كاظم الحائري.. مرجع عراقي مصاب بالزهايمر استغلته إيران لضرب الصدر

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بإعلان رجل الدين الشيعي العراقي المقيم في مدينة قم الإيرانية كاظم الحائري، اعتزاله العمل المرجعي، انطوت صفحة كبيرة من التطرف نشأت على يد أحد أبرز المعممين الشيعة في العصر الحديث، والذي أوصى أنصاره من بعده باتباع مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي.

الحائري الذي ولد في مدينة كربلاء العراقية عام 1938، درس في حوزة النجف الشيعية، ثم هاجر إلى إيران في عام 1975، قبل الإطاحة بنظام الشاه وإعلان الجمهورية الإسلامية بقيادة روح الله الخميني، حيث كان يدرّس الفقه الشيعي في حوزة قم الإيرانية.

مرجع معتزل

في سابقة لم تحصل من قبل عند مراجع الشيعة، أصدر الحائري بيانا مطولا في 29 أغسطس/ آب 2022، أعلن فيه "اعتزال العمل المرجعي، بسبب المرض وتقدمه في السن"، خلافا لما تعارف عليه بأن المرجع ينتهي دوره الديني بوفاته.

وقال الحائري في بيانه إن "من ضروريات القيام بهذه المسؤولية العظيمة هو توفر الصحة البدنية والقدرة على متابعة شؤون الأمة، ولكن اليوم إذ تتداعى صحتي بسبب المرض والتقدم بالعمر، صرت أشعر بأنها تحول بيني وبين أداء الواجبات الملقاة على كاهلي بما لا يحقق الكمال والرضى".

وتابع: "لذا أعلن عدم الاستمرار في التصدي لهذه المسؤولية الثقيلة والكبيرة، وإسقاط جميع الوكالات والأذونات الصادرة من قبلنا أو من قبل مكاتبنا وعدم استلام أية حقوق شرعية من قبل وكلائنا وممثلينا نيابة عنا".

وفي وصيته، هاجم الحائري مقتدى الصدر بشكل واضح، قائلا: "على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب".

وأردف قائلا: "ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب".

كما أوصى الحائري العراقيين بالحفاظ على الوحدة والانسجام فيما بينهم وعدم التفرقة، كما طالبهم بتحرير العراق من أي احتلال أجنبي ومن أي وجود لأية قوة أمنية أو عسكرية، وخصوصا القوات الأميركية.

وأوصى أيضا بالتمسك بالحشد الشعبي (شيعي) ودعمه وتأييده كقوة مستقلة غير مدمجة في سائر القوى، فإنه "الحصن الحصين واليد الضاربة للمتربصين بأمن البلاد ومصالح أهلها إلى جانب باقي القوات المسلحة العراقية، كما بينا ذلك وأكدناه مرارا".

وطالب الحائري "العلماء وطلبة الحوزة الدينية والنخب الثقافية والكتاب الواعين والمخلصين في العمل على توعية أبناء الشعب، حتى يميزوا بين العدو والصديق ويدركوا حقيقة مصالحهم"، مؤكدا "ضرورة إبعاد البعثيين عن المناصب والمسؤوليات في البلاد".

مفجر أزمة

على ضوء بيان الحائري الذي هاجم فيه بشكل واضح، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أصدر الأخير بيانا في 29 أغسطس، شكك خلاله في بيان المرجع المعتزل، ورأى أن  اعتزاله "لم يكن بمحض إرادته".

وقال الصدر: "إنني لم أدّع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر. وما أردت إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".

وأعلن زعيم التيار الصدري، اعتزاله العمل السياسي في العراق نهائيا، ملمحا في ختام بيانه إلى احتمال تعرضه للاغتيال، بالقول: "إن مت أو قتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء".

وعقب ذلك، توجه أتباع التيار الصدري إلى القصر الجمهوري في المنطقة الخضراء وسيطروا عليها، الأمر الذي تسبب باندلاع اشتباكات عنيفة بين سرايا السلاح (الجناح المسلح للصدر) ومليشيات مسلحة وقوات الأمن داخل المنطقة الخضراء.

