بعد وقف رواتب موظفي كردستان العراق.. هل ينفرط عقد حكومة السوداني؟

في اختبار حقيقي لائتلاف "إدارة الدولة" الذي انبثقت عنه حكومة محمد شياع السوداني في العراق، أوقفت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في البلد) المستحقات الشهرية التي ترسلها الحكومة إلى إقليم كردستان من أجل دفع رواتب الموظفين بالقطاع العام.
وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكل من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون الكردية".
موقف عدائي
وجاء حكم المحكمة الاتحادية بناء على دعوى قضائية رفعها عضو البرلمان العراقي مصطفى جبار سند، ضد قرار رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في يونيو/ حزيران 2021 القاضي بصرف 200 مليار دينار (138 مليون دولار) تدفع للإقليم لسد رواتب الموظفين شهريا.
وعقب القرار، كتب سند عبر تويتر، "قرار تاريخي من المحكمة الاتحادية أوقفنا نزيف المال باتجاه الإقليم".
النائب مصطفى سند: قرار تاريخي من المحكمة الاتحادية اوقفنا نزيف المال باتجاه الإقليمhttps://t.co/9pQHtHxZI7 pic.twitter.com/lwa3K5VxcG
— قناة العهد (@ahadtv) January 25, 2023
ويأتي قرار المحكمة الاتحادية بناء على حكم سابق لها اتخذته في 15 فبراير/ شباط 2022 يقضي بتسليم إيرادات 250 ألف برميل نفط يصدره الإقليم يوميا، مقابل إطلاق الحكومة العراقية مبلغ 200 مليار دينار لتمويل رواتب موظفي إقليم كردستان العراق، وهو ما لم يتحقق، ويعد من أبرز الخلافات العالقة منذ سنوات بين الجانبين.
من جانبه، وجه مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، انتقادا شديدا للمحكمة الاتحادية العليا في العراق، ووصف قراراها بأنه "عدواني" ضد الإقليم، وأنه "ليس المقصود هنا المبلغ المالي، بل المشكلة تكمن في خرق المبادئ والحقوق".
وقال بارزاني خلال بيان في 25 يناير/كانون الثاني 2023، إن "الجميع يعلم أن مشاركتنا في ائتلاف (إدارة الدولة) كان على أساس برنامج واضح ومفصل، ووافقت عليه جميع القوى السياسية".
وأكد أن "تأمين جزء من المستحقات المالية للإقليم الذي يُعد حقا مشروعا لأهالي كردستان كان ضمن هذا البرنامج وتم الاتفاق عليه".
وأشار زعيم الحزب الحاكم في إقليم كردستان إلى أن "قرار المحكمة الاتحادية اليوم قبل أن يكون ضد إقليم كردستان فإنه ضد العملية السياسية والحكومة العراقية وضد برنامج ائتلاف (إدارة الدولة)".
وتابع: "كلما توفرت أجواء إيجابية بين أربيل وبغداد وتوفرت فرصة لحل المشاكل، قامت المحكمة الاتحادية بتقويض هذه الفرصة وتسببت في تعقيد المشاكل"، لافتا إلى أنه "يبدو أن هذه المحكمة تنفذ أجندة مشبوهة تحل محل محكمة الثورة التابعة للنظام السابق".
وطالب بارزاني الحكومة العراقية والجهات السياسية المكونة لائتلاف إدارة الدولة بإظهار موقفهم إزاء هذا "الخرق والمحاربة التي يجرى تنفيذها من قبل المحكمة الاتحادية تجاه مصالح إقليم كردستان والعراق".
ورغم مطالبة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني شركائه في "ائتلاف إدارة الدولة والحكومة العراقية، إلا أنه لم يصدر عنهم تعليق على الفور حيال قرار المحكمة الاتحادية.
لكن البرلماني العراقي السابق حسن فدعم الجنابي، القيادي في تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، الذي يمثل أحد أقطاب قوى الإطار التنسيقي الشيعي، قدم شكره للنائب مصطفى جبار سند، ووصفه بـ"الشجاع" وكذلك شكر المحكمة الاتحادية على قرارها "المنصف والشجاع".
وأعلن الجنابي دعمه للقضاء وقراراته، وأن من يعترض على قرار المحكمة عليه أولا أن ينتقد حكومة أربيل لتهريبها النفط وعدم التزامها بالدستور"، متسائلا: "بماذا يختلف نفط البصرة عن نفط أربيل؟"، في إشارة منه إلى أن الأموال تؤخذ من مبيعات نفط مدن جنوب العراق وتعطى للإقليم الشمالي.
