لم تتحالف مع الخارج.. بريطانيا تكذب عسكر مصر عن دور "الإخوان" عام 1952

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشفت وثائق حكومية بريطانية، نشرها موقع هيئة الإذاعة الرسمية "بي بي سي" في 3 أغسطس/ آب 2022، أن استخبارات المملكة المتحدة حذرت قبل 70 عاما من مغبة أن يمكن الجيش المصري (الضباط الأحرار) جماعة الإخوان المسلمين من الوصول إلى حكم مصر. 

وأرجعت ذلك إلى أن الإخوان كانوا يتمتعون بشعبية طاغية بين الجيش والشعب في تلك الحقبة، وكانوا الأقدر على الفوز بأي انتخابات، حسب الوثيقة البريطانية. 

فعندما كانت مصر ترزح تحت الاحتلال البريطاني ولدت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد مؤسسها حسن البنا، وساهمت في إثراء وتغيير الحياة السياسية والاجتماعية آنذاك. 

ومع اندلاع ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، كان الإخوان ضلعا رئيسا في حركة الضباط، وعدتهم القوى العالمية وعلى رأسها بريطانيا، خطرا داهما على الاستعمار وأفكار الرأسمالية. 

مباغتة الثورة التي فشلت بريطانيا في توقعها، بحسب "بي بي سي" جعلت الاستخبارات البريطانية تتدارك الفشل، بعقد سياج من المؤامرات يفضي إلى القضاء على مراكز قوة المجتمع المصري، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد (ليبرالي). 

وفيما توقعت الحكومة البريطانية أن يمسك الإخوان المسلمون بزمام السلطة، بسبب شعبيتهم الجارفة، قامت بترتيب محكم مع أطراف من الضباط الأحرار على رأسهم البكباشي جمال عبدالناصر لمنع الجماعة من الحكم والمشاركة في الحكومة. 

وهي روايات تاريخية ووثائق تثبت فشل الشائعات التي روج لها إعلام رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ونخبته المزعومة بأن الجماعة مجرد صناعة "بريطانية" على حد زعمهم. 

بعبع الإخوان

وبحسب الوثيقة البريطانية، فإن تقدير الاستخبارات إبان حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، التي أطاحت بالملك فاروق، يتلخص في أنه إذا "لم يستطع نجيب الاحتفاظ بالسيطرة على الضباط الشبان وضبطهم، فإن هناك خطرا جديا في أن فصيل الإخوان أو الوفد سوف يكون له اليد العليا". 

ثم رجحت الاستخبارات أن تكون "يد الإخوان هي العليا" في مصر، وسيتحكمون في الحكومة والجيش. 

المثير أن الوثيقة البريطانية، وصفت الإخوان بـ "البعبع"، إذ قالت: "هدأنا شبح (البعبع) الشيوعي، والشعور الآن هو أن الأهم أنه لا يجب أن نسمح لـ(بعبع) الإخوان المسلمين بأن يكون له تأثير كبير في القضية الحالية".

وأشارت إلى أن "مجلس قيادة الثورة" برئاسة اللواء محمد نجيب، عرض رئاسة الحكومة على المستشار حسن الهضيبي، المرشد العام للإخوان المسلمين في ذلك الوقت.

وذكرت أن الهضيبي، مرشد الإخوان، نجح في إحياء الجماعة لتصبح ذات شعبية ونفوذ سياسي كبيرين في الشارع المصري، حسب تقدير المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط.

قوة الإخوان 

ويقول السفير البريطاني في مصر عام 1951، رالف اسكراين ستيفنسون، عن جماعة الإخوان المسلمين: "كل ممارس للسياسة في مصر، يرى في الجماعة قوة ذات جاذبية خاصة، لجوانب بعينها من العقل المصري". 

هذا ما خلصت إليه أيضا الاستخبارات البريطانية بحسب الوثيقة، وقد أقرت أنه "إذا قرر الإخوان المسلمون دخول المعترك السياسي (بعد ثورة 1952) فإنهم سيكتسحون الجميع في الانتخابات القادمة، ولن يكون لحزب الوفد فرصة في المشهد".

وأرجع ذلك لمجموعة أسباب أهمها أن 6 من 10 ضباط من كبار قادة الحركة هم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. 

قسم التنسيق الخاص بالشأن المصري في الاستخبارات البريطانية، أكد أن "20 بالمئة من الجيش أعضاء في الإخوان المسلمين مقارنة بـ4 في المئة فقط أعضاء في حزب الوفد". 

وقال: "لو وصل الإخوان للسلطة فإنهم يملكون سلاحا نفيسا لا يقدر بثمن يتمثل في كتائبهم التي لم يتم، كما هو معروف، حلها أبدا".

وأكمل "لا تزال تملك كميات كبيرة من الأسلحة، لم تستخدم بشكل كامل في منطقة القناة". 

الإخوان والثورة 

ويؤكد على ما جاء في الوثائق البريطانية المكشوف عنها، روايات ومذكرات بعض ضباط ثورة 23 يوليو أنفسهم، إضافة إلى مؤرخين ومفكرين مصريين. 

وكتب اللواء جمال حماد (أحد ضباط 23 يوليو) في كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو" عن دور الإخوان، قائلا: "الإخوان المسلمون الحركة الوحيدة التي كانت على علم مسبق ومباشر بقيام الثورة". 

وأضاف: "فلقد حرص جمال عبد الناصر على إجراء عدة اتصالات مع بعض قادة الجماعة، وأنبأهم بموعد الحركة، وطلب منهم مؤازرة الجماعة ومساعدتهم". 

