أوضاع مضطربة.. صحيفة إيرانية: تيار ثالث في معسكر الأصوليين قبل الانتخابات

سلطت صحيفة إيرانية الضوء على الأوضاع المضطربة في البلاد، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة، في ظل تحركات يمكن مشاهدتها لأطياف عديدة داخل معسكر الأصوليين الذين يستخدمون أدبيات وموضوعات مختلفة في التنافس فيما بينهم.
وقالت صحيفة "آرمان أمروز" إنه "رغم أنه يجب وضع كل الوجوه الأصولية في تصنيف سياسي واحد، إلا أن هذه التحركات تدل على افتقار الأصوليين للترابط والانسجام، وأنهم في حالة من التمايز الذي قد يؤذن ببروز تيار جديد داخل المعسكر الأصولي".
وتناولت الصحيفة الإصلاحية هذه الظاهرة، في تقرير لها تحت عنوان "انقسام في المعسكر الأصولي.. التيار الثالث في الطريق"، وذكرت أبرز المواقف التي صدرت عن رموز تياراته.
التيارات الأصولية
ولفتت "آرمان أمروز" إلى أن "الاضطرابات والاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ شهور، دفعت بعض السياسيين من المعسكر الأصولي إلى تغيير لغتهم، ورفع الشعارات التي تقربهم من المواطنين، وتمكنهم من اجتذابهم إليهم".
واستعرضت الصحيفة في تقريرها التيارات النشطة داخل المعسكر الأصولي، فذكرت أن التيار الأول هو تيار الأصوليين التقليديين، وفي القلب منه أعضاء "جبهة الصمود".
و"جبهة الصمود" هي أكثر التيارات السياسية الإيرانية تشددا، وزعيمها الروحي هو آية الله مصباح يزدي.
وتتهم هذه الجبهة الإصلاحيين بالعمل على القضاء على الثورة وانهيار البلاد.
والتيار الثاني هو التيار المحيط برئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، والذي يقدم أنصاره أنفسهم على أنهم "الأصوليون الجدد".
وكان مصطلح "الأصولية الجديدة" قد طرح في 2017، من جانب قاليباف، الذي قصد بها إحداث "تغيير في طريقة عمل التيار الأصولي".
أما التيار الثالث فهو تيار الأصوليين المؤيدين للدولة، والذين يعملون بشكل متكامل مع الأصوليين التقليديين والأصوليين الجدد، ويمكن وصفهم بالأصوليين المعتدلين، ويمثلهم رئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني.
واستعرضت الصحيفة مواقف وآراء أبزر الشخصيات السياسية التي تمثل التيارات الأصولية الثلاثة، فبدأت بالتيار الثالث، وهو الأقرب إلى الاعتدال، بما يصدر عنه من انتقادات لأوجه الخلل في إدارة البلاد، وعلى رأسه لاريجاني.
وقالت الصحيفة إن "لاريجاني يسير شيئا فشيئا نحو الاعتدال، ويمكن أن يشكل تقاربه مع الدائرة التي أحاطت بالرئيس الإصلاحي السابق حسن روحاني تيارا يستطيع أن يسبق باقي الأصوليين في الانتخابات المقبلة عام 2024".
ومن المعروف أن لاريجاني كان يساند روحاني في برنامجه الانفتاحي حينما كان رئيسا للبرلمان، وأبرم في عهده الاتفاق حول "البرنامج النووي" عام 2015.
حرب سياسية
وحول موقف لاريجاني من طريقة إدارة المشهد السياسي في البلاد، أشارت الصحيفة إلى انتقاده لهذه الطريقة، في برنامج تلفزيوني، حينما قال إن "السياسي لا ينتخب من أجل وصف الظروف، وإنما من أجل تغيير الظروف".
وكان لاريجاني قد تطرق في انتقاده إلى حقيقة الصراع داخل المجتمع الإيراني وخطورته، فقال إن الانقسامات يمكن أن تتحول على المدى البعيد إلى انقسامات اجتماعية، وهو ما سيتحول بعد ذلك إلى أحقاد وضغائن.
ثم انتقلت الصحيفة بعد ذلك إلى نماذج عديدة من الأصوليين التقليديين، في مقدمتهم رئيس الجمهورية الحالي، إبراهيم رئيسي، الأصولي الذي يتعامل مع منتقديه في الفترة الأخيرة بلغة تختلف عن لغة التيار الثالث، حيث يوجه هجومه إلى "العدو" الخارجي.
