بأكثر من مليار دولار.. هكذا توظف إسرائيل خدمات جوجل لقمع الفلسطينيين

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد حملة اضطهاد وتضييق عليها، بدأت في مارس/آذار 2022، قدمت موظفة في شركة جوجل استقالتها احتجاجا على توقيع الأخيرة عقدا مع الجيش الإسرائيلي.

مديرة التسويق لمنتجات جوجل التعليمية "أرييل كورين" قالت إن الشركة تتعامل مع الموظفين الفلسطينيين والمسلمين وحتى اليهود غير الصهاينة بطريقة عدائية لنقدهم إسرائيل.

لذا قدمت استقالتها لأنهم يحاولون الانتقام منها، بحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 30 أغسطس/آب 2022.

سياسة انتقامية

كتبت كورين على تويتر: "سأغادر جوجل بسبب سياسة الانتقام والعداء ضد الموظفين الذين يتحدثون وينتقدون".

وأشارت إلى أن الشركة نقلتها من الولايات المتحدة إلى البرازيل عقابا لها لمعارضتها عقودا مع إسرائيل بغرض استخدام الذكاء الصناعي لمراقبة الفلسطينيين.

وأكدت في رسالة تفصيلية نشرتها عبر موقع "ميديم" 30 أغسطس 2022، وحجب جوجل الوصول إليها، أنها لاحظت خلال عملها عملية إسكات منهجية للأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية، "تصل إلى حد الانتقام"، وفق تعبيرها. 

أوضحت أن قمع هذه الأصوات المعارضة داخل الشركة سببه رفضهم تواطؤها في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطينية، مقابل حماية مصالحها التجارية مع الجيش والحكومة الإسرائيليين.

قالت: "يجري إسكات زملائنا الفلسطينيين في العمل بجميع أنحاء الشركة، ويتلقى الموظفون الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية تحذيرات من قسم الموارد البشرية، ومضايقات، وتخفيضات في الأجور، وتقارير أداء سلبية".

تابعت: "بدلا من الاستماع إلى الموظفين الذين يريدون أن تلتزم جوجل بمبادئها الأخلاقية، تسعى الشركة بقوة وراء العقود العسكرية، وتقمع أصوات موظفيها وتسعى لإسكاتهم والانتقام منهم".

المفارقة أن أرييل كورين يهودية، لكنها تعادي الصهيونية، واتهمت جوجل بالسعي باستمرار لإسكات اليهود المناهضين للاحتلال.

وتدير مع زميل لها يهودي أيضا هو "أبرييل شوبينر" الحملة ضد عقد مشروع "نيمبوس"، الذي وقعته جوجل مع الجيش الإسرائيلي في يوليو/تموز 2021 ويستمر حتى 2028.

وتضامن مع اليهوديين المعارضين للمشروع مئات الموظفين في جوجل وقعوا على عريضة تنتقد معاداة الشركة لعاملين داخلها بسبب آرائهم المناصرة لفلسطين.

ووقعوا على عريضة تطالب جوجل بإلغاء قرارها الانتقامي ضدها بسبب احتجاجها على مشروع التعاون مع جيش إسرائيل.

ولهؤلاء مجموعة فرعية منذ عام 2020، تسمى "الشتات اليهودي في التكنولوجيا" تضم قرابة 500 عضو، وأصبحت مركزا للحشد المناهض لمشروع "نيمبوس" الإسرائيلي مع جوجل.

ونشر عدد من موظفي جوجل "فلسطينيون ومسلمون ويهود وعرب" فيديو دون الكشف عن هويتهم، خوفا من الانتقام، يشرحون فيه ما يجري ضدهم، وقرأ متطوعون قصصهم بصوت عال.

أساليب العقاب

في رسالتها، كشفت "كورين" تفاصيل عن تحركات بشركة جوجل ضد الفلسطينيين ومن يدعمونهم من الموظفين، بدعاوى "معاداة السامية"، بخلاف بيع برامج مراقبة للجيش الاسرائيلي تستخدم ضد الفلسطينيين.

وبينت أن هناك موقع ويب خاص باليهود على جوجل يسمى "جوجلريز" Jewglers، وهي مجموعة داخلية تهدف إلى دعم "جميع اليهود داخل الشركة".

في المقابل تحاول المجموعة الأخرى المسماة "تضامن الشتات اليهودي"، تحدي النفوذ الإسرائيلي في جوجل.

وتقول هذه المجموعة "نعترض على الخلط بين إسرائيل والشعب اليهودي، ونؤكد أن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية".

وقد حرض يهود عبر منصة Jewglers ضد الموظفين المؤيدين لفلسطين سواء أكانوا يهودا أو فلسطينيين أو مسلمين وغيرهم.

وسبق أن تحدث "لويس كين" في موقع "فورورد" اليهودي 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن هذا الصدام الذي يحدث بين موظفي جوجل اليهود، الذين يؤيد بعضهم نفوذ إسرائيل، بينما يعارضه آخرون.

