الصدر والكاظمي بالخلفية.. لماذا تلتزم دول الخليج الصمت إزاء الوضع بالعراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل الأزمة السياسية المتصاعدة بين القوى الشيعية بالعراق، برزت تساؤلات عن موقف دول الخليج العربي منها، ومدى انعكاساتها عليها، بحكم الجوار الجغرافي والمصالح المتبادلة، وكان لافتا أنه لم تشر أي دولة خليجية إلى ما يجري بالعراق، سوى الإمارات.

فعلق المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش على الأزمة الراهنة، قائلا إن "استقرار العراق استقرار للمنطقة وتعزيز لأمنها، وكما يشكل أولوية للمواطن العراقي فهو محل اهتمام عربي وإقليمي".

وأضاف قرقاش عبر تغريدة على "تويتر" في 31 يوليو/ تموز 2022، أنه "ومن هذا المنطلق نتطلع إلى عراق مستقر ومزدهر وقادر على معالجة مسائله الداخلية عبر الحوار والتوافق ليستعيد دوره الرائد والحيوي على المستويين العربي والإقليمي".

ترقب حذر

وبخصوص صمت دول الخليج حيال الأزمة بالعراق، قال الباحث العماني محمد مبارك العريمي إن "دول المنطقة تتابع الحالة السياسية المرتبكة جدا في بغداد بالكثير من الحذر لما أنتجته وأفرزته الفواعل السياسية بين الإطار التنسيقي في العراق والتيار الصدري".

ورأى العريمي خلال حديث لقناة "بي بي سي" في 3 أغسطس/ آب 2022، أن "الوضع الراهن في بغداد خطير، ليس فقط على مستوى القطر العراقي، لكن أيضا خطر على عموم دول منطقة الخليج، لأن النطاق السياسي والجغرافي وحتى النطاق الأمني لهذا البلد، مهم بالنسبة لدول الخليج".

وأشار الباحث إلى أن "دول الخليج كان لديها مبادرات، لكن المعضلة الحاصلة في بغداد هي معضلة داخلية يجب تحكيم العقل فيها، وما تتمناه دول الخليج هو الأمن والاستقرار لهذا البلد الشقيق".

من جهته، رأى الباحث والمحلل السياسي العراقي نظير الكندوري خلال تصريح لموقع "الخليج أونلاين" في 31 يوليو، أن "موقف دول الخليج ما يزال في وضع المترقب، مع ميلها لبقاء الكاظمي في منصبه مدة أطول نظرا للنجاحات التي حققها على مستوى تصحيح العلاقات".

وأوضح الكندوري أن "دول الخليج أصبحت تعتقد بقدرة الكاظمي على إنجاح التقارب السعودي الإيراني، فضلا عن أنها تخشى تشكيل حكومة يرأسها شخص من الإطار التنسيقي الذي يعلن معاداته لجميع دول مجلس التعاون وخصوصا السعودية".

وعبر المحلل العراقي عن اعتقاده بأن "دول الخليج سوف تنتظر قليلا حتى ينجلي الغبار الحالي قبل أن تعلن موقفا صريحا مما يحدث، خصوصا أنها تتحسب لتذبذب مواقف مقتدى الصدر الذي عود الجميع على الانعطافات الحادة في سياساته".

وشدد الكندوري على أن "إيران أيضا لن تتخلى عن العراق بسهولة، وربما تجد مخرجا من هذه الأزمة، حتى لو اقتضى الأمر تقديم تنازلات للصدر، ريثما تستطيع إعادة نفوذها إلى سابق عهده".

انعكاسات سلبية

وعلى صعيد الاتهامات التي توجهها بعض أطراف "الإطار التنسيقي" إلى دول خليجية بزرع الشقاق بين المكونات العراقية، قال الباحث العماني العريمي: "لا أعتقد أن هذا الكلام سليم وصحيح، لأن أي توتر  وأي انعكاسات غير إيجابية على العراق سينعكس سلبا على جميع دول المنطقة، ونحن في الخليج نعي ذلك".

وأكد الباحث الخليجي أن "هذا الإحجام الخليجي أو العربي أو حتى الدولي عن الأزمة العراقية، مرده أن هذه الفواعل السياسية محلية بحتة في العراق، وأيضا مربكة ليس فقط للمكون العراقي السياسي والجغرافي والأمني، بل حتى تنعكس سلبا على دول مجلس التعاون".

وشدد العريمي على ضرورة عدم التدخل بالشأن العراقي على الإطلاق، بالقول: "لا نريد بالعراق لا تدخلا خليجيا ولا تدخلا إيرانيا، فعندما نتحدث عن العراق أو اليمن، فهذه دول متحققة قبل آلاف السنين ولا يجوز لأي دولة خليجية ولا لإيران التدخل في العراق".

