إطلاق حزب الله مسيرات "فشنك" فوق حقل كاريش.. العين على إسرائيل أم لبنان؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"وصلت الرسالة" بهذه العبارة علق حزب الله اللبناني على الطائرات المسيرة الثلاث غير المسلحة (فشنك) التي أرسلها إلى حقل غاز "كاريش" شرق البحر المتوسط المتنازع عليه من إسرائيل، فيما أعلن جيش الاحتلال أنه تمكن من إسقاطها رغم أنها "لم تشكل تهديدا حقيقيا".

"الحزب" قال خلال بيان مقتضب في 2 يوليو/ تموز 2022، إن مجموعة تابعة له "أطلقت ثلاث مسيرات غير مسلحة بأحجام مختلفة باتجاه ‏المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهام استطلاعية، وأن ‏المهمة المطلوبة أنجزت ووصلت الرسالة".

وعلى ضوء ذلك، أثيرت تساؤلات بخصوص ماهية الرسالة التي أراد حزب الله اللبناني إيصالها، وسر التوقيت التي أطلق فيها الطائرات المسيرة غير المسلحة إلى منطقة حقل غاز كاريش الذي يسيطر عليه حاليا الاحتلال الإسرائيلي؟

"رسائل مشفرة"

وتعليقا على توقيت العملية والرسالة الموجهة، رأى الكاتب اللبناني المقرب من حزب الله شوقي عواضة خلال مقال نشرته صحيفة "26 سبتمبر" اليمنية التابعة للحوثيين في 3 يوليو، أن "إرسال ثلاث طائرات مسيرة في مهمة استطلاعية ضمن حقل كاريش تحمل رسائل عدة".

وأوضح عواضة أن الرسائل حملت "جدية تهديدات المقاومة وعدم التراجع عن حق لبنان في النفط في ظل الحديث عن وصول بوارجَ أميركية لحماية سفن استخراج النفط في كاريش".

وأشار الكاتب إلى أن الطائرات حملت رسالة "تحذير أميركا والأمم المتحدة والكيان الصّهيوني من مغبّة استخراج النّفط وعده إعلان حرب. كذلك تصنيف كاريش منطقة نزاع لا يحق للكيان الصهيوني استخراج النّفط منه. إضافة إلى التّأكيد على جهوزية المقاومة لمنع الكيان الصهيوني من استخراج النفط تحت أي ظرف".

وفي المقابل، قالت صحيفة "نداء وطن" اللبنانية خلال تقرير في 4 يوليو، إن المسيرات حملت تحت أجنحتها "رسالة مشفّرة" في المقابل إلى الدول العربية "تذكر بسطوة" حزب الله ومحوره الإقليمي على مجريات الأحداث اللبنانية، كما رأت مصادر دبلوماسية.

وذكرت الصحيفة أن هذه الرسالة التي تزامنت مع انعقاد الاجتماع التشاوري على مستوى وزراء الخارجية العرب على الأراضي اللبنانية، عزز وجهة النظر العربية التي ترى استحالة إصلاح الأوضاع في لبنان طالما بقيت الدولة ملحقة بأجندة حزب الله الإستراتيجية وقرارها مُصادرا في الحرب والسلم.

أما عن "الرسالة" التي رأى حزب الله أنها "وصلت" في البيان الذي أصدره، فتلقفتها إسرائيل "للتملّص من مفاوضات ترسيم الحدود وتحميل لبنان مسؤولية إفشال الوساطة الأميركية في هذا المجال بذريعة أنّ الدولة اللبنانية غير قادرة على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية”، وفقا للصحيفة.

ورأت الصحيفة أن "إسرائيل بدت أكبر المستفيدين" من هذه الخطوة التي أقدم عليها حزب الله بحيث منحتها "الحجة لتحريض الوسيط الأميركي على لبنان والهروب إلى الأمام نحو تبرير استكمال عمليات استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها بمعزل عن مفاوضات الترسيم".

"رسالة للداخل"

وفي قراءة عبرية لما أقدم عليه حزب الله، قال الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل، خلال مقال نشرته صحيفة "هآرتس": "يبدو أن هدف نصر الله بإرسال الرسالة هو المهمة بحد ذاتها. لهذه الرسالة عناوين كثيرة".

وأوضح الكاتب أن "إسرائيل تفهم منها بأن حزب الله لا يخشى من المواجهة العنيفة، حتى إنه على استعداد للمبادرة إليها إذا اعتقد بأن إسرائيل تمس بسيادة لبنان وتنقب عن الغاز في الحقل الذي يدعي لبنان السيادة عليه".

واستدرك: "لكن إذا كان هذا هو القصد، فإنه يناقض تصريحاته التي أصدرها قبل بضعة أشهر، التي بحسبها سيؤيد أي قرار لحكومة لبنان في مسألة ترسيم الحدود الإقليمية مع إسرائيل، وسيوافق بصمت على إجراء المفاوضات بين إسرائيل ولبنان".

وأردف برئيل قائلا إن "حسن نصر الله هدد أخيرا بأنه سيقطع اليد التي ستحاول المس بسيادة لبنان. ولكنه تهديد غير موجه لإسرائيل فقط، بل لأي حكومة لبنانية أو رئيس حكومة لبناني يتنازلان لإسرائيل".

وأشار إلى أنه "في اليوم الذي تم فيه إطلاق المسيرات، هبط وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بدمشق ليناقش مع الأسد إمكانية ترميم العلاقات بين تركيا وسوريا، هذا بعد أن زار تركيا".

