كما ينص العقد على إرسال وكلاء سيبرانيين إسرائيليين يمكنهم التسلل إلى الهواتف التي تعمل بنظام أندرويد لاستخراج البيانات، بالإضافة إلى برامج تتبع الـ GPS عن بعد وتسجيل لوحات المفاتيح.

استخبارات عسكرية 

لم يكن هذا أول تعاون مرصود بين أجهزة الأمن في بنغلاديش ودولة الاحتلال، ففي 2 فبراير/ شباط 2021، أعلنت وحدة تحقيقات شبكة "الجزيرة" الإعلامية القطرية، عن كشفها وثائق تثبت "أن جهاز الاستخبارات العسكري البنغالي اشترى سرا برامج تجسس متقدمة إسرائيلية". 

وأوردت أن "ضباط استخبارات من بنغلاديش، تلقوا دورة تدريبية لأيام في ضواحي العاصمة المجرية بودابست، وأشرف عليها ضابطان من الاستخبارات الإسرائيلية".

وذكرت أن "ضباطا الاستخبارات الإسرائيلية قدموا تدريبات خاصة للضباط البنغال على رصد واختراق هواتف المعارضين". 

وركزت الدورة التدريبية على تقنيات رصد واعتراض الهواتف النقالة، وكشفت الوثائق أن أجهزة المراقبة في بنغلاديش تم شراؤها من شركة (PICSIX) العبرية، التي أسسها عملاء سابقون في الموساد. 

وتعمل البرامج التي طورتها الشركة الإسرائيلية، وتدرب عليها ضباط المخابرات البنغالية، كأنه برج للاتصالات، وبإمكانه اعتراض المكالمات والبيانات من 300 هاتف نقال في وقت واحد، كما يوفر إمكانية انتحال صفة شخص ما.

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2023، كشفت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها، أنه "تم بيع أدوات لاعتراض المكالمات في الهواتف المحمولة والإنترنت للمركز الوطني لمراقبة الاتصالات (إن.تي.إم.سي)، وهي وحدة في وزارة الداخلية ببنغلاديش، مسؤولة عن مراقبة اتصالات الإنترنت والشبكات الاجتماعية، بما في ذلك التنصت على المواطنين". 

وذكرت أن "بنغلاديش هي الدولة الإسلامية الثالثة من حيث الحجم في العالم، لا تعترف بإسرائيل ولا يوجد بين الدولتين أي علاقات دبلوماسية، لكن التعاون الاستخباراتي جارٍ على قدم وساق".

وقالت إنه "تم إرسال منظومة (سبيرهيد) الإسرائيلية التجسسية الاعتراضية في يونيو/ حزيران 2022، إلى السويد ومنها إلى العاصمة البنغالية دكا".

وأضافت "كانت شركة (باسي تورا) الإسرائيلية هي صاحبة المنظومة، والمشتري المركز الوطني لمراقبة الاتصالات البنغالي".

وأوضحت أن "الشحنة وصلت كاملة إلى دكا بوزن 991 كغم، وشملت منظومة الاعتراض نفسها وبرنامج تشغيلها وقطع الأجهزة والخوادم ومحركات الأقراص والشاشات وما شابه، بتكلفة إجمالية قدرها 5.7 ملايين دولار".

باستثناء إسرائيل

ذلك التطبيع الأمني والاستخباراتي البنغلاديشي، يعد انقلابا كاملا على أسس الدولة وتاريخها، فعندما أنشئت بنغلاديش عام 1971، من رحم قومية إسلامية قوية، وبعد رحلة صراع طويلة بالانفصال عن الهند.

كانت من أشد الدول رفضا لإقامة أي وجه للتطبيع مع إسرائيل، ووصل الأمر أن جواز السفر البنغالي كان يتضمن عبارة "جواز السفر هذا صالح لجميع دول العالم باستثناء إسرائيل". 

وظلت بنغلاديش داعمة بقوة للقضية الفلسطينية، ورفضت الاعتراف بإسرائيل، ما أدى إلى عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما، والأكثر من ذلك أن سمحت الحكومة البنغالية لفلسطين بإنشاء سفارتها في دكا، حيث بدأت كمكتب ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1976، ثم تحولت إلى سفارة رسمية عام 1988.

وفي عام 1973 أيدت بنغلاديش مصر والدول العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي خلال "حرب 6 أكتوبر"، وأرسلت فريقا طبيا وإمدادات إغاثية لمناطق الحرب في مصر وسوريا.

وفي عام 1980، أصدرت الحكومة البنغالية طابعا بريديا محليا يصور المناضل الفلسطيني، كرمز من أجل الحرية، والمسجد الأقصى المحاط بالأسلاك الشائكة في الخلفية، وعبارة تحتفي بالمقاتلين الفلسطينيين على أنهم (شجعان) باللغتين الإنجليزية والعربية.

لكن في خطوة مفاجئة يوم 23 مايو/ آيار 2021، أعلنت وزيرة الخارجية والداخلية أن جوازات السفر البنغلاديشية لن تحمل عبارة "باستثناء إسرائيل" بعد اليوم.

وقتها قام نائب المدير العام الإسرائيلي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في وزارة الخارجية الإسرائيلية، جيلاند كوهن، بالتغريد قائلا: "أخبار سارة.. رفعت بنغلاديش حظر السفر إلى إسرائيل، هذه خطوة مرحب بها وأدعو الحكومة البنغلاديشية إلى المضي قدما وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل". 

نظام التطبيع 

تلك التحولات الكبرى التي حدثت في السياسة الخارجية البنغالية، بدأت في عهد رئيسة الوزراء "شيخة حسينة واجد" منذ عام 2009 ورجالها من قادة الجيش والاستخبارات. 

لكن المتحكم الأول في سياسة وتوجهات دكا نحو التطبيع هو الرجل القوي في البلاد، قائد الجيش، الجنرال عزيز أحمد. 

وهو ما ذكرته تحقيقات شبكة "الجزيرة" القطرية في 2 فبراير/ شباط 2021، حين أكدت أن قائد الجيش البنغالي، استخدم نفوذه وثقل عائلته ليقيم شبكة علاقات سرية مع إسرائيل.

وأوردت أنه استخدم شقيقه "حارس أحمد" المقيم في أوروبا كواجهة للأنشطة التطبيعية، وكان هو مهندس التواصل في صفقات برامج التجسس مع دولة الاحتلال. 

المسؤول الآخر المنوط بملف التطبيع في البلاد هو رئيس المديرية العامة للمخابرات والأمن القومي البنغلاديشية، الجنرال "تم جبير".

ولـ"جبير" نشاط استخباراتي واسع منذ عام 2011، عندما كان مدير استخبارات الأمن القومي، وعمل على تقويض الجماعات الإسلامية، وتعميق الاتصالات بالمخابرات الباكستانية والأفغانية (تحت مظلة الاحتلال الأميركي آنذاك). 

 

وبعد أن تولى مسؤولياته كرئيس عام للمديرية، بدأ في مساعدة رئيس الوزراء وقائد الجيش، الاستعانة بالشركات الإسرائيلية، لتأسيس شبكة تجسس عالية الدقة، ولا سيما أن إدارته هي المعنية بالتواصل الكامل مع ضباط وعملاء دولة الاحتلال.