وأكد الباحث أن "العراق قادر على حل جميع مشكلاته بنفسه، ولكن المشكلة تكمن في المكونات المحلية، ولا يجب أن تسمح هذه المكونات لأي كان من التدخل في الشأن المحلي لهذه الدول، لأن الكأس الفارغة سوف تملأ سواء من دول الخليج أو من غيرها".

وكان عضو "الإطار التنسيقي" جواد الساعدي اتهم دولة الإمارات بالسعي لإقصاء الإطار وتمزيق البيت الشيعي بأي طريقة، مبينا أن "البعض يريد معاقبة الإطار بسبب مواقفه من الوجود الأميركي والتطبيع".

وقال الساعدي خلال تصريح صحفي في 30 يناير/ كانون الثاني 2022 إن "الإمارات لاعب أساسي في تشكيل الحكومة العراقية وتعمل على حرمان البيت الشيعي من أخذ استحقاقه"، في إشارة إلى منصب رئيس الوزراء الذي يذهب إلى المكون الشيعي.

وأضاف عضو "الإطار التنسيقي"، أن "هناك محاولات لتغيير الخارطة السياسية المتفق عليها عبر تشكيل الحكومة والكتلة الأكبر، وأن أمام الإطار التنسيقي اليوم طريقين إما الذهاب للمشاركة في الحكومة أو التوجه للمعارضة".

مد وجزر

شهدت العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق جمودا بعد عام 2003، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، وذلك بعد تولي رئيس الوزراء نوري المالكي السلطة عام 2006 وحتى 2014، والذي كانت هذه الدول تتهمه بالطائفية، والذي يرفضها الأخير ويكيل لها الاتهامات بإرسال انتحاريين للعراق.

لكن العلاقة تحسنت بعد تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية في 2014 إلى 2018، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2015، وبعد انقطاع دام أكثر من 25 عاما، تم الإعلان عن افتتاح السفارة السعودية بالعراق وسط انتقادات من أحزاب شيعية وترحيب الأطراف السنية.

وعينت السعودية، ثامر السبهان سفيرا لها في بغداد، لكن بعد نحو عام طالبت الخارجية العراقية في 7 أغسطس/آب 2016، من المملكة سحب سفيرها من بغداد بعدما اتهمته بالتدخل بالشؤون الداخلية، ثم استبدلته في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بالسفير عبد العزيز الشمري. 

وفي 25 فبراير/ شباط 2017، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن بلاده "تتطلع إلى بناء علاقات مميزة مع العراق وثمة رغبة مشتركة في العمل معا في الحرب ضد الإرهاب".

وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة العراقية بغداد رفقة نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، حيث كانت الزيارة الأولى لوزير خارجية سعودي إلى العراق منذ نحو 14 عاما.

وقال الجبير عنها إن هذه الزيارة تأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح، مؤكدا أن بلاده تدعم وحدة واستقرار العراق.

ولم يقتصر الانفتاح السعودي على الجانب الحكومي، وإنما بدأت بالتواصل مع شخصيات شيعية فاعلة في العراق، ومنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي زار المملكة، والتقى بولي العهد محمد بن سلمان في يوليو/ تموز 2017.

وبعد أسبوعين من ذلك، وصل  الصدر إلى العاصمة الإماراتية، حيث التقى في وقتها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان (رئيس الإمارات الحالي). وخلال اللقاء، أكد بن زايد على انفتاح الإمارات على العراق حكومة وشعبا ودعمه لاستقراره ووحدة أراضيه.

وتحسنت العلاقة كذلك أكثر عندما أجرى زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وصفت بالتاريخية، إلى السعودية في 19 يونيو/ حزيران 2017، وذلك بعد إعلان العراق الانتصار على تنظيم الدولة الذي اجتاح البلاد عام 2014.

وقال بيان لمكتب العبادي في حينها إن الزيارة تهدف إلى تعزيز المصالحة مع السعودية، وتسعى إلى المساعدة في رأب انقسامات عميقة ومريرة بين الشيعة والسنة في العراق.

وأشار إلى أن الجولة "تأتي في ظل الانتصارات التي يحققها العراق على مسلحي تنظيم الدولة، وتطلع العراق إلى التعاون الجاد ضد الإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار شعوب ودول المنطقة".

وبعد مجيء عادل عبد المهدي إلى رئاسة الحكومة العراقية، في 2018، أجرى زيارة إلى السعودية، في سبتمبر/ أيلول 2019، حيث أكد أنه كان يحمل رسالة من الجانب الإيراني يرغبون فيها بالتصالح مع الرياض وإنهاء الأزمة بينهما، لكن جاء مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير/ كانون الثاني 2020 وعرقل ذلك.

