حسابات دقيقة.. لهذا قاطعت السعودية والكويت قمة أبوظبي "السريعة"

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الجدل قائما بخصوص غياب السعودية والكويت عن قمة أبو ظبي السداسية التي لم تستغرق سوى ساعات معدودة، وحضرها قادة الإمارات وقطر والبحرين والأردن ومصر، وذلك بعيدا عن التفاهمات والنتائج التي صدرت عن اجتماع هؤلاء الزعماء.

وخرجت القمة العربية المصغرة في 18 يناير/ كانون الثاني 2023، بدعوة "المجتمع الدولي إلى ضرورة الحماية للشعب الفلسطيني وتكاتف الجهود لإيجاد أفق سياسي يعيد إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين".

ورغم أن قمة أبوظبي عدت هي الأولى من نوعها التي تركزت في ظاهرها لأجل "القضية الفلسطينية" بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول 2022، لكن ما أثار التساؤلات هو أسباب غياب السعودية والكويت عنها.

خلافات متعددة

وفي تفسير لذلك، رأى الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان أن "واحدا من التفسيرات عن أسباب غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو وجود توتر في العلاقات الإماراتية السعودية".

وأوضح عطوان عبر مقطع فيديو نشره على موقع "يوتيوب" في 20 يناير/كانون الثاني 2023، أن "التوتر الحاصل سببه موقف ابن سلمان من غياب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد عن القمم الثلاثة التي دعت لها السعودية عندما زارهم الرئيس الصيني شي جين بينغ نهاية عام 2022".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2022، عقدت ثلاث قمم في السعودية، الأولى "سعودية- صينية" برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الصيني، ومشاركة ولي العهد ابن سلمان.

والثانية قمة "الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية" بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أما الثالثة فقمة "الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية"، بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.

ولفت عطوان إلى أن "هناك تفسيرا آخر يشير إلى وجود خلاف بين أبوظبي والرياض بشأن الملف اليمني، بمعنى أن الإمارات أصبحت هي التي لها الكلمة العليا في جنوب اليمن، وباتت تتصرف بشكل مستقل عن السعودية".

وأشار إلى أن "هناك خلافا قديما بين الطرفين على حضرموت اليمنية؛ فالسعودية كانت تضغط على اليمن في عهد (الرئيس السابق) علي عبد الله صالح، من أجل تمرير أنبوب نفط سعودي عبر حضرموت إلى بحر العرب ليكون بعيدا عن مضيقي هرمز وباب المندب، حتى لا تتأثر صادراتها إذا نشبت حروب".

أما بخصوص غياب الكويت عن القمة، فرأى عطوان أن هناك "أزمة صامتة" بين الكويت ومصر تتعلق بـ"العمالة"، لأن الكويت بدأت أخيرا في ترحيل العمالة "الزائدة" وهذا ينتج عنه ترحيل أكثر من ألفي مصري يوميا.

وتابع: "الأمر الآخر هو أن مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) أصدر قرارا يمنع فيه تقديم الحكومة أي مساعدات مالية إلى مصر، فربما يكون هذا سببا لغيابها، لأنها إذا حضرت في قمة أبوظبي فلا بد لها أن تلتزم بقرارات تقديم منح سواء إلى مصر أو الأردن".

والأمر الآخر-بحسب عطوان- هناك توتر بين الرياض والقاهرة، لأن "السعودية غاضبة بسبب إيقاف مصر نقل السيادة من جزر صنافير وتيران إلى المملكة كما اتفق رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز عام 2017".

وفي اليوم ذاته الذي عقدت فيه القمة السداسية، صرّح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، قائلا إن "المملكة تتجه نحو تغيير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها والمتمثلة في تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط".

وأضاف الجدعان، خلال مشاركته في منتدى "دافوس" الاقتصادي العالمي بسويسرا، إن "المملكة أكبر مُصدر للنفط في العالم وقوة عربية، تشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية".

وأردف: "إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك، نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات، نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".

مشهد جديد

في المقابل، قال الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي القريب من السلطات، عبدالله عبدالخالق، خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية في 19 يناير/كانون الثاني 2023 إن غياب الدولتين "ليس بالأمر الكبير، وإن من أتى مرحب بهم، والغائبون لديهم أسبابهم الخاصة لعدم القيام بذلك".

وأعرب عبد الخالق عن اعتقاده بأن "السعودية اليوم مشغولة جدا بقضاياها الداخلية والمحلية، ومشغولة جدا برؤية 2030، لكنني أعتقد أنهم يعرفون بالضبط ما يدور حول هذا الاجتماع وسيتم إطلاعهم بشكل كامل في الوقت المناسب".

وأردف: "لذلك لا أشعر بأي شيء حيال حقيقة أن شخصا أو اثنين، ولا سيما زعيم السعودية لم يحضر (الاجتماع)، لأنه ربما يكون لديه جدول مواعيد كامل، وربما جاء هذا الأمر سريعا، حيث تم الترتيب له في وقت متأخر جدا، لذلك لن أجعل من الأمر شيئا كبيرا بالنسبة لأولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور".

من جهته، قال الكاتب اللبناني، ناصر قنديل، في مقال نشرته صحيفة "البناء" المحلية في 19 يناير 2023، إن "المشهد كان جديدا على مجلس التعاون الخليجي، فأبوظبي تستضيف قمة خليجية مع مصر والأردن دون حضور السعودية والكويت، وسط صمت إعلامي وسياسي عن تفسير أسباب الغياب".

