لتسجيله أهدافا عديدة.. هكذا قادت ألمانيا "هجمة مرتدة" ضد مونديال قطر

داود علي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

خلائط السياسة والرياضة تظهر بقوة في مونديال قطر، الذي انطلق في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني ويستمر حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022، كحدث جلل في الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية.

قطر التي تمثل الدول والشعوب العربية والإسلامية حظيت بهذا الكرنفال العالمي، خاضت ولا تزال تخوض معارك متعددة مع أطراف إقليمية ودولية كرهت أن ترى الدوحة في هذا الثوب الكبير. 

ألمانيا من أبرز الدول التي قابلت النجاح القطري الكبير في تنظيم كأس العالم عبر "هجمة مرتدة"، والتي حشدت حكومتها ووسائل إعلامها ضد الدوحة، بذرائع واهية.

وهو ما فتح باب التساؤلات عن أسباب انخراط برلين في هذه الحملة المناهضة لثقافة وقيم قطر والعالم العربي والإسلامي، رغم سكوتها إزاء استضافة دول جدلية مثل الصين وروسيا لفعاليات رياضية أخرى.

هجمة ألمانية 

بينما كان العالم يتابع أجواء حفل افتتاح كأس العالم 2022 داخل ملعب "البيت" في العاصمة القطرية الدوحة، انخرطت قناة "زي دي إف" الألمانية على مهاجمة السلطات القطرية.

وفي خطوة غير مسبوقة، استضافت القناة الحكومية خلال نقلها حفل افتتاح كأس العالم مسؤولا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، عوضا عن استضافة محللين رياضيين كما هو معتاد.

وعرضت القناة تقريرا مصورا عن الانتهاكات التي تخللت عمليات بناء الملاعب والتمييز الذي لحق بالشواذ جنسيا.

وكان لافتا حدوث سخط شديد داخل الاستديو مع ظهور مشاركة الممثل الأميركي الشهير مورغان فريمان في حفل الافتتاح.

وقبل ذلك، هاجمت وزيرة الداخلية الألمانية "نانسي فايسر" في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 مسؤولا قطريا، بعد انتقاده حملة ترويج الشذوذ الجنسي في كأس العالم.

وعلقت في تصريحات للتلفزيون الألماني على تصريحات لاعب كرة القدم القطري السابق، أحد سفراء مونديال 2022 "خالد سلمان"، بالقول: "إننا أمام تعبيرات فظيعة".

وزدات في حدة هجومها، مضيفة أن "استضافة قطر للمونديال أمر صعب للغاية بالنسبة للحكومة الألمانية". 

وعززت خطابها الفوقوي والعنصري بالقول: "هناك معايير يجب الالتزام بها، ومن الأفضل عدم منح شرف تنظيم البطولات لمثل هكذا دول"، ما عده كثيرون خطابا عنصريا فوقيا يستحق الإدانة.

وردا على ذلك، استدعت الدوحة في 28 أكتوبر 2022، السفير الألماني لديها، وأبلغته برفضها التام لتصريحات الوزيرة "غير المقبولة والمستهجنة، والمستفزة للشعب القطري".

وقالت الحكومة القطرية إن "وزارة الخارجية استدعت سفير ألمانيا لدى الدولة، وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، أعربت فيها عن خيبة أمل قطر ورفضها التام وشجبها لتصريحات وزيرة الداخلية الألمانية بشأن استضافة قطر للمونديال".

وأضافت في بيان، أن "الأمين العام للوزارة أحمد بن حسن الحمادي سلم هذه المذكرة الاحتجاجية"، مطالبا "بتوضيحات بشأن هذه التصريحات".

وعدت الحكومة القطرية سلوك المسؤولة الألمانية مخالفا للأعراف والتقاليد، وغير منصف لمنطقة ظلت تعاني من صورة نمطية ظالمة لعقود طويلة. 

وكانت هذه أول مرة على الإطلاق تستدعي فيها الدوحة سفيرا احتجاجا على تصريح لمسؤول في بلده بشأن استضافتها المونديال.

رغم أن هذه الحملات تكررت منذ إعلان اختيارها لاستضافة المونديال عام 2010، لكن اشتد صداها بصورة ملحوظة قبل انطلاق كأس العالم مباشرة، وكانت ألمانيا في طليعة المهاجمين. 