وأعلنت السطات العراقية في 29 أغسطس، فرض حظر التجوال في عموم العراق ما عدا إقليم كردستان، لكن ذلك لم يوقف الاشتباكات المسلحة، ما أدى إلى سقوط 15 قتيلا ونحو 250 جريحا في نهاية اليوم ذاته.

وعلق الإعلامي العراقي عامر إبراهيم على تداعيات بيان الحائري، على "تويتر" في 29 أغسطس، بالقول إن "إيران قامت بعزله دينيا اليوم بعدما عزلته سياسيا بإطار (التنسيقي) من أتباعها.. الصدر يستحق من العراقيين.. الثقة والتأييد".

وفي السياق، قال النائب السابق في البرلمان العراقي، ظافر العاني على "تويتر" إن "دخول إيران على خط الأزمة بافتعال أزمة دينية من خلال الحائري هو الذي دفع الأزمة الى ذروتها، وراء كل خراب توجد يد إيرانية سوداء".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال الإعلامي العراقي عمر الجنابي على "تويتر" إنه "قبل مدة تحدثت مع صديق يدرس في الحوزة العلمية، وأكد لي أن الحائري يعاني من مرض الزهايمر، وقال: "هو خارج العالم ولا يدري شيئا".

وأردف الجنابي، قائلا: "البيانات التي صدرت من مكتبه وخصوصا البيان الأخير، صدرت من قبل الجانب الإيراني المتحكم بمكتبه".

وريث الصدرين

والده هو المرجع الشيعي عليّ الحسينيّ الحائريّ من مواليد كربلاء، وفي هذه المدينة دخل في سلك الحوزة العلميّة، ثُمّ انتقل إلى النجف لإكمال الدراسة، فأصبح من علمائها وأساتذة العلم فيها.

الحائري تربطه صلة قرابة مع المرجع الشيعي الراحل محمود الحسينيّ الشاهروديّ، فهو عديله، أما والدته فهي ابنة رجل الدين الشيعي الراحل محمّد رضا الفاضل.

بدأ دراسته في السنة الخامسة من عمره على يد والدته، فتعلّم القراءة والكتابة والقرآن الكريم، ثُمّ تتلمذ على يد والده المرجع علي الحسينيّ الحائري فبدأ بعلوم اللغة العربيّة.

ودرس الحائري على يد المرجع الشيعي الشاهروديّ أكثر من دورة كاملة في اُصول الفقه، مضافا إلى عدّة أبواب من الفقه طيلة تتلمذه لديه، واستمرّ في ملازمة الشاهروديّ أربعة عشر عاما.

ودرس أيضا على يد المرجع الشيعي الراحل محمّد باقر الصدر (ابن عم محمد صادق الصدر والد مقتدى)، والذي أحدث له نقلة في حياته العلميّة، فأخذ بملازمته ردحاً طويلاً من الزمن درس عليه الفقه والاُصول، والفلسفة والاقتصاد، حسبما ورد في السيرة الشخصية على موقع الحائري.

وبحسب موقع الحائري، كان يساعد اُستاذه محمد باقر الصدر، علميّا في تأليف كتاب (الاُسس المنطقيّة للاستقراء) الذي يمثّل القمّة في البناء الهرميّ لفكر الصدر، حيث كانت مدّة تتلمذه عنده اثنتي عشرة عاما.

الحائري هو أحد أبرز تلامذة المرجع الشيعي في النجف محمد باقر الصدر (ابن عم محمد صادق الصدر والد مقتدى)، حيث رافقه لمدة سنوات طويلة، ثم استعان به في إجابة الاستفتاءات.

وفي إحدى رسائل محمد باقر الصدر إلى الحائري، كتب فيها: "قد ربّيتك يا أبا جواد من الناحية العلميّة، وكنت آمل أن أستعين بك في هذه المرحلة حينما تتراكم الاستفتاءات ووقتي محدّد، وفيه ما فيه من أشغال ومواجهات وهموم وآمال".

