الدفع أو الفضيحة.. حال المغاربة مع فشل السلطات في وقف الابتزاز الإلكتروني

فاتحة المودن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم عمل السلطات المغربية على تعديل القوانين للحد من ظاهرة الجرائم الإلكترونية المتفاقمة، إلا أن الإحصاءات الرسمية تظهر وجود خلل واضح بالمنظومة، نظرا لتصاعد عدد الجرائم، وفي مقدمتها الابتزاز الإلكتروني.

ويرى مختصون مغاربة أن القوانين الحالية لا تزال متخلفة في هذا الجانب حيث إن التكنولوجيا تعرف تقدما سريعا يسهل على المجرم الإلكتروني الولوج للمعلومات الشخصية، بينما أدوات الردع الحكومية ما زالت محدودة.

ظاهرة متفاقمة

وأعلنت المديرية العامة للأمن الوطني (حكومية) نهاية يوليو/ تموز 2022، أن قضايا الابتزاز عبر الإنترنت بمختلف أنواعه شهدت ارتفاعا في المغرب خلال النصف الأول من عام 2022، بنسبة 4 بالمئة.

وأضافت في بيان أن عدد قضايا الجريمة المعلوماتية والابتزاز عبر الإنترنت المسجلة ارتفع من 2773 إلى 2874 قضية، بينما ارتفع عدد الإعلانات والمنشورات المرصودة من 1856 إلى 1951، خلال نفس الفترة.

وأوضحت المديرية أن قضايا الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت تراجعت بنسبة 15 بالمئة، بعدما انخفضت القضايا المسجلة من 260 قضية خلال النصف الأول من 2021 إلى 221 قضية خلال نفس الفترة من 2022.

ولفتت إلى أن تسجيل ومعالجة 2870 طلب خبرة من طرف المصلحة المركزية للأدلة والمحتويات الرقمية والمختبرات الجهوية لتحليل الآثار الرقمية انصبت على 7856 دعامة إلكترونية، أي بنسبة زيادة فاقت 20 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من السنة المنصرمة.

وتعمل السلطات المغربية منذ سنوات على تعديل القوانين للحد من الجريمة والتأقلم مع التطور الحاصل في الجرائم، من بينها القانون الجنائي.

وكانت خطة عمل منع الجريمة الإلكترونية ومكافحتها جزءا من الإستراتيجية التي اعتمدتها الإدارة العامة للأمن الوطني خلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2018، لكن لا زال هذا الكابوس الإلكتروني يقض مضاجع المغاربة.

ولمواجهة هذه الجرائم كشفت المديرية العامة للأمن الوطني عن خطة عمل جديدة، من المنتظر أن يمتد تنفيذها خلال الفترة بين 2022 و2026.

وترتكز الخطة على تعزيز إدماج التكنولوجيات الحديثة ضمن الأبحاث الجنائية والعمليات الأمنية على العموم؛ من قبيل تعزيز دور مختبرات الشرطة العلمية والتقنية ومختبرات تحليل الآثار الرقمية.

فضلا عن اعتماد آليات الرصد واليقظة المعلوماتية في تتبع تطور الجريمة، واعتماد الرقمنة الشاملة وآليات الحكامة المعلوماتية الموحدة ضمن آليات العمل الداخلية لمصالح الأمن الوطني. 

ويوجد بالمغرب مؤسسات متخصصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية، في مقدمتها المديرية العامة لأمن المعلومات، والمديرية العامة للأمن الوطني.

وتقوم المديريتان بالرصد والتصدي للجرائم الإلكترونية، وتمتلك مختبرات ومؤهلات تقنية وبشرية، وتنسق مع المؤسسات الدولية.

ويعاقب القانون المغربي على مثل هذه الجرائم بالسجن ما بين سنة إلى 3 سنوات وغرامة مالية يحددها القانون.

وضع معقد

وتعليقا على هذه الإحصاءات أكد رئيس المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار يوسف بنطالب لـ"الاستقلال"، أن "الجرائم الإلكترونية معقدة للغاية".

وأضاف أنه رغم المجهودات الأمنية من أجل محاصرة هذه الجرائم فلا يمكن الجزم بتحكم هذه المؤسسات في كل ما يتعلق بالأمن السيبراني وبالأحرى أمن المعلومات والبنيات التحتية.

وأوضح بنطالب وهو أيضا مدير "فضاء مغرب الثقة السيبرانية" (تقني/ غير حكومي)، أن الإنترنت المظلم يشكل الجزء الكبير  من الشبكة العنكبوتية، وهو مجال واسع غير متحكم فيه لحد الساعة".