واستكمالا  لهذه العلاقات، أجرى رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي أكثر من زيارة إلى الإمارات والسعودية، أولها في أبريل/ نيسان 2021، داعيا إلى العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والتأكيد على أن بلاده لن تصبح نقطة انطلاق لأي هجوم على جيرانها.

وكانت آخر زيارة للكاظمي للمملكة أثناء حضوره القمة الخليجية العربية مع الرئيس الأميركي جو بايدن والتي أقيمت في جدة في 16 يوليو/ تموز 2022، حيث وقع اتفاقا مع السعودية والكويت لربط العراق بالشبكة الكهربائية الخليجية، كونه يعاني من ترد في الطاقة منذ عام 2003.

وعلى صعيد آخر، تربط القيادات السياسية العراقية السنية علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، حيث دعمت هاتان الدولتان تولي القيادي السني محمد الحلبوسي رئاسة البرلمان لولاية ثانية في يناير 2021.

وذلك بعدما استطاعوا مع تركيا توحيد أكبر كتلتين سنيتين "تقدم" بقيادة الحلبوسي، و"عزم" برئاسة خميس الخنجر، تحت تحالف "السيادة"، حسب مقابلة تلفزيونية للنائب السني السابق مشعان الجبوري في 26 أكتوبر 2021.

شلل سياسي

ولا تزال الأزمة السياسية في البلاد قائمة بقوة، إذ يعيش العراق شللا سياسيا تاما منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. ولم تفض مفاوضات لا متناهية بين القوى السياسية الكبرى إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة.

وبدأ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (شيعي) بممارسة الضغط الشعبي على خصومه في الإطار التنسيقي الموالي لإيران وترك لهم مهمة تأليف الحكومة بعدما استقال نوابه الـ73 في يونيو/ حزيران 2022 من البرلمان، رغم أنهم كانوا يشغلون أكبر كتلة به.

وأظهر الصدر الذي يملك قاعدة شعبية واسعة أنه لا يزال قادرا على تحريك الجماهير لأهدافه السياسية، بعدما اقتحم مناصروه البرلمان مرتين خلال أقل من أسبوع، وباشروا داخله اعتصاما، رفضا لترشيح محمد شياع السوداني من قبل الإطار التنسيقي لتولي رئاسة الحكومة.

وفي 6 أغسطس/آب 2022، أعلن الصدر في تغريدة على "تويتر" أن حل البرلمان العراقي بات مطلبا شعبيا وسياسيا ونخبويا لا بديل عنه.

وقال الصدر: "تلقينا ردودا إيجابية فيما يخص حل البرلمان وتجاوبا شعبيا وعشائريا ومن الأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني وخطباء المنبر الحسيني، بل ومن بعض علماء الحوزة العلمية الشريفة ومن بعض القيادات السياسية الكردية والسنية بل والشيعية".

ودعا زعيم التيار الصدري هذه القوى إلى "وقفة جادة لإنقاذ العراق من أنياب الفساد والتبعية لتصحيح مسار العملية السياسية"، مضيفا: "لنعمل على أفعال جادة وحقيقية ولنبتعد عن الحوارات الهزيلة فالعراق بحاجة إلى أفعال لا أقوال والشعب يصبو إلى الإصلاح الحقيقي الذي ينقذهم مما هم فيه من معاناة".

وقال الصدر "إن الثوار مستمرون بثورتهم حتى تحقيق المطالب، ولن يتنازلوا على الإطلاق، فهي فرصتهم الوحيدة والأخيرة فاستعدوا حتى تحقيق المطالب وأنا معكم"، في إشارة إلى الاعتصام الذي يقيمه التيار الصدري في مبنى البرلمان العراقي داخل المنطقة الخضراء ببغداد منذ 30 يوليو 2022.

وعلى إثر ذلك، أعرب رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي الذي يقود قوى "الإطار" عن رفضه لإجراء انتخابات مبكرة قبل عودة مجلس النواب للانعقاد، حسب خطاب تلفزيوني في 8 أغسطس 2022.

وقال المالكي إن "العراق بلد المكونات، ولا يمكن أن تفرض إرادة عليه إلا إرادة كامل الشعب وعبر مؤسساته الدستورية التي يمثلها مجلس النواب المنتخب"، مضيفا: "لا حل للبرلمان ولا تغيير للنظام ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة المجلس للانعقاد، وهو من يناقش هذه المطالب، وما يقرره نمضي به".