ورأى الكاتب أن "وجود عبد اللهيان في سوريا إلى جانب الفرضية المعتادة التي سيكون حزب الله ملزما بالتنسيق المسبق مع إيران قبل أي عملية في المجال الدولي، مثل إطلاق المسيرات أو إطلاق النار على إسرائيل، سيقود إلى استنتاج بأن إيران تقف من وراء العملية.

وتابع برئيل: "لكن كانت هناك حالات عمل فيها حزب الله ضد إسرائيل بدون تنسيق مسبق مع إيران، مثلما في حادثة اختطاف الجنود في 2006 التي أدت إلى حرب لبنان الثانية".

وتساءل قائلا: "إذا كان حزب الله نسق إطلاق المسيرات مع إيران لتنفيذ عملية انتقام على العمليات المنسوبة لإسرائيل في إيران وسوريا، فلماذا لم يتم إطلاق مسيرات متفجرة؟"

في المقابل، إذا لم يكن قد نسق العملية مع إيران، وسارع إلى تحمل المسؤولية عن العملية، فيبدو أن نصر الله قد أراد نقل رسالة علنية ومدوية إلى الساحة اللبنانية الداخلية"، يلخص الكاتب.

رسالة مزدوجة

أما تفسيرات حزب الله نفسه للرسالة التي أراد إيصالها، فهو ما أعلنه القيادي فيه محمد يزبك، في 3 يوليو، بالحديث عن إطلاق المسيرات هو رسالة، ليست فقط لإسرائيل، وإنما أيضا كانت للوسيط الأميركي "آموس هوكشتاين".

ونقلت قناة "المنار" التابعة للحزب عن يزبك قوله: "حفاظ لبنان على ثرواته لا يكون إلا بإشعار العدو بأننا أقوياء، ووصلت الرسالة بالأمس من خلال المسيرات، وهذه الرسالة ليست للعدو الإسرائيلي فقط، بل أيضا للوسيط الأميركي بأنه لا يمكن الاستخفاف أو الاستهزاء بحقوق لبنان".

وكذلك نقلت قناة "أو تي في" اللبنانية عن مصدر وصفته بـ"رفيع المستوى" في "حزب الله​"، قوله إن "هذه الرسالة كان يجب أن تصل ووصلت وجاءت لتقوي موقف الدولة اللبنانية بالتفاوض"، محذرا إسرائيل بأنه "لا يستطيع أحد البدء بالعمل في كاريش دون اتفاق مع لبنان وأننا معنيون بسيادة لبنان".

وأشار إلى أن "هناك رسالة وصلت من الأميركيين مفادها بأن أمام لبنان مهلة شهرين لإنجاز الاتفاق حول ترسيم ​الحدود​ وخلال هذين الشهرين إسرائيل ستعمل في ​حقل كاريش​، وبعدها إن حصل اتفاق أو لم يحصل فإسرائيل ستستخرج ​الغاز​ من كاريش، متسائلا: ألا تمس هذه الرسالة السيادة اللبنانية؟".

وفي 9 يونيو/ حزيران 2022، أكد حزب الله اللبناني أن الهدف المباشر يجب أن يكون منع إسرائيل من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، حيث حذّر أمينه العام حسن نصر الله من أن "الحزب لن يقف مكتوف الأيدي، وأن كل الإجراءات الإسرائيلية لن تستطيع حماية المنصة العائمة لاستخراج النفط من حقل كاريش".

وعلى صعيد الحكومة اللبنانية، صرّح وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، خلال مؤتمر صحفي ببيروت في 4 يوليو، أن "إطلاق حزب الله طائرات مسيّرة باتجاه حقل كاريش، جرى خارج مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي، ويعرّض البلد لمخاطر هو في غنى عنها".

وأوضح بوحبيب أن "المفاوضات الجارية بمساع من الوسيط الأميركي بلغت مراحل متقدمة"، لافتا إلى أن "لبنان يجدد دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل إلى حل يحفظ كامل الحقوق اللبنانية بوضوح تام، والمطالبة بالإسراع في وتيرة المفاوضات".

وأشار إلى أن "لبنان يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية، ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية"، مجددا المطالبة بوقف "الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لسيادته (لبنان) بحرا وبرا وجوا".

وكانت المفاوضات التي انطلقت بين لبنان وإسرائيل عام 2020 بوساطة أميركية، قد توقّفت في مايو/ أيار 2021، جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها، بما في ذلك حقل غاز كاريش، ليُعلَن بعدها عن دخول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي "إنرجان باور" الإسرائيلية إلى المنطقة المتنازع عليها لبدء التنقيب عن النفط.

وعلى أثر ذلك، دعا الرئيس اللبناني ميشال عون في 14 يونيو/ حزيران 2022 الوسيط الأميركي للحضور إلى بيروت؛ حيث التقى مسؤولين وحمل طرحا لبنانيا يضمن في المرحلة الأولى الحصول على حقل "قانا" والخط 23، وهو ما لا تزال بيروت تنتظر الرد عليه مقابل كاريش لإسرائيل.

ويسيطر حزب الله اللبناني المدعوم من إيران على منطقة جنوبي لبنان الحدودية مع الاحتلال الإسرائيلي، وتتنازع بيروت وتل أبيب على منطقة بحرية مساحتها 860 كلم مربعا غنية بالنفط والغاز.

وفي أحدث تعليق حكومي أعلن الرئيس عون في تصريحات لقناة "أو تي في" اللبنانية في 7 يوليو، أن مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل "ستنتهي قريبا".