تبعث رسائل دون مواجهة.. لماذا تعارض إيران شن تركيا عملية جديدة بسوريا؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يزداد تلويح تركيا بعزمها إطلاق عملية عسكرية جديدة ضد فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في مناطق متعددة شمال سوريا، لاستكمال "الحزام الأمني" على حدودها الجنوبية.

ويساور "القلق" الولايات المتحدة حيال تلك العملية، فهي تدعم عسكريا فروع "بي كا كا" شمال شرقي سوريا، ولكن وسط ذلك يأتي موقف إيران صريحا بالاعتراض عليها.

"الحزام الأمني"

وجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 29 مايو/أيار 2022، عزم بلاده استكمال "الحزام الأمني" الذي تعمل على إقامته على طول حدودها مع سوريا في "أسرع وقت ممكن". وقال إنه "لا يمكننا ترك أدنى هجوم يتم شنه على تركيا من هناك دون رد".

ولفت إلى وجود "بؤر تتركز فيها التنظيمات الإرهابية تنشط في مناطق تمتد من شمال شرقي إلى شمال غربي سوريا" (في إشارة بي كا كا وفروعه).

وأعرب أردوغان عن أسفه لمواصلة قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة تزويد تلك التنظيمات بالأسلحة والعتاد والذخيرة.

وسبق أن أكد مجلس الأمن القومي التركي، خلال اجتماع له في 26 مايو 2022، أن العمليات العسكرية الجارية حاليا على الحدود الجنوبية للبلاد والأخرى التي ستنفذ، ضرورة للأمن القومي، وأنها لا تستهدف سيادة دول الجوار.

وخلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في 30 مايو 2022، أكد أردوغان أن إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كم بات "ضرورة ملحة".

لكن وزارة الخارجية الإيرانية، أعلنت معارضتها للعملية العسكرية المحتملة ضد فروع حزب العمال الكردستاني، والموجودة في أكثر من منطقة على طول الحدود الجنوبية مع سوريا.

والفرع السوري من "بي كا كا"، هو قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د".

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

وبحسب وكالة "تسنيم" شبه الرسمية، قال المتحدث باسم الوزارة سعيد خطيب زاده، في 29 مايو إن "إيران تعارض أي عمل عسكري واستخدام القوة على أراضي سائر الدول بهدف تسوية الخلافات بين الجانبين وتعده انتهاكا لوحدة أراضي هذه الدول وسيادتها الوطنية".

وبين المسؤول الإيراني أن العملية العسكرية المحتملة من قبل تركيا ستؤدي إلى "مزيد من التعقيد والتصعيد" في سوريا.

وكان أردوغان أعلن في 23 مايو 2022، عن استعداد بلاده لإطلاق عملية عسكرية في المناطق التي يحتلها المسلحون الأكراد على الحدود، وسط أنباء عن تفاهم مع روسيا بشأن الخطوة.

وعقب ذلك عد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في حديث للصحفيين أن بلاده "قلقة للغاية" إزاء الإعلان التركي. وأضاف قائلا: "ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة".

أوراق إيران

وركزت وسائل الإعلام التركية على المناطق التي تسيطر عليها حاليا فروع "بي كا كا" على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، والتي باتت تحوم حولها العملية العسكرية المحتملة.

وأولها، مدينة تل رفعت بريف حلب، وهي أهم مدينة في العملية المرتقبة، كونها مركز انطلاق هجمات صاروخية ومدفعية ضد مناطق الجيش الوطني السوري المعارض في مدن عفرين وإعزاز وجرابلس.

ويشمل نطاق العملية المحتملة، أيضا بحسب الإعلام التركي "عين العرب ومنبج بريف حلب وعين عيسى بريف الرقة".

وبالسيطرة على تلك المناطق، فإن المنطقة بأكملها من رأس العين الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري المعارض، حتى عفرين ستكون خالية من "بي كا كا" وفروعه.

