تنظيم الطائفة اليهودية بالمغرب.. محاولة لتعميق الولاء إلى الرباط أم تل أبيب؟

لأجل "تدبير شؤون الطائفة اليهودية المغربية، والاعتناء بتراثها اللامادي بصفته مكونا لثقافة المغرب، وتعزيز ارتباط اليهود المغاربة المقيمين في الخارج ببلدهم الأصلي"، أقر العاهل المغربي الملك محمد السادس تشكيل هيئات تنظيمية للطائفة.
في 13 يوليو/تموز 2022، قال القصر الملكي المغربي، إنه في ختام أعمال مجلس الوزراء الذي انعقد استثنائيا برئاسة الملك في قصره بالرباط، عرض وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت "التدابير التي جرى إعدادها تنفيذا للتعليمات الملكية السامية بشأن تنظيم الطائفة اليهودية المغربية".
وأضاف في بيان أن "هذه التدابير تستمد روحها من الأمانة العظمى، التي يتولاها جلالة الملك، أمير المؤمنين، الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وتكريس للرافد العبري كمكون للثقافة المغربية الغنية بتعدد روافدها".
وتابع البيان أن المنظومة التي أعدت بعد مشاورات موسعة مع ممثلي الطائفة اليهودية وشخصيات منتسبة لها، تشمل ثلاث مؤسسات.
الأولى هي المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية الذي يتولى تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة، وستنبثق عنه لجان جهوية لتدبير القضايا والشؤون اليومية لأفراد الطائفة.
أما المؤسسة الثانية فهي لجنة اليهود المغاربة بالخارج التي تعمل على تقوية أواصر ارتباط تلك الفئة ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة.
فيما تتمثل الثالثة في مؤسسة الديانة اليهودية المغربية والتي تسهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته.
واقع جديد
قرار المغرب اعتماد مجالس معنية بتدبير شؤون الطائفة اليهودية داخل البلاد وخارجها، يطرح تساؤلات عن السبب وراء نفض المغرب الغبار عن المؤسسات اليهودية؟
وما علاقة هذه الخطوة بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل الذي جرى في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020؟ وهل هناك تخوفات للرباط من اختراق الصهيونية للطائفة المغربية ومن تحولها إلى جالية إسرائيلية بالمملكة؟
صحيفة "جون أفريك" الفرنسية عدت أن السبب وراء إعادة تنظيم المؤسسات اليهودية بالمغرب هو قدم التشريعات السارية إضافة للواقع الدبلوماسي الجديد.
وفي 3 أغسطس/آب 2022، قالت "جون أفريك" الفرنسية في تقرير لها، إن "هذا التطور كان متوقعا لأن قانون 7 مايو/أيار 1945، المتعلق بإعادة تنظيم لجان الجالية الإسرائيلية بدا وكأنه قد عفا عليه الزمان".
وأوضحت أن ذلك القانون سن خلال فترة كان يعيش فيها حوالي 200 ألف يهودي في المغرب في حين يوجد اليوم ما يقرب من 3000.
وكان هذا العدد يفوق ربع مليون يهودي حتى نهاية أربعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك بدأت تلك العائلات بالهجرة إما صوب فلسطين المحتلة التي تضم اليوم نحو مليون يهودي مغربي، أو إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
مريم خروز، رئيسة جمعية أصدقاء الجالية اليهودية المغربية، عدت في تصريح للمجلة بأنه صار من الضروري اليوم إنشاء "مؤسسات جديدة تتكيف مع الواقع الجديد".
بدوره، أوضح القاضي أندريه كوميل نائب رئيس جمعية الذاكرة اليهودية المغربية أن تنظيم تلك الجالية في البلاد سيخضع من الآن فصاعدا لمؤسسات مغربية على المستوى الوطني، ولكل منها مجال اختصاص محدد.