فرئيسي الذي توجه إلى حكومته انتقادات واسعة بسبب الاحتجاجات الداخلية، انتقد الحكومات الخارجية، وقال إن الأعداء شنوا على بلده حربا مركبة، وسيلقون هزيمة تلو هزيمة.
ونقلت الصحيفة عن رئيسي قوله: "لقد بدأتم حربا سياسية، واستخدمتم قدراتكم ضد الأمة الإيرانية، ووضعتم وسائل إعلامكم على المحك في الحرب النفسية، ودخلتم في حرب اقتصادية، وسعيتم إلى اقتلاعنا عن طريق العقوبات الاقتصادية والتجارية، ولكننا لن نتوقف".
أما سعيد جليلي، العضو البارز في "جبهة الصمود"، والذي يُعرف في السنوات الأخيرة على أنه زعيم حكومة الظل، فقد استشهدت الصحيفة بوجهة نظره حول العلاقة مع الغرب، كجزء من أدبيات التيار التقليدي في تعامله مع الخارج.
وذكرت الصحيفة أن هذا الوجه الأصولي البارز يرى أن "التجربة أظهرت أن المفاوضات مع الغرب لا فائدة منها، ولن تسفر عن شيء".
ونقلت الصحيفة بعضا من رده على منتقدي وجهة نظر هذا الطيف السياسي، حيث قال إنه "بعد خطة العمل الشاملة المشتركة، أعلنت وكالة الطاقة النووية أن إيران أوفت بالتزاماتها، لكن الجانب الأميركي انسحب من هذا الاتفاق ولم يأت منه شيء".
وأكد جليلي على أن "المرشد الأعلى للثورة لم يكن متفائلا بالمفاوضات، لكنهم لم يوقفوها، لأن البعض قال إننا إذا تفاوضنا سنصل إلى نتائج جيدة، وقد أظهرت خطة الاتفاقية حقيقة كلام القائد، وفهم الناس أن هذه المفاوضات لم تسفر عن نتائج".
"الأصولية الجديدة"
أما أمين عام جمعية المهندسين الإسلامية، محمد رضا باهنر، الأصولي التقليدي، فإنه يرى أن بعض السياسيين في إيران "يُظهرون الوضع القائم أسوأ مما هو عليه".
وتابع: "نظهر الوضع القائم أسوأ مما هو عليه من منصة البرلمان والإذاعة والتلفزيون، وحتى بعض خطب صلاة الجمعة".
وأشار باهنر إلى أن "هناك مسؤولين إيرانيين يفكرون بقدر كبير من بُعد النظر، ويضحون بالفوائد قصيرة الأجل من أجل فوائد طويلة الأجل".
وختمت الصحيفة تقريرها بالحديث عن محمد باقر قاليباف، الذي يمثل "الأصولية الجديدة"، حيث نقلت عنه انتقاده لبعض المقاربات في التعامل مع الناس، وفي مناقشة موضوع الحجاب، وبعض السلوكيات في الأحداث الأخيرة.
وذكرت أنه "أكد صراحة على أنه كان ينبغي على الشرطة أن تعتذر بعد حادث موت الفتاة مهسا أميني التي توفيت بعد توقيفها من جانب شرطة الأحلاق".
وذكرت الصحيفة أن "قاليباف وجه انتقادات حادة للشرطة ومن يهددون أولئك اللاتي لا يلتزمن بالحجاب المنضبط بحرمانهن من الخدمات العامة".
ونقلت عنه أنه قال إنه "ينبغي التعامل مع من يكسرون الأعراف القانونية، ولكن بأي حق يقال إن التي لا تلتزم بالحجاب الصحيح لن يسمح لها بركوب المترو؟"
وروت الصحيفة حوارا دار بين قاليباف وفتاة حول الحجاب، قالت له الفتاة فيه "إنكم تلقون القبض على الفتاة التي لا تلتزم بالحجاب الصحيح، وتصطحبونها إلى مركز لتعلمونها كيف تتحجب في 30 دقيقة، لم تستطيعوا أن تعلموننا الحجاب في سنوات وتريدون أن تعلموننا في 30 دقيقة من الضغط".
ويرى قاليباف أن "التقصير يكمن في القائمين على مسألة الحجاب، وهذا لا يعني دهس القيم بالأقدام، وإنما العمل على تطبيقها والالتزام بها، سواء كانت في مصلحة النظام أو في مصلحة الناس".