"الجيل الجديد".. حركة ناشئة استطاعت منافسة أكبر حزبين في كردستان العراق

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن حركة "حراك الجيل الجديد" الكردية المعارضة تشكلت منذ سنوات قليلة في إقليم كردستان العراق، إلا أنها أصبحت قوة سياسية تنافس الحزبين الكبيرين المهيمنين على الإقليم منذ تسعينيات القرن العشرين، الأمر الذي يعرضها بين الحين والآخر إلى الاعتقالات والمضايقات.

آخر تلك الحملات، كانت في 6 أغسطس/ آب 2022، حينما شنت السلطات الأمنية في الإقليم حملة اعتقال شملت عددا من قياديي الحزب ونوابه، ونحو 600 آخرين من أعضائه ومحتجين، خلال تظاهرة في مدينة السليمانية دعا إليها رئيس الحزب شاسوار عبد الواحد (43 عاما).

وجاءت التظاهرة للمطالبة بتغيير نظام الحكم في الإقليم، واحتجاجا على الفساد وتردي المعيشة، حيث واجهتها القوات الأمنية بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والاعتقالات.

وهو ما أكدته رئيسة كتلة الجيل الجديد في مجلس النواب العراقي سروه عبد الواحد (شقيقة شاسوار) في تغريدة عبر تويتر.

حركة ناشئة

لم تكن "حراك الجيل الجديد" معروفة قبل عام 2017، إذ تأسست في مدينة السليمانية من قبل رجل الأعمال العراقي الكردي شاسوار عبد الواحد، المعروف بامتلاكه إمبراطورية إعلامية، تشمل "ناليا راديو" و"تلفزيون إن آر تي"، فضلا عن استثماراته في المشاريع الإسكانية في إقليم كردستان العراق.

في نفس العام (2017) أدى موقف الحركة السلبي من الاستفتاء الذي نظمته السلطات في الإقليم على الاستقلال عن العراق إلى استهجان قادة الأحزاب الأخرى في كردستان، ولكن العديد من المراقبين العراقيين والعالميين شعروا بالقلق من صدى هذا الموقف.

واختار شاسوار و"حراك الجيل الجديد" معارضة الرأي الشعبي وأطلقا حملة قوية تنادي بشعار "ليس الآن" في إشارة إلى رفضهم للاستفتاء في 25 سبتمبر/ أيلول 2017.

ولم يجر الاعتراف بنتائج الاستفتاء من الحكومة العراقية ودول الجوار العراقي، لا سيما تركيا وإيران، فضلا عن المجتمع الدولي، حيث ظهر أن نسبة 92 بالمئة من الأصوات تؤيد استقلال إقليم كردستان عن العراق.

وفي أول اختبار للقوة السياسية لـ"الجيل الجديد" كان في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2018، فاز بأربعة مقاعد كحزب حديث الإنشاء، وحصل على تسعة مقاعد في انتخابات عام 2021.

أما أكبر منافسيه في إقليم كردستان، وهما "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" فقد حافظا على نصيبهما من المقاعد إلى حد كبير، بينما ضاعف "حراك الجيل الجيد" من عدد مقاعده، ما سمح له ذلك بتبني دور المعارضة بالكامل داخل الإقليم.

وعلى مستوى العراق، أعلنت الحركة تبنيها خط المعارضة في البرلمان، وذلك من خلال تحالف "من أجل الشعب" الذي شكلته مع حركة "امتداد" التي تمثل حراك أكتوبر/ تشرين 2019 في العراق، وكذلك مع عدد من المرشحين المستقلين الفائزين في انتخابات 2021.

وحققت رئيس كتلة "الجيل الجديد" البرلمانية سروة عبد الواحد، وهي شقيقة رئيس الحركة، أعلى الأصوات في محافظة السليمانية من بين الرجال والنساء بـ 22634 صوتا، وكذلك تفوقت على جميع نساء إقليم كردستان بمحافظاته الثلاث (أربيل، السليمانية، دهوك).