أشار إلى دور مجموعة "تضامن الشتات اليهودي" في إبراز الجرائم الإسرائيلية خلال عدوان مايو/أيار 2021 على غزة، عبر مطالبة إدارة جوجل، في رسالة، بأن يعرضوا معاناة الفلسطينيين خلال الحرب ويفضحوا جرائم الاحتلال.

وتقول "كورين"، في رسالتها، كمثال على اضطهاد "جوجل" للموظفين المتعاطفين مع فلسطين: "عندما أرسل موظف يهودي معاد لإسرائيل بريدا إلكترونيا لإدارة الشركة يطالبهم بإبراز جرائم حرب إسرائيل، أحالوه للتأديب".

قالت إن حالات كثيرة من الموظفين ممن تعاطفوا مع حقوق الإنسان الفلسطيني أحيلوا للجان تأديب وظيفية، برغم أن مجموعة Jewglers عندما تطالب إدارة جوجل بالتعبير عن تضامنها مع إسرائيل، يستجيبون لها.

ذكرت أنه في 28 يونيو/حزيران 2021، أرسلنا (مجموعة من 28 موظفا يهوديا ضد إسرائيل) رسالة إلى مديري جوجل نعترض على تعاملهم مع Jewglers كونها  الممثل الوحيد للرأي اليهودي"، فوجئنا بإحالتنا للتحقيق.

وأردفت: أرسلنا رسالة موقعا عليها من 627 من موظفي جوجل نطالب بحرية التعبير عن رأينا في دعم الفلسطينيين عبر الشركة وننتقد جرائم إسرائيل، فلم يرد علينا أحد.

أوضحت أن الأمر وصل إلى حد إرسال أعضاء مجموعة Jewglers الإسرائيلية التي يحتضنها جوجل، رسائل عدوانية إلى ألفي موظف مسلم يتنمرون عليهم فيها.

كما وصلتها (كورين) هي وموظف يهودي آخر تهديدات بالقتل عبر البريد الإلكتروني لأنهما يعاديان الصهيونية، وحين اشتكت لقسم شؤون الموظفين بجوجل لم يهتم ولم يحقق في الأمر.

وقال لهم مديرو المجموعة إن "النقاش السياسي حول دولة إسرائيل ينتهك سياسة جوجل"، ومسموح فقط بالرسائل السياسية الإيجابية عنها.

مشروع "نيمبوس"

عام 2021، أعلنت شركتا جوجل وأمازون عن مشروع يسمى "نيمبوس" Nimbus بقيمة مليار ومئتي مليون دولار أميركي لتوفير خدمات إلكترونية لإسرائيل، ودخل العقد حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2021 ويستمر لمدة سبع سنوات.

واجه المشروع معارضة من موظفي الشركتين، وعبروا عنه برسالة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية آنذاك في مارس 2021 تؤكد أنه سيستخدم لقمع الفلسطينيين.

وتسمح هذه التكنولوجيا الأميركية بمراقبة قوية من الحكومة الإسرائيلية وجيشها للفلسطينيين، وجمع البيانات عنهم بشكل غير قانوني، وتسهل توسيع المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، بحسب صحيفة هآرتس 21 أبريل/نيسان 2021.

حين بدأت الاحتجاج على عقد تعاون جوجل مع الجيش الإسرائيلي في مشروع "نيمبوس" قالت "كورين" لصحيفة لوس أنجلوس تايمز 15 مارس 2022 إنها قلقة أن تساعد تلك التكنولوجيا الاحتلال بإلحاق الأذى بالفلسطينيين. 

وقالت كورين إنها أمضت أكثر من عام في تنظيم الصفوف ضد مشروع نيمبوس، عبر رفع التماسات والتواصل مع مؤسسات إخبارية ومجموعات للضغط على المسؤولين التنفيذيين لحمل الشركة على إعادة النظر في الصفقة.

وقد أكد العاملون في جوجل وأمازون أن التكنولوجيا التي تعاقدت الشركات لتوفيرها لإسرائيل ستجعل التمييز المنهجي والتهجير الذي يرتكبه الجيش الإسرائيلي أكثر قسوة للفلسطينيين، وفق ما قالت صحيفة نيويورك تايمز في 30 أغسطس 2022.

ودعا العاملون للانسحاب من مشروع نيمبوس الإسرائيلي، وقطع جميع العلاقات مع الجيش، مؤكدين على التزامهم أخلاقيا بالتحدث علنا ضد انتهاكات لقيم العمل.

ووقع أكثر من 90 عاملا في جوجل وأكثر من 300 موظف في أمازون على هذه الرسالة داخليا، وقالوا إنهم لم يكشفوا عن هويتهم "خوفا من الانتقام".

وقالوا في رسالة إن "تعامل جوجل وأمازون مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي سيسهل على الحكومة الإسرائيلية وجيشها مراقبة الفلسطينيين وإجبارهم على الخروج من أراضيهم".

لم تذكر جوجل ولا إسرائيل تفصيل العقد، لكن الشركة عرضت فيديو لتدريب مستخدمي هذا المشروع تضمن برنامجا يمكنه التعرف على الأشخاص وقياس تعبيرات الوجه وتتبع الأشياء.

