إكراهات خارجية أم مصالح خاصة؟.. أخنوش يتجاهل "النموذج التنموي" الجديد

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد الإعلان عن الصيغة النهائية لتقرير "النموذج التنموي الجديد"، وما تبعه من نقاش سواء تعلق الأمر بالإشادة بمضامينه أو ما تعرض له من انتقادات وملاحظات، اختفى الحديث بعدها عن "النموذج التنموي" وسبل تطبيقه على أرض الواقع.

ويحمل التقرير تشخيصا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب، ويقدم رؤية عن التوجهات، التي ينبغي أن تسير عليها البلاد في أفق 2035.

وفي 25 مايو/أيار 2021، سلم رئيس اللجنة الملكية الخاصة بالنموذج التنموي، شكيب بنموسى، تقرير "النموذج التنموي"، إلى عاهل البلاد، محمد السادس، بالقصر الملكي في مدينة فاس.

حبر على ورق

اللجنة التي عينها الملك محمد السادس في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، قدمت "مقترحات إستراتيجية، تتمثل أساسا في تنمية الرأسمال البشري، وتفعيل آليات الارتقاء الاجتماعي، والاهتمام بمنظومة التعليم، لتهييء الكفاءات لـ"مغرب الغد"، في إطار نهضة تربوية تضع التلميذ في صلب أولوياتها".

إضافة إلى إدماج المواطنين كافة، من خلال "إرساء نظام حماية اجتماعية أكثر فعالية، داعية إلى تعبئة التنوع الثقافي كرافعة للانفتاح والحوار والتماسك الاجتماعي".

كما رصد التقرير "شعور المواطنين بتراجع ثقتهم في السياسيين، واتساع الفوارق الاجتماعية وبروز "توترات اجتماعية، خاصة في المدن الصغرى والمتوسطة".

وإذا كان متابعون يرجعون اختفاء النقاش السياسي والمجتمعي بخصوص "النموذج التنموي" لظروف وإكراهات خارجية، بداية من جائحة "كورونا" إلى أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية، فإن مراقبين يتساءلون، هل يعني ذلك تخليا عن "النموذج الجديد" أم أن الأمر يتعلق فقط بعدم توفر الشروط المناسبة لتطبيقه بسبب توالي الأزمات؟

الخبير الاقتصادي، المهدي لحلو، قال إن "النموذج التنموي الجديد لا هو حقق ولن يحقق، لاعتبارين أساسيين؛ الأول أنه لم يعط تحليلا للواقع الفعلي للاقتصاد المغربي والأسباب التي أدت لإخفاق ما كان يسمى بالنموذج القديم إذا كان هناك فعلا نموذج قديم".

وأضاف لحلو، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الاعتبار الثاني هو أن التقرير لم يذكر الموارد المالية المطلوبة لتحقيق أهدافه"، مبينا أن "النموذج التنموي الجديد سيبقى حبرا على ورق في غياب هذين الاعتبارين".  

ولاحظ الخبير الاقتصادي، أن تقرير النموذج التنموي الجديد لم يتطرق للأسباب التي أدت لإخفاق "النموذج التنموي القديم" (في إشارة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، مضيفا أنه "إذا لم تعرف أسباب الإخفاق لا يمكنك أن تقول ما يمكننا أن نقوم به أحسن مما كان قائما".

و"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" برنامج أطلقه المغرب لمحاربة الفقر عام 2005، وأعلن عن فشله مع إطلاق مبادرة "النموذج التنموي الجديد".

مصالح خاصة

وسجل لحلو، أن "رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، لم يعد يذكر تقرير النموذج التنموي الجديد، في حين كان ينبغي أن يكون البرنامج الذي اعتمده منذ بداية هذه السنة جزءا من تطبيق هذا النموذج الجديد للتنمية".

وعد أن رئيس الحكومة "لم يقل عندما قدم برنامجه الانتخابي أنه سيطبق النموذج التنموي الجديد، بل تحدث عن الزيادة في الأجور للموظفين وتعميم التغطية الاجتماعية (الصحية)...".

وتابع لحلو: "أخنوش لم يقل أنه سيعمل على تنزيل أهداف النموذج التنموي عبر تحقيق 6.7 بالمئة من النمو سنويا، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الفلاحي، وتحقيق طفرة في المجال الطاقي، وجعل المغرب مستقلا عن الدول الخارجية".

ولفت إلى أنه "لم يتم تعيين المساهمين في إعداد تقرير النموذج التنموي الجديد، بمن فيهم الاقتصاديين في مناصب حكومية، باستثناء رئيس اللجنة، بنموسى، الذي عين في أصعب وزارة وهي التعليم".

وأشار إلى أن "أعضاء اللجنة ساهموا في فترة الإعداد، وبعدها توقف الحديث عن النموذج التنموي الجديد".