كما حققت عبد الواحد المركز الثاني على مستوى نساء العراق بجميع محافظاته، بفارق 193  صوتا لصالح مرشحة حركة امتداد نيسان الصالحي، التي حصلت على 22827 صوتا، حيث فازت 97  امرأة في الانتخابات التشريعية عام 2021.

سر الصعود

وبعد انتهاء الانتخابات، وتحقيق "الجيل الجديد" 9 مقاعد في البرلمان، كشف رئيس الحركة شاسوار عبد الواحد سر الصعود السريع للحركة وحصولها على هذا العدد من المقاعد رغم أنها ناشئة وتتبنى خط المعارضة.

وقال عبد الواحد خلال مقابلة مع صحيفة "القدس العربي" في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إن "الضغوط الكبيرة التي مورست علينا أثبتت للمواطنين انتماءنا لهم، ورغم كل ذلك لم ‏نتنازل عن المبادئ التي نؤمن بها للدفاع عن حقوق المواطنين".

وأضاف: "ولم نرضخ للسلطة خلال ‏السنوات الثلاث الماضية، وأدى هذا في النهاية إلى ثقة الناس بنا، وبالتأكيد فإننا سنكون عند ‏حسن ظن المواطنين ولن نفرط بهذه الثقة، ومن خلال مواقفنا سنستمر بالبقاء في صفوف ‏المواطنين"‎.‎

وأوضح عبد الواحد أنه "رغم تراجع أعداد مصوتي الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان إلى النصف، ولكنا نعتقد أن ‏الحزبين حصلا على مقاعد أكثر من حجمهما الحقيقي، لأن الجيل الجديد أصبح القوة السياسية ‏الثانية في إقليم كردستان من حيث عدد الأصوات".

ولفت إلى أن "سبب حصول حزبي الاتحاد والديمقراطي ‏على مقاعد كثيرة يعود إلى قلة مرشحي الجيل الجديد رغم حصولنا على الكثير من الأصوات، ‏كما أن قلة مشاركة الناخبين أثر سلبا على الحراك".

وحل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني أولا على مستوى إقليم كردستان في نتائج الانتخابات العراقية، بـ33 مقعدا، تلاه الاتحاد الوطني بقيادة بافل الطالباني بـ16 مقعدا، ثم حركة "الجيل الجديد" بحصولها على 9 مقاعد، فيما حصل الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية مجتمعين على 5 مقاعد.

وتابع عبد الواحد قائلا: "لو كانت المشاركة أعلى بنسبة 10 بالمئة ‏لكان الجيل الجديد أضحى القوة الأولى في الإقليم. ومن خلال الأرقام المنشورة من قبل مفوضية ‏الانتخابات، فقد الحزبان الكبيران نحو نصف مليون صوت، وفي المقابل تضاعفت أصوات ‏حراك الجيل الجديد أو حتى أكثر من ذلك".

وأكد رئيس "الجيل الجديد" طموح الحركة أن "نصبح القوة الأولى ونشكل حكومة إقليم كردستان، كي تتاح لنا الفرصة لتطبيق البرامج ‏القصيرة والمتوسطة المدى لتنمية كردستان والاقتصاد والبنية التحتية ورفاهية المواطنين وزيادة ‏دخل الفرد التي خططنا لها، وبدأنا التحضير منذ الآن للمرحلة المقبلة"‎.‎

وأشار إلى أنه "خلال الـ 30 عاما الماضية لم يتعرض مواطنو الإقليم إلى هذا النوع من الظلم وقلة الاحترام ‏المفروض عليهم من الحزبين الحاكمين الديمقراطي والاتحاد الوطني".