وتابع أن "كل الدول وبدون استثناء تبقى عرضة للهجمات الإلكترونية التي يمكنها أن تشل الأنظمة المعلوماتية للشركات أو المؤسسات الحيوية، ما قد يحدث اضطرابات اجتماعية حينما يتعلق الأمر بتعطيل بعض الخدمات الأساسية مثل التزود بالماء أو الكهرباء مثلا".

لكن بنطالب استبعد أن تتمكن الجرائم الإلكترونية من المس بالنظام العام بالمغرب أو بأي بلد آخر، لأن "الأنظمة السياسية ترتكز على ثوابت موضوعية وتراكمات تاريخية يصعب التأثير عليها من خلال الهجمات الإلكترونية المحدودة التأثير من حيث الجغرافيا أو الزمن".

وعن الابتزاز الجنسي، رأى بنطالب أنه "ليس ظاهرة جديدة على الأقل في شقه المادي، فالإنترنت فعلا سهل عمل المعتدين من خلال إخفاء الهوية وسرعة الوصول إلى الضحية وقوة التأثير عليها".

وتابع: "الأمر هنا يتعلق بسلوك الضحايا أولا وقبل كل شيء، فعدم إلمام مستعملي الإنترنت بالقواعد الأساسية للأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية يجعل من السهل الوقوع في مثل هذا النوع من الجرائم التي تتعلق بالاستغلال والاعتداء الجنسي".

ومضى يقول: "الضحايا يجدون أنفسهم أمام مجرمين قادرين على الضغط عليهم دون التمكن من القيام بشيء للدفاع عن أنفسهم وفي بعض الأحيان حتى القيام بالتبليغ كون الموضوع ما زال يشكل طابوها خصوصا في المجتمعات العربية".

واسترسل أنه ليست هناك إحصائيات دقيقة حول هذا النوع من القضايا خاصة بالمغرب نظرا للاعتبارات السالفة، لكنه أكد أن جرائم الابتزاز والاستغلال  الجنسي تأتي في مقدمة الجرائم الإلكترونية. 

ترسانة هشة

وعن الترسانة القانونية في المغرب وإلى أي حد تحمي المعلومات الشخصية من الابتزاز، قال الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بفاس عبد المجديد كوزي، إن القانون المغربي حاول منذ نهاية القرن العشرين وبالضبط سنة 1995، أن يعالج هذا الموضوع من خلال القانون 95.05  المتعلق بنظم تداول المعلومات في شقه القانوني.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه مع مطلع القرن الـ21 حاول المشرع أن يعالج هذه المعطيات من خلال القانون 09.08 الخاص بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وحاول أن يشكل لجنة تهتم بمعالجة الابتزاز الإلكتروني.

وتابع: وفي الجانب الجنائي حاول من خلال القانون 07.03 خاصة الفصول من 607 إلى 611، مواكبة الجريمة المعلوماتية وتوفير حماية جنائية للوثيقة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية من العابثين بالآليات الرقمية.

وأوضح كوزي أن المشرع أحدث أيضا مجموعة من النصوص كالقانون 103.13 الخاص بالنساء ضحايا العنف وبالخصوص الفصول 447/1 و447/2 و447/3 التي تحمي النساء ضحايا الابتزاز الإلكتروني والعنف الإلكتروني الممارس.

ومع ذلك استدرك الخبير المغربي بالقول: لكن للأسف تبقى التكنولوجيا متقدمة ومتفوقة بسنوات يمكن أن أقول إنها لا تقل عن 15 سنة من التقدم عن الترسانة القانونية المغربية.

وقال: "طبعا الجريمة تتطور بتطور المجتمعات والمجتمع الآن أصبح مجتمعا رقميا بامتياز والترسانة القانونية المغربية في طور التحول والمواكبة، خاصة التعليمات الواردة من طرف رئاسة النيابة العامة والمشرع المغربي على مستوى البرلمان".

وشدد كوزي على أن "الأمر أصبح مستعصيا ولا يمكن لأي أحد أن يعد نفسه متفوقا في هذا المجال لأن كل يوم هناك الجديد وتحولات رقمية والمجرم الإلكتروني يحاول أن يستغل تلك الثغرات القانونية للوصول إلى أهدافه".

وتابع انتقاداته بالقول: لا يزال القانون المغربي متخلفا في رأيي الشخصي عن باقي التحولات الإلكترونية، والمغرب ما زال جنة للمعطيات التي يمكن اختراقها بسهولة نظرا لهشاشة الترسانة القانونية. 

وأضاف أنه في المستقبل القريب سوف يكون هناك تحول كبير على مستوى الترسانة القانونية وربما في الدورة الربيعية المقبلة سوف يتم عرضه على البرلمان قصد المصادقة لحماية المواطن والمستثمر الدولي والوطني من الابتزاز الإلكتروني.