@m_j_sanad شكر وتقدير للنائب الشجاع مصطفى ابن الشهيد جبار سند و #المحكمة_الاتحادية على قرارها المنصف والشجاع ونعلن دعمنا للقضاء وقراراته ، من يعترض على قرار المحكمة عليه اولا ان ينتقد حكومة اربيل لتهريبها النفط وعدم التزامها بالدستور ، بماذا يختلف نفط البصرة عن نفط اربيل؟
— حسن فدعم الجنابي (@Hassanal_Janabi) January 26, 2023
وفي تعليق آخر على قرار المحكمة الاتحادية، قال عادل المانع عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، أحد أقطاب الإطار التنسيقي، إن القرار يعد باتا ويجب احترام قرارات أعلى سلطة قضائية في البلد ومن يريد الاعتراض عليه تقديم الطعن بالقرار لدى المحكمة لا أن يتهجم عليها.
وأضاف المانع خلال مقابلة تلفزيونية في 29 يناير 2023، إن القضاء بالفعل يتعرض إلى ضغوط بفتح هذه القضية أو غلقها، لكنه لا يمكن أن يكون مسيسا بتعمد إطلاق قرارات ضد جهات سياسية معينة، إضافة إلى أن المحكمة فيها أعضاء من المكون الكردي صوتوا على القرار.
واستبعد المانع أن يؤدي قرار المحكمة الاتحادية إلى زعزعة استقرار ائتلاف "إدارة الدولة"، وذلك للاتفاقات المبرمة بين أركان هذا الائتلاف على دعم الحكومة الحالية برئاسة السوداني.
لكن مراقبين يرون أن حديث بارزاني بأن دخوله ضمن ائتلاف "إدارة الدولة" كان بناء على اتفاقات سابقة تتعلق بضمان حقوق الإقليم، ربما يأتي للضغط على قوى الإطار التنسيقي الشيعي لتعويضهم بالموازنة عن قرار المحكمة الاتحادية، وذلك بإعطائهم حصتهم كاملة والتي تصل إلى 17 بالمئة من الموازنة العامة للبلاد.
وحسب رؤية المراقبين، فإن قرار المحكمة الاتحادية يمكن الالتفاف عليه من خلال الموازنة المالية وإعطاء الأكراد حصتهم، كون قوى الإطار التنسيقي الشيعي يمتلك الأغلبية البرلمانية وبإمكانه فعل ذلك حفاظا على استقرار المشهد السياسي من أي خطوة كردية للانسحاب من الحكومة أو البرلمان.
انفراط محتمل
وعن تداعيات الحكم على وحدة التحالف البرلماني الحكومي، قال الباحث الكردي في الشأن السياسي العراقي، بهاد الدين البرزنجي إن "الإطار التنسيقي الشيعي يستخدم التقية الدينية (يظهر شيئا ويبطن شيء آخر) عند التفاوض مع القوى السياسية في مرحلة تشكيل الحكومات، فيكون ساعتها مستعد للتوقيع على بياض أمام الكتل السياسية مقابل تشكيل الحكومة".
وأضاف لـ"الاستقلال": "لكن في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة يبدأ الإطار الشيعي باتباع الطرق القانونية في تنفيذ الاتفاقات السياسية، وبالتالي لا ينفذ شيئا ويكون المستفيد الوحيد هو الإطار وحده، إلا أن الكتل السياسية الأخرى سواء السنية منها أم الكردية لم تتعظ من ذلك".
وأوضح أن "الإطار قدم العديد من الضمانات والتعهدات لجميع الأطراف سواء الداخلية أم الخارجية، وأولها الولايات المتحدة لانتزاع فرصة تشكيل الحكومة من التيار الصدري، والآن هو في مأزق كبير لأن بعض الوعود تناقض شعاراتهم التي صدعوا رؤوسنا بها".
ورأى البرزنجي أن "القوى السياسية الكردية والسنية المنضوية في ائتلاف إدارة الدولة عليها أن تفكر مليا في تمرير الموازنة المالية لعام 2023، لذلك من الممكن أن يتسبب قرار المحكمة الاتحادية بتعقيد تمريرها، وربما نشهد تغيرات غير متوقعة في الواقع السياسي".
وأردف الباحث، قائلا: "كلما تقدم إقليم كردستان في العمران وعلاقاته الدولية، فإن بعض القوى السياسية الشيعية يصيبها الغيظ من ذلك، وبالتالي يزيدون الضغوط ضد الإقليم وبحجج باطلة يوظفونها متى شاءوا".
ورأى الباحث أن "قرار المحكمة الاتحادية- بغض النظر عن الجانب القانوني- توقيته يشوبه الخطر وحتما سيؤثر على استقرار الوضع السياسي وقد يفرط ائتلاف إدارة الدولة ويؤخر الموازنة المالية لعام 2023، والتي يعوّل عليها الجميع ولا سيما الإطار الشيعي".
من جهته، أكد الإعلامي العراقي عبدالسميع، أن قرار المحكمة الاتحادية "سيؤخر إقرار الموازنة العامة، ويضع ائتلاف إدارة الدولة على المحك بانفراط قريب يهدد التشكيل الحكومي الأخير".
قرار المحكمة الاتحادية الذي صدر اليوم بخصوص المنح المالية للاقليم
— عبدالسميع عزاوي (@Abdulsamea_A_k) January 25, 2023
سيؤخر اقرار الموازنة العامة
ويضع ائتلاف ادارة الدولة على المحك بانفراط قريب يهدد التشكيل الحكومي الاخير
فيما رأى السياسي سمير عبيد، أن "المحكمة الاتحادية وقعت في المحظور السياسي.. هذا ظلم بحق الشعب العراقي (الكردي) المظلوم، فلقد أعطت الاتحادية نصرا سياسيا لفصيل سياسي..".
عمل رئاسة مجلس القضاء العراقي يختلف عن عمل المحكمة الاتحادية :
— Samir Abeid / سمير عبيد (@samirobeid8) January 26, 2023
١-وقعت #المحكمة_الاتحادية في المحظور السياسي بقرارها إيقاف إرسال المبالغ من بغداد الى #اقليم_كردستان
٢-هذا ظلم بحق الشعب العراقي (الكردي)المظلوم
٣-فلقد اعطت الاتحادية نصراً سياسيا لفصيل سياسي/ فجعلهُ نصراً تاريخيا
وكتب المحلل السياسي العراقي، كتاب الميزان: "بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية الأموال المحولة لإقليم كردستان، تبين أن الإطار التنسيقي مازال لا يؤمن بالشراكة ولا يلتزم بالعهود والمواثيق مع حلفائه. وهذا القرار سيعطل الكثير من المشاريع منها مشروع الموازنة الاتحادية".
بعد قرار #المحكمة_الاتحادية اليوم بعدم دستورية الاموال المحولة لاقليم #كوردستان،
— كتـاب المـيزان (@ketabalmezan1) January 25, 2023
تبين ان #الاطار_التنسيقي لازال لايؤمن بالشراكة ولا يلتزم بالعهود والمواثيق مع حلفائه.
وهذا القرار سيعطل الكثير من المشاريع منها مشروع الموازنة الاتحادية
"حجر عثرة"
وفي السياق ذاته، دعا مراقبون إلى إعادة النظر في المحكمة الاتحادية والتي عدها البعض غير قانونية، فقال الكاتب العراقي، جلال شيخ علي، إن "المحكمة الاتحادية تضع حجر عثرة جديدة أمام التقارب الذي حصل في وجهات النظر بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان".
وأوضح خلال مقال نشره موقع "باس نيوز" العراقي، في 25 يناير، أن "الشارع الكردستاني يرى أن قرار المحكمة قد يكون المسمار الأخير لنعش التعايش بين المكونات في العراق، وهذا يأتي في وقت تعالت فيه الأصوات المطالبة بسحب ممثلي الإقليم من البرلمان العراقي ومن الحكومة الاتحادية".
وتساءل شيخ علي قائلا: "هل المحكمة الاتحادية موجهة للعمل ضد أي تقارب بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية؟ وهل هناك توجيه بهذا الشأن؟"، في إشارة إلى قوى الإطار التنسيقي الشيعي.
فيما طالب البرلماني السابق مثال الآلوسي: "أعضاء المحكمة الاتحادية من القضاة الكرد والقضاة النزيهين الآخرين بالانسحاب من محكمة هي في مرمى الاتهام، وتسهيل وتعجيل عملية إصلاح دستورية وطنية ملحة حفظا لأمن وسلامة العراق والعراقيين".
#المحكمة_الاتحادية
— Al-Alusi Mithal (@mithal_al) January 26, 2023
"رحم اللهُ امْرَأً جبَّ الغيبة عن نفسه"
اطالب أعضاء المحكمة الاتحادية من القضاة الكورد والقضاة النزيهين الآخرين بالانسحاب من محكمة هي في مرمى الاتهام
وتسهيل وتعجيل عملية اصلاح دستورية وطنية ملحة حفظًا لأمن وسلامة #العراق_العراقيين
ووفقا للمحاصصة الطائفية في مناصب الدولة العراقية، فإن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى من المفترض أن يكون من حصة المكون السني، إلا أن ذلك جرى الالتفاف عليه، وجرى تعيين القاضي فائق زيدان (شيعي) رئيسا له منذ عام 2017.
أما المحكمة الاتحادية العليا، التي هي من حصة المكون الشيعي، فهي هيئه قضائية اتحادية لديها سلطة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وتفسير نصوص الدستور واختصاصات أخرى نص عليها الدستور.
وتتألف المحكمة الاتحادية من 12 قاضيا يمثلون مختلف المكونات العراقية، ويتولى رئاستها حاليا القاضي جاسم العميري فضلا عن 8 قضاة أعضاء أصلاء في المحكمة، فيما ضم المرسوم أيضا 3 أعضاء احتياط، وكلهم يجرى اختيارهم بالتزكية من القوى السياسية ويؤدون اليمين أمام الرئيس العراقي.
وكان قد اتهم زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، السلطة القضائية بشقيها، مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، بأنها محسوبة على قوى "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، حسب بيان له في 17 مايو/ أيار 2022.
وكانت حكومة إقليم كردستان، قد أصدرت بيانا في 25 يناير 2023، أعربت فيه عن رفضها قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بتحويل بغداد الأموال إلى الإقليم، مشيرة إلى أن هذه المحكمة لم تشكل وفق الدستور.
وقالت حكومة الإقليم: "جددت المحكمة الاتحادية مرة أخرى وللأسف، معاداتها لحقوق مواطني إقليم كردستان ومستحقاتهم المالية الدستورية ويمثل هذا الموقف الجديد لهذه المحكمة، تأكيداً على المضي بسياستها الجائرة والعدائية تجاه إقليم كردستان".
وأضافت: "وفي الوقت الذي توجد فيه أجواء إيجابية وتقارب بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية للتوصل إلى اتفاق وحل المشاكل تحت مظلة الدستور، إلا أن ما يدعو للأسف أن المحكمة، وبدلا من دعم هذه الأجواء الإيجابية، منعت الحكومة الاتحادية، بقرار تعسفي ومعادٍ لشعب كردستان، من إرسال المبالغ التي كان يُفترض إرسالها إلى إقليم كردستان".
ويؤكد مسؤولون حكوميون في كردستان أنه من دون هذا التمويل الشهري الذي ترسله بغداد إلى الإقليم فإنه من الصعوبة بمكان صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين والمتقاعدين كاملة ومن دون استقطاع، حسبما نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 25 يناير 2023.
وتتطلب الرواتب الشهرية الإجمالية، لموظفي إقليم كردستان، نحو 616 مليون دولار، ويجرى توفيرها بشكل عام على النحو الآتي: الإيرادات النفطية 350 مليون دولار، والإيرادات الداخلية 128 مليون دولار، والأموال التي ترسلها الحكومة الاتحادية (200 مليار دينار) 138 مليون دولار، وفقا لوزارة المالية والاقتصاد في إقليم كردستان.
المصادر
- مسعود بارزاني يصف قرار المحكمة الاتحادية الأخير ضد إرسال الأموال لكوردستان بـ"العدواني"
- القضاء يدق المسمار الٲخير في نعش التعايش
- رئيسة برلمان كوردستان عن قرار المحكمة الاتحادية: يشوه أرضية التفاهم والاتفاق بين إقليم كوردستان وبغداد
- مسعود بارزاني يصف قرار المحكمة الاتحادية الأخير ضد إرسال الأموال لكوردستان بـ"العدواني"
- سند: المحكمة الاتحادية تقرر إلغاء كافة قرارات مجلس الوزراء السابق والحالي بتحويل الاموال الى اقليم كردستان
- الاتحادية تلغي قرارات مجلس الوزراء الخاصة بتحويل الأموال لإقليم كردستان)