إيران توافق على العملية العسكرية التركية في سوريا.. لماذا غيرت موقفها؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع تأكيد تركيا أن عمليتها العسكرية الجديدة شمال شرقي سوريا، قد تبدأ بأي لحظة بمجرد الانتهاء من التحضيرات، تراجعت إيران عن رفضها للخطوة التركية ضد فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

والفرع السوري من "بي كا كا"، هو قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د".

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

وتحول موقف طهران بشكل مفاجئ، من العملية التركية التي أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان، في 23 مايو/أيار 2022، بهدف استكمال "الحزام الأمني" عند حدود تركيا الجنوبية.

انقلاب الموقف

وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، في 27 يونيو/حزيران 2022 بالعاصمة أنقرة، على ضرورة تبديد المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا "بأسرع وقت وبشكل دائم".

وأضاف عبد اللهيان، أن إيران تتفهم بشكل جيد للغاية المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا، وطرحها تنفيذ عملية خاصة هناك بنفس الوقت.

ولفت إلى أنهم اقترحوا على تشاووش أوغلو خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، خطة عمل شاملة وخارطة طريق، لتعميق وتحسين العلاقات الثنائية، معربا عن رغبة طهران في المضي قدما بهذا الأمر.

وجاء تغير موقف طهران من العملية التركية، عقب إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، في 29 مايو أن "إيران تعارض أي عمل عسكري واستخدام القوة على أراضي سائر الدول بهدف تسوية الخلافات بين الجانبين".

وعد خطيب زاده، بحسب ما نقلت عنه وكالة "تسنيم" شبه الرسمية، أن العملية العسكرية المحتملة من قبل تركيا ستؤدي إلى "مزيد من التعقيد والتصعيد" في سوريا.

وبات واضحا، وجود جملة من المتغيرات دفعت طهران إلى أن لا ترى تركيا على الأقل في جبهة ثانية، موازية لإعلان إسرائيل في 20 يونيو 2022، إنشاء تحالف عسكري جوي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، بهدف مواجهة إيران.

هذا إضافة إلى حديث ملك الأردن عبد الله الثاني في 24 يونيو عن دعم إنشاء "ناتو الشرق الأوسط"، والذي سيكون على رأس أولوياته مجابهة إيران.

ويرى مراقبون أن إيران باتت تخشى من تأثير التقارب التركي السعودي، كذلك، على الأوضاع في اليمن حيث تدعم طهران مليشيا الحوثيين التي تحاربها الرياض منذ عام 2015.

واللافت أن التراجع الإيراني المحكوم بالتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، وضع النظام السوري في موقف محرج، بعدما وصف رئيسه بشار الأسد، في 9 يونيو 2022 العملية التركية المحتملة بـ"الغزو".

إذ إن الأسد رفع سقف التصعيد وتوعد بـ "مقاومة شعبية" ضد تركيا، لكن الواقع الميداني يؤكد أن القدرة العسكرية الحالية لقوات النظام عمادها المليشيات الإيرانية والروسية، والذي لن يستطيع أن يقدم على خطوة من هذا النوع دون موافقة طهران وموسكو.

تخبط إيراني

وهذا ما يدلل على حالة التخبط التي كان يعيشها صانع القرار الإيراني، ولا سيما أن العيون باتت مفتوحة على وجود طهران بسوريا؛ عقب إعادة التموضع الروسي ميدانيا في بعض المواقع السورية بتأثير مباشر من حرب أوكرانيا.

وتتجلى المصالح التركية والإيرانية في مجالات الطاقة والتجارة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أقل من 7 مليارات دولار بحسب إحصائية الجمارك الإيرانية لعالم 2021.

وبين وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو أن رئيسي البلدين حددا هدف الوصول إلى 30 مليار دولار لحجم التجارة بين طهران وأنقرة.

كما تمر إيران بوضع حرج على الصعيد الاقتصادي، جراء العقوبات الأميركية منذ عام 2018، محدثة ارتفاعا في التضخم، وتراجعا بالناتج المحلي الإجمالي وزيادة بالأسعار، ويتحمل المواطنون الإيرانيون العبء الأكبر في ذلك.

وبينما تعتمد تركيا على النفط والغاز الإيراني، تشكل الواردات الإيرانية من البضائع التركية عصبا مهما في تحريك أسواق طهران.

وخلال لقائه بنظيره الإيراني، لفت تشاووش أوغلو إلى أن تركيا تعارض العقوبات الأحادية ضد إيران.

وفي هذا السياق عزا الكاتب المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، تراجع إيران عن موقفها من العملية العسكرية التركية، "لحالة البروز التركي على الصعيد الدولي وامتلاكها أوراق قوة جديدة وصلت لخطب ود أنقرة من قبل الأطراف الدولية المتناحرة".

وقال جلو لـ"الاستقلال"، إن "طهران لم تحصل على صفقة مع تركيا حول تمرير عمليتها العسكرية بسوريا، بل هو اعتراف ضمني بضعف أوراقها حاليا على الأراضي السورية".

وأكد أن "طهران حاليا في أضعف حالاتها منذ عقد تقريبا سواء على الصعيد الداخلي الشعبي، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، من الانسداد في المفاوضات النووية والحديث عن بوادر تأسيس تحالف أمني إقليمي يجمع فرقاء الأمس لمواجهة التهديدات الإيرانية".