الفيفا تتدخل 

ولم يقتصر استهجان الهجمة الألمانية ضد قطر على العرب والمسلمين، بل ظهرت أصوات غربية نددت بهذا الخطاب الاستعلائي.

وجاء في مقدمة هذه الأصوات رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو، الذي خرج في مؤتمر صحفي في 19 نوفمبر، أي قبل ليلة افتتاح كأس العالم بيوم، للتعليق على هذا الأمر.

وانتقد إنفانتينو طريقة تعامل كثير من وسائل الإعلام الغريبة مع قطر. 

وقال: "ينبغي على الأوروبيين أن يعتذروا للشعوب قبل إعطاء الدروس، العديد من المؤسسات الأوروبية تعمل في قطر وتجني أرباحا مالية".

ومضى يقول: "لنتوقف عن النفاق، لأن الاتحاد الدولي لكرة القدم حقق في مجال حقوق العمال ما لم تحققه منظمات أخرى".

وأضاف: "الشعارات والدروس الأخلاقية تنم عن النفاق، ظروف العمال في دولة قطر أفضل من ظروف المهاجرين في أوروبا".

وشدد المسؤول الدولي على أن "قطر دولة لها سيادة ولا تحتاج إلى نصائح أو تدخلات، وعلى أوروبا أن توقف الانتقاد وتركز على تحسين أوضاع المهاجرين لديها".

اللافت أن هذا المؤتمر الصحفي جاء غداة إعلان رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم "بيرند نويندورف"، في 18 نوفمبر، أن "برلين لن تدعم إعادة انتخاب إنفانتينو في 2023، رئيسا للفيفا". 

وزعم نويندورف أن سبب ذلك يرجع إلى "طريقة تعامل الفيفا مع قضايا حقوق الإنسان في قطر". 

منتخب "الشواذ" 

وفي 23 نوفمبر، وصل الأمر إلى ذروته، عندما سعى المنتخب الألماني لتمرير رسائل مغرضة خلال أولى مبارياته بالمونديال أمام اليابان.

حيث وضع لاعبو المنتخب الألماني أيديهم على أفواههم عند التقاط الصورة الجماعية قبيل انطلاق المباراة.

وزعمت وسائل إعلام ألمانية أن هذه الخطوة جاءت "اعتراضا منهم على الفيفا بشأن منعه ارتداء شارة الشذوذ الجنسي في الملاعب". 

وللمفارقة، خسر المنتخب الألماني المباراة أمام المنتخب الياباني 2-1، ما أرجعه ناشطون إلى تشتيت الحكومة الألمانية اللاعبين بمسائل خارج إطار كرة القدم.

وربط الناشطون الهزيمة الألمانية بالرسائل السياسية التي أرادت الحكومة الألمانية إيصالها عبر منتخبها، وتصدر هاشتاغ "منتخب الشواذ" معظم المنصات العربية.

وكانت قد طالبت ألمانيا بوضع شعارات لدعم الشذوذ الجنسي في مونديال قطر، فيما نقلت وسائل إعلام أنباء عن رفض الدوحة دخول طائرة للمنتخب الألماني إلى أجوائها بسبب رفعها لشعار دعم الشذوذ.

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل تحايلت وزيرة الداخلية الألمانية نفسها وتحايلت على قوانين قطر المنظمة للمونديال، وظهرت ترتدي شارة دعم الشذوذ على ذارعها بعدما خلعت معطفها بمدرجات ملعب المباراة.

وكرد على تصرف الوزيرة الاستفزازي الذي وصفه ناشطون بـ"عنجهية غربية"، وضعت الجماهير العربية التي حضرت لمتابعة المباراة في ملعب خليفة الدولي بالدوحة، الكوفية الفلسطينية على أذرعهم.

أبعاد الخلاف 

ويرى مراقبون أن التصعيد الألماني ضد قطر في كأس العالم، الذي عملت الدوحة طويلا لاستضافته والتجهيز له، يرجع لأسباب سياسية أعمق.

فمنذ مايو/ أيار 2022، تصاعدت الخلافات الألمانية القطرية بشكل واضح، بسبب تعثر محادثات اتفاقات طويلة الأجل لتوريد الغاز الطبيعي المسال من الدوحة لبرلين.