وأردف: "الشارع في إقليم كردستان ‏لم يكن ساكتا أبدا، والآن لديه معارضة فعالة شجاعة كالجيل الجديد، الذي يدافع عن حقوق ‏المواطنين وفي صراع مستمر مع حزبي السلطة، ولو تطلب الأمر فنحن مستعدون للنزول إلى ‏الشوارع"‎.‎

يذكر أن لحكم العشيرتين البارزانية والطالبانية سطوة كبيرة على مؤسسات حكومة إقليم كردستان العراق، ونجح الحزبان الكرديان على مدار سنوات في ترسيخ نفوذ عائلتيهما داخل تلك المؤسسات، خاصة الأمنية والاقتصادية.

ورغم أن كليهما يتحدثان كثيرا عن "حكم المؤسسات" و"الديمقراطية" وينتقدان ما يحدث في بغداد من محسوبية ومحاصصة، إلا أنهما يزجان دائما بأولادهما وأقاربهما في مناصب الإقليم العليا وفي بعض الأحيان داخل الحكومة الاتحادية في بغداد، وفق مراقبين.

مضايقات مستمرة

في إطار الضغوط على حركة "الجيل الجديد"، ‏ألقي القبض على شاسوار عبد الواحد في مارس/ آذار 2019 عند قدومه إلى العراق، بعد رفع ‏دعوى قضائية عليه بتهمة "التهجم على موظفي الدولة" إلا أن محكمة السليمانية في إقليم ‏كردستان قررت الإفراج عنه، بعد 24 ساعة على اعتقاله‎.‎

وكذلك قامت السلطات الأمنية في الإقليم مرارا بغلق مكاتب قناة "إن آر تي" الفضائية التي يمتلكها عبد الواحد، ‏إضافة إلى اعتقاله مع العديد من موظفيها في مكاتبها الموجودة في أربيل ودهوك والسليمانية‎.‎

وفي العام ذاته اعتقلت القوات الأمنية في السليمانية أكثر من 80 شخصا من مناصري حراك الجيل الجديد، ‏بينهم اثنان من قياديي الحراك، هما آرام سعيد، وريبوار عبد الرحمن‎.‎

واستنكرت المنظمات الحقوقية والصحفية مثل "المرصد العراقي للحريات الصحافية" الحملة ‏الأمنية التي تقوم بها مليشيات كردية ضد الصحافيين والأطقم الإعلامية في السليمانية على ‏خلفية الاضطرابات التي تشهدها المحافظة.

فيما أدانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية قيام ‏السلطات الكردية بإغلاق بشكل غير قانوني مكتبين لشبكة "إن آر تي" الإعلامية لأكثر ‏من شهر، بسبب تغطية الاحتجاجات وبث فقرات تنتقد الحزب الحاكم.

وكان إقليم كردستان العراق قد شهد خروج المتظاهرين مرارا إلى الشوارع ومهاجمة مقرات الأحزاب الكردية الكبيرة في عدة مدن ومناطق في الإقليم، ولا سيما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

إذ أغلق محتجون غاضبون الطريق الدولي الرابط بين السليمانية والعاصمة بغداد، احتجاجا على تدهور أوضاعهم المعاشية وتأخير صرف رواتبهم، والتي واجهتها الأجهزة الأمنية بالقمع والاعتقالات.

وكان عبد الواحد أكد في تغريدة مطلع أغسطس، أن الوضع في إقليم كردستان سيئ، وأن السلطات لا تقوم بمعالجة المشاكل بل تزيدها، مشيرا إلى أن الفساد والفقر والبطالة وصلت إلى ذروتها.

وأضاف أن "حكومة الإقليم لا تصغي إلى القوى المعارضة ولن تقوم بإجراء انتخابات جديدة. هل من خيار آخر أمامنا سوى التظاهر؟".

ويأتي قمع مظاهرة الحراك الأخيرة في وقت يقيم فيه مناصرو التيار الصدري (شيعي) اعتصاما مفتوحا في البرلمان العراقي، ويطالبون بحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، بينما يصر منافسه الشيعي الإطار التنسيقي على ترشيح محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة الجديدة.