نحو الحرب.. ماذا وراء انزعاج اليونان من اتفاقية التنقيب بين تركيا وليبيا؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت حدة التوترات شرق البحر المتوسط ​​إلى "مستويات عالية من جديد"، بعد أن وقعت تركيا في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022 مع الحكومة الليبية بطرابلس "اتفاقا مبدئيا" يسمح بالتنقيب عن النفط والغاز في منطقة بحرية متنازع عليها.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن دبلوماسي مسؤول، لم يكشف عن اسمه أو جنسيته، قوله إن ما يحدث تصعيد بكل تأكيد".

وحذر الدبلوماسي أنه "إذا حاولت تركيا إرسال سفن تنقيب إلى الجنوب من جزيرة كريت، فإن ذلك سيكون خطيرا للغاية على المنطقة واستقرارها".

جهود ضخمة

وأشار الموقع إلى أن الاتفاق الأخير هو أحد بنود مذكرة التفاهم التي وقعها وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، ونظيرته الليبية، نجلاء المنقوش.

وعد أن "مذكرة التفاهم تلك، التي ركزت على الجانب الاقتصادي، جاءت كتتويج لجهود ضخمة بذلتها أنقرة على مدار سنوات لترسيخ وجودها في شرق المتوسط".

وكانت تركيا قد أبرمت اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني بطرابلس عام 2019.

لكن حذر محللون ودبلوماسيون من أن الاتفاق الجديد، الموقع بعد نحو عامين من الاتفاق الأول، قد يكون "بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة بالفعل شرقي المتوسط"، وفق "ميدل إيست آي".

وتحدث رئيس "برنامج تركيا في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية"، يوانيس غريغورياديس، للموقع البريطاني، قائلا: "يمكن أن يكون  اتفاق عام 2019 بداية التوترات في شرق المتوسط".

في المقابل، ردت اليونان بعد تسعة أشهر على الاتفاق التركي-الليبي باتفاق مثيل مع مصر، لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.

ولفت الموقع إلى أنه "في عام 2019 دعمت تركيا عسكريا حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، لصد هجوم الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، الذي كان مدعوما من روسيا والإمارات ومصر، الأمر الذي ساهم في كسر عزلة تركيا شرقي المتوسط".

لكن أفاد محللون بأنه "رغم دعم أنقرة المستمر لحكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليا، فإن تركيا لم تحصل مكاسب ملموسة من هذا الدعم حتى الآن، حيث إن سلسلة مشاريع البنية التحتية التي وعد بها الدبيبة خلال زيارة رفيعة المستوى لأنقرة في 2021 لم تتحقق بعد".

ونقل الموقع عن الباحث المتخصص في الشأن الليبي، جليل حرشاوي، قوله: "لطالما أرادت تركيا الذهاب إلى ليبيا بنية الحصول على عقود بمليارات الدولارات، لكنها ليست سعيدة خاصة فيما حققه الدبيبة لها على المستوى الاقتصادي خلال 18 شهرا في السلطة".

لكن في الوقت نفسه، يرى دبلوماسيون أن "تركيا أكدت تمسكها بالدبيبة عندما قدمت دعما حاسما له في أغسطس/آب 2022، أثناء محاولة رئيس الوزراء المعين من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، دخول طرابلس بالقوة".

كما عارض البرلمان الليبي، الذي يتخذ من طبرق، المدينة الواقعة تحت سيطرة حفتر مقرا له، الاتفاق التركي-الليبي عام 2019، فإن رئيسه عقيلة صالح عد مذكرة التفاهم الموقعة مؤخرا بين الطرفين "غير قانونية".

ويعتقد حرشاوي أنه "مع تعثر إجراء انتخابات عامة في ليبيا، فإن تركيا فضلت المضي قدما في هدفها المتمثل في تنفيذ الاتفاق البحري لعام 2019".

وعد  أن زيارة الوفد التركي الأخيرة إلى طرابلس "لم تكن زيارة ودية، إذ على الدبيبة أن يظهر دعمه لتركيا وأن يعطيها ما تطلبه"، وفق زعمه.

عواقب التصعيد

وأشار الموقع إلى أن "توقيع مذكرة التفاهم بين أنقرة وطرابلس جاء بعد أقل من 24 ساعة من قيام مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بزيارة غير معلنة مسبقا إلى مدينة إسطنبول".

والتقى المسؤول الأميركي، مع متحدث الرئاسة التركية وكبير مستشاري أردوغان، إبراهيم قالن، وأكد الطرفان على "أهمية الحوار والدبلوماسية" لحل القضايا في شرق المتوسط.