وقتها ترددت ألمانيا في قبول شروط قطر لتوقيع اتفاقات لفترات لا تقل عن 20 عاما لتأمين الأحجام الضخمة من الغاز المسال التي تحتاجها لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

وحددت قطر شروطا من بينها شرط يتعلق بالوجهة، ما يمنع برلين من إعادة شحن الغاز إلى مناطق أخرى في أوروبا، وهو شرط يعارضه الاتحاد الأوروبي وكذلك ألمانيا، التي غضبت بالفعل من هذا الشرط. 

وذكر موقع "يورو نيوز" الأوروبي في 9 مايو، أن قطر المصدر الأول للغاز المسال في العالم، تعنتت بقوة في مفاوضاتها مع الشركات الألمانية.

وكانت ألمانيا القاطرة الاقتصادية للقارة العجوز، تأمل في تخفيف التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في طموحه لتنويع مصادره بعيدا عن الغاز الروسي.

الأمر الذي تسبب في فجوة بين البلدين، رغم استمرار التعاون الاقتصادي على نطاق واسع.

خاصة وأن صندوق الثروة السيادي القطري يستثمر 20 مليار دولار في ألمانيا، إذ يمتلك حصصا في عملاق السيارات "فولكس واغن" ومصرف "دويتشه بنك". 

ومما يوضح حجم المتناقضات في الموقف الألماني ونفاقه في هذا الصدد، أن برلين لم تحرك ساكنا وانخرطت بهدوء في مسابقات رياضية سابقة داخل دول جدلية مثل الصين وروسيا قامت بانتهاكات مريعة وحقيقية لحقوق الإنسان.

مثل مشاركتها في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت بالصين في فبراير/ شباط 2022، ولم تتحدث برلين وقتها عن حقوق الإنسان والقمع المطلق من قبل الحزب الشيوعي الصيني بحق أقلية الإيغور المسلمة.

وقبل ذلك، شاركت في مونديال روسيا عام 2018، دون إحداث أي صخب كما فعلت في الدوحة، نظرا لمصالحها الاقتصادية، وانخراطها مع موسكو في عمليات شراء وبناء خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم.

براغماتية عفنة

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث السياسي الدكتور محمد العباسي، إن "ألمانيا ضربت المثال الأكبر للبراغماتية العفنة فيما يتعلق بهجومها الشرس على قطر قبل انطلاق كأس العالم 2022، تحت دعوى حقوق العمال والشواذ". 

وأضاف العباسي لـ"الاستقلال": "كانت الأوضاع في روسيا أسوأ كثيرا، وملف روسيا فيما يخص حقوق الإنسان لا يقارن بقطر ولا بكثير من الدول، ومع ذلك غض الاتحاد الأوروبي، وألمانيا نفسها الطرف عن كل هذا، من أجل المصالح المشتركة آنذاك". 

واستطرد: "هذا هو السبب نفسه الذي جعل ألمانيا تهاجم قطر، ابحث عن كلمة المصالح، فإنها أرادت توفير الغاز المسال من الدوحة، وجعل نفسها مركز انطلاق ذلك الغاز إلى أوروبا، ولما رفضت قطر، انقلبت ألمانيا، ووجدت فرصة للهجوم عليها في المحفل الدولي الكبير". 

من ناحية أخرى، يشير العباسي إلى أن "الرجل الأوروبي الأبيض يعد نفسه الآن راعي القيم الحديثة، الخاصة بالحرية المطلقة في كل شيء، وصولا إلى الشذوذ الجنسي والإباحية، ويزعم أنه على الجميع الإيمان الكامل بهذا الدين الجديد في زمن العولمة".

وعلى عكس ذلك لفت العباسي إلى أن ألمانيا من أكثر الدول المصدرة للأسلحة لحكومات وأنظمة مستبدة شاركت في قتل شعوبها وإشعال حروب بالوكالة.

وتابع: "ستجد السلاح الألماني ملوثا بالدماء من الشرق الأوسط حتى مجاهل إفريقيا، ثم يحدثونك عن حقوق وحريات مجتزأة من سياقها، والجميع يعلم أنها لتمرير مصالح خاصة وضيقة، في عمليات ابتزاز لا نظير لها". 

وشدد الباحث السياسي على أن "قطر دولة تدرك مصالحها وتحافظ على هويتها، ونظرا لطبيعة مجتمعها الصغير والمحافظ، فإن ذوبان هذا المجتمع يمثل محور خطر على الدولة ككل، لا النظام الحاكم فقط".