وأشار إلى أن "الوجود غير المؤسسي لجالية يهودية كبيرة قد يؤدي أحيانا إلى ظهور مبادرات غير مناسبة في كل من الأراضي الوطنية وفي الخارج".
وفي تعليقه على إعادة تنظيم الطائفة اليهودية، أكد عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أن من واجب الدولة أن تنظم أي فئة في المجتمع أو طائفة أو منطقة جغرافية مركزية أو محلية، مبينا أن "هذا أمر يدخل في صميم اختصاصات الدولة وصلاحياتها".
وأضاف هناوي، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه من الطبيعي تنظيم هذه الطائفة سواء كما كانت عليه سابقا أو بالشكل التي جاءت به الدولة سواء في الخطابات الرسمية أو في بعض البلاغات والتقارير الإعلامية.
من جهته، قال رشيد دوناس، الباحث في التاريخ المعاصر والحاصل على شهادة الدكتوراه في موضوع ذي صلة بتاريخ المغاربة اليهود، إن خطوة الدولة تأتي من منطلق تعزيز المكون العبري المغربي، كونه جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمملكة، ومن نسيجه الاجتماعي العريض متعدد الثقافات.
وأوضح دوناس، في تصريح لموقع محلي، أنها "قرارات جريئة ستسمح للمغاربة بشكل عام، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، بالتعاطي مع جزء غني من ذاكرتهم الجماعية في إطار الخصوصية المغربية".
وتابع أن هذه القرارات تأتي لـ"استدراك ما فات، وفي الوقت نفسه من شأنها أن توفر شروطا مؤسساتية مساعدة في تأطير أنشطة وفعاليات ثقافية وعلمية وفنية، من شأنها أن تمكن المغرب من أن يصير قوة ناعمة، وفضاء مثاليا لاحتضان مشاريع حوار وتثاقف بين الخلفيات الثقافية والعرقية والدينية المختلفة".
المفكر المغربي عبد الصمد بلكبير، وفي تفسيره لخلفيات إعادة تنظيم الطائفة اليهودية، عد أن العالم يعاني، كما كان دائما، من فشله في ضبط "إسرائيل" التي لا تحترم الاتفاقيات وقرارات الأمم المتحدة، مضيفا أن "تل أبيب تدفع بالعالم نحو حرب كونية".
وأوضح بلكبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هناك قرائن متعددة تؤكد بأنه لا مستقبل لإسرائيل"، مبينا أن "الغرب الرأسمالي طرد اليهود كأزمة من الغرب ووظفهم لخدمة إستراتيجيته في المنطقة العربية، وهم بدورهم خدموا أغراضهم الخاصة وأهداف الغرب".
وأضاف أنه "يظهر الآن أن الوظيفة الأصلية الأولى لإسرائيل فشلت وانتهت، إذ إن ما تصرفه الولايات المتحدة عليها سنويا (3 مليارات دولار) أصبح مكلفا، وهو أقل مما تصرفه واشنطن على حاملات الطائرات".
زوال أم صهينة؟
ويرى بلكبير، أن "كل المعطيات تؤكد أن هذا الكيان إلى زوال، وبالتالي فهم يبحثون له عن حلول"، مبينا أن "من بين أهم الحلول اليوم هو المغرب".
وأردف أن "اليهود المغاربة بإسرائيل يشكلون حوالي مليون، كما أن الشروط المغربية ملائمة جدا ليس فقط بالنسبة لهم ولكن أيضا بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية".
وأشار إلى أن هناك قرارا لمؤتمر القمة العربية في الخرطوم يتحدث عن أن العرب التزموا بأن تفتح أبواب عودة اليهود الذين هاجروا أو هجروا من الأقطار العربية إلى فلسطين المحتلة.
ويرى بلكبير، أنه إلى جانب التزام المغرب بهذا الأمر فإنه يفتح الباب أمام مليون يهودي آخر إضافة إلى حوالي مليون من أصل مغربي بفلسطين المحتلة.