ومضى يقول: "وعليه تسعى طهران لمحاولة تخفيض علاقاتها المتوترة مع الجوار الإيراني، من السعودية حتى تركيا".

سياسة براغماتية

ويضيف جلو: "إن طهران موقنة أن العملية التركية لن تقتصر على الجغرافيا السورية بل ستمتد للشمال العراقي، وخاصة مع وجود حرب الوكالة بين إيران وتركيا هناك باستعمال حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الوطني الكردستاني".

وزاد بالقول: "إن الحلقة الحيوية في هذا الصراع هي إحكام السيطرة على سنجار لكونها عقدة الوصل بين سوريا والعراق، وبالتالي إما أن تقطع الطريق على طهران في حال خضوعها للسيطرة التركية أو تبقى طريق الإمداد البشري واللوجستي للمشروع الإيراني قائمة".

وذهب المهتم بالشأن الإيراني للقول: إن "تراجع إيران لم يكن نتيجة حصولها على مكاسب كانت ترجوها، بقدر ما هو تنفيذ دقيق لسياسية براغماتية واقعية تجيد فيها الانحناء أمام الرياح المعارضة لمصالحها".

وتنطلق تركيا من عزمها لشن عملية عسكرية هي الثالثة ضد فروع "بي كا كا" والخامسة بسوريا، لوأد حلم تشكل كيان انفصالي على حدودها الجنوبية داخل الأراضي السورية.

وكذلك عزم أنقرة تحويل ذاك الشريط الحدودي إلى منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا، للسوريين الفارين من بطش نظام الأسد.

لكن تركيا اصطدمت بعدم وفاء الولايات المتحدة وروسيا عام 2018 بتفاهمات معها حول خروج فروع "بي كا كا" من بعض المناطق التي تعيق تشكيل المنطقة الآمنة.

إذ تعد مدينة منبج الإستراتيجية الخاضعة حاليا لقوات "قسد" منذ أغسطس/آب 2016، والتي تبعد عن حدودها 80 كيلومترا "حجر عثرة" أمام إتمام إنشاء المنطقة الآمنة، لكن واشنطن تخلت عن تعهداتها لأنقرة بإخلاء تلك العناصر.

فبعد أن أطلقت تركيا في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 عملية "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، وجرى إبعاد فروع "بي كا كا" لمسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية، اتفقت أنقرة وواشنطن عقب العملية على تطبيق خارطة طريق منبج السورية المبرمة بينهما في يونيو 2018 ومدتها 90 يوما.

وتنتهي الخارطة بخروج "قسد" من المدينة وتسليمها لمجلس محلي منتخب، إلا أن واشنطن لم تنفذ الاتفاق وبقيت منذ ذلك الحين تماطل وأبقت على هذا الملف كـ"ورقة ضغط" على تركيا، وفق مراقبين.

استمالة تركيا

ومن هنا كان الموقف الإيراني يستمد قوته في رفض أي عملية عسكرية تركية شمال شرقي سوريا التي تربطها علاقة جيدة مع قوات "قسد".

لكن وفق خبراء في الشأن الإيراني، فإن الظروف الدولية عام 2022، باتت متغيرة جذريا، عقب حرب أوكرانيا، وضبط روسيا لشكل جودها في سوريا؛ بهدف التركيز على حربها المفتوحة مع الغرب.

ولذا فإن قلق إيران من العملية التركية المحتملة، ينبع من أنها تشكل ضربة لنفوذ مليشياتها في ريف حلب، ولا سيما أن مدينة تل رفعت هي أولى المدن التي تلوح تركيا باستعادتها.

إذ تريد طهران أن تبقي المعارضة السورية بعيدة عن بلدتي نبل والزهراء بريف حلب اللتين تشكلان معقلا للمليشيات الإيرانية.

وتل رفعت تخضع حاليا لسيطرة قوات "ي ب ج" الكردية بعدما انتزعتها من فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى بلدات محيطة بها في فبراير/شباط 2016 بمساندة وغطاء جوي روسي.

وحينها تسلم النظام السوري، ثماني مناطق في محيط تل رفعت وصولا إلى بلدتي نبل والزهراء، وتمتد على نقاط تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركيا في مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال حلب.

ولهذا تبحث إيران عن تثبيت نقاط تمركزها في المناطق القريبة من العملية التركية، وعلى الأقل تجميد الوضع العسكري الحالي أسوة بمناطق النفوذ الروسي.

ولهذا يعزو الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، تراجع الموقف الإيراني من العملية التركية "للضغوطات التي تتعرض لها طهران وخاصة في ظل تحالف إقليمي يتشكل ضدها، وهي تريد أن تبقى تركيا على الحياد وعلى المسافة من الجميع مثلما حدث لروسيا في أوكرانيا".

وأضاف الحافظ في تصريحات تلفزيونية في 29 يونيو أن "الواقع يقول إن إيران ستكون متضررة جدا من العملية التركية في سوريا وهي غير راضية عنها لأن مصالحها ستتضرر".

وختم بالقول: "لذا إيران لا تدعم العملية بل موقفها المتقلب هو محاولة دبلوماسية غير صائبة وبائسة بهدف استمالة أنقرة لطرفها في التحالف الدولي الذي يتشكل ضدها".