وبحسب تقرير لصحيفة "يني شفق" التركية، نشرته في 26 مايو 2022، فإن المنطقة التي تشملها العملية العسكرية، قدمت روسيا في وقت سابق تعهدات بإقامة نقاط مراقبة تمنع الهجمات منها.

ونوهت الصحيفة إلى أن موسكو "لم تف بالتزاماتها، وسحبت جنودها من المنطقة بعد الحرب الأوكرانية، وحلت مكانها مليشيات مدعومة من إيران، ما دفع تركيا إلى التحرك واتخاذ قرارها بشأن العملية".

وفي هذا الإطار، حدد المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي العقيد أحمد حمادة، لـ "الاستقلال"، جملة من الأوراق التي تمتلكها إيران في سوريا وتدفعها للاعتراض على العملية التركية.

وقال العقيد: "أولها، توسع انتشار المليشيات الإيرانية على الأرض السورية، مع التركيز الروسي على غزو أوكرانيا وسحب بعض قواتها من مواقع عسكرية وتسليمها لتلك المليشيات".

وأضاف حمادة أن "إعادة الانتشار الإيراني وما تلاه من زيارة (رئيس النظام) بشار الأسد لطهران ولقاء (المرشد الإيراني الأعلى علي) خامنئي، يدلل على وجود تحولات وربما كل هذا الشد والجذب يأتي قبل الجولة 18 من محادثات أستانا للسلام في سوريا، في كازاخستان منتصف يونيو/ حزيران 2022".

و"أستانا" مسار عسكري، يضم الدول الضامنة الثلاث (روسيا تركيا إيران)، ووفدي المعارضة والنظام، وتشارك فيه بعض الدول العربية، بدور المراقب فقط، كالأردن ومصر والعراق ولبنان، وبدأت أولى جولات المحادثات في 23 و24 يناير 2017.

وأشار حمادة إلى أن "المليشيات الإيرانية باتت تنتشر عند خطوط التماس مع المعارضة السورية في غربي حلب وشرق إدلب، ولذلك ربما تريد طهران توجيه رسالة لتركيا من أن دخول شرقي الفرات ربما يجعل جبهات أخرى للمعارضة هدفا للإيرانيين".

وذهب للقول: "هناك ضغط روسي إيراني على تركيا بأن العملية بحاجة إلى تفاهمات أكثر حتى تتم ضد قوات قسد، ولا سيما بعد بروز أنقرة بمكان وازن في العلاقات الدولية وحاجة روسيا، بالإضافة للولايات المتحدة والغرب لها".

أسهم تركيا

العلاقة بين تركيا وإيران في سوريا يحكمها مسار "أستانا"؛ إلا أن الموقف هناك لا يخلو من "صراع خفي". ويرى كثير من المراقبين العسكريين أن روسيا هي ضابط الإيقاع في منع تأزمه.

لكن رغم غياب الوجود العسكري للمليشيات الإيرانية في المناطق التي تسيطر عليها فروع "بي كا كا"، فهي كانت متأهبة دوما للانقضاض عليها في حال أي فراغ محتمل.

وبدا ذلك، في شرق الفرات حينما بدأ الحديث عن احتمالية انسحاب أميركي من مناطق "قسد" على غرار سحب قواتها من أفغانستان والانتقال إلى دور استشاري في العراق.

ويؤكد هؤلاء المراقبون أن خيارات إيران الضاغطة على تركيا لوقف عمليتها العسكرية الثالثة ضد فروع "بي كا كا" والخامسة بسوريا، محدودة وغير مؤثرة، خاصة في ظل تقارب إقليمي ودولي مع أنقرة وحضور الأخير في أكثر من ملف دولي فاعل.

وحول هذه الجزئية، تحدث الكاتب المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو لـ"الاستقلال"، عن تفكيك تشابكات الموقف من العملية العسكرية المحتملة.

