"سلم على من أرسلك".. ما دلالة رد أخنوش أمام انتقادات شاب مغربي؟

عالي عبداتي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وجد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، نفسه وسط عاصفة من الانتقادات الواسعة، بعد انتشار مقطع فيديو، يرد فيه على مواطن سأله عن الشغل وذكّره بوعوده الانتخابية، بالقول: "سلم على من بعثك".

ويقصد أخنوش أن المواطن المحتج مأجور من شخص أو جهة ما، وهو ما ندد به عدد كبير من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكدوا أن "أخنوش لا يؤمن بوجود أي حركة أو احتجاج أو سلوك يقوم به الإنسان دون مقابل، نظرا لأنه هو نفسه لا يتحرك إلا من أجل المال".

سليط اللسان

وكان أخنوش يرد على المواطن المحتج عقب خروجه من مجلس جماعة (بلدية) أكادير، حيث يرأس أيضا مكتبها الجماعي، بعد انتهاء الدورة الاستثنائية التي عقدت في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وذكر موقع "مغرب تايمز" المحلي، في 11 نوفمبر، أن أخنوش وجد نفسه حين خروجه من الدورة أمام عدد من المعطلين والعمال الراغبين في التحاور معه بأشكال سلمية، لكن جرى منعهم من ذلك.

وأضاف أن أخنوش بعد الانتهاء من الإدلاء بتصريحات صحفية لممثلي منابر إعلامية داخل مقر البلدية، تجاهل هؤلاء العمال، الذين كانوا يقفون وراء قضبان سور المبنى، وشرع في البحث عن مركبته قائلا: "أين سيارتي؟"

وتابع أنه أثناء ركوب السيارة أشار بأصابعه لشاب يقف على السور يذكره بوعوده ورد عليه بالقول: "سلم على من بعثك"، ما جعل مدونين ينتقدون ضعف سعة صدر رئيس الحكومة أمام المواطنين، وعدم إنصاته لمطالبهم ومشاكلهم.

انتشار مقطع أخنوش وطبيعة رده على المواطن المطالب بالشغل، جعل بعض المنابر الإعلامية تبحث عنه ليعلق على كلام رئيس الحكومة.

وفي هذا الصدد، أكد الشاب في تصريح مصور نقله موقع "الحدث 24"، في 14 نوفمبر، أن مشكلته الأساسية مع الظلم والقهر.

وأضاف مجيبا رئيس الحكومة: "الذي أرسلني هو الشعب والمعطلون والديون ومعاناة والديّ مع المرض".

واسترسل: "أرسلني المغرب العميق، وضعفاء البلد، والمهمشون والمعانون في صمت، وأرسلتني البطالة والحكرة وغلاء المعيشة، والشواهد التي حصلت عليها بعد تعب ومشقة، لكن دون جدوى".

وكشف الشاب أنه حاصل على ماجستير في اللغة الفرنسية وبصدد الحصول على دبلوم في علم الاجتماع، وتساءل عن سبب حرمانه من حقه في العمل، مشددا على أنه لا يطالب بإحسان أو صدقة، بل بالعمل بكرامة.

كما انتقد جواب أخنوش، قائلا إنه "في الماضي كان هناك مسؤولون يتواصل بشكل جيد وباحترام، حتى وإن لم يحققوا لك ما تريد، معتبرا أن إجابة أخنوش موجهة للشعب المغربي وللشرائح الفقيرة والفئات المهمشة كافة".

وخلص المواطن في تصريحه إلى أن أخنوش لا يشعر بمعاناته ومعاناة ملايين المغاربة، لأنه يعيش في رغد العيش، داعيا إياه إلى ترك القليل للمواطنين وأن يحقق لهم الحد الأدنى من العيش الكريم لا أكثر.

عناد واعتداد

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب والصحفي يونس مسكين، أن جواب أخنوش في ذلك الموقف العفوي والذي لم يسبق تحضيره أو ترتيبه كما هي عادته في التواصل، يكشف الذهنية الحقيقية التي يصدر عنها سلوكه السياسي.

وأوضح مسكين لـ"الاستقلال"، أن سلوك أخنوش قائم على العناد والاعتداد برأيه الشخصي، وعدم اعترافه بوجود المختلفين معه من منطلق فكري أو من حيث تقدير الأمور.

وتابع الكاتب الصحفي: هذه اللقطة، بالنظر إلى طابعها التلقائي، تقول أكثر مما يمكن أن تقوله اللقاءات الرسمية والحوارات الإعلامية والجلسات البرلمانية.

وأضاف: لأنها "تقدم لنا بشكل مكثف وخال من المحسنات والمساحيق التواصلية، تقابلا بين مسؤول سياسي يشغل أهم منصب في الهرم المؤسساتي الخاص بالآليات السياسية التمثيلية والانتخابية، أي منصب رئيس الحكومة الذي يفترض أنه منبثق من الحزب المتصدر للانتخابات، وبين مواطن بسيط محروم من أبسط حقوقه".

الملاحظ أن أغلب المواقع الإلكترونية الأكثر انتشارا بالمغرب غضت الطرف عن الفيديو، ولم تسلط الضوء على ما أثاره من تفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ما يؤكد تحكم أخنوش في الصحافة المغربية، وهو ما أشارت إليه "الاستقلال" في تقرير سابق.