وقال المفكر المغربي، إن "هذه صفقة ولكن ليس بالمعنى السلبي"، مسجلا أن "استرجاع الصحراء (الغربية) مرهون ببعض التنازلات ممكن أن تكون مؤقتة ولكن نسترجع وحدتنا".
وبين بلكبير، أن "الذي يجري اليوم ليس لإقناع المغاربة بعودة اليهود، بل لإقناعهم بالخروج من فلسطين المحتلة".
وأضاف أن "هناك محاولات لإقناع اليهود بالعودة إلى أوطانهم التي هاجروا أو هجروا منها عبر حملة دعائية لاستجلابهم ولتوفير أقصى ما يمكن من الضمانات كي يعودوا لأوطانهم الأصلية".
بدوره، يرى الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي، أن المثير في إعادة تنظيم الطائفة اليهودية هو السياق غير العادي الذي يجري فيه هذا الأمر.
وأضاف أن "فصل هذا القرار العمومي بتنظيم الطائفة عن السياق السياسي في 20 شهرا الماضية هو فصل قسري وجائر".
وأردف: "تخوفنا كمجتمع مدني وكمغاربة أن يجري ربط الطائفة اليهودية عموما بالمنظومة الصهيونية الأميركية فيما بعد اتفاق الشؤم التطبيعي".
وجرى تطبيع العلاقات بشكل رسمي بعد توقيع "الإعلان الثلاثي المشترك" بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، في 22 ديسمبر 2020 بالعاصمة الرباط.
وعبر هناوي عن تخوفه من "ربط تنظيم الطائفة اليهودية، خصوصا بعد الربط العام، تنظيميا بإدخال المكون اليهودي المغربي في إسرائيل داخل هذه المنظومة". وأردف أن "هذا يسمى مغربة مكون صهيوني وليس مكونا يهوديا".
وتابع أنه "يجري مغربة وموطنة ودسترة وترسيم حضور مؤسساتي لمكون إسرائيلي داخل المغرب، وهذا نستشفه من كل ما جرى بعد توقيع اتفاق الشؤم التطبيعي".
ويرى هناوي، أنه "عوضا عن استرجاع المكون اليهودي المغربي من حضن الكيان الصهيوني عبر إرجاعهم نهائيا إلى البلاد وفق منهجية تضمن فك ارتباطهم عنه، فإنه يجري بشكل متسارع وممنهج مغربة الصهاينة من أصل مغربي في فلسطين المحتلة مقابل عملية أسرلة للمقيمين في المملكة منهم".
وتابع أنه "بدلا من مغادرتهم أرض الاحتلال وتسوية الأمر قانونيا في إطار مغادرة أرض فلسطين ووقف الاحتلال في شقه المغربي، يجري إطلاق أجندة لأسرلة وصهينة حوالي 3000 يهودي مغربي".
وكشف أن "هذه الأجندة تجري عبر تكثيف ملحوظ ومتكرر لزيارات القادة الصهاينة للمعابد اليهودية بالمغرب، وعبر تسلم الطائفة اليهودية لدرع الجيش الصهيوني من يد رئيس الأركان في الجيش كوخافي أفيف في قلب المعبد اليهودي بمدينة مراكش".
وأيضا عبر الدعاء لوزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس في قلب المعبد اليهودي بالرباط "لينصر الرب جيش صهيون على أعدائه بالمنطقة العربية".
وخلص إلى أنه "تجري قرصنة اليهود المغاربة للمرة الثانية، فالمرة الأولى تاريخيا جرت في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات عبر التهجير".
وشدد هناوي على أن "عملية القرصنة تجري اليوم عبر العودة لصهينة ما تبقى منهم كي يصبحوا جالية إسرائيلية في المغرب، وليس يهودا مغاربة مقيمين بالمملكة، قائلا: "نحن إزاء اختراق كبير خطير له ما بعده".