وهو ما يعني مساعدة الاحتلال على التعرف على من يلقون الحجارة أو يطلقون النار على المستوطنين والجنود ويسهل اعتقالهم من منازلهم.

وذكر موقع انترسبت الأميركي في 24 يوليو/تموز 2022 تفاصيل عن المشروع تؤكد ذلك، لكنه نقل عن متحدثة باسم الشركة أنها "لا تبيع تقنية التعرف على الوجه للأغراض العامة"، وهو تصريح مبهم لا ينفي بيع التقنية لإسرائيل.

ونقل عن أحد الموظفين أن "مشروع نيمبوس يجعلني أشعر وكأنني أكسب عيشي من اضطهاد عائلتي".

وذكرت وزارة المالية الإسرائيلية أن المشروع يزيد من كفاءة الجيش الإسرائيلي في تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل تلك المستخدمة في قمع الناشطين الفلسطينيين، ومراقبة حدود غزة وتشغيل منظومة "القبة الحديدية".

وبحسب ما قالت صحيفة "الغارديان" في 12 أكتوبر 2021، وقع العقد في نفس الأسبوع الذي هاجمت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة خلال مايو 2021، وقتلت 250 فلسطينيا من بينهم أكثر من 60 طفلا.

في خدمة إسرائيل

في حديثها الأخير، كشفت كورين أنه في 22 يونيو 2020، بعد شهر من قتل الشرطة الأميركية للمواطن من أصل إفريقي جورج فلويد، وما أثاره ذلك من غضب شعبي، تبرعت جوجل لحركة "بلاك لايفز" الداعمة لحقوق السود.

لكن مجموعة Jewglers الداعمة لإسرائيل احتجت وطالبت جوجل بالاعتذار، وهو ما حدث بالفعل، بدعوى أن هذه "المجموعات السوداء" تدعم أيضا وجهات نظر الجماعات الفلسطينية في أميركا.

ختمت بالقول: "حاول عدد لا يحصى من الموظفين التحدث عن الانتهاكات التي تعرض لها الفلسطينيون وجرى قمعهم، لكن عندما تظهر عقود عسكرية مبهمة مع إسرائيل، مثل مشروع نيمبوس، هنا شعرت أنني أعمل لصالح الرجل السيئ".

ويجري تمويل مجموعة Jewglers اليهودية رسميا من قبل شركة جوجل وتمنحهم منصة رسمية للتعبير عن اليهود الداعمين للاحتلال الإسرائيلي.

وتحدث بعض الموظفين في جوجل عن معاقبتهم بعد أن اتهمهم زملاء العمل بمعاداة السامية بسبب إعلانهم عن دعم فلسطين، ووصفوهم بأنهم "فلسطينيون أميركيون"، بحسب ما نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني في 30 أغسطس 2022.

وهذه ليست المرة الأولى التي تسخر فيها إسرائيل محركات بحث كبرى ومواقع تواصل لخدمتها.

إذ يلعب فيس بوك وصاحبه مارك زوكربيرج دورا في حذف والتضييق على أي محتوى عن فعاليات فلسطينية تدعم المقاومة ضد الاحتلال.

وخلال العدوان الإسرائيلي على القدس وغزة في مايو 2021، كشفت وثائق داخلية مسربة من "فيسبوك"، أن الشركة قيدت حسابات ناشطين فلسطينيين بموجب قرارات لتعديل المحتوى لطمس الرواية الفلسطينية ودعم الاحتلال.

ودفع غلق عشرات الحسابات الفلسطينية وحذف المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية بحجة أنه "صادم ضار بالجمهور"، الفلسطينيين للتقدم بشكوى رسمية ضد شركة فيسبوك.

قالوا في شكواهم إن "إدارة فيسبوك تشارك في سياسة التعتيم على معاناة الشعب الفلسطيني تحت حجة، مواد مؤذية، وتخفي ما يجري في المسجد الأقصى ضد المسلمين ومن جرائم حرب في غزة وغيرها".

ونشرت 17 مؤسسة إعلامية أميركية سلسلة من التقارير تحت اسم "أوراق فيسبوك" (Facebook Papers)، تضم مئات الوثائق المسربة حول تحريض الموقع المجموعات المتطرفة ضد الفلسطينيين والمسلمين.

وبعد شكاوى قدمت ضد فيسبوك، أظهرت تحقيقات إدارة الموقع اعتراف مسؤولين بمشاركتهم في تأجيج العنف والكراهية ضد مسلمي الهند والفلسطينيين، وغيرهم، وفق ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" 23 أكتوبر 2021.

وبحسب ما نشرت مجلة "تايم" الأميركية في ذات الشهر، أزال إنستغرام المملوك لفيسبوك المنشورات التي تشير إلى المسجد الأقصى والوسوم التي ذكرته خلال الحرب على غزة في مايو 2021.

زعم مسؤولو فريق "فيسبوك" أنه حدث تصنيف غير دقيق لبعض الكلمات التي يشيع استخدامها من قبل الفلسطينيين، بما في ذلك "الشهيد" و"المقاومة"، على أنها تحريض على العنف.