لكن من بين المواقع التي تطرقت للحدث، الجريدة الالكترونية المحلية، و"أخبار اليوم24"، إذ وصفتا رد أخنوش على المواطن المتضرر بـ"المستفز".

وشدد الموقعان على أن أخنوش "ظهر في صورة السياسي غير القادر على التواصل مع المواطنين والإنصات إلى مشاكلهم، حيث فضل أسلوب الهروب، واعتماد عبارات لا يعقل أن تصدر من ثاني رجل في الدولة بعد الملك".

كما تم تداول مقطع أخنوش عبر صفحات إخبارية عدة، ومن ذلك صفحة "ديما مكناس"، في 14 نوفمبر، والتي كتبت في تهكم: "سلم على لي مسيفطك... هو برنامج تنموي استعجالي الهدف منه القضاء على البطالة وفتح أفاق أمام الشباب المعطل بالبلاد".

وتابعت: "أعطى انطلاقته السياسي المحنك استجابة لنداء شاب معطل، صرخ في وجهه موبخا إياه وطالبا منه الرحيل لفشله في الوفاء بوعوده الواهية".

لحظة انكشاف

فعاليات مجتمعية وثقافية وسياسية عبرت أيضا عن استهجانها لتصريح رئيس الحكومة وطبيعة رده على المواطن المحتج بأكادير.

وفي هذا السياق، انتقدت جمعية الاتحاد الوطني لحراس الأمن الخاص بالمغرب، عبر فيسبوك في 13 نوفمبر، تصريح أخنوش، وتساءلت: هل هذا يعني أن المواطنين الذين اكتووا بنار الغلاء المعيشي هم أيضا أرسلهم شخص ما؟

بدوره، قال الباحث في الشأن الثقافي هشام الأحرش، في تدوينة بتاريخ 12 نوفمبر، "أن يخاطب رئيس الحكومة أحد المحتجين عليه بالقول: سلم على هذاك لي مسيفطك؛ هو قلة أدب وقلة حياء واحتقار ليس للشخص المحتج بل لجميع المغاربة".

وأضاف أن "رئيس الحكومة الذي أتت به انتخابات مشكوك فيها؛ يعتقد أن لا أحد من المغاربة يمتلك قراره وإرادته؛ إما مواطن يشترى أيام الانتخابات، أو مواطن يُدفع له للاحتجاج".

وتابع الأحرش: "وهو منطق يسكن ويتلبس بمن يعتقد أن كل شيء يشترى بالمال؛ وهو الذي درج على شراء الأصوات والولاءات وتعليق الغرامات فوق نهود النكافات".

وقال الناشط السياسي مخاطبا رئيس الحكومة: "المواطن إذا لم يحتج على من يتصدرون للمسؤوليات العمومية، على من سيحتج؟ هل سيحتج على صندوق رعاية غابات الأمازون؟ أم على وكالة الطاقة الذرية؟ طبعا سيحتج على من يصدعون رأسه كل يوم بالخطابات".

واسترسل: "السيد رئيس الحكومة يجب أن تؤمن وتدخل إلى طنطونة رأسك أنك أنت وحكومتك بمثابة ملتقى الصدمات، الذي يجب أن يتلقاها ويحاول امتصاصها، وأما غير ذلك فهو ما لا يتمناه أي مغربي محب لوطنه وملكه".

أما المدون والناشط السياسي عمر الصنهاجي، فكتب في 13 نوفمبر، قائلا: "أين هو مليون منصب شغل التي وعدت بها؟"، الجواب: "سلم على هذاك لي سيفطك".

وتابع: "عندما نصطاد السمكة لا نعيدها إلى البحر"، في إشارة منه إلى أن أخنوش خدع المواطنين وأخذ أصواتهم دون أي عائد أو مكسب.

ويقول الكاتب الصحفي يونس مسكين لـ "الاستقلال"، إن هذا المشهد لا يعكس ضعفا في التواصل ولا خطأ سياسيا، بقدر ما هو لحظة انكشاف.

وأوضح أن هذا الانكشاف "تسبب فيها استسلام رئيس الحكومة للاستفزاز، وعجزه عن التحكم في ردة فعله، ما أوقعه في الظهور "عاريا"، ليعبر عن نظرته إلى كل سلوك مرتبط بالمشاركة المواطنة، سواء كانت عبر المعارضة أو الاحتجاج أو التعبير عن موقف مخالف".

وفي قراءته لانعكاسات المشهد، قال مسكين، إنها في تقديره لن تخرج عن تأكيد المؤكد، لأن الجميع بات اليوم متأكدا من هذه الخلفية التحقيرية للمواطن من جانب رئيس الحكومة ومن يوالونه.

وبالتالي، يردف مسكين، "أعتقد أن مثل هذا التصرف يؤدي إلى اليأس حتى من جدوى التعبير المدني عن الاختلاف أو المعارضة أو الغضب، وبالتالي، سيزيد من خنق الفضاء العمومي الذي يعاني انسداد قنوات التواصل والتعبير".