وبعد إعدام السلطات العراقية للمرجع محمد باقر الصدر أو ما يعرف بـ"الصدر الأول" عام 1980 رجع إلى الحائري الكثير من العراقيين في "التقليد" (الاتباع) وفي إدارة شؤونهم الفقهية والسياسيّة.

وأسس الحائري مطلع ثمانينيات القرن العشرين مدرسة علمية تختص بتدريس علوم "أهل البيت"، وأطلق عليها اسم أستاذه "محمد باقر الصدر"، وكانت أول مدرسة تدرس المذهب الاثني عشري باللغة العربية وقتئذ، وأول مدرسة تتبنّى منهج الصدر في أصول الفقه، ثم أسس مؤسسة تهتم بإرسال "العلماء" للتبليغ في مناطق متعددة.

في عام 1982، اختير الحائري فقيها لحزب الدعوة الإسلامية في العراق، لكن مشاكل حدثت بينه وبين الحزب بسبب رؤيته ضرورة ممارسة صلاحيات آية الله الخميني نفسها في قيادة إيران، وهو ما رفضه الحزب تماما.

فنشأ خلاف بين الطرفين جعل الحزب يحذف مادة "فقيه الدعوة" من النظام الداخلي عام 1984، ويعيد صياغة المجلس الفقهي.

أما علاقته بالتيار الصدري بوصفه المرجع الديني الذي اختير تنفيذا لوصية المرجع محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر) الذي اغتيل عام 1999 في عهد صدام حسين، ووجّه باتباع إما إسحاق الفياض أو الحائري، فاختير الحائري لأنه الأقرب إلى نهج المرجع الراحل.

مفتي القتل

الحائري عرف بتطرفه في الفتاوى الدينية، فأفتى في عهد صدام حسين بقتل الجنود العراقيين، وعد ذلك جهادا ضد النظام وحتى لو كان الجندي غير مقاتل في المناطق الجنوبية تحديدا.

وظهرت فتاوى الحائري في كتاب له بعنوان "دليل المجاهد" تضمن فتاوى مثيرة للانتباه كانت عنوانا لإباحة قتل الشرطي، وشرطي المرور، والمراهق، والجندي.

وأفتى الحائري في كتابه بقتل الموظف العادي والأسير الذي كان مساعدا للنظام، حتى لو انتهى الأمر إلى قتل أبرياء "عرضا" شريطة أن يؤدي إلى خدمة الإسلام. كما أجاز الحائري العمليات الانتحارية بالأحزمة الناسفة عندما "تخدم الإسلام".

وتعليقا على اعتزال الحائري، قال زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" في العراق أبو آلاء الولائي، إن "الحائري في وجدان المقاومة هو الناصر والناصح والسند، تفرد بشدة وطأته، وتميز بتنمره في ذات الله".

وأضاف في تغريدة عبر "تويتر" في 29 أغسطس، أنه "لم يهِن ولم يضعف ولم يتردد ولم يخشَ في الحق من أن ينحسر عدد مقلديه".

على الوتيرة ذاتها، علق زعيم مليشيا "النجباء" في العراق، أكرم الكعبي عبر تويتر قائلا: "نعاهده بالالتزام بوصاياه والتي هي امتداد لوصايا شهيدنا الصدر المقدس وأن نعمل بكل وسعنا وجهدنا لإنهاء الاحتلال وإخراجه من العراق الأبي مدحورا ذليلا والله على ما نقول شهيد". 

وفي المقابل، غرّد السياسي العراقي، النائب السابق فائق الشيخ علي، بخصوص اعتزال الحائري، قائلا: " من يوم الذي بدأت تفتي به لليوم ما عندك غير تكفير العراقيين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وأراضيهم والدعوة إلى قتلهم يا ملعون.. حالك حال الخامنئي".