ناشطة بورمية: الوضع في ميانمار أسوأ من أوكرانيا لكن لا أحد يساعدنا

قبل انعقاد قمة رابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان" في كمبوديا 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بعثت ناشطة بورمية نداء استغاثة عاجلا ويائسا، لإنقاذ شعبها من جيش ميانمار الذي رأت "فقد عقله تماما".
وفي مقابلة مع موقع "تاركاني" الإيطالي، استنكرت الكاتبة البورمية "ما ثيدا" المقيمة في برلين، صمت المجتمع الدولي إزاء ما يحدث في بلادها.
"ما ثيدا" أكدت أن "الوضع في ميانمار أسوأ من أوكرانيا لكن لا أحد بالعالم يساعدنا".
أسوأ من أوكرانيا
وتعيش ميانمار فوضى واشتباكات مسلحة منذ فبراير/شباط 2021 على أثر انقلاب عسكري ضد حكم الزعيمة أونغ سان سو تشي، ما أسفر عن آلاف الاعتقالات وسقوط المئات من القتلى والجرحى.
وروت "ما ثيدا" من برلين الوضع في بلادها مسترجعة تاريخها الطويل كناشطة ديمقراطية والفترة التي قضتها في سجن "إنسين" سيء السمعة في عام 1993 لمدة "خمس سنوات وستة أشهر وستة أيام" ولم يُطلق سراحها إلا بعد إصابتها بسلسلة من الأمراض، بما في ذلك السل.
وولدت "ما ثيدا" في عام 1966، وفي سن مبكرة بدأت التعاون مع الزعيمة المدنية السابقة أونغ سان سو تشي، وهي كاتبة تهتم بالوضع السياسي المحلي وتدرس الطب.
قال موقع "تراكاني" الذي حاورها عن الوضع في بلادها إنها "خسرت حريتها بسبب كتاباتها ضد الجيش الذي نفذ منذ مطلع فبراير 2021 انقلابا عسكريا أغرق البلاد في حرب أهلية وأدى إلى انهيار الاقتصاد".
لذلك، أطلقت الناشطة خلال مقابلة عبر تقنية الفيديو مع الموقع الإيطالي نداء عاجلا ويائسا: "الوضع في ميانمار أسوأ من أوكرانيا لأنه لا أحد يساعدنا بشكل ملموس".
وأضافت: "يجب على المجتمع الدولي ألا يدعم فقط الحكومة الشرعية للوحدة الوطنية والمقاومة المدنية ماليا، بل يجب أن يوفر أيضا الأسلحة".
ذكرت الناشطة بأنها اضطرت إلى مغادرة البلاد بعد فترة وجيزة من الانقلاب، في أبريل/نيسان 2021، مؤكدة أنها تحاول الاحتفاظ بجنسيتها البورمية، "لكن لا يمكنني العودة بسهولة".
وقالت إن "الوضع داخل ميانمار محفوف بالمخاطر على الجميع، ليس فقط للكتاب أو النشطاء، لدي العديد من الالتزامات في الخارج، لكنني قلقة باستمرار بشأن المستقبل، لا أعلم ماذا سيحدث؟".
وعن الأخبار الواردة من هناك، قالت إن "المقاومة البورمية ليس لها دعم، لكن الوضع الاقتصادي والصحي رهيب، يقوم الجيش بتدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية".
"كما أن رواد الأعمال وعمال الطبقة الوسطى غير قادرين على تسيير أعمالهم أيضًا بسبب اللوائح الجديدة بشأن صرف العملات، والناس يتضورون جوعا، هناك الآن مليون نازح داخليا"، تضيف الناشطة.
وتابعت أن "الجيش يقصف القرى من الجو والبر، ما أسفر عن تدمير قرابة 30 ألف منزل، كما أن أولئك الذين يفرون لا يجدون الطعام والدواء ويمكن اعتقال أي شخص وتهديده وقتله دون سبب".
وأفادت الناشطة بأن الجيش دمر جميع الطرق، خاصة في وسط ميانمار، ما أدى إلى عدم وصول المساعدات إلى هذه المناطق متهمة بأنه لا يهتم بمصلحة البورميين، بل يهتم بالسلطة فقط.
ضرب من الجنون
واتفقت "ثيدا" مع الموقع الإيطالي في اعتقاد أن ما يقوم به الجيش البورمي من تدمير لجميع المرافق ضرب من الجنون بالقول: "نحن الناشطين الديمقراطيين نريد إقناع المجتمع الدولي بأن الجيش فقد عقله تماما".
وأضافت: "نوجه تساؤلا إلى عدد صغير من الجماعات العرقية المسلحة المتحالفة معه، ما عملية السلام التي تعتقدون أنكم ستحققونها دون التعاون مع الثلاثين أو نحو ذلك من الجماعات العرقية المقاومة الأخرى؟"
وعن القوى الخارجية التي تدعمه، أشارت "ثيدا" إلى أن روسيا تقدم قدرا كبيرا من المساعدة العسكرية، كما تتمتع الصين بعلاقة وثيقة جدا مع الجيش وروسيا، "لكنني أعتقد أنها تحاول التواصل مع كل أصحاب المصلحة لا فقط مع قادة الانقلاب العسكري".
وأردفت بأن هناك مشكلة أخرى، "لم تدعم الصين الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، أما الهند من ناحية أخرى فدولة ديمقراطية، لكنها قومية أكثر تحت قيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، لهذا السبب، لا تدعم المدنيين في ميانمار أيضا".