وعد لحلو أن "هذا التوقف ليس بسبب كورونا أو الحرب الروسية-الأوكرانية، بل لاعتبارات أخرى، منها سياسي بالأساس، وهو أن أخنوش رئيس أكبر شركة لتوزيع المحروقات في المغرب، عندما وصل للحكومة أصبح يعمل من أجل مصالحه الخاصة أكثر من مصالح البلاد والاقتصاد الوطني، ولم يعد يذكر النموذج الجديد للتنمية".

في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي، المهدي فقير، أن "النموذج التنموي الجديد هو وثيقة مرجعية قامت بإعدادها لجنة خاصة حددت عددا من الأهداف ووضعت جدولا زمنيا لتحقيقها".

وبخصوص توقف الحديث عن تنزيل النموذج التنموي الجديد، قال فقير: "في تقديري هذه مسألة طبيعية، لأنه مع كامل الأسف الواقع الحالي والإكراهات الراهنة التي لم تكن على البال، لم تترك مجالا للحديث عن الموضوع".

وعد فقير، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "رغم التحديات والإكراهات التي لم يكن في الإمكان استشرافها، فإنه ينبغي على الطبقة السياسية أن تتحدث عن المستقبل بمنطق البدائل".

تشكيك دولي

وفي ظل اختفاء النقاش المجتمعي والسياسي حول "النموذج التنموي الجديد"، شكك خبراء صندوق النقد الدولي في إمكانية تحقيق أهداف "النموذج" داخل السقف الزمني المحدد، بالنظر إلى ما يتطلب تنزيله من موارد مالية ضخمة.

وتتطلب الإصلاحات والمشاريع المقترحة، حسب تقرير اللجنة الملكية، تمويلا إضافيا يبلغ حوالي 4 بالمئة من الناتج الداخلي الخام سنويا في مرحلة البدء (2022-2025)، وحوالي 10 بالمئة من الناتج الداخلي الخام في أفق 2030.

وحسب جريدة "الصباح" المحلية في تقرير نشرته في 12 مارس/آذار 2022، فقد أوضح خبراء صندوق النقد الدولي أنه "إذا كان تنفيذ الإصلاحات المضمنة في النموذج التنموي بإمكانه تحقيق إنعاش هام بالمغرب، فإن التنفيذ الفعلي لها وانعكاساتها المنتظرة يظل محط تساؤل".

وشدد الخبراء على أن "عدم الوصول إلى تسارع النمو بوتيرة عالية سيجعل من الصعب توفير الموارد الضرورية لمباشرة الإصلاحات المنتظرة".

وفي تعليقه على ملاحظات صندوق النقد الدولي، يرى المحلل الاقتصادي، فقير، أن "الصندوق يتحدث عن الموارد المالية لتحقيق أهداف (النموذج التنموي) في استحضار للوضعية الحالية والهوامش المتاحة اليوم".

وأكد على أنه "إذا كانت هناك سياسات ابتكارية وإرادة سياسية حكومية، فإنه يمكن الوصول للموارد المالية المطلوبة وتحقيق أهداف النموذج التنموي".

وأقر فقير، أنه "إذا لم تكن هناك إرادة حقيقية لدى الجهاز التنفيذي لإبداع وابتكار سياسات وهوامش جديدة تسمح بتوفير الموارد المالية الكافية لتنزيل النموذج التنموي الجديد، فإنه لن نتمكن من تحقيق أهداف النموذج التنموي".

وشدد المحلل الاقتصادي، على أن "هناك مسؤولية كبيرة على الجهاز التنفيذي والقوى الحية بالبلاد لتحقيق هذه الأهداف، وبالتالي بعث نهضة حقيقية".

من جهته، عد الخبير الاقتصادي، لحلو، أن "ما جاء به معدو تقرير النموذج التنموي من مقترحات وأهداف وإستراتيجيات للتنمية، لم يتضمن تحديدا للكلفة المالية والموارد الضرورية لتمويلها".

وقال لحلو، إنه "بغض النظر عن الأسباب الخارجية (جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية)، فإنه لم توفر على المستوى الداخلي الإمكانيات اللازمة لتحقيق أهداف النموذج التنموي".

وأضاف "في الحقيقة لا توجد هناك أهداف بل هي أفكار عامة وفلسفة عامة من قبيل (مجتمع قوي) و(دولة قوية) و(تقوية الإدارة العمومية)..."، متسائلا: "ما معنى مجتمع قوي؟ وما معنى دولة قوية؟...".

وأوضح لحلو أن "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي اشتغلت في ظل جائحة كورونا ما دام أنه تم الإعلان عن الانتهاء من إعداد التقرير في 25 مايو 2021، ولذا كان ينبغي أن تدخل نتائج وتداعيات كورونا في عين الاعتبار".

واستدرك: "لكن لم يأخذوا تداعيات كورونا بعين الاعتبار، وقالوا إنهم يطمحون لتحقيق نسب نمو سنوية تفوق 6 بالمئة في المتوسط".

وخلص لحلو، إلى أن "الحاصل اليوم هو أن هناك أزمات داخلية وخارجية لن تصل معها نسبة النمو السنوي للرقم الذي تحدث عنه ما يسمى بتقرير النموذج التنموي الجديد".