يقول جلو: "إن إيران لا تمتلك حاليا أوراق قوة تعلو على تركيا، باستثناء تسخيرها لمليشيا بي كا كا في صراعها الخفي مع أنقرة".

وأضاف جلو أنه "منذ اتفاقات أستانا الأولى ومع تعدد جلساتها تخسر إيران وجودها في التفاهم الثلاثي مع روسيا وتركيا، لتغدو الاتفاقات وكأنها روسية تركية، وهذا يغيظ طهران ويدل على تراجع تأثيرها لحساب أنقرة وموسكو".

هذا إضافة إلى "حرب أذربيجان 2020 وما فرضته من تغيير جيوسياسي لحساب تركيا على إيران، وكذلك التوافق والتنسيق والشراكة التركية مع إقليم كردستان، بما فيها الأمني والطاقة، وهما موضوعان شديدا التأثير على الموقف الإيراني"، وفق جلو.

وألمح المهتم بالشأن الإيراني، إلى أن "الاستدارة السياسية التركية وعودة علاقاتها مع الإمارات والسعودية وإسرائيل وحتى مصر، تفسرها إيران على أنها تستهدف مصالحها أو تحجم دورها بسوريا".

صراع خفي

ومضى يقول: "اللافت بالصراع الخفي بين أنقرة طهران، أنه لأول مرة يتحدث السفير التركي بواشنطن (حسن مراد مرجان) حول السياسة الإيرانية المزعزعة للاستقرار بالمنطقة، بالإضافة إلى التراشق الدبلوماسي من قبل سفرائهما في بغداد على خلفية تحجيم/توسيع مصالح كل منهما على حساب الآخر بالعراق".

وعد جلو أن "وجود الضابط الروسي في سوريا أسهم بتخفيف حدة الصراع بين أنقرة وطهران، ضمن مساعي روسيا للإمساك بجميع مفاصل الحل هناك".

ويشير إلى أنه "بانشغال روسيا في أوكرانيا، ترى تركيا أنها بوضع مناسب لشن عملية عسكرية لأسباب متعددة، كونها تضر بالمصالح الإيرانية مباشرة، خاصة في تحجيم وجود مليشياتها شرق سوريا وأواسط الشرق السوري".

وهو ما يعني تضرر خطوط الإمداد اللوجستي لها، مع ما يعنيه لاحقا من تضييق خطوط نقل الطاقة والتجاري التي تروج لها إيران.

وأردف: "كل ذلك يثير حفيظة طهران، إلا أنها غير قادرة على مواجهته، في ظل عودة الظهور التركي، وما يدعمه من توافقات إقليمية ودولية، لا سيما مع روسيا، التي تفضل التوافق مع أنقرة بدلا من زواج المصلحة مع إيران".

وتنبع أهمية العملية العسكرية المحتملة لكون تركيا ترى أن إقامة منطقة آمنة شمال سوريا على حدودها، لن تكون مكتملة الأركان، طالما يحيط بها ويقطعها مدن ما تزال تسيطر عليها فروع "بي كا كا".

وفي حال شنت تركيا عملية عسكرية ضد فروع "بي كا كا" بسوريا، فستكون الرابعة بمساندة من الجيش الوطني السوري المعارض.

وأولى العمليات العسكرية كانت ضد تنظيم الدولة تحت اسم "درع الفرات"، في 24 أغسطس/آب 2016، وتركزت بريف حلب، وطرد حينها التنظيم من مدن "جرابلس، الباب، إعزاز"، وجرى تحرير 2055 كيلومترا مربعا.

كما أطلقت تركيا عمليتين عسكريتين حينما قررت قطع الطريق أمام محاولات قوات "ي ب ج" وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

الأولى، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".

والثانية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، إذ أبعدت قوات "ي ب ج" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.

وبسط حينها الجيش الوطني السوري المعارض سيطرته على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلومتر مربع، بهدف إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.