ومضت قائلة: "من ناحية أخرى، دول الاتحاد الأوروبي مشغولة للغاية بقضاياها، بينما الولايات المتحدة بعيدة عنا ولديها مصالح اقتصادية صغيرة، فنحن لسنا إستراتيجيين بالنسبة لها".
ونوهت بأنه في آسيان، "ماليزيا فقط هي التي تجري حوارا نشطا مع حكومة الوحدة الوطنية المعارضة، لقد توصلوا إلى توافق في الآراء بشأن خمس نقاط لكن الجيش لم يحترمها".
كما أجابت عن سؤال بشأن أوضاع السجناء وخاصة الظروف التي تمر بها الزعيمة أونغ سان سو تشي بأن الأوضاع في سجن إنسين سيئة للغاية.
وقالت إن "صحة الزعيمة البورمية المعتقلة هشة بالفعل ومهددة بالتدهور، ويرجع ذلك أساسا إلى مشاكل في القلب وحقيقة أنها مسنة"، معربة عن قلقها بشأنها وكذلك بشأن السجناء الآخرين ولا سيما "وأن سيادة القانون ليست مضمونة".
وتذكر بأنه لم يسمح لها بالقراءة أو الكتابة خلال الفترة التي أمضتها خلف القضبان ولم تتمكن من رؤية أفراد الأسرة إلا لمدة 15 دقيقة كل 14 يوما.
وأشارت إلى أنه "الآن ربما يمكنك القراءة والكتابة، لكن السجناء السياسيين لا يستطيعون مقابلة أي شخص أو التواصل مع العالم الخارجي".
وأضافت "بالكاد يتمكن أفراد الأسرة من تسليم الرسائل ومحاولة إحضار الطعام لأن الأكل في السجن مثير للاشمئزاز".
وقالت إن "السجون تشهد ازدحاما كبيرا بعد أن تم اعتقال أكثر من ستة عشر ألف شخص منذ الانقلاب، من بينهم أجانب، مثل صحفي ياباني وخبير اقتصادي أسترالي، لم تتحسن الأوضاع في السجون منذ أن تم حبسي هناك".
وضع مأساوي
كما حذرت "ثيدا" من أن "الوضع الصحي مأساوي في كامل أنحاء البلاد، موضحة أن ثمة محاولات لتقديم المساعدة في مناطق الصراع العنيف من خلال مرافق الطوارئ، لكن الجيش يقوم بتدميرها".
وعن دور وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الكبيرة، أكدت أنها "تحاول المساعدة لكن جهودها لا تكفي على الرغم من تجنبها انتقاد المجلس العسكري".
ووصفت بأن" أيديهم مقيدة لدرجة أن الكثير من الناس بدأوا يكرهون المؤسسات الدولية ويعتقدون أنها تقف إلى جانب الجيش لا إلى جانبهم".
وبحسب الناشطة، ما يأمله شعب ميانمار أن "تأتي قوات حفظ السلام والأمن التابعة للأمم المتحدة لترى ما يحدث، حتى لو لم يتمكنوا من محاربة الجيش، هذا هو حلمهم، لكنه لم يتحقق أبدا".
لذلك، فهم يائسون ويقولون إنهم لم يعودوا يعولون على أي شخص سوى أنفسهم، على حد تعبيرها.
وانتقدت الموقف الدولي بالقول إنه "لا يوجد بلد أجنبي يدعم الانتفاضة بالفعل، كما هو الحال في أوكرانيا" مشددة على ضرورة إرسال الأسلحة.
وعما إذا كان من الضروري فرض عقوبات على نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكدت ثيدا أنه في الوقت الحالي لا يمكن لأي رجل أعمال محلي أو مستثمر أجنبي التعامل مع الجيش.
وجزمت: "يكاد يكون من المستحيل الاستمرار في عقد صفقات بدون البنية التحتية والكهرباء وتواصل الإنترنت وضمانات الخصوصية، يتحكم الجيش في كل شيء ويمكنه إيقاف كل شيء".
وعن روايتها بشأن ما تتعرض له أقلية الروهنغيا المسلمة من إبادة جماعية، ادعت أن تلك إستراتيجية انتهجها الجيش ونجح فيها بهدف الإطاحة بالزعيمة والانتقال الديمقراطي.
وقالت إن الانتخابات أجريت في أبريل/ نيسان 2012 ودخلت الزعيمة السابقة البرلمان، في حين بدأ تصعيد الاضطهاد ضد الروهنغيا في مايو/ أيار أي بعد أسابيع قليلة.
وقالت إن الجيش استخدم (في دولة ذات أغلبية بوذية، ولكن يسكنها أكثر من مائة مجموعة عرقية) دائما القومية والعنصرية للحفاظ على السلطة ودائما ما اتهم أونغ سان سو تشي بدعم المسلمين.
واستنكرت الناشطة أن "وسائل الإعلام الدولية صورت الصراع في منطقة راخين على أنه ديني، بينما كان في الواقع ولا يزال سياسيا، لأن الانقسام الحقيقي ليس بين المسلمين والبوذيين".
ويتعرض المسلمون الروهنغيا في إقليم أراكان غربي ميانمار، منذ أغسطس/ آب 2017، إلى حملة عسكرية ومجازر وحشية من قبل الجيش ومليشيات بوذية.
وتعد ميانمار الروهنغيا "مهاجرين غير نظاميين" من بنغلاديش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم".