طرح مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية بالمغرب.. يعقد الأزمة أم يحلها؟

12

طباعة

مشاركة

أزمة خانقة تعيشها حكومة عزيز أخنوش بسبب الرفض الشعبي المتنامي لها ولسياساتها جراء الزيادات الصاروخية في أسعار المواد الأساسية كافة وعلى رأسها البترول.

ويتزايد الغضب الشعبي مع ضعف تواصل الحكومة ووزرائها مع المواطنين. ولذلك انطلقت حملات على منصات التواصل الاجتماعي منذ منتصف يوليو/تموز تحتج على ارتفاع أسعار المحروقات التي تفاقمت في دول العالم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وبالتوازي مع هذه الحملة التي استطاعت تجاوز عتبة مليوني تدوينة على موقع فيسبوك حتى 7 أغسطس/آب 2022، برزت مطالب بعض الفاعلين السياسيين لتشكيل حكومة وحدة وطنية لتجاوز حالة الاحتقان الاجتماعي المتصاعدة.

حكومة وحدة

وفي 20 يوليو 2022، قال حسن حمورو القيادي بحزب العدالة والتنمية (معارض)، إن "النخبة السياسية ببلادنا في حاجة للتفكير بسيناريو حكومة وحدة وطنية". 

وأضاف حمورو في تدوينة عبر فيسبوك، أن "حكومة أخنوش لن يكون بمقدورها الاستمرار، بغض النظر عن الأمل الذي يحاول رئيسها وخدامه تسويقه بالاستعراض اللفظي والإعلامي المأجور".

وتابع أن "هذا الأمل يتأكد يوما بعد يوم أنه مجرد أمل خادع أو حلم كاذب، أو مجرد سراب، لن يفيد البلاد الجري وراءه طويلا". 

وأوضح أن "الظرفية الاقتصادية والاجتماعية صعبة، والإجراءات المطلوبة لمواجهتها تحتاج إلى حكومة سياسية قوية، لرئيسها وأعضائها رصيد مقدر من المصداقية، ولأحزابهم تجذر معتبر في المجتمع". 

وعد أن "حكومة الوحدة الوطنية قد تكون كذلك فرصة لتجاوز النتائج السياسية لانتخابات 8 سبتمبر التي يبدو أنها ورطت البلاد في مشاكل كانت في غنى عنها، في انتظار تراكم شروط تنظيم انتخابات جديدة تطوي هذه الصفحة السيئة من تاريخ الانتخابات في المغرب". 

وتصدر حزب التجمع الوطني للأحرار (قائد الأغلبية الحكومية الحالية) الانتخابات المذكورة، في حين تعرض حزب العدالة والتنمية الإسلامي (معارض) لسقطة كبيرة أدت لتذيله للترتيب في هذه الاستحقاقات، بعد ولايتين متتاليتين على رأس الحكومة.

وأشار حمورو إلى أن "حكومة الوحدة الوطنية، التي سيكون من بين مهامها الإعداد لانتخابات جديدة، هي فكرة للنقاش في إطار استشراف المستقبل، بعيدا عن الاستغراق في الشد والجذب، واجترار الحديث حول عدم صلاحية أخنوش لرئاسة الحكومة، وحول المشاكل التي تسببت فيها حكومته".

وحذر من محاولة استغلال "البعض" لسيناريو حكومة وحدة وطنية "للالتفاف على المطالب الشعبية، أو محاولة تصريف الأزمة بربح الوقت وإخراس الألسن".

وفي نفس السياق، أكد محمد الهلالي رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة (غير حكومي)، في تعليق عبر فيسبوك، أنه رغم التردد أو التبني الحذر لفكرة حكومة وحدة وطنية، فتلك خطوة مهمة لتجاوز متاهة المغامرة في ظل الظرفية الحالية. 

وإذا كان كل من حمورو والهلالي قد دعوا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فإنه سبق لرئيس الحكومة السابق الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض، عبد الإله بنكيران، أن دعا في 19 فبراير/شباط 2022 إلى إمهال حكومة أخنوش سنة واحدة.

وأردف: "إذا تبين أنها غير قادرة على مواجهة تحديات المرحلة فإنه آنذاك ينبغي الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها".

فهل تكون حكومة وحدة وطنية هي الحل لتنفيس الأزمة التي يعيشها المغرب، أم أنها لن تكون سوى حل ترقيعي لواقع سياسي يحتاج إعادة الهيكلة بشروط ونخب جديدة؟

عجز وهروب

نبيل بنعبد الله، الوزير السابق والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (يساري/معارض)، رأى أن "هذه الحكومة تحظى بأغلبية كان عليها أن تستعملها للاستجابة للانتظارات الشعبية، وهو ما لم تفعله لحد الآن وننتظر منها أن تفعل ذلك".

وفي جوابه عن سؤال لـ"الاستقلال" بخصوص مطالب تشكيل "حكومة وحدة وطنية" للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد على المستويين السياسي والاجتماعي، قال بنعبد الله، "لا أعتقد أن هناك ما يدعو إلى حل بديل، خاصة وأن الحكومة في بداية مشوارها".

ومر حتى الآن من عمر حكومة عزيز أخنوش 10 أشهر فقط، إذ جرى تعيينها من قبل العاهل المغربي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بالقصر الملكي في مدينة فاس.

بدوره، قال محمد غزالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، إن "الحديث عن حكومة وحدة وطنية أمر غير وارد في السياق السياسي الوطني".

وأوضح غزالي، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "إن كانت حكومة وحدة وطنية تعني أن تقوم على برنامج واحد مشترك، تتوافق عليه مختلف الأحزاب، فهذا غير وارد بالمغرب بسبب محدودية صلاحيات الحكومة دستوريا وعمليا، وبالتالي فتأثيرها في الحياة العامة يبقى محدودا".

وحكومة الوحدة الوطنية المفترضة تستند بالأساس إلى ائتلاف واسع لأغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان.

إذ يتفق أهم الفاعلين السياسيين على تشكيلها عندما تستدعي ظروف معينة أن تتجاوز النخب السياسية الشكل التقليدي للصراع بين أغلبية حاكمة وأقلية معارضة. 

ويرى غزالي أن النسيج الحزبي بالمغرب لا يعرف تفاوتات مهمة على مستوى الأفكار والإيديولوجيا باستثناء عدد ضئيل من الأحزاب.

وأردف أنه "من الصعب أن نفرق بين البرامج الانتخابية والأدبيات السياسية لجل هذه الأحزاب"، مبينا أن "حكومة الوحدة الوطنية يفترض أن تكونها أحزاب بينها اختلافات ملموسة وحقيقية".

ورأى أن "الحديث عن حكومة وحدة وطنية يتطلب الاتفاق المبدئي على تشخيص وضعية البلاد، وأن الحل للخروج من مشاكلها يقضي بتشكيلها".

وبدوره، يرى الصحافي والباحث في العلوم السياسية يونس مسكين، أن "الحديث عن حكومة وحدة وطنية في الوقت الراهن محاولة للهروب من الواقع وإغراق المشكلة في مشكلة أكبر منها".

وقال مسكين، في حديث لـ"الاستقلال": "لا أعتقد أن فكرة حكومة وحدة وطنية مناسبة للوضع الذي يعيشه المغرب حاليا".

وأضاف أن "مثل هذه الأفكار تصلح حين يتعلق الأمر بمجرد أزمة سياسية على مستوى التحالف الحكومي، بينما الأمر في الحالة المغربية أعمق من ذلك، ويرتبط بمدى احترام وتفعيل الخيار الديمقراطي الذي ينص عليه الدستور، ومدى فعلية الانتخابات والمؤسسات التمثيلية القائمة".

وأفاد مسكين أن المشهد السياسي "يعيش تبعات عملية إفراغ ممنهج للصراع السياسي والانتخابات والمؤسسات التمثيلية من كل معنى".

وتابع أن هذا الأمر "أدى إلى نفور شبه شامل من السياسة، في مقابل تعبئة وتحفيز ودعم كائنات يرتبط لديها العمل السياسي بمصالحها الشخصية أو الفئوية، من رأسمال كسول وأغنياء موالين للسلطة وآخرين منحدرين من أشكال عتيقة من الوجاهة والزعامة، لا تلائم المنهج الديمقراطي الحديث".

ما الحل؟

وإذا كانت "حكومة وحدة وطنية محاولة للهروب من الواقع"، حسب الصحافي مسكين، إذن فما الحل لتجاوز حالة الاحتقان الاجتماعي بالمغرب؟ "خصوصا أمام تغول المال السياسي وتفوقه على الفكر والممارسة السياسية السليمة"، على حد تعبير غزالي أستاذ العلوم السياسية.

وبرز مصطلح "المال السياسي" في خضم الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية والجماعية لـ8 سبتمبر 2021، إذ اشتكت عدة أحزاب مغربية من الاستخدام غير المشروع للمال لاستمالة الناخبين خاصة من قبل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يترأس الحكومة الحالية.

بنعبد الله عد أن مواجهة الاحتقان الاجتماعي المتزايد ينبغي أن "تكون عبر اتخاذ الحكومة للإجراءات التي اقترحناها، وهي إجراءات معقولة وقابلة للتطبيق".

وأوضح أن "هذا ما ننتظره، وقد قدمنا في حزب التقدم والاشتراكية مقترحات كثيرة، لكن مع الأسف الحكومة لا تستمع ولا تلتفت لأي اقتراحات".   

وسبق لحزب التقدم والاشتراكية أن أعلن عن عدة مقترحات لـ"التخفيف من لهيب أسعار المحروقات، ودعم القدرة الشرائية، والإسهام في ضمان الأمن الطاقي".

وفي 5 يوليو 2022، أكد بلاغ لحزب التقدم والاشتراكية على ضرورة "إعادة تشغيل مصفاة سامير"، و"تخفيض الرسم الداخلي المفروض على استهلاك المنتجات الطاقية، وخفض الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد".

وطالب بـ"تدخل الحكومة لتفرض على شركات المحروقات المستفيدة من هذه الوضعية خفض أرباحها الفاحشة، وكذا إعادة توظيف جزء من المداخيل الجبائية الإضافية والكبيرة من أجل دعم أسعار المحروقات".

من جهته، قال الصحافي والباحث في العلوم السياسية يونس مسكين، إن المطلوب الآن تقديم إشارات جادة وملموسة تفيد بعودة الروح إلى المؤسسات.

وأيضا فتح الباب من جديد أمام أشكال التعبير الحر والتمثيل الفعلي للإرادة الشعبية، سواء منها الأشكال الحزبية أو الإعلامية أو النقابية أو جمعيات المجتمع المدني. 

وأضاف أن "المطلوب هو العودة إلى أصل الوعد الدستوري الذي تلقاه المغاربة خلال مرحلة الربيع العربي وتعزيز المشاركة المواطنة في إدارة الشأن العام والتطبيق الفعلي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وفصل رأسمال الخاص (الذي يمثله رئيس الحكومة الحالي) عن السلطة".

وكذلك "منع حالات تضارب المصالح واستغلال النفوذ واستعمال الأدوات الانتخابية والسياسية للتحايل على المواطنين".

وخلص مسكين إلى أن "إشارات قوية من هذا القبيل، إلى جانب إجراءات فعالة للتخفيف من عبء الأسعار والتبعات الكارثية لفترة الجائحة، مع رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ ظهور فيروس كورونا، هذا ما يمكن أن يزيل فتيل الغضب ويعيد الثقة للمواطنين".

أما أستاذ العلوم السياسية محمد غزالي، فيرى أن "على المعارضة السياسية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في تأطير المواطنين وإيصال مطالبهم بالطريقة المناسبة إلى من يهمهم الأمر".

ولو استدعى الأمر قيادة سلسلة متصاعدة من الاحتجاج السياسي السلمي، وتشكيل ضغط حقيقي على الحكومة لتخفيف معاناة المواطن، كما قال.

وأضاف غزالي، أن "المجتمع المدني مدعو كذلك لتشكيل قوة ضغط إضافية على الحكومة للتفاعل إيجابيا مع مطالب الشارع". 

وخلص إلى أنه "في غياب هذين الفاعلين، وأمام تفويت أهم المنابر الإعلامية للوزراء ورجال الأعمال سيكون مستقبل الوطن في خطر، وقد تعصف احتجاجات غير مؤطرة بالأمن والسكينة التي يتميز بهما المغرب".