ويعضد ذلك المفكر الإسلامي أحمد رائف في كتابه "البوابة السوداء" حيث ذكر أن عبد الناصر لم يقم بالثورة إلا بعد الاتفاق مع مرشد جماعة الإخوان المسلمين المستشار حسن الهضيبي. 

وكتب القيادي في مجلس قيادة الثورة، اللواء عبد اللطيف البغدادي، في مذكراته، "كان عليهم ضرورة الإسراع لتوفير التأييد الشعبي لإنجاح الحركة.. كان عليهم أن يتصلوا بالإخوان المسلمين، لأن التنظيم خرج من عباءة الجماعة، ولأن الجماعة تعلم بوجود التنظيم ودقائقه وأسراره، وكثير من ضباطه من أعضاء الإخوان المسلمين". 

حرس الثورة

وأورد الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه "ابن القرية والكتاب" عن مرحلة ثورة 23 يوليو، ودور جماعة الإخوان المسلمين فيها: "كان رجال الجيش يعدون الإخوان سندهم الشعبي، فلا غرو أن اعتمدوا عليهم في حراسة المنشآت، ومراقبة أي تحرك مريب". 

وذكر: "لقد طلب منا نحن الإخوان أن نحرس المنشآت الأجنبية من احتمال تحرك أي أيد مخربة تحاول أن تصطاد في الماء العكر، والوضع حساس لا يحتمل وقوع أي حادث يكدر صفو الأمن، ويظهر وجود معارضة للانقلاب". 

ثم كشف أنه "صدرت التعليمات لأفراد النظام الخاص بالمرابطة على طريق القاهرة السويس، والقاهرة الإسماعيلية في الزي المدني، وبالأسلحة التي يحتاجون إليها بجانب الجيش المصري، لإعاقة حركة الجيش البريطاني إذا فكر في التدخل العسكري على طريقة الثورة العرابية". 

وكتب الدكتور صلاح الخالدي في مؤلفه "سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد"، بأن "قيادة التنظيم بزعامة عبد الناصر، أصدرت أمرا سريا لأعضائها بقراءة مقالاته، وكان كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) من أوائل الكتب التي كان الضباط الأحرار يتدارسونها في لقاءاتهم السرية".

تلك الروايات المقتطفة من شهادات طويلة ومتعددة، تؤكد إلى ما خلص إليه التقرير عن الاستخبارات البريطانية بمدى قوة وتغلغل جماعة الإخوان في المجتمع المصري إبان ثورة 23 يوليو. 

وبدورها الفارق والمحوري في الثورة، وأنها كانت المناجز الشعبي الأول للاحتلال على عكس ما يدعيه خصومها من كونها صناعة المحتل. 

مثل الصحفي والباحث بمركز الأهرام للدراسات، عمرو عبدالسميع (توفي 2020) الذي قال في حوار عام 2015 إن "الإخوان صناعة بريطانية من أولها إلى آخرها". 

وهو ما روجت له بعض الصحف والمواقع التابعة لنظام عبدالفتاح السيسي، مثل "البوابة نيوز" و"اليوم السابع". 

لسان العدو 

وتعليقا على ذلك قال الباحث الإسلامي الدكتور ماهر بدوي إن "الحق ما شهد به العدو، وبعيدا عن تاريخ هذه المرحلة الذي تم تزويره ومحاولة محقه بالكامل، فإن التراث الذي كتب في مذكرات قادة مجلس قيادة الثورة، والناقدين للناصرية أكدوا الدور المحوري للإخوان في مقاومة الاستعمار البريطاني".

وأضاف بدوي لـ"الاستقلال"، وهو من مؤرخي الحركات الإسلامية المعاصرة، "خاصة في نشاط الشيخ الراحل محمد فرغلي (قائد كتائب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين)، ويوسف طلعت، الذي كان ملقبا بـ (جزار الإنجليز في القنال)".

وتابع: "وبالتالي فإن بريطانيا كانت ترى في الجماعة ألد أعدائها في المنطقة، لا سيما أنها شاركت في تصفية الإمام حسن البنا عام 1949 أي قبل اندلاع الثورة بـ 3 أعوام". 

ولفت بدوي إلى أن "دور الإخوان في ثورة 23 يوليو لم يكن الدعم فقط، بل صناعة الحدث، فعبد الناصر والسادات كانوا أعضاء في الجماعة، كما ذكر الأستاذ منير الدلة (من قادة الجماعة وكان مستشارا بمجلس الدولة)".

ومضى يقول: "حتى أن عبدالناصر هو من قاد تنظيم الإخوان داخل الجيش، عقب رحيل الصاغ محمود لبيب مؤسس التنظيم، والإخوان هم الذين أنقذوا الثورة عن طريق حماية الطرق المؤدية إلى القاهرة ومداخلها، سواء من الإنجليز المتمركزين في القنال، أو وحدات الجيش غير المنضوية في الثورة والمؤيدة للملك". 

واستطرد بدوي: "حتى في التراث المصور لتلك الحقبة، فهناك الصورة الشهيرة لكبار قادة مجلس قيادة الثورة، على رأسهم عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، والسادات، وهم يصلون خلف مرشد جماعة الإخوان المسلمين حسن الهضيبي، والثانية لعبد الناصر، وهو يقف ويقرأ الفاتحة على قبر الإمام حسن البنا رحمه الله". 

ثم عقب بالقول: "النظام الحالي والأنظمة السابقة تغافلوا أنهم بتشويه تاريخ الإخوان يشوهون ويخونون تاريخ مصر، بإنكار جماعة قاومت الاحتلال والمستعمر، ثم ساهمت في الثورة وإقامة الجمهورية المصرية، فكيف إذا تكون صناعة بريطانية، هذا حديث لا يصدقه إلا جاهل بالتاريخ لا يقرأ، أو موتور غير منصف".