ورغم معرفة تركيا أن مذكرة التفاهم هذه ستزعج اليونان، تحركت أنقرة مباشرة ووقعت عليها "ما يعني عدم وجود قلق تركي بشأن عواقب تصعيد التوترات مع اليونان"، وفق رئيس "برنامج تركيا في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية"، غريغورياديس.

فيما أكد الموقع أن "قليلين هم من يتوقعون تحسن العلاقات بين تركيا واليونان على المدى القصير"، إذ من المقرر أن تجري انتخابات في كلتا الدولتين عام 2023، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم التوترات.

وشدد على أن "تركيا تعد الطرح اليوناني للجرف القاري لها ظلم بين، لأن أثينا تريد أن تحصر تركيا في شواطئها، مع أنها الدولة صاحبة الساحل الأكبر على المتوسط".

بدوره، أفاد مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، سونر چاغاپتاي، بأن "الاتفاق الأخير جزء من سياسة تركيا الأوسع في الشرق الأوسط".

وذكر چاغاپتاي أن "أنقرة تشعر بأنها محاصرة من قبل الخصمين التقليديين اليونان وقبرص، المتحالفين مع إسرائيل ومصر"، مضيفا أن "هدف تركيا هو أن تنهي هذه الدول استبعادها لها في ترتيباتهم شرقي المتوسط".

من جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي موقفا مماثلا لما أعلنه بخصوص اتفاق 2019، قائلا إن "مذكرة التفاهم تنتهك الحقوق السيادية لدول أخرى، ولا تمتثل لقانون البحار، ولا يمكن أن تترتب عليها أي عواقب قانونية على الدول الأخرى".

من جهته، رد وزير الخارجية التركي، تشاووش أوغلو على البيان الأوروبي بالقول: "لا يهم ما يفكرون به، لا يحق لدول أخرى التدخل في الاتفاقية الموقعة بين بلدين ذوي سيادة".

حرب فعلية

كما أشار الموقع إلى "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي أنشأته مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن، عام 2020، لتطوير المشاريع المتعلقة بالطاقة، ومراقبة السياسة الخارجية القوية لتركيا.

ومؤخرا، ظهرت هذه العلاقات الوثيقة بوضوح عندما اتصل وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، بنظيره من النظام المصري، سامح شكري، للتشاور بشأن الاتفاق الليبي التركي.

وادعى النظام المصري أن الحكومة الليبية "لا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم".

وفي السياق ذاته، كتب ديندياس على "تويتر" عن مكالمته الهاتفية مع شكري، أن الجانبين طعنا في "شرعية توقيع الحكومة الليبية مذكرة التفاهم المذكورة".

وفي حين لم يتم الإعلان عن تفاصيل مذكرة التفاهم، قال دبلوماسيون ومحللون لموقع "ميدل إيست آي" إن المرحلة التالية "ستكون معرفة ما إذا كانت تركيا ستبدأ بالاستكشاف والتنقيب في المناطق المتنازع عليها مع اليونان جنوبي جزيرة كريت أم لا".

وأضاف الموقع البريطاني أن أنباء توقيع الاتفاق الأخير دفعت البعض في أثينا بالفعل للدعوة إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد تركيا.

وادعى مدير الدراسات في معهد تحليل الأمن والدفاع في أثينا، زكريا ميتشاس، أن "ميل اليونان إلى الحلول السلمية أدى إلى ظهورها وكأنها غير مستعدة للحرب، ما عرض مصداقيتها في الردع ضد تركيا للتآكل".

وأضاف ميتشاس أنه "من المرجح أن تدفع مذكرة التفاهم التركية-الليبية الأخيرة أثينا وأنقرة بخطوة إضافية نحو الحرب، التي كاد الطرفان أن يصلا إليها في 2019 عندما تصادمت سفنهما الحربية".

وأشار إلى "حادثة تاريخية كانت على وشك أن تتسبب في حرب شاملة بين عضوي الناتو، وذلك في 1996، لكن تدخلا رفيع المستوى من الولايات المتحدة نزع فتيل الأزمة".

واستطرد ميتشاس حديثه بتأكيد اعتقاده أن "اليونان وتركيا على طريق الصراع".

وشدد على أن "سيناريو نشوب حرب فعلية هو السبيل الوحيد لدفع الولايات المتحدة للقيام بتدخل حاسم إذا كانت تريد حقا تجنب هذا السيناريو".