وأضاف "اللافت هو حضور البحرين التي تتأثر قيادتها أكثر من سواها بالموقف السعودي، ومشاركة عُمان التي تحرص على عدم التموضع في أي حلف لا ترضى عنه السعودية، خصوصا أن الاجتماع يجري تحت اسم مجلس التعاون الخليجي، ما يعني أن الرياض تعرف بمضمون ما سيبحث في اللقاء وترغب أن تنتظر النتائج، ولم تدعُ لمقاطعته".

ورأى قنديل أن "حضور مصر والأردن لا يعني أن الموضوع مصري أو أردني، على صلة بالملفات المالية والاقتصادية للبلدين، لأنه في هذه الحالة لا تملك البحرين وعُمان ما تقدمانه، ولن تحضرا لتشكيل حلف يغضب السعودية إذا كان هناك موقف سعودي متحفظ على تقديم مساهمات مالية للدولتين".

وتابع: "كان الأرجح عقد لقاءات ثنائية مصرية إماراتية ومصرية قطرية، وأردنية إماراتية وأردنية قطرية، بانتظار موقف سعودي إيجابي".

هذا إضافة إلى أن "الموقف الإماراتي الذي يسعى لحجز موقع مستقل في السياسة الإقليمية يقيم حسابات دقيقة بهدف الاحتفاظ بعلاقة تحت سقف إيجابي مع السعودية، وعدم إظهار أي خلاف إلى العلن، بحجم الإيحاء بتشكيل محور بوجهها"، وفق قنديل.

وأردف الكاتب قائلا: "الحديث عن فرضية انعقاد القمة لبحث تطورات تتصل بالملف الفلسطيني بربط القمة بانعقاد قمة ثلاثية فلسطينية أردنية مصرية، بهدف توجيه رسالة للقيادة الإسرائيلية لأخذ مخاطر التصعيد في حسابها، غير واقعي".

وأوضح أن هذه الفرضية "تفرض حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحضور السعودية التي كان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان يوجه مثل هذه الرسالة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من منتدى دافوس".

وزاد قنديل قائلا: "هذا عدا أن القمة لم تخرج ببيانها ما يشير إلى أن الأمر كان على الطاولة، وهدف يتصل بالعلاقة بما يجري في فلسطين لا ينسجم مع التكتم عليه في البيان، لأن البيان هو أعلى مرتبة فيما تملكه الدول المشاركة من سلاح ضاغط على الاحتلال، خصوصا أن التحرك لإجراء الاتصالات الدولية لا يستدعي قمة، ويكفيه اجتماع وزراء خارجية".

ورجح أن "العملية التفاوضية التي تقودها السعودية حول اليمن قد بلغت مراحل حاسمة، وأن هناك خلافا سعوديا إماراتيا في النظر لملف التفاوض كما تؤكد كل التقارير الإعلامية والدبلوماسية، خصوصا لجهة ضم أو عدم ضم مستقبل الجنوب لبنود التفاوض الحالية".

قمة أخوية

الاجتماع وصف بأنه "لقاء تشاوري" و"قمة أخوية"، جاءت "استكمالا للقاءات عديدة مماثلة كان آخرها في أغسطس/آب 2022 على ساحل البحر المتوسط في مصر"، حسبما نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، في 18 يناير/كانون الثاني 2023.

وقالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، إن ابن زايد استضاف "لقاء أخويا تشاوريا، مع عدد من إخوانه من قادة دول مجلس التعاون والأردن ومصر في أبو ظبي، بهدف التشاور، لترسيخ التعاون وتعميقه بين الدول الشقيقة في جميع المجالات التي تخدم التنمية والازدهار والاستقرار في المنطقة".

ونشرت الوكالة في 18 يناير/كانون الثاني 2023، صورتين تجمعان المشاركين في اللقاء، وفيها كل من ابن زايد، وأمير قطر تميم بن حمد، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وسلطان عمان هيثم بن طارق، وملك الأردن عبد الله الثاني، والسيسي.

واكتفت وكالات الدول العربية المشاركة باللقاء، بتناول أخبار مقتضبة عن الاجتماع، إذ نشرت وكالة الأنباء العمانية، صورة وصول السلطان هيثم بن طارق لأبو ظبي واستقباله من جانب ابن زايد.

كما نشرت رئاسة النظام المصري صورة وصول السيسي إلى أبو ظبي، ولقطة من اللقاء.

من جانبها، قالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية إن الشيخ تميم شارك في "القمة المصغرة"، وحضر مأدبة الغداء التي أقامها الرئيس الإماراتي.

من جانبه، قال الديوان الملكي الأردني، إن الملك عبد الله الثاني، شارك في اللقاء "الأخوي التشاوري" في أبو ظبي، وإن "القادة استعرضوا عددا من القضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك والتحديات التي تشهدها المنطقة سياسيا وأمنيا واقتصاديا".

وأضاف "أكد القادة الروابط التاريخية الراسخة بين دولهم، وأن التعاون وبناء الشراكات الاقتصادية والتنموية بين بلدانهم وعلى المستوى العربي هو المدخل الأساسي لتحقيق التنمية وصنع مستقبل أفضل".

وتابع الديوان الملكي: "كما أكدوا رؤيتهم المشتركة لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة"، مشددين على "أهمية الالتزام بقواعد حسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

وانتهت القمة بعد ساعات من انعقادها، وعاد الزعماء المشاركون إلى بلدانهم مباشرة، لكن الإمارات لم تقدم تفسيرا عن أسباب غياب السعودية والكويت عن اللقاء، كما أن الدولتين الخليجيتين لم يصدر عنهما أي تصريح رسمي بخصوص عدم الوجود مع قادة هذه الدول كما جرت العادة.